مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
إلى فؤاد لطف الله
 
 
 
1942/7/7
 

رفيقي العزيز فؤاد لطف الله،


إنقطع التراسل بيننا منذ بضعة أشهر، وكان القطع من جانبي، إذ لم أجب على رسالة منك تاريخها 18 يناير/كانون الثاني الـماضي. وكنت قد عللت النفس بقدومك بوينُس آيرس حسب الأخبار التي وردت في هذا الصدد، وتأسفت كثيراً لأنك لم تتمكن من تنفيذ عزمك، لأنّ الـمكاتبة في أمور كثيرة لا تقوم مقام الـمقابلة. وكنت أشعر بالـحاجة إلى حديث طويل معك في مسائل كثيرة عملية ونظرية وغير ذلك.

 

بعد ذلك تتالت موجات الأشغال والانهماك والقلق على مصير رسائل كثيرة وأعمال لا محل لها في هذا الكتاب. وأنا مع ذلك أترقب الفرص لأعود إلى الكتابة إليك وهي تأبى السنوح. ولا أقول إنها سنحت الآن فأنا أكتب بداعي الضرورة التي ظهرت مـما سمعته من الرفيق جبران مسوح حين كنت عنده منذ بضعة أيام في توكومان. ومن كتابك الأخير إليه الذي تسلمته يوم عودتي إلى بوينُس آيرس. فقد رأيت أنّ بينكما جدلاً أخذ في التعقد ومناظرة تكاد تصل إلى الشطط والـجفاء.

 

كنت عوّلت على القيام برحلة إلى توكومان في أواسط مايو/أيار الـماضي، ولكن الأشغال عاقتني فسافرت في الرابع عشر من يونيو/حزيران الـماضي ووصلت مساء الـخامس عشر منه. بعد النظر في أمور مستعجلة، والفراغ من الأعمال الضرورية حدثني الرفيق جبران مسوح وأخبرني أنه تسلّم منك جواباً على كتاب أرسله إليك تقول له فيه إنك «قبلت اعتذاره»، وقد ظهر لي أنه استاء من هذه العبارة ورأى فيها تـحديداً ضيقاً لـموقفه وإحراجاً لـمركزه.

 

وأخبرني أنه أجاب في الـحال على كتابك يبيّـن لك ماذا يقصد «بالـمراجع العليا»، وأنه لا يرى نفسه مسؤولاً إلا تـجاهها أو مقيداً إلا بها. ففهمت أنه لـجأ إلى هذا الأسلوب ليخبرك أنه ليس مسؤولاً عن الاعتذار إلا إلى الزعيم، وأنه لا يقبل محاسبة بهذا الشكل إلا منه. لم أعلم نص عبارته ولا روح كتابه إليك فهو لم يذكر لي شيئاً إلا باختصار كثير، وأنا لم أسأله الزيادة، ولكني شعرت أنّ مراسلتكما ليست متجهة نحو التفاهم الودّي الذي رغبت فيه، والذي أشرت على جبران به بعد قراءتي كتاباً سابقاً منك إلى جبران رأيت فيه أنّ جبران كان قد أحرج مركزك وخاطبك في أمر له علاقة بي، دون أن يسألني موافقتي أو توجيهاتي. فكتبت إلى جبران أبيّـن له منزلتك عندي وأفهمته أنك لست مثل الذين تألـمت وتألم جبران من عقليتهم، وأني أرغب في مراسلتك، وأود أن تكون الـمراسلة بينك وبينه على مستوى عال تشمله الـمودة ومحبة التفاهم.


بعد أن قرأت رسالتك الأخيرة الـمؤرخة في 25 يونيو/حزيران التي لا تزال عندي، رأيت الـخرق الذي حدث صدفة يتسع عليكما. فرأيت أن أتدارك أمركما في الـحال، لأنكما من أصدق القومييـن الاجتماعييـن وأخلصهم وأشدهم غيرة على القضية القومية الـمقدسة.


إني كنت كتبت إلى الرفيق [وليم] بحليس أخبره برأيي في الرفيق جبران مسوح، أنه شاعر أكثر مـما هو مفكر أو سياسي أو إداري. والـحقيقة أنه في الأمرين الأخيرين على غير قاعدة وخالٍ من كل إمكانية. وهذا النقص في جبران مسوح هو بالنسبة إلى ما نطلبه نحن أو ما نحتاجه في هذه الظروف وليس بالنسبة إلى حقيقته هو، فهو في حقيقته كامل بالـمقدار الـممكن لطبيعته ونشأته واختباره.

 

وإذا فهمناه كما هو لم نـجد فيه إلا ما يحملنا على محبته ويدعونا لاحترامه. ولكن إذا حاولنا أن نفهمه كما نريد أو نود أن يكون فإننا نظلمه ونعاقبه بظلمنا إياه. وعندما قلت لوليم إنّ الرفيق مسوح شاعر أردت أن يشمل ذلك مزاجه العصبي الـحاد. فهو إذا اندفع في ناحية حملته الـحدة إلى مدى بعيد، وأحياناً كثيرة يعطي ذلك روعة ويجد قبولاً عند الكثيرين، لأنّ كلامه ينحصر في نقطة واحدة ولا يتشعب كثيراً، ويصب كل تفكيره وشعوره في تلك النقطة الـمنفصلة عن مصاحباتها، فتجد العامة في كلامه قوة وروعة. فجبران مسوح من ناحية أدبه كاتب شعبي من الطراز الأول عندنا، ولكن يجب أن لا نطلب منه أكثر من ذلك، وأن لا نكلّفه مخالفة طبيعته ومزاجه، وأن يتحول من كاتب حاد إلى مفكر عميق محيط بالكليات والـجزئيات.


هذا ما أقوله فيما يختص بالرفيق جبران مسوح من حيث مزاجه وأسلوبه. أما الأمر الذي بينكما فعائد إلى كلامه الأول إليك عن وقت الزعيم وما شاكل. وقد أفهمته غلط نفسه فحاول إصلاحه. ثم جاء كتابك يحمل «قبولك اعتذاره» وانتقاداً على مقاله «خالهم الـحصان»(1) فساءه ذلك فحاول ما بيّنته آنفاً فيما يختص بالوجه الأول، أما الأمر الثاني أي مقاله «خالهم الـحصان» فقد أخذ فيه وجهة غير الوجهة التي كان يحسن أن يأخذها. فهو بدلاً من دفاعه عن الـمقال ووجهة نظره فيه أخذ يدافع عن حقه بنشـره بعد أن أجـازه الزعيـم. 

 


وهكذا تـحولت الـمسألة من الوجهة الفكرية إلى الوجهة الإدارية القانونية، وهو من نتائج عدم تدقيق الرفيق مسوح في هذه الـمسائل. أما قوله إنه لا يقبل انتقاداً على مقالته من أحد غير الزعيم، كما ذكر لي أنه كتب إليك، فعائد إلى أنه أخذ الـمسألة من وجهة مناظرة لا من وجهة تفاهم بين رفيقيـن على مسألة لها علاقة بالأمور الفكرية والاجتماعية التي تهمّ النهضة القومية الاجتماعية.


أرى أنه يجب أن تفصلا بين الشؤون القانونية أو النظامية، فترفعا ما تختلفان فيه إلى مراجعه، والشؤون الفكرية التي يـمكنكما التباحث فيها ما شئتما. وهذا ما سأقوله للرفيق مسوح. وإذا كان هو خلط بين الناحيتيـن فأنت تشاركه في الـخلط بقبولك الـجواب على الناحيتيـن. ففي كتابك الأخير الذي تنكر فيه عليه التكلم بلسان الـمراجع أو النهضة، تقف موقفه عينه حيـن تقول «فالنهضة القومية، يا رفيقي، تفتش عن رجال، الخ.» وهذا يجعلك منه في مركز الـمعلم الذي يشرح أموراً لـجاهل هذه الأمور، كما كان كلامه إليك في موقف الـمعلم الذي يشرح الـمراجع العليا وما يختص بها وما لا يختص.


الأمر الأساسي لاختلافكما هو مقال الرفيق مسوح «خالهم الـحصان»، وأنت فكرت في إبداء رأيي فيه إليك، لأنك كنت أشرت إليه في بعض كتبك السابقة، هذا الـمقال هو حاد ومتمركز في نقطة واحدة ككل كتابات جبران مسوح، ولكن موضوعه الأساسي الذي لا يدل عليه عنوانه هام جداً لتفكيرنا القومي الاجتماعي وحركتنا. والـحقيقة أنّ الرفيق مسوح كتبه بعد سماعه تذمري من انتشار مرض التزلف وطلب الوجاهة بين مغتربينا بالتفاخر بتقديـم هدايا شخصية أو خصوصية إلى حكومات الأقطار التي يعيشون فيها.

 

وكان تذمّري مبنياً على عدة أخبار أكثرها من صحف أميركة الشمالية، وتتعلق بأشخاص في الولايات الـمتحدة وكندة يقومون بتقديـم هدايا فيها السراف وعدم رؤية، ولا تأتي بأية نتيجة قومية أو جنسية. وكان ولا يزال بودي معالـجة هذا الـموضوع من نواحيه الهامة. ولكن الرفيق مسوح أسرع بحسب طبيعته إلى كتابة مقاله «خالهم الـحصان»، فأجزته له بعد تعديل قليل لينشر في الزوبعة موقعاً بتوقيعه، على أن أعود بنفسي إلى هذا الـموضوع الهامّ الذي هو حلقة من سلسلة طويلة من مواضيع أمراضنا النفسية في الوطن والـمغترب.

 

أما حدة الـمقال فليست كافية لـمنع نشره، وأما نظرة الكاتب فلك أن تخطئه فيها كلما شئت بالتكلم على التعييـن وليس على الإطلاق وعلى التفصيل وليس التعميم. ففي التعميم والإطلاق ندخل باب الفلسفة الكلية ونخرج من الدائرة الـمحدودة للموضوع وكلامه. فلو أنك من الأول حاولت إفهام الرفيق مسوح الـمقبول عندك وغير الـمقبول من كلامه في مقاله الـمذكور، لكان الأرجح أن تكون الـمراسلة بينكما اتخذت غير هذا الوجه الـحاد الذي خرج من نطاق موضوع الـمقال إلى نطاق تعليم نظام النهضة القومية وطرائقها، وأنت لست بعيداً عن فهم هذه الـحالة. وهذه عبارتك في كتابك الأخير «... بل ما أظنه هو أنّ حضرة الزعيم يعطيك الـحرية لتدرس الشؤون الاجتماعية حسب ذوقك وخبرتك، كما يعطي هذه الـحرية لكل قومي، لكن لا أظن أنّ الـمنظمة القومية تـحمل مسؤولية هذه الدروس»، إنه تفكيـر صحيـح وإدارك جيـد، ولو أنك عملت بهما منذ البدء أو لو بقيـت ضمنها دائماً لـمـا أخذ مقال الرفيق مسوح كل هذه الأهميـة وكل هذه الـحـدة من جانبيكما التي تنتهي بك إلى هذا التعميم:

«إذا اندحرت النهضة القومية في حربها على الرجعية، فمـا الـحق على الأمـة السوريـة، بل الـحق علينا لأننا ما عرفنا كيف نقوم بحـرب يجب أن نـجند فيها كل الأمة السورية إذا أمكن.» فما معنى قولك إذا أمكن، مع أنك قد عيّنت كيف يكون ذلك مـمكناً وعيّنت على من يكون الـحق إذا لم يكن مـمكناً؟ ومن هو الذي يضع الـحق على الأمة السوريـة؟ إنّ الأمة السوريـة لا حـق ولا يـمكن أن يكـون حـق عليها. ولكن الـجيل الـحاضر من أجيالها الـمملوء بالـمفاسد والكثير الـجهل والأغلاط يحب أن لا يحمل مسؤوليته.

 

ولا يعقل أنّ قوة بعض الكتّاب القومييـن الاجتماعييـن في كتاباتهم، أو بعض كتاباتهم، هي التي ستكون السبب في «اندحار النهضة القومية في حربها على الرجعية.» في كل النهضات في العالم يكون هناك كتّاب قاسون وكتّاب ليّنون، وكتّاب حارّون، وكتّاب باردون، وكتّاب سطحيون وكتّاب عميقون، وكتّاب من أصناف كثيرة، ولا يكون أمر من هذه الأمور هو السبب في اندحار بعضها أو انتصارها.إنّ الرفيق جبران مسوح قد كتب كتابات كثيرة ليّنة ولطيفة، ولكن الناس لم يتبعوا لطفها وليونتها، والذين سيحتجون بقوة بعض مقالاته للتخلف من تأييد النهضة السورية القومية فتخلّفهم سببه جهلهم لا مقالات جبران مسوح التي يكتبها بلسانه وعلى مسؤوليته من الوجهة القومية.


إنّ تـجنيد كل الأمة السورية، أي الـجيل السوري الـحاضر مسألة فيها نظر طويل وتـحتاج إلى تدقيق كثير بالـمعنى الاجتماعي العلمي والـمعنى السياسي. فنحن لا نعلم حزباً في التاريخ تـمكن من أن يجند الأمة كلها في جيل من أجيالها إلا بتسلمه الـحكم وبقبضه على أزمة القوة. أما نـجاح حزب في الوصول إلى القوة فيكون بقدر عمله للحقيقة بإخلاص وبوجود الليـن والقسوة جنباً إلى جنب فيه.

 

هذا على التعميم، أما على التخصيص فكل أمر يجب أن يدرس في ذاته. وصدورنا يجب أن تكون دائماً مفتوحة للتساهل تـجاه القوة الأدبية الـمشفوعة بالإخلاص، خصوصاً القسوة التي تناولت حالة عامة من غير تخصيص أنواع وأفراد. فبعض الأنواع والأفراد الذين يدخلون ضمن نطاق الـحالة الـمذكورة يحتاجون القسوة، ووجود بعض من لا يحتاجونها لا يكون سبباً لـمنعها.

 

أما لـماذا لم يـميّز الرفيق مسوح في مقاله بين من يستحقون القسوة ومن لا يستحقونها فسببه أمران: الأول طريقة تفكير مسوح الـخاص، والثاني أنه كتب على التعميم في حالة عامة لا على التخصيص. فهو كاتب هذه حدود مقدرته الكتابية. فهو أديب روائي شعري حاد الـمزاج مرّ العبارة في الـحمل والتشجيب. ولو لم يكن هذا مزاجه لكان يفهمك على غير ظاهر عبارتك النقدية له التي تأخذه أحياناً بالكليات في معرض الـجزئيات فيثور، كما تثور أنت عندما ترى أنه يقيسك بغيرك في كتبه إليك.


الـخلاصة، إنكما من أشد القومييـن إخلاصاً وغيرة واهتماماً، ولو أنكما اجتمعتما متقابليـن لـخرجتما متفاهميـن كل التفاهم ومتحابيـن كل التّحاب، ولكن الـمراسلة تبقي أشياء كثيرة غير مذكورة اختصاراً للوقت. والاقتضاب مع اختلاف الأسلوب يشوش القصد. ونصيحتي لكما هي أن تترويا وتدققا كل واحد في عبارته إلى الآخر، وأن تـحدّدا موضوع الكلام فلا يتناول هذه الدنيا الواسعة دفعة واحدة.


إني أعتمد عليك أن تفهم جبران كما هو أكثر من اعتمادي عليه. فأنت لك نظرة عملية في الأمور ليست له، ويـمكنك أن تؤثّر عليه كثيراً بتساهلك ورحابة صدرك ولطف أسلوبك. وإني لم أقل كل ما كان يـمكن أن أقوله لو أني اطّلعت على جميع مراسلتكما. فإني قد بنيت استنتاجاتي على ما وصل إليّ وهو ليس الكل. ولكني ضربت صفحاً عن التحقيق في الكل وفي جميع العبارات، لأني أجد في روحيكما وحسن قصدكما ما يغني عن الذهاب إلى هذا الـحد.


فإذا شئت أن تكتب إلى الرفيق مسوح منتقداً مقاله في موضوعه الأساسي وفي أسلوبه، فاكتب وبيّـن رأيك بالتفصيل وأظهر الـمواضع التي تظن أنها تضر أو أنها تفيد أو أنها لا تنطبق على الـحقيقة. أما تشجيب الـمقال بكلام عمومي قليل يقال للكاتب الذي كتبه مقتنعاً بصوابه، فلا يفيد كثيراً ويظهر بـمظهر النقد الـحاكم الغاضب الـمهدم، في حين أنّ القصد التعمير لا الهدم. واعتبر ما جرى سوء تفاهم وهو لا مفر منه في حركة تبدأ تـجمع عناصر من بيئات وأساليب متفرّدة ومختلفة.


بقي أن أبدي ملاحظة على اندفاعك أنت الذي يكاد يفوق اندفاع جبران في تثبيت وتوكيد ما ترتأي. فقد وردت في كتابك الأخير إلى جبران هذه العبارة «حتى ترى، يا رفيقي، كيف تشعر بالـجرأة القومية لا أكتم عليك أني سأبدي رأيي إلى حضرة الزعيم رأساً بصدد خاتـمة «جنون الـخلود» التي ما وجدت فيها ما يتفق مع سمو الأبحاث السابقة. فالعودة على الأفراد كانت بـمثابة الاهتمام بالـموتى. فالـخوري وفرحات وأبو ماضي لا مكان لهم اليوم في عالم الشباب السوري، فلماذا العودة إلى أجيافهم؟»
هذه العبارة تقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول، إعلان العزم على إبداء الرأي للزعيم في صدد إحدى الـمقالات. الثاني وصف الـمقالة الـمذكورة بعدم الاتفاق مع سمو الأبحاث السابقة. الثالث إبداء الرأي الذي كان في النيّة عرضه على الزعيم لأحد الرفقاء بصورة انتقاد على الـمقالة المذكورة.


القسم الأول، وجيه ومقبول، والقسم الثاني غير ضروري وغير مبني على درس دقيق، والثالث انتقاد غير ناضج في غير محله. وإليك البيان: القول إنّ خاتـمة «جنون الـخلود» غير متفقة مع سمو الأبحاث السابقة هو قول ناقص في الـمعرفة على الأقل. فهاني بعل قال في الـمقالة التي تقدمت الـمقالة التي تشير إليها إنه قد أتـمّ بحثه وإنه سيقول كلمة ختام.

 

فكلمة الـختام منفصلة عن البحث، ولكن لها علاقة وثيقة بأسباب البحث الـمذكورة تكراراً في بدء السلسلة، والسلسلة لا تكون كاملة بدونها. وشرحك قولك الـمذكور «العودة على الأفراد كانت بـمثابة الاهتمام بالـموتى» هو نقص آخر في الـمعرفة. فعند من هم أموات أولئك الأفراد؟ أعند الشباب السوري كله؟ وإذا كان الـجواب إيجاباً فمن هو الذي أماتهم؟ أكانوا أمواتاً قبل ابتداء سلسلة «جنون الـخلود» أم بعد ابتدائها؟ وإذا كانت السلسلة الـمذكورة هي التي أماتتهم أمن الضروري أن لا تدحرج أحجاراً على قبورهم توكيداً لدفنهم؟


الـحقيقة، يا عزيزي فؤاد، إنّ الأفراد الـمذكورين لم يكونوا أمواتاً، بل كان يحتفل بهم وبأسمائهم في مجامع ومجتمعات كثيرة. ويوجد سوريون كثيرون لم تكن تصل إليهم الزوبعة من قبل ولم يقفوا على كيفية موت أولئك الأفراد. ويوجد أفراد قليلون أو كثيرون كانوا يدافعون عنهم. وخاتـمة «جنون الـخلود» كانت ضرورية جداً من وجهة التشخيص النفسي لغير العارفيـن ولقليلي الـمعرفة بأولئك الأشخاص وللعارفيـن بهم. ومهما أمكن توسيع الـمعرفة وتوكيدها كان حسناً جداً خصوصاً حين الكتابة للعامة فضلاً عن الـخاصة. وبعض الذين انضموا إلى النهضة مؤخراً يتحققون كتابة أشياء من جديد لهم ليعرفوا أو يؤثّروا في أوساطهم.


وبـما أنّ الرفيق مسوح كتب مقاله بناءً على تذمري من حالة مرض نفسي متفشّىٍ بيـن مغتربينا، فأنا أترك مقال جبران وأسلوبه له، وأتكلم قليلاً على الـموضوع لتعلم أنه ضروري الكتابة فيه لردع كثيرين من التهور ولصدّ تيار الـمسابقة لإحراز حظوة في عيون حُكام الأقطار التي تنزل فيها مهاجرون سوريون اكتسبوا فيها وأكسبوها عمراناً وازدهاراً بجدّهم.


أنت تقول إنّ السوري الصحيح القومية أو الوطنية يجب أن لا يـمنعه مانع عن القيام بواجبات تشترطها عليه اللياقة نحو البلاد الـمضيافة «حتى لا يكون يهودياً أو مثل اليهود». هذا الكلام مطلق ومعمم ولا يـمكن تـحصيل شيء منه بالنسبة إلى موضوع وجود تيار يجرف سوريي الـمهجر الأغنياء نحو التزلف الشخصي إلى الـحكومات الأجنبية، إما اكتساباً لـجاه أو لالتفات خاص أو لـمصلحة أخرى شخصية.

 

خذ هذا الـمثل:

أحد أفراد عائلة معلوف الأغنياء في الولايات الـمتحدة أهدى إلى الـحكومة الأميركانية منذ ما يزيد عن عقد من السنين عقاراً أو مبلغاً من الـمال يصل إلى رقم مئات الألوف من الدولارات، ونال وساماً أو رتبة شرف. ثم سافر هذا الثري إلى الوطن وزار كفر عقاب سنة 1934 وكان الأميـن فخري معلوف، وهو من الـمشرع كفر عقاب، يعدّ مشروعاً لتكبير الـمدرسة التي كانت تديرها والدته الـمربية نظيرة معلوف، فرأى أن يسأل مساعدة نسيبه للمدرسة.

 

وأقيمت لذلك الوجيه حفلة طنانة في كفر عقاب وتليت القصائد وألقيت الـخطب، وألقى الأميـن معلوف خطاباً جيداً عرض فيه لأمر التربية القومية وحاجة الأحداث، وبعد الـحفلة حدّث نسيبه في مشروعه، فأذن ذلك النسيب الوجيه الثري بـمبلغ خمسيـن دولاراً أو خمسيـن ليرة سورية لـمساعدة مشروع الـمدرسة!! أليس هذا الـمثري أقل من يهودي بالنسبة إلينا إذا لم يكن أقل من يهودي بالنسبة إلى الولايات الـمتحدة؟

 

خذ مثلاً آخر، أحد الشبان الـمتخرجيـن من الـجامعة السورية في دمشق سافر إلى الـمكسيك وأخذ يتحيـن الفرص لدخول الولايات الـمتحدة حيث له أخ وأقرباء. وفيما هو ينتظر أعلن أنه يحمل اختراعاً لبعض الآلات أو الـمتفجرات وأنه يريد أن يهديه للولايات الـمتحدة وهو بعد لـمّا تطأ قدماه أرضها!! وقد مدحته جريدة السمير بـمقال طويل! أليس هذا أقل بكثير من يهودي؟!


ويوجد مثرون في أقطار أميركية كثيرة أهدوا حكوماتها هدايا، تلك الـحكومات بغنى عنها، وليس فيها مظهر شعبي لأنها من أفراد خصوصييـن، وصارت الـمسألة شبه مزاحمة شخصية ومسابقة على الشرف الشخصي، وليس من أجل الشرف القومي أو الـجنسي. فهل هذا شيء أفضل من حالة اليهود؟ وفي أي الأمـم الـحية يبلغ عدد الـمتزلفيـن إلى الـحكومات القائمة في بلاد الـمغترب عدد الأغنياء السورييـن الـمتسابقيـن على هذا الشرف؟


إني أعتقد أنك أنت الوحيد بين جميع الذين أهدوا إلى حكومات أميركية الذي قدم بنيّة سليمة وباعتقاد له صلة بـمبدأ عام قومي أو جنسي. واعتقادي مبني على انضمامك إلى النهضة القومية واهتمامك بها وبـمساعدتها. ولولا ذلك لـما كان بد من حشرك مع الـمتزلفيـن، لأنك تكون فعلت ما كان يجب أن توجهه إلى أمتك أولاً. وجميع الذين أهدوا هدايا كبيرة من طيارات ومصانع وأموال لم يهدوا إلى أمتهم عشر معشارها، فلا يبرر تزلفهم الشخصي شيء. فهم أقل من اليهود تـجاه أمتهم وتـجاه الذين أهدوا إليهم، فأمتهم تـجد أنها أنـجبتهم لفائدة غيرها وهي ذليلة. والذين أهدوا إليهم يجدون أنه كان أحرى بهم أن يساعدوا أمتهم أولاً لرفع الذل عنها، ثم بعدئذٍ يليق بهم أن يهدوا هدية أحرار إلى أحرار.


وبعد فالهدايا القومية من شعب إلى شعب تكون مجموعية لا أفرادية، كتمثال نزلاء البرازيل في عيد استقلالها الـمئوي. وبعد، فماذا جرى لهذه الهدية، وإنها في مكان تـحفُّ به الزبالة والأوساخ فلا الـمهدون يهتمون به ولا الـمهدى إليهم، أليس ذلك لأنّ حالة السورييـن الـمغتربيـن بلغت دركاً أحط من درك اليهود بسبب ذل أمتهم؟!
إنّ الـحر لا يفتخر بهدية أهداها إليه عبد. وأما أمر اليهود فقد كانوا يُرمون بنكران الأوطان التي صارت أوطانهم. فهم ولو امتزجوا بأهل بلاد مهجرهم وولدوا في تلك البلاد جيلاً بعد جيل فلا يقدّمون واجباتهم الوطنية نحو البلاد، وليس هذا شأن السورييـن، ولا شأن الإنكليز، ولا شأن الفرنسييـن، ولا شأن غيرهم، فهؤلاء لا يزالون مرتبطيـن بأوطانهم التي خرجوا منها ويحملون جنسيتها وتأتي واجباتهم نحوها أولاً.

 

ولكن تيار العقوق بين مغتربينا قد جرف هذه الواجبات فهم يعطون حكومات مهاجرهم، بصفة شخصية خصوصية جملاً ويعطون أمتهم أذن جمل، ولو عكسوا الفعل لكان لأذن الـجمل التي يهدونها إلى حكومات الـمهجر قيمة أعلى من قيمة الـجمل الـمهدى من أشخاص كان الأوْلى بهم أن يقدّموه لأمتهم الـمحتاجة إليه أكثر كثيراً من الـحكومات الـمذكورة. وهذه الـحكومات تدرك ذلك جيداً ولذلك ترى أنّ جميع هدايا السورييـن الـخصوصية لم ترفع منزلة السورييـن قيد شعرة في نظر الأجانب. فالذي يرفع السورييـن هو عملهم كشعب عزيز يفدي الـحرية بالنفس والـمال، فإذا نال السوريون حريتهم كان ذلك أرفع لشأنهم من جميع الهدايا الـخصوصية.

 

إنّ الصحافة السورية الـمتزلفة التعيسة قد شجعت هذا التيار وغررت بالناس فيه، لأنها هي لم تقصد غير التزلف إلى الأغنياء والوجهاء. ولكني أرى أنّ هذه الـحالة يجب أن لا تدوم ولا فرق كبير بيـن أن يجري التنبيه بلغة خشنة أو بلغة لطيفة، فخشونة اللهجة يجب أن لا تصبح حجة لعدم الإقبال على الإصلاح والتيقظ.


إنّ غلط جبران مسوح هو غلط تقني فني، ولكن غلط هذه الطائفة الكبيرة من الـمغتربيـن هو غلط روحي فكري. وقد غلط جبران مسوح في عدم وضع عبارة استثناء لواحد أو اثنيـن، ولكن ذلك لا يجعل موضوعه غلطاً كله ولا نقض قصده الأساسي. بل إني أفضّل هذا الغلط على إيجاد الاستثناء الذي إذا لم يبيّـن الـمستثنيـن كان وسيلة ليستثني كل واحد نفسه ويتهم الآخرين.


أعود الآن إلى انتقادك خاتـمة «جنون الـخلود» التي يفيد الشرح الـمتقدم لفهم الـموقف منها. فالزعيم يعرف جيداً جميع هذه الأفكار التي تعرضها لـجبران مسوح. وهذا الافتراض على الأقل، كان يجب أن يـمنعك عن إبداء هذا الانتقاد، الذي قد يكون في غير محله، لأفراد قومييـن قد يقبلونه ويتعرضون، بناءً عليه، لإساءة فهم الزعامة، وإساءة تقدير مقدرة الزعيم وكفاءته ومعرفته، لأنّ إذا كانت تفوت الزعيم هذه الآراء البسيطة الشائعة التي لا تنفرد بها أنت، فكيف يجوز الثقة بكفاءته السياسية والاجتماعية والإدارية؟ وإذا بقي قسم من الثقة فهل ينتفي الشك؟


لو كنت في مكانك وأردت إبداء نظرة في أمر أتاه زعيمي واعتقدت، لنقص اختباري ومعرفتي عن اختباره ومعرفته، أنه غير مصيب لوجدت واجبي يتطلب مني عدم الـجزم برأيي قبل عرضه على زعيمي ووضع رأيي في موضع شك أكبر كثيراً من الشك في رأي زعيمي، وعلى افتراض وجد صديق ورفيق حميم أطلعه على ما يخالج نفسي فإني كنت أضع عبارتي بهذه الصورة «لا أكتم عنك أني سأبدي رأي كذا إلى حضرة الزعيم رأساً في صدد مقالة كذا، فقد بدا لي حسب تفكيري، أنّ هذه الـمقالة غير متفقة مع الأبحاث السابقة ولكن قد يكون للزعيم غرض معيّـن من وضعها كان خافياً عليّ.

 

وقد يكون في ملاحظتي ما يطلع الزعيم على محل ما تناولته الـمقالة في بيئتي وعند الأوساط التي أتصل بها وهو في كل حال أدرى مني بالأصلح.» هذا ما كنت أشعر أنه يجب أن أقوله أو أكتفي بقوله لكي لا أظهر بـمظهر من يخطّىء الزعيم ويجعل تفكيره وآرائه في مقام تفكيره ورأيه وهو مبلغ لـحقيقة الزعامة والأساس الذي تقوم عليه.

 

لأني إذا كنت أعتقد أنّ تفكيري وإدراكي لهذه الأمور الاجتماعية السياسية مساوٍ لتفكير وإدراك زعيمي فقد انتقض في نفسي مبدأ التسليم الأساسي بزعامته ومبايعته على الأمر والطاعة. ومتى انتقض هذا الـمبدأ في الأساس فأية فائدة من بقائه في الشكل فقط (emforma)، ولكن إذا كان هذا الـمبدأ قائماً في الأساس فكيف يجوز أن أضع هذه العبارة الـحاملة روحية التخطئة وأرسلها إلى رفيق آخر قد يتأثر بها، وأنا بعد لا أدري إذا كان زعيمي لا ينقضها ويريني أنها غير صحيحة؟ وتكون النتيجة إيجاد الشك والتشويش الروحي وإثارة رغبة الانتقاد بدلاً من رغبة الاستطلاع والتعلم والدرس.


الـحقيقة، يا رفيقي، أنّ اليهود الذين تأنف من مساواة أنفسنا بهم صاروا يأنفون هم من مساواة أنفسهم بنا. إنهم كانوا مكروهيـن لـحبهم الـمال فقط ولعدم وجود قضية معنوية لهم. أما الآن فقد أوجدوا قضيتهم وهذه حكومة الولايات الـمتحدة وحكومة بريطانية وجميع حكومات «الأمـم الـمتحدة» تعترف بهم، وتفتح مجالسها لـمندوبيهم ومـمثليهم، وتقبل أن يرتفع علمهم إلى جانب أعلامها، ولا تنظر إذا كانوا قدّموا إليها هدايا خصوصية أم لم يقدّموا، لأنها تنظر إلى قوة عقيدتهم وحسن نظامهم وجهادهم، واعتبر في أمر الـمستشفى السوري الذي لم ينقذه الكرم الزائف، بينما مستشفيات اليهود قائمة.

 

إنّ الهدايا التي ترمز إلى منزلة شعب هي الهدايا الـمجموعية الـمقدمة باسم الشعب، لا الهدايا الـخصوصية الـمقدمة بأسماء أفراد أو بأسماء شركات تـجارية. فقطعة قماش أو سلاح أو خشب رمزية تهدى إلى حكومة باسم شعب أو جماعة مغتربة منتسبة إلى شعب حي لها قيمة أكبر كثيراً من جميع الطيارات والغواصات والـمدرعات التي يهديها أفراد بصفتهم الـخصوصية، إذا كانوا يقصدون فخراً لـجنسهم. أما إذا كانوا يقصدون منافعهم ومصالـحهم الـخصوصية، فأمرهم لا علاقة له بجنسهم وقوميتهم.


إنّ جبران مسوح لم تكن له هذه الأفكار وهو يصرّح بذلك. وهو بنى مقالته على تألـمي وعبارات مقتضبة بدرت مني في هذا الصدد لدى قراءتي أخبار الـمسابقات على الهدايا، بينما أبطالنا في السجون وحركتنا في الوطن تقاسي الأهوال بلا مساعدات ولا هدايا ولا بلوط، وشعبنا يجوع وتعركه الـمنافسات الرجعية الـمتواطئة مع الغايات الأجنبية. إنّ هذه الآلام تكاد تخنقني كما تكاد تخنق أمتي.


إنّ جبران مسوح مستعد دائماً لإصلاح كل فكر أو عمل يشير به زعيمه، أما أسلوبه الكتابي فيجب أن لا نحرمه شخصيته فيه. إني قد قلت عنه إنه ذو مزاج شعري وتفكير شعري، وإنه ليس سياسياً ولا دبلوماسياً ولا إدارياً، ولا أطلب منه أن يكون شيئاً من ذلك، بل أقبله كما هو بإخلاصه وصفاء سريرته وبحدّته وبتطرفه وبقسوته أحياناً، وكلما بدر منه شيء من ذلك في سبيل الـمصلحة القومية الاجتماعية، حتى ولو كان غلطاناً، كذلك أقبلك أنت كما أنت بحلوك ومرّك، وقد قلت ما قلته بقصد توجيهك ولفت نظرك إلى وجهات جديدة وليس بقصد تقديـم جبران مسوح عليك، ولا بقصد تعزيز شخصيتي، فأنطون سعاده لا يريد منزلة أعلى من منزلة أي فرد سوري حر، ولكن الزعيم ليس مجرّد شخص أنطون سعاده، إنه مـمثل جميع القومييـن الاجتماعييـن، وكرامتهم وكرامتك وكرامة جبران مسوح من ضمنها. إنه يـمثّل ويعبّر عن أشواق الأمة ومثلها العليا وإرادتها ومقدرتها، وهذه أشياء مقدسة توجب أشد الاحترام وأعظم الدقة.


لا أقول إنك لا تشعر بهذا ولا تدركه، ولكني أقول إنك تـحتاج للتدقيق في تطبيق أقوالك وأفعالك على شعورك وإدراكك. وإني أوصيك كما سأوصي الرفيق مسوح، أن لا تكون سريع التأثر لذاتيتك بهذا الـمقدار فشدة التحمس الشخصي هذه قد تصل بك كما قد تصل به، إلى حرمان الـمجتمع الذي تنتمي إليه من الفوائد الكبيرة التي أنت كفؤ لتقديـمها إليه.


سأكتب إلى الرفيق مسوح وأرشده إلى أغلاطه. كما أرشدتك إلى أغلاطك التي بدرت عن حسن نيّة، وسأطلب منه كتابك السابق إليه الذي هزه ليجيبك كما أجابك. ويا ليتني أحصل على كتابه إليك لأعيّـن له مواضع غلطه، وأتـمنى أن يكون في ذلك خير أمتي الذي لا أبغي خيراً سواه.


كتابك إلى السيد نـجيب حنكش قد صار في حوزتي ولم أشأ نشره قبل سؤالك إذا كنت ترى في هذه الظروف ما يدعو إلى تأجيله. السيد نديـم عبود في سان باولو شيء، وفي بوينُس آيرس شيء آخر. لم يحدث بيني وبينه شيء خاص ولا سوء تفاهم. ولكن تصرّفه هنا ليس كتصرّفه هناك. فهناك يرى تـحبيذاً في الأوساط وفهماً فيجاريها، وهنا يرى أعمال الـمفسدين والـمشاغبيـن فيوقف موقفه لها.


أما [إلياس] الفاخوري فأعرف ثبات عقيدته وحسن تصرّفه الشخصي، ولكن خلله النظامي واعتداده بنفسه كانا معروفيـن عندي وهو بعد هنا. وأنا لم أقصد سوى إصلاحه ودعوته إلى النظام والقانون في الشؤون النظامية والقانونية.


لا أدري ماذا جرى لرسائلي الثلاث التي أرسلتها إلى وليم [بحليس] بعد كتابه الـمؤرخ في 20 أبريل/نيسان الـماضي. فقد خابرته بشأن الـمطبعة وقلت له إنه يوجد هنا جهاز أمهات من جسم 14 يصلح للأخبار والـحواشي في الـجريدة والكتب وثمنه نحو ألفي فاس، (ريالات أرجنتينية) فهذا الـجهاز مع جهاز 24 الـموجود في سان باولو يكفيان، مع ما يلزم من جسم 36 أو 28 للعنوانات لإصدار جريدة جيدة وإصدار كتب، وأرسلت إليه قائمة بأسماء مشتركي الزوبعة في البرازيل.


كتبت إليه أيضاً في أمر قدومه إلى جانبي يعينني على العمل، ويصبح لدي وقت للاهتمام بأمور هامّة ومراسلة الرفقاء بنفسي. فإذا أمكن إصدار الـجريدة نصف أسبوعية تـحت إشرافي كان له عمل كاف، ويـمكنه الاهتمام ببعض الأعمال التجارية أو يـمكنه الاهتمام بالتجارة أولاً ومساعدتي في الـمراسلات وأعمال مكتبي.


لو كان الرفيق وليم هنا منذ السنة الـماضية لكانت الأعمال سارت بسرعة مضاعفة وأعطت نتائج مضاعفة. فالنقص الكتابي يشلّ قسماً لا يستهان به من الـحركة ويؤخر اختمار الأفكار. أتـمنى أن تكون والعائلة الكريـمة بخير وصفاء. قرينتي تشترك معي في إهدائك والعائلة السلام.


سلامي القومي إلى الرفقاء والأصدقاء، وليكتب لي وليم. ولتحيى سورية.

 

 

 

 

 

 

(1) مقالة «خالهم الـحصان». الزوبعة، العدد 31، 1941/11/1.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro