مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
السياسة الخارجية محادثات بريطانية وإيطالية وألمانية
 
 
 
الـنهضة،بيروت،العدد 111، 1938/3/9
 

 

تقوم بريطانية اليوم بـمحاولة جدية لتأجيل الـحرب القادمة بسرعة. وهذا ما ترمي إليه من وراء الـمباحثات الدبلوماسية مع إيطالية ومع ألـمانية.

 

إنّ النزاع الشديد على مصادر الـمواد الأولية والأسواق قد استفحل بعد النهضات الروسية والإيطالية والألـمانية واليابانية، التي غيَّرت الوضع السياسي - الاقتصادي العام. فإن مشاريع الـخمس سنوات في روسية حولت هذه البلاد الزراعية إلى بلاد صناعية أيضاً، تستغني عن مصنوعات عدد من الدول الصناعية الكبرى في مقدمتها بريطانية وفرنسة وألـمانية. ومشاريع السنوات الإيطالية والألـمانية، رمت إلى سياسة الإنتاج الداخلي الكافي وسد الـحاجة الاقتصادية من الداخل، والـحصول على مواد أولية جديدة بالاستيلاء على مصادرها الطبيعية، الأمر الذي جعل إيطالية تقدم على الاستيلاء على الـحبشة، وألـمانية تطالب بـمستعمراتها وتقول إنه لا غنى لها عن مستعمرات، ومشاريع اليابان الاستعمارية لا ترمي فقط إلى جعل اليابان بلاداً تكفي نفسها بالـمواد الغذائية والـحربية، بل إلى جعلها مزاحمة للأمـم الصناعية الكبرى في الأسواق العالـمية. وهذه الـحقيقة تعني أنّ الـحالة الاقتصادية الإنترناسيونية قد تغيرت وأنّ هذا التغيير يولّد ضغطاً اقتصادياً وضغطاً سياسياً لا بد أن يؤديا إلى حرب جديدة عامة تتناحر فيها الأمـم، من أجل الاحتفاظ بالـموارد التي ترفع بواسطتها مستوى معيشتها أو تـحتفظ بـمستواه العالي.

 

قليلون هم الذين كانوا يعتقدون أنّ النهضات الروحية توصل إلى هذه النتائج المادية الكبيرة. فقبل النهضة الإيطالية وفي بدء هذه النهضة الجديدة الفاشستية كان المتكهنون يقللون كثيراً من مدى النتائج التي ستؤدي إليها هذه النهضة. فهم ما كانوا يحلمون أنّ إيطالية تصبح قوة كبيرة وذات شأن أول بالنسبة لفقر إيطالية بالمعادن الأساسية للصناعات الكبرى. وكذلك حدث تقليل كثير لـما يـمكن ألـمانية بلوغه بعد ما لـحق بها من خسائر مادية وإنقاص مقدرتها الصناعية. ولكن النتائج التي بلغتها النهضات الروسية والإيطالية والألـمانية كانت عظيمة وبعيدة الغاية. وكان من وراء ذلك أنّ خطورة بريطانية وفرنسة الاقتصادية السياسية تدنت كثيراً، وأنّ الزحام على التفوق في مضمار الـحياة أصبح حامياً وقريب الاضطرام.

 

عند هذا الـحد تقف السياسة البريطانية لتتروى في الـخطة الواجب اتباعها. فهي تتهيأ للمستقبل وتـجهّز نفسها بسرعة لـحالة حرب مقبلة، كما تتهيأ وتجهّز نفسها كل دولة أخرى ذات مصلحة. ولكن سياسييها يدرسون في الوقت نفسه إمكانية إبعاد شبح الـحرب أو تأجيلها إلى أمد، لأن وحدة الإمبراطورية البريطانية قد لا تـحتمل صدمة قوية لـحرب عامة جديدة.

 

والظاهر أنّ السياسيين البريطانيين غير متفقين في الـخطة الواجب اتباعها، فإيدن[1]وتشرشل[2] الإمبراطوري وزمرتهما يرون أنه يجب كسر جبهة برلين - رومة - برلين - طوكيو، في حين أن تشمبرلن[3] وزملاءه يرون العمل على التفاهم مع إيطالية وألـمانية وإيجاد تسوية تنقذ بريطانية من الـمجازفة بحرب من يدري ما تكون نتائجها.

 

وقد انتصرت هذه الوجهة مؤخراً واستقال إيدن من الوزارة وابتدأت الـمباحثات مع رومة ومحادثات أخرى مع برلين. وفي الوقت نفسه تـحتفظ الدبلوماسية البريطانية بالاتصال مع الدبلوماسية الفرنسية في صدد الـمحادثات الـجارية.

 

تقول البرقيات الأولية إنّ الـمفاوضات البريطانية - الإيطالية ستتناول شؤون الـمتوسط وأفريقية والبحر الأحمر، وهذا يعني محاولة إيجاد تسوية لهذه الـمناطق. فالـمفاوضات إذن من الـخطورة بـمكان وتتعلق بـمصير الشرق الأدنى السياسي - الاقتصادي. وهذا يعني أنّ سورية سيكون لها نصيب غير مباشر من هذه التسوية لأن هذه الـمفاوضات يقصد منها إيجاد استقرار للوضع الإنترناسيوني والـمصالح الـمترتبة عليه.

 

أما الـمباحثات مع ألـمانية فالـمرجح أنها تدور على سد حاجة ألـمانية إلى مستعمرات، والوحدة الألـمانية الشاملة النمسة.

 

ومـما لا شك فيه أنّ استعجال الـحرب أو تأجيلها يتوقف على نتيجة هذه الـمفاوضات واستعداد كل فريق للاعتراف الـمتبادل بحق الـحياة، أو عدم استعداده للاعتراف به. وقد تطلب ألـمانية أن تكون محاربة الشيوعية أساساً وهذا يعني وجوب عزل روسية والقضاء على العلاقات الروسية - الفرنسية - البريطانية. ولكن ألـمانية قد تكتفي بالـحصول على مستعمرات وشروط تؤدي عملياً إلى ترجيح كفتها على كفة روسية.

 

إنّ مواضيع الـمباحثات تتناول مصالح عديدة واسعة وقضايا معقدة، إذ من الصعب التصديق على أنّ بريطانية تقصد من هذه الـمفاوضات التخلي عن علاقاتها مع فرنسة. ولا شك في أنّ هذه الـمفاوضات هي الـمحاولة الـجدية الأولى، بعد مشروع موسوليني الـمعروف باتفاقية الدول الأربع، لإيجاد تسوية بين الدول الـمحافظة على ما في حوزتها والدول الطامحة إلى موارد جديدة.

 

بعد فهم هذا الـموقف لا بد لنا من السؤال: هل يؤدي الاتفاق الـمحتمل للمفاوضات البريطانية - الإيطالية، إلى اعتبار الـحالة الراهنة في سورية حالة مفروغاً منها ويعتبر مصير سورية مقرراً بـما ستثبته الاتفاقية الـمحتملة؟

 

إنّ حالة سورية الـحاضرة لا تخوّلها حق إبداء رأيها في مصيرها، والسياسيون العفنون ماذا يهمّهم من مصير الأمة؟

 

وإننا نودّ ألا تدخل سورية في هذه الـمفاوضات كأنها مستعمرة، فلا ندخل في ظلم جديد وتثبيت حديث لإنكار حقنا في الـحياة.

 


[1] إيدن، سير أنطوني (1897-1977): سياسي بريطاني تسلّم وزارة الـخارجية عدة مرات بدأً من العام 1935، رئيس الوزارء (1955-1957).      

 

[2] تشرشل، سير ونستون (1874-1965): زعيم حزب الـمحافظين الإنكليزي. رئيس الـحكومة (1940-1945) و(1951-1955).    

 

[3] تشمبرلن، سير أرثر نفيل (1869-1940): سياسي بريطاني، رئيس الوزراء (1937-1940). لم يتمكن من مواجهة الـمطامع الإيطالية في الـحبشة، وقّع اتفاق ميونخ مع هتلر، ثم أعلن الـحرب على ألـمانية (1940).

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro