مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
إلى إبراهيم طنّوس
 
 
 
1942/3/17
 

رفيقي العزيز،


وصلت إليّ تهنئتك بالسادس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني وقد وجدت في سطورها العزم والإيـمان واليقيـن التي عهدتها فيك. إنّ الأمل بالنصر معقود على هذه الصفات الـمتغلبة. وليس أجمل وقعاً في نفسي من رؤيتي انتشار هذه الروح بين الرفقاء، وهذا بعض الواجب الـملقى على الـمتقدميـن منهم، ويقيني أنهم لن يفشلوا ولن يخيب سعيهم.


وردني، بعد، كتابك الأخير الذي لم يؤرخ ولكن طابع البريد حمل تاريخ التاسع من يناير/كانون الثاني الـماضي. فسررت كثيراً به. وقد كنت متأسفاً من قبل لانقطاع الـمراسلة بيننا مدة لم أكن أجد فيها وقتاً، مادياً، للكتابة إليك مع كل رغبتي في ذلك. فإنّ شؤون سان باولو والولايات الـمتحدة والـمكسيك، فضلاً عن شؤون الأرجنتيـن والزوبعة، كانت فوق ما يسعني القيام به في وقته. وإنّ مشكلة افتقار مكتبي إلى كاتب أو ناموس لا تزال تزعجني وترهقني.


أخذت علماً بزيارتك للمنفّذ، وما وقفت عليه منه في صدد التقائه بالياس فرحات وموسى كريـم. إنّ شراسة فرحات وبذاءته تظهر حتى في أحسن حالاته. وقد التقيته صدفة في مكتب الرابطة حين ذهبت أطلب مجموعة الـجريدة التي كان يصدرها والدي. وكان برفقتي أسد الأشقر. وقد دخل فرحات ورائي وبينما أنا ألتفت إلى ناحية إذا بشخص يحيطني بذراعيه ويضمني. هو فرحات! فلم أقابله بـمثل هذه الـحرارة الـمباغتة. ولم أعره اهتماماً أو اكتراثاً. ومع ذلك فقد عرض عليّ الذهاب معه إلى منزله في «فارنا». يا للشهامة «العربية»! أما أسد فقد علّق على كلامه، بعد خروجنا، بقوله إنّ حديثه حديث «مكاري». ووجدت أنّ الـحق معه. أما موسى كريـم فهو ليس عديـم الفهم والتمييز.


إنّ أسباب الشلل عندكم التي تذكرها هي على جانب كبير من الأهمية. ومع ذلك فلا بد لكل حالة من حيلة. ولا بد لكل حيلة من عقل يستنبطها. فيجب أن تـجدوا ظروفاً مناسبة للاجتماع كل ستة أشهر، على الأقل، وإيجاد الـحيلة ووضع منهاج لتقاسم العمل. ولم أكن أعلم، قبل ورود كتاب، مؤخراً، من الرفيق [نـجيب] العسراوي، أنكم تـحسبون هناك الذين لم يتمموا الـمراسيم القانونية أعضاء فعلييـن. وقد عجبت كثيراً لهذا التساهل الذي يعطي نتائج وخيمة، بدلاً من النتائج الـحسنة الـمقدرة. إنّ هذا التساهل يضعف الـمعنويات عند الـحقيقييـن وغير الـحقيقييـن، لأنه يدل على عدم احترام الدستور والقوانيـن وعلى انتفاء العدل. والأفضل تبليغ غير الـحقيقييـن أنه لا يـمكن حسبانهم فعلييـن، حتى يتمموا الـمعاملات التي أتـمها وأكملها غيرهم. ولكن يـمكن حسبانهم «محبذين» رسمياً. وهذا، وإن ساءهم، يجعلهم أشد احتراماً وتقديراً.


مـما لا شك فيه أنّ ما تعوّده نـجيب في الـمقابلة الـماضية لا يجعل مـمكناً تغيره السريع من حالة روحية إلى أخرى. إنّ تطوره الفكري قد أصبح محسوساً. وروحيته جيدة مبدئياً وينقصها احتكاك متواصل يزيل ما علق بها من صدأ الأساليب الـماضية، ولذلك رغبت في أن يكون إلى جانبي، إذا أمكنه، لأختبره أكثر وأوجهه كما أرى. ولكنه أخبرني أنه لا يتمكن من القدوم إلى الأرجنتيـن بسبب العبء العائلي. إني قدّرت أنه سيجد تشديدي قوياً.ولكن يجب على من كان في رتبة وظيفته أن يجد ذلك طبيعياً. وهو يطلب منه الشدة عينها في الأمور النظامية مع الراجعيـن إليه. وإذا كنت أنا أحاسب على أصغر الأشياء فذلك من أجل جعل الدقة الـمتناهية مزية عامة في جميع الـمراتب. فبدونها لا يـمكننا أن نـجري في الـمضمار من غير تعريض أنفسنا للهزء والسخرية.


إنّ مسألة جمعية «الاتـحاد السوري» كانت درساً فعسى أن تتذاكروا بشأنه وتستفيدوا منه. وهي برهان على شدّة الـحاجة إلى تبادل الآراء وضبط الـحالة بدقة. ولست أدري لـماذا أعرض الـمنفّذ عن الرفيق نسيب حمزة في شأن الإدارة. وأظن أنّ الأفضل هو أن تستعمل حقك في إبداء الرأي رسمياً، كتابة أو في جلسة، في صدد التدابير التي يريد الـمنفّذ اتخاذها.


الرفيق وليم [بحليس] ذو روحية مـمتازة. ولكن تنقصه النظرة والـخبرة الإدارية. وكنت طلبت منه إخباري إذا كان مـمكناً له الإتيان للبقاء هنا فيكون معيناً لي وأدربه لعمل أنفع. ولكنه أبى الـمجيء، لأنه لا يريد مفارقة قرب لـحد ابنه. أما الإمكانيات الـمادية فأعتقد أنه يجدها هنا كما يجدها هناك. وقد يجد أكثر هنا إذا اهتم بنيل تـمثيل صناعات برازيلية في أسواق الأرجنتيـن. وهذا مـمكن له من فؤاد [لطف الله] وأصحابه. وقربه مني يزيد العمل في مكتبي ويتضاعف الإنتاج الروحي والـمادي. وقد رأيت أن لا أضغط عليه في هذا الأمر.


منذ نحو شهر ونصف لم أعد أتسلم شيئاً من وليم. والأرجح أنّ السبب هو عدم وصول رسالتيـن مني إليه. فقد كتب إليّ وأجبته بعد حيـن. ثم وردني كتاب منه أنه لم يتلقَّ شيئاً مني. فعدت وكتبت إليه فلم أنل جواباً. ومنذ بضعة أيام أرسلت إليه كتاباً بواسطة الرفيق جورج بندقي. وجميع هذه الكتب أرسلتها بالبريد الـجوي. فإذا لم تنجح الـمحاولة الأخيرة فسأجرب البريد العادي.


كان وليم قد وعدني بإرسال مبلغ ألف ملريس وردته من ريو دي جانيرو ليرسلها إليّ. وكان ينتظر إرسالها مع أحد القادميـن من سان باولو إلى بوينُس آيرس فلم يوفق.

ثم إنه أهمل أمر السرعة في إرسالها مع علمه بحاجة مكتبي والـجريدة، ومع أنه اختبر في سان باولو ما معنى هذه الـحاجة. ثم كان أنّ الـمنفّذ نـجيب أوعز بإرسال ألفيـن وخمسمئة ملريس إلى وليم ليرسلها إليّ. ووليم كان ذكر لي أنه لـمّا يكن قد تسلّمها ولا أدري هل وصلت إليه أم لم تصل حتى الآن. فإذا كانت وصلت إليه وأبقاها منتظراً فهذه سياسة غير حسنة.

 

وأنا أكتب إليك في هذا الأمر بسبب انقطاع الـمواصلة موقتاً بيني وبينه، حتى إذا وجدت فرصة للكتابة إليه تفعل. إنه يجب عليه الاهتمام بدون إبطاء في أمر إيصال الـمال إليّ. إنّ الرفيق فؤاد كان عازماً على القدوم إلى بوينُس آيرس لأشغاله التجارية وتأخر، ولا أدري هل عدل بالـمرّة. ولكن الـمال يجب أن لا ينتظر. فتوجد وسائل كثيرة لإيصاله إحداها وساطة السيد أنيس راسي الذي كان هنا من مدة وأنشأ علاقات تـجارية جيدة هنا ولا أظنه يتأخر عن هذه الـخدمة إذا كلف.

ثم هنالك مسألة أخرى هي مسألة اشتراكات الزوبعة فبعض الـمشتركيـن أرسلوا ودفعوا لوليم وهو يجب أن يهتم بجمع الاشتراكات. وهامٌ جداً أمر اشتراكات أعضاء سان باولو الشهرية التي يجب جبايتها وإرسالها شهرياً. كل ذلك كان مهملاً ولست أدري كم يطول الانتظار والـحاجة ماسّة في هذه الظروف.


طبع «جنون الـخلود» صار مـمكناً حسب رغبة فؤاد. وفي كل كتاب من كتبي الأخيرة إلى وليم أجبته على هذا الـموضوع وأظهرت استحساني للجمع بين مشروعيـن في مشروع واحد. فبما أنه حدث تبرع من أشخاص آخرين في سان باولو وريو لطبع الكتاب، فقد رأيت قبول أحد هذه التبرعات وإضافة مثله من فؤاد فيتجمع رأسمال صغير للاستقلال بـمطبعة لـِ الزوبعة وتكبير قطعها وزيادة أوقات صدورها ونشر رسائل الـجوالي فيها. وبواسطة الـمطبعة يـمكن طبع أكثر من كتاب واحد بنفقات أقل كثيراً من الـمعتاد ويتأمن مشروع الـجريدة واستقلالها، وهذا أمر هام جداً.


أما أمر ترجمة فلسفة كنط فأظن أنه حصل غلط عند وليم في شأنه. فأني لم أترجم كتب هذا الفيلسوف ولكني، في كتاب إلى فؤاد، ذكرت الـمنحى الفلسفي الذي سينحيه الأميـن فخري معلوف وقربه من منحى كنط وقرب صدور أطروحة الأميـن معلوف الفلسفية التي ينال بها لقب دكتور في الفلسفة.


وأشرت إلى إمكان قيام الأميـن معلوف بترجمة أطروحته واستحساني طبعها. أما عملي أنا فلم يكن كثيراً في ناحية التأليف لعدم وجود وقت مادي لشيء من هذا القبيل، مع أني كنت قد جهزت عنوانات الفصول لـمؤلف فلسفي اجتماعي في «طبقات الأمـم» أبحث فيه النظام السياسي - الاقتصادي - الاجتماعي الإنترناسيوني، وأستخرج منه نظرة إلى العالم تعيّـن اتـجاهاً جديداً. ثم إني كنت قد أخذت في تخطيط موضوع فلسفي في الدولة وإنشاء نظام جديد لها يختلف عن النظام الذي اتخذته بعد الثورة الفرنسية. ولكن جميع ذلك هو الآن مجرّد رؤى. وفي مثل هذه الـحالة أجد «نشوء الأمة السورية». فهذا الـموضوع الـخطير قد فقدت الأوراق التي تـحتوي الـملاحظات والـمستندات التي أعددتها له من بيـن أوراق الدعوى في دار القضاء. ولعل أحد رجال القضاء «اللبناني» يريد أن يصير مؤلفاً شهيراً. والعودة إلى هذا الـموضوع تقتضي تفريغ وقت. وهذا أمر مستحيل في ظروفي الـحاضرة ولا تلبية مستمرة ولا مساعدة فعلية موجودة.


أكتـب إليّ كلمـا شعـرت أنـك تريد الكتابة أو وجدت سبباً مفيداً، وإن لم أجب في الـحـال.


أتـمنى أن تكون والعائلة بخير وأن يرافقك النجاح. ولتحيى سورية.

 

بعد: أمس تسلمت كتاباً من نـجيب ونسخة من عدد أبريل/نيسان 1941 من مجلة الشرق وفيها مقال له، وسأكتب إليه. أحب أن أعلم هل يتابع وليم السعي للحصول على أوراق مكتبي الهامّة التي اختلسها جميل صفدي أم أنه ترك هذه الـمسألة بالـمرّة؟

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro