مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
السياسة الخارجية توسع اليابان في الشرق الأقصى
 
 
 
اليوم، دمشق، العدد 1931/10/20،7/59
 

 

اليابان هي الدولة الشرقية الوحيدة التي ارتقت إلى مصاف الدول العظمى في العالم وتـمكنت من مجاراة الدول الأوروبية في الـخطط السياسية والأساليب الـحربية. ونـجاح اليابان من هذه الـجهة يقيم الدليل على أنّ الـخطر الأصفر الذي تكلم عنه الأوروبيون كثيراً ليس مجرّد خطر وهمي.

 

تناول ارتقاء اليابان جميع شؤونها العمرانية، فتقدمت الصناعة والزراعة تقدماً محسوساً جعلت البلاد تسير بخطوات واسعة إلى مباراة البلدان الأخرى في أسواق العالم التجارية ومسابقتها في الاستعمار، الذي يدفعها إليه نـمو شعبها وتزايد مصالـحها.

 

نـما الشعب الياباني، في العقود الأخيرة، نـمواً جعل بلاده تضيق به ومواردها الطبيعية لا تكفي لسد حاجات تقدمه وارتقائه. وبلغ به الأمر في الـمدة الأخيرة حداً جعل حكومته تعقد اتفاقية مع حكومة البرازيل تتناول تنظيم مهاجرة يابانية إلى هذه البلاد على قياس كبير.

 

ولـما رأت اليابان نـموها السريع، وأدركت حقيقة قوّتها وأهمية مركزها، انتبهت إلى حاجتها إلى التوسع، وأخذت تعمل على الوصول إليها من أخصر الطرق، وكانت الصيـن لذلك العهد، كما لا يزال قسم كبير منها الآن، جسماً مشلولاً خاملاً جامداً تتلاعب به الدول الأوروبية تلاعب الصبيان بالأكر، فرأت اليابان أنّ الفرصة سانحة لها للحصول على بغيتها من التوسع وكانت منشورية و«الشانغ طن» الهدف الأول الذي رمت إليه، فانتصرت على روسية في الـحرب التي نشبت بيـن الدولتيـن في أوائل هذا القرن، وتقدمت في الأراضي الصينية تقدماً عظيم الشأن. وكان من وراء ذلك كله إنشاء الـمستعمرات اليابانية في الصيـن واستيلاء اليابانييـن على قسم كبير من الأسواق التجارية الصينية، وأصبحت اليابان الدولة ذات الـمصلحة الأولى في شؤون الشرق الأقصى. وزاد في أهمية مركزها فيه استيلاؤها على معظم جزائر الـمحيط الهادىء، خصوصاً الـجزائر الصغيرة القريبة من الشواطىء الصينية.

 

في نفس الوقت كانت الولايات الـمتحدة الأميركية وجّهت أنظارها شطر بلاد الصيـن، ورأت أن يكون لها نصيب كبير في أسواق الصيـن التجارية، فأنشأت مع هذه البلاد علاقات تـجارية ذات شأن. وبعد الـحرب التي نشبت بينها وبيـن إسبانية واستيلائها على جزائر الفيليبيـن أصبح لها مركز منيع في الـمحيط الهادىء يزاحم مركز اليابان فيه.

 

منذ ذلك الوقت أخذت الـمنافسة بيـن اليابان والولايات الـمتحدة تشتد ويتعاظم أمرها، ووقفت كل واحدة منهما بالـمرصاد للأخرى. خصوصاً الولايات الـمتحدة التي هالها أمر تقدّم اليابان في الصيـن وخشيت عواقبه على تـجارتها ومصالـحها في هذه البلاد الـمترامية الأطراف.

 

وأخذت اليابان تنظر إلى تعاظم قوة الولايات الـمتحدة ومدّ أصابعها إلى الأسواق التجارية الصينية بعيـن الـحذر، لأنه إذا استولت تـجارة الولايات الـمتحدة على الأسواق الصينية فإنها تقضي على أهم الـمصالح التي تعتمد عليها اليابان قضاء مبرماً، لأن موارد الولايات الـمتحدة الطبيعية لا تنضب.

 

جمعت الـمصلحة بيـن اليابان وبريطانية التي كانت تنظر إلى ازدياد قوة البحرية الأميركانية بعيـن الـخشية، وتـحسب حساب الـمستقبل، فعقدت الدولتان معاهدة بحرية زادت في قوة اليابان زيادة محسوسة، حملت الولايات الـمتحدة على وضع خطة واسعة النطاق لبناء السفن الـحربية.

 

وظلت الـحال على هذا الـمنوال، إلى أن نشبت الـحرب الكبرى، فرأت اليابان الفرصة سانحة لزيادة مناعة مركزها في الصيـن وتأميـن توسعها في الشرق الأقصى، فأعلنت الـحرب على ألـمانية وكان أول عمل قامت به إرسالها حملة حربية قوية استولت على معظم الـمستعمرات الألـمانية، وأقدمت اليابان حينئذٍ على خطة غريبة جريئة سبقت فيها الأمـم الأوروبية إلى اختراع الانتداب. فإنها اتفقت مع فريق من كبار موظفي بكيـن على تنظيم عريضة صينية تطلب وصاية اليابان على بلاد الصيـن، وكادت هذه الـخطة  تنجح كل النجاح لولا قيام الولايات الـمتحدة وإرسالها الاحتجاج تلو الاحتجاج، الأمر الذي حمل اليابان على أن تسترجع اقتراحاتها وتتنازل عن طموحها إلى الوصاية على الصيـن.

 

إستحكم العداء بعد ذلك بيـن اليابان والولايات الـمتحدة عندما أعلنت الولايات الـمتحدة تـحديد الـمهاجرة، وصادقت على قانون منع الآسيوييـن الصفر من القدوم إلى بلادها بقصد الإقامة بها، فاستعفى سفير اليابان في واشنطن وحدثت في اليابان مظاهرات احتجاجية ضد الولايات الـمتحدة. وقد قال أحد كبار الكتّاب اليابانييـن إنّ اليابان لن تنسى هذه الصفعة وإنّ الولايات الـمتحدة ستعطي عنها حساباً مهما طال الأجل.

 

إزداد تـحرّج الـحال بـمناسبة مؤتـمر لندن البحري يوم توصلت بريطانية والولايات الـمتحدة إلى اتفاق يجعل اليابان في درجة لا تتفق ومراميها، وأدى الأمر بأحد ثقات اليابان البحرييـن إلى الانتحار لاعتقاده بأن معاهدة لندن تـجعل اليابان في خطر لا تستطيع اتقاءه. والـحقيقة أنّ إنكلترة ضحّت في مؤتـمر لندن باتفاقها مع اليابان في سبيل السياسة الأنغلوسكسونية الـجديدة.

 

والظاهر أنّ اليابان الـمتيقظة لم تترك فرصة انشغال العالم، بـما فيه بريطانية والولايات الـمتحدة، بأمر الأزمة الاقتصادية العامة تذهب سدى. فهي قد اتخذت من بعض الـحوادث الـحقيقية التي وقعت، من قبل الصينييـن، حجة للقيام بإجراءات تزيد في قوة موقعها، الأمر الذي حمل الولايات الـمتحدة على إثارة الرأي العام في العالم والتشديد في وضع حد للإجراءات الـحربية اليابانية وبحث قضية الـخلاف بيـن اليابان والصيـن في جمعية الأمـم. ولكن اليابان أبت أن يقتصر البحث في قضية الشرق الأقصى على الـمنطقة الـمنشورية حيث مركزها الرئيسي، وصرّحت بأنها لا تقبل الدخول في بحث من هذا النوع إلا إذا كان شاملاً، أي أن يتناول بعض ما له علاقات بالولايات الـمتحدة وغيرها أيضاً.

 

إنّ إنهاء هذه الـمسألة الـجديدة لا يحتاج الآن إلى حرب، لأن ذوي الـمصالح فيها غير مستعدين للحرب، ولكن قضية الشرق الأقصى ستبقى من أهم القضايا التي تـجرّ إلى حرب هائلة في الـمستقبل.

 

ومن يعِش يرَ.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro