مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
إلى رئيس المجلس الأعلى
 
 
 
1946/4/20
 

 

إلى حضرة الأمين الـجزيل الاحترام نعمة ثابت رئيس الـمجلس الأعلى الـموقر - الـمركز

 

رفيقي وعوني الأمين الـحبيب،

 

تلقيت رسالتكم الأولى الـمؤرخة في 28 مارس/آذار الـماضي، وفرحت كثيراً باكتمال الاتصال الـمباشر بيني وبينكم، وبعودة التفاعل الفكري - الروحي، ووحدة العمل بعد ذاك الانقطاع القسري الطويل. وفي الوقت عينه تلقيت رسالة من الرفيق رفيق الـحلبي، ناموس منفذية الشاطىء الذهبي الـحية، وقد أرفق بها كتابكم إليه الـمؤرخ في 28 فبراير/شباط. وكنت قبل ذلك قد تلقيت من الرفيق غسان تويني تقريراً ضافياً عن حالة الـحزب والـحوادث التي مرّ بها منذ اعتقال معظم الأركان ومحاكمتهم سنة 1940 إلى الوقت الـحاضر، وتقريراً خاصاً عن حالة منفذية أميركانية وحالة الرفيق فخري معلوف الذي طوّح به الـحماس الديني الـمذهبي الذي أُسر به حديثاً، وقد أرفق بالتقريرين الـمذكورين وثائق عليا وقصاصات من جرائد بيروت. إنّ الرفيق تويني تأخر بإرسال تقريره والوثائق لـحاجته إلى الاستيثاق من الاتصال بي ولأنه صرف وقتاً في إعداد تقريرين توسع في الرئيسي منهما واجتهد في جعله شاملاً.

 

إنّ ما قرأته من الأخبار الـمقتضبة الواردة في بعض الصحف عن التحويرات الشكلية الظاهرية في مظهر الـحزب، وما اطّلعت عليه فيما بعد من النشرة الـحزبية التي تسلمت أعداداً منها منذ بضعة أشهر، جعلتني أقدّر العوامل الباعثة عليها. وقد سرّني كثيراً خطابكم في صدد الرخصة التي نالها الـحزب من الـحكومة اللبنانية الـحافظ الـمعنويات الـحزبية والـمنطبق كل الانطباق على تقاليد الـحزب. وكل ما أريد أن أقوله الآن في هذا الصدد هو أني أوافق على اكتساب الرخصة الـحكومية وإيجاد حالة من الاستقرار والاطمئنان تُـمكّن الـحزب من زيادة قوّته الشعبية وإظهارها بحرّية. تبقى هنالك مسائل واعتبارات تقنية بالنسبة إلى عمل الـحزب الواسع وغايته الأخيرة يجب تأجيل بحثها إلى فرصة أخرى، والأرجح إلى حين عودتي. مع ذلك أؤكد لكم أني لا أخشى سوءاً من التدابير السياسية الـمتخذة لأنّ الوعي القومي وفهم غاية الـحزب الأخيرة قد حصلا في أوساط واسعة وتأيدا بنشوء الأدب القومي الاجتماعي ونـموه واكتسابه قوة ورسوخاً يكفلان له السيطرة على الفكر والرأي العام. وإني مسرور جداً بظهور هذه الـحركة الأدبية النشيطة وبعناصرها الـجيدة الـمتجانسة التي يشع إنتاجها الأدبي بتعاليم النهضة القومية الاجتماعية وحكمتها ومثلها العليا ومناقبيتها. ولا يقلّ سروري بأنّ التدابير السياسية التي قررها الـمجلس الأعلى الـموقر في هذه الظروف السياسية ذات الصفة الاستثنائية قد أظهرت ما في حزبنا الراسخ من الـمرونة السياسية التي تضاهي ما فيه من رسوخ في العقيدة وإيـمان بتعاليمها وتـمسك بغايتها الأخيرة.

 

إنّ ظروفي الـخصوصية الـحاضرة وحالة الـحركة السورية القومية الاجتماعية في الـمغترب، ليست وليدة نفسية الـمغتربيـن التي استهلكها حب الـمال وحب الذات الفردية فحسب، بل هي أيضاً وليدة الأغلاط التي ارتكبت من جهتنا من أفراد لم تكن لهم خبرة بالـمسؤوليات العالية، فطوّحت هذه الأغلاط بـمركز الزعيم وأفقدتنا وقتاً ثميناً عرف الرجعيون والـخونة وجواسيس الإرادات الأجنبية كيف يغتنمونه ويستغلونه إلى أقصى حد، فخسرنا إمكانيات العمل الواسع في البرازيل حيث كان الزعيم يتمتع بـمركز شخصي جيد إذ إنّ الـجالية السورية هناك تعرفه جيداً من قبل وتـحفظ له أوساطها العليا تقديراً خاصاً. وكانت النتيجة أننا اضطررنا اضطراراً للقدوم إلى الأرجنتيـن في ظروف غير موافقة.

 

كانت حالتي الصحية - العصبية حين قدومي إلى البرازيل سيئة جداً جداً، وقد قطع التوقيف في البرازيل العلاج الذي كنت بدأته والراحة التي كنت شديد الـحاجة إليها. وخرجت من التوقيف بعد نحو شهر منتصراً ولكن صحتي زادت سوءاً بتأثير تلك الصدمة غير الـمنتظرة، التي لا يبررها شيء غير جهل الذين ساعدوا، من جهتنا، على حصولها وسلوك الـخفة الذي سلكوه تـجاه مقدماتها وحيـن كان في الإمكان تلافيها، وبنتائج التوقيف الـمضني.

 

والنزالة السورية في الأرجنتيـن من أشد الـمجاميع السورية الـمغتربة تأخراً من الوجهة الاجتماعية والثقافية. الـمتعلمون من أفرادها علوماً ثنوية نادرون جداً، والـمتعلمون علوماً ابتدائية قليلون وأكثرهم بلغوا أن يقرأوا شيئاً في الإنـجيل والقرآن ولا معارف عمومية اجتماعية وسياسية عندهم. وصحفها منحطة مستوى الفكر والعلم.

 

بعد نحو شهرين أو ثلاثة من وصولي إلى الأرجنتيـن سافر الرفيق أسد الأشقر عائداً إلى أفريقية ومن هناك إلى الوطن، وبقي خالد أديب الذي كثر فساده حتى استحق الطرد. فبقيت وحيداً وفي حالة صحية سيئة جداً إلى حد أنه كان يصعب عليّ الكلام والـمحادثة أكثر من نصف ساعة وتؤلـمني فيزيائياً الـمناقشة ولم يبقَ لي جلد على إطالة الكتابة. ومنعت من أكل الـمقليات والتوابل والبيض ومن شرب الشاي والقهوة، فضلاً عن الكحل [الكحول] وصار أكثر طعامي الـخضر الـمسلوقة وبعض أنواع السمك الـمشوي أو الـمسلوق وقليل من اللحم الـمشوي. وحدد لي الأطباء مبلغ الغرامات من الـخبز واللبـن وغير ذلك. وفي هذه الـحالة كان يجب عليّ أن أواجه الأراجيف والإشاعات الغريبة، وليس أحد من الأعوان حولي. وبصبر وجلد طويليـن تغلبت على كثير من الصعوبات الأولية وحسنت الـحالة العامة، ولكن الـحرب قطعت الـمواصلة مع البرازيل، ولم يوجد في الأرجنتيـن أفراد قادرون على حمل مشعل العقيدة والنهضة. فاضطررت أخيراً للعمل التجاري لصيانة مركزي وحفظ كرامتي، وفي هذه الـخطوة تعرضت لأشد صدمات الدناءة فإنّ «رفيقيـن» منافقيـن، أحدهما «كاتب» يدعى جبران مسّوح، تناوبا الاحتيال عليّ لابتزاز ما أمكن من الـمال الذي اقترضته من ابن حمي ليكون رأسمالاً لي للتجارة. وقد تداركت الأمر وقد أشرف على الـخراب، ووقفت للأمر التجاري وحدي بلا خبرة سابقة، ولكني أعملت فكري وسياستي الاقتصادية واجتهادي، وأنقذت الـمحل التجاري الذي تسلمته على أثر فسخ الشركة مع الـمدعو جبران مسّوح تـحت عجز مالي، وربحت في السنة الـماضية ما عوّض خسارتي باختلاسات هذا الـمنافق، وأعتقد أني قد عوّضت في الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة ما يقارب كل الـخسارة مع الـمنافق الـمحتال الآخر، وتـجارتي الآن في تـحسن مستمر. وقد ابتدأت أرسل إلى فروع الـحزب هنا تبرعات مالية باسم خزانة الـحزب في الوطن لتكون قدوة تـحفّزهم للتبرع وجمع كمية لعضد مالية الـحزب.

 

زيارة الكابتان منصور لـحود للنزالة في الأرجنتيـن وإخباره عني: لا يسهل تصديق ما رواه الكابتان الـمذكور من أنه «سعى كثيراً للاتصال بي وإطلاعي على الـحالة في الوطن، الخ.» لأنه كان يسهل إيصال خبر إليّ برغبته. ويوجد في بوينُس آيرس فرع غير قوي للحزب ولكن الـمنفّذ العام، الرفيق خليل الشيخ، شخص معروف ومحبوب ومركزه الأدبي جيد وحالته الـمادية حسنة وللحزب هناك نادي «الـجمعية السورية الثقافية». ثم في بوينُس آيرس إبن حمي وهو تاجر معروف من زمان ومركزه التجاري جيد وحالته الـمادية جيدة ومحله التجاري في مركز التجارة وفي وسط سوري. ولو أنّ الكابتان حاول الاتصال ببيت حمي أو بالرفيق خليل الشيخ رئيس «الـجمعية السورية الثقافية» لكان توفّق إلى الاتصال بي بسرعة، وإذا لم يكن بإمكانه القدوم إلى توكومان، على مسافة 17 ساعة بالقطار الـمستعجل كان بإمكاني الانتقال إلى بوينُس آيرس وأنا أذهب إليها كل ثلاثة أشهر تقريباً. ومـما لا شك فيه أنّ الكابتان لـحود ألقى نفسه في أحضان أمثال روفائيل لـحود وأصحاب الـمآرب النفعية من الظاهرين في الوسط «اللبناني». وما نقله الكابتان لـحود عن الـمدعو روفائيل لـحود هو من التلفيقات الاحتيالية الرامية إلى غرض حقير - فلا روفائيل لـحود «رئيس تـحرير إحدى الـجرائد الكبرى» ولا هو «صديق الكولونيل بيرون الشخصي»، بل هو في حالة لا تؤهله ليكون صديقاً لأحد من ذوي الـمنزلة الاجتماعية لا بين الـمواطنيـن ولا بين الأرجنتينييـن. والـمسألة، في أفضل وجوهها، مسألة خدعة لا تزال تـجوز عند ذوي العقلية العتيقة. والـحقيقة التالية التي يعرفها جميع السورييـن في الأرجنتيـن تظهر من هو روفائيل لـحود - هذا الشخص سافر إلى الأميركتيـن بعد الـحرب 1914 - 1918 وكانت الـحكومة اللبنانية قد كلّفته، على ما يشاع، بـمهمة بين الـمهاجرين، ولا يبعد أن يكون هو قد ادعى تكليف الـحكومة له فزار الولايات الـمتحدة حيث نزل ضيفاً على أخ الرفيق أسد الأشقر ولم يترك أثراً حسناً هناك، ثم انتقل إلى الأرجنتيـن حيث نزل في أفخم فنادق بوينُس آيرس وأخذ يتظاهر بالسفارة والوجاهة، وصار يستقبل الـمواطنيـن في الفندق، وأذاع عن نفسه وأقام الاستقبالات ودعا مواطنيـن وجهاء إلى غداء وإلى عشاء، وأخيراً في آخر الشهر قدّمت له إدارة الفندق حساب نفقته ولم يكن يـملك شيئاً فلجأ إلى خدعة تنقذه من ذاك الـموقف الـحرج، فدخل غرفته وأخرج مسدساً كان يحمله وأطلق النار على فخذه موهماً محاولة الانتحار، فاتصل الـخبر بالنزالة واهتم بالأمر كهنة الرسالة الـمارونية، على ما أذكر الرواية، واستندوا الأكف وجمعوا مبلغ ما يطلبه الفندق ودفعوه ودفعوا عار تلك الـمهزلة القبيحة عن الـجالية.

 

وليس لروفائيل لـحود الـمذكور أية منزلة أدبية أو اجتماعية وقد أصدر منذ ثلاث سنوات، وبـمال الدعاوة الأجنبية، جريدة سمّاها الدفاع ولكنها لم تعش سوى أشهر معدودة فماتت، ولـجأ بعد ذلك إلى التحرير في جريدة لا قوة ولا نفوذ لها تدعى الزمان عدد قرائها لا يزيدون على ثلاث أو أربع مئة وصدورها غير منتظم. أما خدعة أنه «صديق الكولونيل بيرون الشخصي» فيمكن أن يصدّقها من يجهل كل الـجهل سوابق روفائيل لـحود الكثيرة التي لا لزوم لعدّها. وأما أنّ هذا السافل «نظّم حملة تهشيمية ضدي واستطاع إبعادي عن العاصمة» فحديث خرافة وفرع من فروع الـحيلة التي قد يكون القصد منها إيهام الـحكومة اللبنانية أنّ السافل الـمذكور ذو شأن ويصلح أن تنتدبه الـحكومة لسفارة أو قنصلية أو أية وظيفة أخرى يتمكن أن يـمتص مقومات عيشه منها.

 

إتصل الـمدعو روفائيل لـحود بي عند وصولي إلى الأرجنتيـن إذ التقى صدفة بالـمرافقيـن أسد الأشقر وخالد أديب في بعض الأوساط، وفي الـحال أخذ يحدّث الـمرافقيـن عن «علاقاته» بالأوساط الأرجنتينية، وأخذ يوهمنا أنه «يحرر جريدة كبرى أرجنتينية» خارج العاصمة، ثم أخذ يتردد على الرفيق أسد الأشقر ويحدّثه عن «كتاب يؤلفه» وأنه يحتاج إلى مبلغ مالي «لطبع الكتاب» وطلب أن نـمده نحن بالـمال، ولـمّا سافر أسد اتصل بي مرة وأخذ يتابع على سمعي قصة «كتابه» وكيف أنّ الـحزب يحتاج إلى دعاوة وكيف أنه صار غلط بقدوم الزعيم من غير تـمهيد سابق، وأنه إذا «طبع كتابه» يحصل له الـمال الكافي للتنقل في الأقطار الأميركية فيقوم بالدعاوة اللازمة للحزب، ويـمهد لزيارة الزعيم النزالات الأخرى، الخ. فقطعت أمله وأفهمته أنه لا يـمكنه الـحصول على مال مني «لطبع كتابه» وأنه لا مناسبة الآن لدرس مشروع سياحاته للإذاعة للحزب، فذهب خاسئاً وانضم إلى الـمرجفيـن ومشيعي الإشاعات السافلة، وهذا كل أمره فيما يختص بي وبالـحزب القومي الاجتماعي. ونصيحة في محلها تقدّمون للحكومة اللبنانية أن لا يكون لها أدنى احتكاك واتصال بـمثل هذه العقليات البشرية.

 

عودة الزعيم: إذا كانت الـحالة موافقة لعودة الزعيم إلى الوطن فيوجد لهذه العودة وجهان: 1 - أن يعود لضرورة مستعجلة كقرب الانتخابات اللبنانية ووجوب الاشتراك فيها. 2 - أن يعود لـحاجة مستمرة بصرف النظر عن الضرورات الـمستعجلة. وفي حالة الوجه الأول يتوجب عليّ الإسراع في تصفية أعمالي التجارية تصفية نهائية، أو السفر وإبقاء قرينتي لإتـمام التصفية على أن تلحق بي فيما بعد، وفي هذه الـحالة يجب الإسراع في عرض الأمور والإمكانيات الأكيدة واقتراح الوقت الـمناسب للسفر. وفي حالة الوجه الثاني يـمكنّي تصفية أعمالي في مدة تسعة أشهر إلى سنة إذا لم يـمكن غير ذلك، والسفر أنا وعائلتي حسب منهاج مدروس ومقرر من غير استعجال. ويترجّح أنه يـمكن تقصير الـمدة.

 

لو كنت تلقيت تقارير ومعلومات أكيدة منذ نحو شهرين لكان التخلص التجاري أسهل عليّ، لأني في الـمدة الأخيرة ارتبطت بعقد استيراد كمية كبيرة من الورق من أسوج أنتظر وصولها بعد نحو شهرين، واقتضاء ستة أشهر لتسديد ثمنها في غير حالة تصفية. فإذا تـمكنت من إيجاد حل لهذا العقد أو لتصريف الورق بثمنه الأصلي بسرعة سهلت كثيراً عملية التصفية. وفي كل حال يـمكنّي السفر لـخوض الـمعركة حالـما يصبح ذلك ضرورياً وتـحصل الـموافقة اللازمة من قِبل أصحاب الـحكم وذوي العلاقة ذات الشأن.

 

وفي انتظار رسالتكم الثانية أبلغكم وجميع أعضاء الـمجلس الـموقر ومجلس العمد الـمحترم وسائر الأعوان سلامي القومي. ولتحيى سورية.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro