مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
المقالات الاقتصادية الأزمة الاقتصادية في بلادنا
 
 
 
الـمجلة، بيروت، المجلد 8، العدد ،2 1933/4/1
 

 

تختلف الأزمة الاقتصادية عندنا عنها في العالم ولذلك لا يصح القول إنّ الأزمة السورية عموماً جزء من الأزمة العالـمية.

 

ليـست الأزمـة السورية ناشئة عن خسارة البلاد مناجمها ومعادنها، ولا عن فقدانها معاملها ومصانعها، ولا عن حصول البطالة لعمالها، بل لأسباب غير هذه الأسباب التي لها علاقة كبيرة بالأزمة العامة. أسباب الأزمة الاقتصادية السورية كائنة في عدم وجود حياة اقتصادية للبلاد مستقلة عن الـحياة السياسية، وفي إخضاع الـحياة الاقتصادية للحياة السياسية. ولولا هذه الـحقيقة لـما كان هنالك مبرر لوجود أزمة اقتصادية في هذا القطر.

 

تـجاه هذه الـحالة التي تكاد تـجعل البحث في قضية اقتصادية صرفة أمراً مستحيلاً لعدم وجود ما يسمّونه سياسة اقتصادية دولية، نرى أن لا نتناول القضية الاقتصادية من أساسها، بل أن نفرغ لدرس الـحالة الاقتصادية التي عليها البلاد في الوقت الـحاضر واستعراض بعض العوامل الـمهمة فيها.

 

كان الفصل السياسي بيـن سورية الشمالية وسورية الـجنوبية أولى النكبات الاقتصادية التي حلّت بالشعب السوري هنا في لبنان والشام وفي فلسطيـن وشرق الأردن. فقد نشأ عن هذا الفصل وجود حالة اقتصادية غير طبيعية، هي أشبه شيء، بالـحالة الاقتصادية غير الطبيعية التي انتهت إليها الدول الأوروبية بعد أن غيّرت جغرافيتها معاهدة الصلح. فإن قطع التعامل الـحر بيـن الشمال والـجنوب في هذه البلاد أدى إلى عواقب اقتصادية وخيمة. ومع أنّ هذه العواقب هي أهم ما كان يجب أن يُنظر فيه من الوجهة الشعبية القومية، فإن الذين عالـجوا القضايا القومية في محيطنا لم يهتموا إلا للوجهة السياسية من الـموضوع، وبذلك ضحوا القوام الـمادي على مذبح النظريات السياسية والتخيلات الوهمية.

 

وكان تـحميل هذه البلاد قسماً غير قليل من الديون التركية، لغير سبب حقيقي، النكبة الثانية. فإن ما يقوم الشعب السوري بتسديده من ديون لم يكن له فيها ناقة ولا جمل، يستهلك من ثروته مبلغاً لا يستهان به. ونحن نترك معالـجة هاتيـن الناحيتيـن لـما لهما من الـمساس بالشؤون السياسية، ونكتفي بالإشارة إلى تأثيرهما السيّىء على شؤون الشعب الاقتصادية.

 

كان من نتائج النكبة الأولى أنّ انقطاع التعامل الـمباشر بيـن هذا القسم الشمالي والقسم الـجنوبي من البلاد أنزل الفائدة الاقتصادية في هذين القسميـن إلى خمسيـن من مائة مـما كان يجب أن تكون، وزاد في الطيـن بلّة أنّ الأساليب الاقتصادية الـمتبعة، في كل من هذين القسميـن، لا تـجتمع في مصلحة واحدة، لذلك لم يكن من الـمنتظر أن تـحول دون حصول النتائج الطبيعية للأساليب الـمتضاربة التي هي من نوعها. ومتى عرف القارىء أنّ عدد الـمجلة الـمرسل إلى بلاد بعيدة كالبرازيل يكلّف نفقة بريدية لا تتجاوز نصف نفقة إرسال عدد إلى فلسطيـن أدرك شيئاً من كيفية الصعوبة في التعامل بيـن هاتيـن الـمنطقتيـن من البلاد. ولو أردنا أن نتناول الـحواجز الـجمركية القائمة بيننا وبيـن إخواننا في فلسطين وشرق الأردن لطال بنا الأمر. والذين يهمّهم الأمر يـمكنهم معرفة الـحقيقة بواسطة غرف التجارة.

 

لو وقفت البلية عند حد قطع التعامل الـمباشر لهانت، على فداحتها، ولكنها لم تقف. فإن الأساليب الاقتصادية الـمتبعة في منطقتي الانتدابيـن الفرنسي والبريطاني أوجدت تضارباً انتهى إلى مزاحمة قوية ومشادة لم تكونا في مصلحة البلاد في شيء، بل حصل من ورائهما نوع من الـحرب الـجمركية التي أنتجت عرقلة تـجارية لا يستهان بها. وصحيح أنّ الـمفوضيتيـن الفرنسية والبريطانية أبرمتا اتفاقات جمركية وغيرها، ولكن ذلك كان ناقصاً جداً ولم تترتب عليه نتائج محسوسة، ولا يـمكن أن تأتي الاتفاقات الـمحدودة بنتائج مجدية في مثل هذه الـحالة لأن مسألة الـحياة الاقتصادية بيـن هذين القسميـن من البلاد مسألة تـحتاج إلى درس خصوصي وافٍ يتناول جميع قضاياها من الأساس. وهذا يكاد يكون غير مـمكن لـما له من الـمساس بالشؤون السياسية التي تتّبعها كل من فرنسة وبريطانية.

 

إذا ضربنا صفحاً عن هذه النقطة الـحيوية الضرورية وأقبلنا على درس شؤوننا الاقتصادية في منطقتنا، وجدنا أنّ اتِّباع خطط اقتصادية منفردة في لبنان والشام وما ترتب عليه من ذيول، أوجد نوعاً خطراً من أنواع تضارب الـمصالح بيـن الساحل والداخلية. فلقد أنَّت دمشق طويلاً قبل إنزال الستار على تعرفة الدخولية وسواها. ومن جهة أخرى نرى أنّ تسديد الديون العثمانية قبل تثبيت توازن موازنات الـحكومات أفقد هذه مورداً من أهم مواردها وجعلها تبحث عن وسائل أخرى لسدّ عجز موازناتها. ومن ثم ابتدأت سلسلة الضرائب والرسوم تطول وتتضخم حتى وقفت تـجاهها الـحركة التجارية والـحياة الاقتصادية مشلولتيـن، وأصبحت شؤوننا الاقتصادية في انحطاط مستمر لا ندري كيف يجدون علاجه.

 

كان من وراء ذلك أنّ الأزمة العالـمية تناولت هذا الـجزء من الـمعمور على كيفية لا مبرر لها من الوجهة الاقتصادية، فضاقت الأسواق بتجارتنا ضيقاً لم يسبق له مثيل ورزح الـمكلفون تـحت أعباء لا تفي بها مواردهم الآخذة بالنضوب، واستحكمت الأزمة استحكاماً لم يترك في قوس الصبر منزع. ولكن خطورة الـحال بقيت مستورة إلى أن أزاح الستار عنها إضراب السائقيـن في هذه الـمدينة وسائر أنحاء الـمنطقة اللبنانية وتعدّاها إلى مناطق الداخلية، فأفلت بخار الاستياء من ضيق الـحال وتبدّت للدوائر الاقتصادية خطورة الـموقف، فعقدت جمعية التجار اجتماعات درست فيها الـموقف وقررت أن تعلن للحكومة أهم النتائج التي توصلت إليها وهي ما يتعلق بالـجمرك ورسومه التي زادت كثيراً منذ سنة 1925، وقد زوّدت الـجمعية الـمذكورة تقريرها الذي رفعته إلى سعادة رئيس الـجمهورية في أواخر الشهر الـمنصرم، وسط إضراب السواقيـن وبعد إقفال مدينة بيروت يوميـن كامليـن، بجدول يتضمن العائدات الـجمركية بيـن سنة 1927 و1932 لتبرهن على أنّ رفع الرسوم الـجمركية أضرّ بالتجارة كثيراً دون أن يفيد الـحكومة شيئاً، أما الـجدول فكما يأتي:

 

 

سنـــة

 

واردات

 

1927

 

222،692،244

 

1928

 

194،489،086

 

1929

 

199،726،995

 

1930

 

178،083،980

 

1931

 

181،870،320

 

1932

 

152،570،300

 

 

 

وهذه الأرقام واضحة تدل على أنّ زيادة الرسوم الـجمركية أنقصت الواردات ووضعت تـجارة هذه الـمنطقة في مركز حرج، حتى أصبحت أسواق فلسطيـن الآخذة في الانحياز إلى الأيدي اليهودية تصدِّر إلينا بعد أن كانت تستمد منا. ومن البديهي أن يكون نقص الواردات هنا قد قوبل بزيادة في واردات فلسطيـن وقد قامت جمعية التجار بـمقابلة بيـن واردات تلك الـمنطقة في أشهر سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني من سنة 1931 وواردات هذه الأشهر عينها لسنة 1932 وكانت النتيجة كما ترى:

 

1931     12,500,000

 

1932     20,400,000

 

ومن هذه النتيجة نعرف أنّ تـجارة منطقة الانتداب البريطاني آخذة في التحسن على حساب تـجارة منطقتنا.

 

وقد ذيّلت جمعية التجارة تقريرها بالـمطالب الآتية:

 

1: تعديل الرسوم الـجمركية وإشراك الهيئات القومية ذات الاختصاص في درس هذا التعديل واحترام رأيها والعمل به.

 

2: إعفاء الـمواد الـخام التي تستعملها الصناعات الوطنية من الرسوم الـجمركية.

 

3: إلغاء الـمادة الـخامسة من القرار عدد 70 L.R وإعفاء التجار من دفع الـجزاء سلفاً بتمامه قبل مراجعة الـحكّام.

 

4: إلغاء اتفاق سنة 1925 الذي أبرم مع شركة سكة الـحديد وتـحوير امتيازاتها بصورة تتفق مع صالح البلاد.

 

5: الإصغاء إلى مطالب جمعية [سائقي] السيارات.

 

هذه هي مطالب جمعية التجار، والذي نراه منها أنّ الـجمعية قصرت أبحاثها على الناحية التجارية، ومع اعترافنا بأن الوجهة التجارية هي أهم وجهة في حياتنا الاقتصادية، فنحن لا نرى أنها تتمكن من القيام بأودنا الاقتصادي، ولا نعتقد أنّ الـمطالب الـمتقدمة تكفي لـحل الأزمة، ولكن الـجمعية الـمذكورة قامت بـما عليها، وعسى أن تكون خطوتها هذه أول السير نحو إخضاع السياسة للاقتصاد والاجتماع، وسنعود إلى الـموضوع.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro