مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
إلى الأب ميخائيل ذبيه
 
 
 
1943/10/19
 

أيها الرفيق العزيز والأب الـمحترم،


تسلمت كتابك الـمؤرخ في 29 سبتمبر/أيلول الـماضي الـمرسل إليّ بالبريد الـجوي، وسررت كثيراً بانضمامك إلى صفوف العامليـن في حركتنا لقضيتنا الـمقدسة. وقد ارتـحت إلى رغبتك في التحدث إليّ في مسائل متعددة تتعلق بسير الـحركة ومستقبلها. وكنت أود أن أجيب على جميع النقاط الواردة في كتابك بإسهاب، ولكن ضرورة الظروف الـحاضرة توجب الاختصار، وحضرتك قادر على استخراج الإسهاب من الإيجاز.


قد استحسنت، أيها الرفيق الكريـم الـمحترم، أن تخاطبني بـمودة الإخاء وليس في ذلك إساءة. أما الأسباب التي قدّمتها لتفضيلك نعت الأخوة على لقب الزعامة فقد تكون غير موفق في اعتمادها، لأنّ «الأخوة» في عرفنا، نحن السورييـن، هي مناداة اجتماعية عامة لا ترمز إلى شيء خاص ولا إلى فكرة معيّنة، واضحة. واستعمالها بكثرة في جميع الـحالات والـمواقف جعلها مبتذلة. ومع ذلك فأنا لا أكرهها وأحبها عندما تكون صادرة عن مودة حقيقية. وكما أنّ في الأخوّة معانٍ غير موجودة في الزعامة والرفقة، كذلك في الزعامة والرفقة معانٍ غير موجودة في الأخوّة. وأحب أن تتنبه إلى أن الـمعاني الروحية العظيمة الـموجودة في زعامتنا ورفقتنا لا يقوم مقامها شيء في عهدنا الـجديد.


لم أستغرب أنّ حالة الاجتماعات لم تعجبك، فأنت تريد بحث الـمسائل السياسية، والاجتماعات العمومية غير مخصصة لهذه الـمسائل. والإدارة عندكم رأت أن تكون الاجتماعات تعليمية في العقيدة ومزاياها وفي الـخطوط الأساسية الواردة في خطب الزعيم وتصريحاته، باعتبار أنّ خطب الزعيم ليست مجرّد خطب منها قديـم ومنها جديد. والتوافق الفكري والوحدة الروحية في الـحزب لا يقومان بدون الاطلاع في هذه وفهمها ضمن قواعد الـحركة، وليس بالتأويلات الـخصوصية الناقصة.

 

وقد تعلم أنّ انتقال الزعيم من بلاد إلى بلاد، لا يبتّ فيه في اجتماع عمومي في مديرية من مديريات الـحزب العديدة بناءً على الأسباب التي يبديها بعض الرفقاء والتي قد تكون جوهرية في ذاتها، بل لاعتبارات تقرر في مكتب الزعيم ويحسن أن لا تكون مشاعاً على ألسنة الرفقاء. وكم كان أفضل لو أنك أعلنت للمنفّذ العام الأميـن فخري معلوف عزمك على ذكر مسألة إمكان انتقال الزعيم إلى أميركانية في رسالتك إلي فلا يبعد أن يكون أشار عليك بعدم إبداء هذا الأمر حرصاً على سلامة العمل والـمعلومات.


تنتقل، أيها الرفيق العزيز والأب الـمحترم، في كتابك، من الـمعلومات إلى «بحث» أمور تتعلق بـموقف الزوبعة وسياستها في هذا الوقت. وقد ظهر لي من عرضك أنك غير مطّلع على السوابق والأسباب، وأنك متسرع في الاقتناع والـحكم في هذه الـمسائل. والـحقيقة أنه لا يـمكن حمل مثل هذه الأقوال: «فلماذا التناول من الشخصيات أحياء وأمواتاً. ولم تلقّب الزوبعة كل غير قومي (وقد يكون الـمعنى كل غير منضم إلى الـحزب) بالـخائن. ألا يجوز لزيد ما يجوز لعمرو، الخ.» على غير هذا الـمحمل.

فهل أنت على يقيـن أنّ هنالك «تناولاً من الشخصيات»، وأنّ الزوبعة «تلقّب كل غير قومي بالـخائن؟» فإذا كنت موقناً فلا أتردد في القول لك إنّ يقينك غير مبني على أسباب كافية واطلاع وافٍ وروية في الأمر.


وأود كثيراً أن تعير اهتماماً كلياً إلى أنّ هنالك مسائل وقضايا لا يـمكن حصر النظر فيها في دائرة «العداوة» للحزب أو عدم العداوة، كمسألة طلب وصاية وحماية وما شاكل. وإذا كان الرفيق جبران مسوح حمل على إذاعة صاحب السمير في هذا العدد حملة قوية دفعه إليها قوة عقيدته وشدة غيرته فهو قد أظهر موقفاً يقفه اليوم مئات وألوف ليس من الـحكمة الاستخفاف بشعورهم وأفكارهم. وجبران قد استعمل الـحق الذي تدافع عنه بقولك إنه «يجوز لزيد ما يجوز لعمرو».

 

وهذا يعني أنك لست مجرّداً من حق إبداء رأيك في موقف جبران على صفحات الزوبعة أو غيرها. ولكن إذا خطر لك أن تفعل ذلك وأجزت لأخيك هذا أن ينصحك، فنصيحتي أن لا تتخذ حادث فوز هارون وأسبابه مستنداً، فلا وجه للقياس بين تهمة وجود كمية من الدم الزنـجي في أحد من الناس وقضية طلب الـحماية لأمة تريد الاستقلال وتبرهن بنهضتها القومية الاجتماعية على أهليتها له.


وماذا أقول في قولك: «فماذا أفادنا الطعن بالقروي حتى وبشعره أيضاً. ألم يبعد عنا القروي ومريدين، وماذا أفادنا الطعن بفلان وبفلان وفلان؟، الخ.» إنك تـحلّ الوهم محل الـحقيقة والـحقيقة محل الوهم. فهذا الكلام كان الأصوب أن يوجه إلى القروي وأبي ماضي وفلان وفلان. فهم الذين قابلوا الـحلم بالـجهل، والرصانة بالتهجم، والتودد بالصلف، والصداقة بالعداوة، وكل واحد منهم حدث وكتب وخطب داساً وطاعناً قبل أن يخطّ أحد من القومييـن سطراً واحداً يـمسّ شعور أي منهم. وأما قولك «لو كان كل ما نشر في الزوبعة مدعوماً بالبرهان السديد»، فقول يحتاج إلى تـحقيق في صدد الأمور التي عرضت لها، مع اعتبار أنه يجوز أن يكون لبعض الكتبة حجج أقوى من حجج البعض الآخر في النقاش.


ثق، أيها الرفيق العزيز، أنه لم يكن شيء أشد ألـماً للزعيم من اضطرار الزوبعة واضطراره شخصياً، أحياناً، للدخول في مسائل كان يجب أن نكون في غنى عن الدخول فيها. وليس شيء أحب إلى قلبي من سلوك طريق التفاهم، التي يدل تاريخ حزبنا على أنها القاعدة الأساسية التي اتخذتها وسألت رفقائي اتخاذها. ولكن موقفنا كان موقف الـمضطر لا الـمختار. ولا يستطيع رشيد الـخوري ولا إيليا أبي ماضي، مثلاً، إنكار ما بذلت من الـمسعى، لتقريبهما من روح الـحركة، ومن الصبر على غمزاتهما وإساءاتهما، إلى أن خرجا إلى اتخاذ موقف العداوة الصريحة والـمجاهرة بالـمقاومة.


عملاً بهذه القاعدة - قاعدة التفاهم - أطلب منك، يا رفيقي العزيز، أن تتروى في انتقاداتك، وأن تتوخى التفاهم لا الاقتناع بالاستنتاجات الـخصوصية والوصول إلى بناء أحكام سريعة عليها. وقبل أن نطلب التفاهم مع الذين خارج الـحركة، يجب أن نتفاهم وأن يكون تفاهمنا تاماً داخل الـحركة. ولذلك أحب أن أراك تستعمل الصبر والروية والـحزم تـجاه ما تـراه وتسمعه في داخل الـحركة، كما في خارجها، وأن تتخذ، قبل كل شيء، قاعـدة أنّ الرأي رأي لا حكم. وطريقة إبداء الرأي هي غير طريقة لفظ الـحكم.


كل رأي وكل اقتراح مدعوم بتحليل ودراسة يوصلان إلى نتيجة أخيرة يقبل بكل سرور ضمن شروط الرأي والاقتراح وينظر فيه ويعطى حكمه. أما إذا كنت تظن كل شيء في الـحزب مخالف لنظريات عملت بها أمراً غير جائز أو غير صالح، فإذا سلّمت به لك أنا كأخ يحبك فيصعب كثيراً تصور أنّ الـمنظمة القومية الاجتماعية تقبله، وأنّ مجموع القومييـن يقرّه. أعود فأكرر وصيتي أن تتروى وأن لا تـجزع لـحالة قد تنتهي على غير ما تتصور وبطرق غير التي تخطط، إذا وقف الـمجموع القومي الـموقف اللازم. وأقول «قد» لكي لا تكون توكيداتي شديدة الوقع عليك.


لا أرى شيئاً في ما أبديته في كتابك يستوجب الـمحاكمة أو الطرد حتى ولا التأنيب. وأحب أن تعلم، يا رفيقي، أنني لا أتساهل البتّة في أمر أي قومي كان ووجوب مـمارسته حقوقه، وأنه ليس هيناً عندي وعند النظام القومي الذي يربطنا في الـحق والواجب ظلم أحد أو خسارة رفيق مخلص، غيور، مفيد. فلا يطرد أحد من الـحزب بخفة أو لغير أسباب موجبة. مهما كان وضيعاً أو رفيعاً، ولا يشهّر أحد، لا ضرر من ترك أمره مستوراً. وكما أنه لا خفة عندنا في النظر في الأفراد الـمرتبطيـن بنظامنا وعقيدتنا، كذلك نود أن لا نرى خفة في تقدير الأفراد لرابطتهم في الـمنظمة. لم أجدك فعلت حسنا في إثارة مسألة «انسحاب» أو «طرد». فهذه أمور يجب أن لا تكون سهلة وطفيفة وهيّنة بهذا الـمقدار. ولا يجوز التسرع في الـحكم على ما ظهر من طرد وغيره بدون معرفة الأسباب وبدون إقرار أنّ أصحاب الـمسؤوليات لهم تقدير في الأمور غير تقدير الـخاليـن من الـمسؤولية.


إذا قُدِّر والتقينا فلست أشك في أنك ستغيّر كثيراً من مواقفك واعتباراتك بما يـمكن أن أشرحه لك. وإذا قُدِّر غير ذلك فأشير عليك في هذه الظروف أن تقترب من الـمنفّذ العام الأمين معلوف وتباحثه في ما يخطر لك، بروح التفاهم والغيرة على النظام. والتفاهم يقتضي وجود الاستعداد لتغيير الرأي الذي يظهر عدم صوابه أو ضعفه أو عدم ملاءمته للغاية الصريحة والقاعدة الـمقررة بناءً على الإرادة العامة ضمن النظام، ولا يكن عندك شك في أنّ صدري مفتوح لكل ما تـحب أن تبثّنيه، سواء أردت أن يكون كلامك لزعيمك أو لأخيك.


أتـمنى أن يصل كتابي هذا إليك وأنت معافى وبخير وصفاء. زوجتي تشترك معي في قبول اهتمامك الـجميل وفي إهدائك السلام الـجزيل. ولتحيى سورية.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro