مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
إلى يعقوب ناصيف
 
 
 
1944/12/10
 

 

أيها الرفيق العزيز،

 

إني مسافر غداً صباحاً إلى بوينُس آيرس للنظر في أعمال الـمحل التجاري الذي قد صار في عهدتي، وقد سررت بوصول جوابك قبل سفري، ورأيت أن أضع جواباً مستعجلاً عليه لكي يكون ما يبقى في الذهن جلياً راسخاً.

 

إنّ دهشتك لفظاعة عمل جبران مسوح لم تكن أشد من دهشتي، ولست أظن أنّ حزنك بلغ بعض حزني، ولكن الـحقيقة تـجيء أحياناً بصورة أغرب من الـخيال. كما يقال. أتناول في ما يلي ملاحظاتك:

 

تقول إنّ الذي دعاك إلى عدم إخبار الرفقاء بحادث جبران مسوح سببان: أولهما قرب صدور الزوبعة التي «لا بد أن تذيعه»، وثانيهما أنّ كتابي ينفي كون جبران يقدر من تلقاء ذاته على إنشاء مقالات «كصلاة الإنكليزي». فالسبب الأول هو مجرّد افتراض والافتراض لا يبنى عليه. والسبب الثاني خطأ في الاستنتاج. فكون الأفكار والتحليلات النفسية للإنكليز ليست من تفكير تـحليل جبران مسوح لا يعني مطلقاً أنّ جبران مسوح لا يقدر على «إنشاء مقالات كصلاة الإنكليزي» لأنّ إنشاء الـمقالات شيء ودرس نفسيات الشعوب وتـحليلها شيء آخر. ثم كون جبران مسوح يقدر على إنشاء مقالات تضاهي «صلاة الإنكليزي» لا يعني مطلقاً أنه هو ابتكرها. فمقدرة الطبيب على شفاء الـمرضى لا تعني أنه شفى كل مريض. فجبران مسوح كاتب جيد من الدرجة الشعبية، ولكنه ليس مفكراً محللاً، وهذه كتاباته كلها تشهد بذلك. وهو نفسه يعترف في العدد الأخير من الزوبعة الذي صدرت فيه «صلاة الإنكليزي» في مقالة أخرى[1]، أنّ كل كتاباته قبل اكتسابه تعليم النهضة القومية كانت كتابات تسلية، إلى أنها لم تكن من نوع التفكير الـجدي الدقيق الـمـدرك. ولا يبعد أن يتشـابه جبران مسـوح وخالد أديب في الاكتســـاب، فلست أظن أنك  تـحسب جبران مسوح في مرتبة فرح أنطون أو الدكتور خليل سعاده أو الدكتور [شبلي] شميل أو غيره، مـمن هم في هذه الطبقة أو من طبقة الدكتور الأميـن فخري معلوف في نهضتنا. وابتكار الأفكار والتحليلات شيء وإنشاؤها مقالات بأسلوب خاص شيء آخر. ثم إنّ الواقع يعترف به جبران مسوح نفسه، وهو قال لي الـحقيقة التي لم يقلها للناس ليس فقط في «صلاة الإنكليزي» بل في مقالات أخرى عديدة، وواقع الـحال أنّ جبران مسوح سألني قبل كتابة «الصلاة» الـمذكورة بيوم أو يوميـن في أمر سياسي حربي أوجب تناولي بالشرح موقف الإنكليز في بعض القضايا وكيفية نظرهم إليها وإلى شؤون الشعوب، وعلى شرحي وتعليلي «أنشأ» جبران مسوح مقالته، فهو كتبها ووضع أسلوبها وهو أسلوب فيه فن وليس في ما ذكرته لك في كتابي السابق ما ينفي من جبران مقدرة الكتابة بفن، ولكني أعود فأقول إنّ الكتابة أو فنها شيء والفكر والتحليل الدقيق شيء آخر.

 

قد أكون كتبت في حالة غضب، ولكن غضبي لا يعميني، ثم إنّ الـموقف موقف إظهار حقوق لا موقف تقدير أشخاص. ومع ذلك لا يـمكن أن أوافق معك بذكر العلم في تشبيهك، فجبران مسوح كاتب وأنا نعتُّه «بالكاتب الكبير»، ولكنه ليس عالـماً بل هو يجهل الأوليات كالـجغرافية والتاريخ. وكتابي نشوء الأمـم بقي عنده مدة طويلة لا يقدر على قراءته لتناوله مسائل علمية لا يعرف مبادىء منها. وهكذا يجب أن لا نخلط بين أن يكون الـمرء خطيباً أو كاتباً وأن يكون مفكراً أو عالـماً.

 

إنّ أمر علاقة جبران مسوح بنبيهة الشيخ أنطكلي التي انـجلت لي مؤخراً ليس من باب «الضعف الإنساني»، بل من باب الـحقائق الراهنة التي كنت أجهلها وآنف من تناولها إلى أن نكبتني. فنبيهة الشيخ الـمذكورة تظاهرت بالإخلاص، ولعلها كانت مخلصة حقيقة طالـما لم تكن لها غاية خاصة، فلما برزت غايتها صار كل شيء في سبيلها هيناً، خصوصاً وهي أمية وقليلة الـمعرفة. وإذا كنت قد عرفت فضل موقفها الـمخلص فلا يجب أن أجهل موقفها الـخائن وغاياتها الـحقيرة التي انكشفت.

 

إنّ تسرّعك في فهم عبارتي الناتـج عن تأويل مغلوط لنفسيتي، جعلك تظن أني قلت إنّ جبران مسوح يذيع في كل توكومان أنّ الـمدعوة نبيهة الشيخ هي خليلته، وعبارتي لا توجب فهم ذلك، فأنا قلت إنه يذيع في توكومان من باب ذاع الـخبر يذيع، ولم أقل يذيع من باب أذاع فلان الـخبر فهو يذيعه، فافهم ذلك ودقق جيداً في كل عبارة تصدر عن الزعيم، سواء أصدرت ساعة غضبه أو ساعة صفائه، لأنّ الـحقيقة عندي هي واضحة وقد يكون التعبير عنها ساعة الغضب شديداً ولكنها لا تكون ولا يـمكن أن تكون غير الـحقيقة، ومتى اطلعت على بعض اطلاعي في الـحقائق الـجديدة تنظر نظراً جديداً في الـمسائل التي تنفيها.

 

إنّ الـمحل بقي لي بخسائره، إذ لا طريقة أخرى لإنقاذ الـموقف، فيمكن مراسلتي إليه دائماً ويـمكن الكتابة إليّ إلى بيتي.

 

أعتقد أني أكون في توكومان عائداً من بوينُس آيرس في 25 الـحاضر.

 

أتـمنى أن تكون وجميع الرفقاء بخير، وثق أني لا أنزعج من أي انتقاد أو تدقيق، ولكن يزعجني محاولة فهم حقيقتي باجتهاد غير مبني على تعاليمي وعلى اختبار مواقفي وقياسي بغير مقياسي. ولتحيى سورية.

 


[1] مقالة «الـحياة للعمل لا للتسلية». الزوبعة، العدد 81، 2/10/1944.  

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro