مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
النظام الجديد بقلم الزعيم
 
 
 
النظام الـجديد، بيروت، الـمجلد 1، العدد 1، 1/3/1948
 

 

إنّ غاية الـحزب السوري القومي الاجتماعي هي: «بعث نهضة سورية قومية اجتماعية، تكفل تـحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوّتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية، استقلالاً تاماً، وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالـحها ويرفع مستوى حياتها».

 

إقامة نظام جديد لـحياة جديدة، إذن، هو الهدف العملي الأساسي، هو الغاية التي تطلبها حياة إنسانية مرتقية، هو الغرض الذي تريد تـحقيقه نهضة أمة قوية فتية قد ولدت ولادة جديدة بتعاليم الـحياة الـجديدة.

 

إخترت إسم النظام الـجديد عنواناً لهذه الـمجلة[1] لتحمل خطط التفكير الـجديد ـ التفكير القومي الاجتماعي ـ ومخططات النظام الـجديد الذي تسير الـحركة القومية الاجتماعية بالأمة نحوه، كما ترسمها مدرسة الفكر القومية الاجتماعية.

 

في مؤلَّفي نشوء الأمـم (الكتاب الأول، الطبعة الأولى ص 85)، قلت: «إنّ الثورة الصناعية وضعت الاجتماع على أساس جديد» وعنيت بذلك أنّ «الثورة الصناعية»، التي حدثت باختراع الآلات الـحديثة، أوجبت القضاء على الاقتصاد الفردي العائلي وإعادة الاقتصاد الاجتماعي على أساس جديد.

 

منذ ظهـور الآلة العصرية وحصول الثورة الصناعية أحدثت الاضطرابات والانقلابات الاجتماعية التي تلتها شعوراً بالـحاجة إلى نظام اجتماعي ـ سياسي جديد فابتدأت العقول القوية تفكر في حلول للقضايا الاجتماعية التي نشأت وفي أنظمة جديدة للمجتمع.

 

 

وقد رأى الشعريون والـخياليون في الآلة، مصيبة أبعدت الإنسان عن الأرض وجمال الـحياة الروائية. أما أنا فقد رأيت فيها: تـحرير القوَّة العقلية من ضغط العمل الكسبي الفردي، وترقية التفاعل الاجتماعي. (نشوء الأمـم أنظر ج 3 ص 65).

 

تولّد، بعامل التطور الاجتماعي على أساس الـحرية الفردية، نظام جديد هو نظام الرأسماليين ومزاولي الـمهن الـحرة والعمال، أو نظام الطبقات الرأسمالي الذي حلّ محل النظام القديـم الذي كان يقسم الـمجتمع إلى طبقة نبلاء وطبقة أحرار وطبقة عبيد وهو نظام الطبقات الإقطاعي.

 

بيد أنّ نظام الطبقات الرأسمالي، الذي صنّف الـمجتمع إلى طبقة عليا هي الرأسمالية وطبقة وسطى هي الـمهنية الـحرة وطبقة سفلى هي العاملة، لم يكن نظاماً صالـحاً للبقاء لأن الـمشاكل الاقتصادية الاجتماعية التي نتجت عنه أحدثت، ولا تزال تـحدث حيثما بقي هذا النظام فاعلاً، تشنجات واضطرابات شديدة تـحفِّز العقول إلى ابتغـاء نظـام جـديـد للمجتمـع الإنسـاني يـزيل تلك التشنجات والاضطرابات، ويفسح الـمجال لتفاعل ينمي الـحياة ويقوِّيها ويجعلها صالـحة للإنسان ومصالـحه النفسية والـمادية.

 

إنّ الـحركة القومية الاجتماعية تدخل في معالـجة هذه الـمعضلة الاجتماعية، الـمادية ـ الروحية. إنها تُنشىء بـمبادئها وتعاليمها نظاماً جديداً ومجتمعاً جديداً.

 

إنّ الآلة الحديثة، بطبيعتها وعملها، ليست مستعبدة للإنسان وقواه، بل محرِّرة للإنسان من قيود الإنتاج الـمحدود، ولكن النظام الذي اتّبعه الإنسان، بعد نشوء الآلة هو الذي استعبد الإنسان بدلاً من أن يزيد حريته ونشاطه وفاعليته.

 

إنّ نظام الطبقات الرأسمالي لم تكن له نتيجة اجتماعيـة غير الـحفز على نظام حرب الطبقات، فإن الرأسمال الفردي الـحر كوّن طبقة رأسمالية مرهقة، ساحقة وطبقتين مضغوطتين، مسحوقتين: طبقة مسحوقة نفسياً، هي الطبقة الوسطى وطبقة مسحوقة مادياً هي الطبقة السفلى، والـحرب بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة ليست حلاً لـمشكلة الاجتماع الإنساني الاقتصادية ولا تـحقيقاً لـمصالـحه النفسية واتـجاهاته الروحية ومقاصده الـمثلية.

 

وكما تكوّنت ضمن الـمجتمع الواحد الطبقات والنظام الطبقي بعامل الثورة الصناعية، كذلك تكوّنت، بذاك العامل عينه، الطبقات الأمـمية والنظام الطبقي الإنترناسيوني الذي يضع طبقة من الأمـم الاستعمارية ذات الإمبراطوريات والـمناطق الواسعة، وطبقة من الأمـم الـمتوسطة وطبقة من الأمـم الـمنحطَّة أو الـمضغوطة، الـمحرومة.

 

الـمحاولة الشيوعية، على أساس التعاليم الـمادية الـمحضة، لم تـحلّ بنظامها الـمبدأي، مشكلة الـمجتمع الداخلية ولا مشكلة الـحق الإنترناسيوني. فحرب الطبقات بين مادية العمال ومادية الرأسماليين، وإقامة سلطة البروليتارية ليست نظاماً صحيحاً لتقدم الإنسانية نحو مقاصدها الكبرى. وما يقدمه «اتـحاد الـجمهوريات السوفييتية» من الوجهة الإنترناسيونية ليس إزالة طبقات الأمـم، بل تثبيت نظام طبقات الأمـم الاقتصادية بترتيب جديد.

 

إنّ عمل الأحـزاب الشيوعية في العالم لإنـجاح الـجمهورية الشيوعية الأولى ليس له معنى عملي غير خدمة مقاصد السياسة الروسية، الشيوعية النظام، فمن الوجهة العملية لا تقوم الـحركات الشيوعية في أي صقع من أصقاع العالم إلا لـخدمة أغراض سياسية معينة. وواضح أنّ الـحركات الشيوعية صارت ذات أغراض سياسية تلاشت أمامها الأغراض الاقتصادية.

 

وإن «الروحية» التي نادت بها الفاشستية والاشتراكية القومية لم تـحل مشكلة طبقات الأمـم مع أنها حلت مشاكل هامّة في الـمجتمع، وسيرها بعامل روحي لترجمة التاريخ الإنساني لم يـمكنها من تثبيت نظامها ومدّه في العالم.

 

إنّ الـمجتمع السوري لا يـمكنه أن ينتظر وأن يقف جامداً تـجاه مشاكل الـمجتمع والإنسانية. وعند هذا الـحد من تقدمه الـموضوع الذي سيعالـجه الاتـجاه السوري القومي الاجتماعي أترك لرسالتي الـمرسلة من الأرجنتين في 10 يناير/ كانون الثاني 1947[2] إعطاء الاتـجاه الـمذكور وهو:

 

«في كل هذه الـمدة الطويلة، وبعد كل هذه الـمحن العظيمة لم يضعف إيـماننا بل قوي ـ إيـمانكم بي وإيـماني بكم. آمنتم بي معلماً، وهادياً للأمة والناس، ومخططاً وبانياً للمجتمع الـجديد، وقائداً للقوات الـجديدة الناهضة الزاحفة بالتعاليم والـمثل العليا إلى النصر. وآمنت بكم أمة مثالية معلمة وهادية للأمـم، بناءة للمجتمع الإنساني الـجديد، قائدة لقوات التجدُّد الإنساني بروح التعاليم الـجديدة التي تـحملون حرارتها الـمحيية وضياءها الـمنير إلى الأمـم جميعها، داعية الأمـم إلى ترك عقيدة تفسير التطور الإنساني بالـمبدأ الروحي وحده وعقيدة تفسيره من الـجهة الأخرى بالـمبدأ الـمادي وحده والإقلاع عن اعتبار العالم، ضرورة، عالم حرب مهلكة بين القوة الروحية والقوة الـمادية، وإلى التسليم معنا بأن أساس الارتقاء الإنساني هو أساس روحي ـ مادي (مدرحي) وأنّ الإنسانية الـمتفوقة هي التي تدرك هذا الأساس، وتشيد صرح مستقبلها عليه. ليس الـمكابرون بالفلسفة الـمادية بـمستغنين عن الروح وفلسفته، ولا الـمكابرون بالفلسفة الروحية بـمستغنين عن الـمادة وفلسفتها.

 

«إنّ العالم الذي أدرك الآن، بعد الـحرب العالـمية الأخيرة، مبلغ الهلاك الذي جلبه عليه قيام الفلسفات الـجزئية الـخصوصية ـ الفلسفات الأنانية التي تريد أن تـحيا بالتخريب ـ فلسفة الرأسمالية الـخانقة وفلسفة الـماركسية الـجامحة، التي انتهت في الأخير بالاتـحاد مع صنوها الـمادية الرأسمالية بقصد نفي الروح من العالم، وفلسفة الروح الفاشستية وصنوها الاشتراكية القومية الـمحتكرة الروح، الرامية إلى السيطرة به سيطرة مطلقة على أمـم العالم وشـؤونها ـ هذا العالم يحتـاج اليوم إلى فلسفـة جديـدة تنقذه من تخبط هذه الفلسفات وضلالها. وهذه الفلسفة الـجديدة التي يحتاج إليها العالم ـ فلسفة التفاعل الـموحَّد الـجامع لقوى الإنسانية ـ هي الفلسفة التي تقدمهـا نهضتكم».

 


[1] "النشرة الفكرية المركزية للحركة القومية الاجتماعية"، التي كان سعاده موجهاً لهيئة تحريرها، صدر منها 6 حلقات قبل استشهاده.   

 

[2] تسلمت عمدة الإذاعة هذه الرسالة في أواخر كانون الثاني 1947 وعرضتها على المجلس الأعلى ومجلس العمد، فأشار بعضهم بعدم نشرها في تلك الظروف. وبعد عودة سعاده، تمّنشرها في العدد الأول من المجلد الثالث من "نشرة عمدة الإذاعة" تاريخ 30/6/1947. الأعمال الكاملة، المجلد السابع، صفحة 178.         

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro