مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رسالة الأرجنتين الجمعية السورية الثقافية «طرد خالد أديب أخبار أخرى هامة»
 
 
 
سورية الجديدة،سان باولو،العدد 76، 1940/7/27
 

 

بوينُس آيرس في 21 يوليو/تموز 1940 - لـمراسل سورية الـجديدة

 

كان لاهتمام الزعيم برفع مستوى الـجوالي السورية الثقافي، وتوليد نهضة سورية ثقافية في الـمهجر، نتائجه الـمثمرة. فقد تـهيأت الأوساط القومية لتأسيس «الـجمعية السورية الثقافية» كما ورد مكرراً في رسائل ماضية. وأخيراً تمَّ تأسيس هذه الـجمعية التي هي الأولـى من نوعها في الـمهجر، في الثامن عشر من شهر يونيو/حزيران الـماضي. وإني أضم النشرة التي أذاعتها إدارة الـجمعية إلى هذه الرسالة ليصير نشرها ) إنّ النشرة الـمذكورة قد نشرت في العدد الـماضي من سورية الـجديدة).

 

ما إن ذاع خبر تأسيس هذه الـجمعية حتى سرت في أوساط الـجالية السورية موجة ارتياح. وسمعت كثيرين يقولون «الـحمد لله. قد ابتدأ مجموعنا هنا ينظر إلى الأمور الكلية ويحوّل نظره عن الشؤون الـجزئية الـمفككة.  وقد بدأ عندنا الشعور بالاتـحاد الشعبي. إنّ هذه الـجمعية ليست مارونية ولا أرثوذكسية ولا سنية ولا شيعية ولا علوية ولا درزية ولا لبنانية ولا شامية ولا فلسطينية، ولا شيء من هذه الـجزئيات الـمبعثرة التي فسّخت حياتنا وبلبلت أفكارنا ومعتقداتنا، بل هي جمعية سورية، وغرضها توليد نهضة ثقافية نفسية وبدنية، أي هي جمعية لـجميع السوريين من جميع البقاع السورية ومن جميع الـمدن ومن جميع النِحَل. فأهلاً بهذه النهضة الـموحدة الـمباركة.»

 

الـحقيقة أنّ تأسيس الـجمعية السورية الثقافية هو أعظم حادث اجتماعي جرى منذ بدء الهجرة السورية حتى اليوم. ولا بد من القول إنّ الـجمعية لا تزال في طورها التأسيسي، وهي الآن ساعية لاستئجار مكان صالح لإنشاء مكتبة وغرفة قراءة وغرفة لعب الشطرنـج، ويكون فيه بهو واسع للاجتماعات والـمحاضرات وإقامة الـحفلات. والـجمعية تعلم أنـها في بادىء الأمر لا تستطيع أخذ بناء فخم، وأنّ فخامة البناء ليست أمراً هاماً لها، بل الهامّ مكان صالح لـممارسة الأعمال الثقافية. ويُقدَّر أنـها بعد بضعة أيام ستستأجر مكاناً مناسباً. وحالـما ترتب الـجمعية شؤون الـمكان والتنظيمات الأولية، يشرع الزعيم في إلقاء سلسلة محاضرات في تاريخ سورية وموقعها ومزيجها الإتني ووضعيتها السياسية.

 

 

خيانة خالد أديب وطرده

 

لم أرسل إلى سورية الـجديدة في الأسبوع الـماضي غير نسخة من بلاغي مكتب الزعيم، الـمتعلق أحدهـما بخالد أديب وتـجريده من رتبة الأمانة. وكنت قد حاولت الوصول إلى جميع الـحقائق التي أدت إلى تـجريده من رتبته، إذ لا بد أن تكون أخطاؤه خطيرة. فالزعيم معروف بطول أناته وصبره واجتهاده في إصلاح كل من ينضم إلى الـحركة القومية، باعتراف خالد أديب نفسه الذي صرّح في حفلة الـجامعة الطرابلسية في يوليو/تـموز سنة 1939، أنّ كل ما فيه الآن من نور وكل أفكاره القومية التي بها صار رجلاً، إنـما هي قبس من روح الزعيم وفكرته.

 

لم يشأ الزعيم، ولا أحد من الـمقربين إليه، الإدلاء إليَّ بـمعلومات عن مسألة خالد أديب، لأن الزعيم أراد إبقاءها مسألة حزبية داخلية. ولكن خالد أديب لم يكن ذا أخلاق كافية تـحمله على السلوك مسلك الرجال. فقد دفعه فشله التام في الـحزب إلى الالتجاء إلى خداع الرأي العام الذي لا اطّلاع له على أمور الـحزب الرسمية والداخلية، فاتفق مع الـمطرود الـمدعو حسني عبدالـمالك الـمستخدم بصفة كاتب في جريدة السلام على إظهار مثالب عقليتهما، ونشر في عدد الـجريدة الـمذكورة الصادر في 18 يوليو/تـموز الـجاري كتابة فضحت مراميه الأثيمة الـمستترة. فادعى أنه ذو رأي سياسي، وأنه كان «على خلاف سياسي مع الزعيم»، مع أنّ جميع دوائر الـحزب وجميع الذين اتفق لـخالد أديب الاتصال بهم يعلمون أنّ الرجل عديم الفهم والاطّلاع السياسيين، وأنّ كل ما يتحدث به هو ترديد لـما قاله الزعيم مئات الـمرات في أحاديثه وخطبه.

 

وقد أدى ما نشره خالد أديب إلى إصدار الزعيم مرسوماً بطرده من الـحزب وعدّه خائناً، مع عدم تعطيل حقوق الـمحكمة الـحزبية في ملاحقة قضيته وإصدار الأحكام التي تراها واجبة بحقه.

 

وقد أرسل الزعيم إلى جريدة السلام بياناً هذا نصه:

 

«حضرة محرر السلام الـمحترم

 

«نشـرت جريدتكم في الصفحة الأولـى من عددها 3689 الصادر في 18 يوليو/تـموز 1940 كتابة للسيد خالد أديب تـحت عنوان «للحقيقة والتاريخ». ولـمّا كنتم قد أعلنتم في مقدمتكم للكتابة الـمذكورة أنكم تنشرونها عملاً بواجبكم تـجاه القرّاء، ولـمّا كان ما ورد في هذه الكتابة يتعلق بي وبالـحركة القومية، فأسألكم إجابة نداء الواجب الـمذكور ونشر هذا التصحيح والإيضاح في الصفحة الأولـى من أول عدد يصدر من جريدتكم، خدمة للحقيقة وتنويراً للقرّاء.

 

«جاء في الـمقدمة لكتابة السيد أديب (وهي من قلم التحرير) أمور رأيت أنـها غير مضبوطة وهذا ضبطها:

 

«إنّ السيد خالد أديب دخل الـحزب السوري القومي في طرابلس بعد أن مرَّ على تأسيس الـحزب لا أقل من سنتين، وبعد أن كانت تأسست في طرابلس إدارة مركزية على رأسها الدكتور سميح علم الدين. وحين اكتشاف أمر الـحزب وإلقاء القبض على الزعيم والأركان أولاً، ثم على عدد كبير من الأعضاء، أوقف خالد أديب في طرابلس بضعة أيام فقط. ولم يكن له أي اتصال بالزعيم مباشرة إلا مؤخراً في بعض مهمات ثانوية تتعلق ببعض الأشخاص. ولم يكن من الذين حملوا مسؤوليات سياسية إلا في بعض الـمديريات وفي منفذية طرابلس لـمدة قصيرة. ومنفذية طرابلس لم تكن مسندة إليه بل إلى مصطفى خالد الـمقدم الـمشهورة مواقفه. وليس خالد أديب ناموساً خاصاً بالزعامة ولا مكلفاً من قبل الـمجلس الأعلى كمعتمد ولا كشيء آخر. وكنت قد ألـحقته بـمكتبي في بدء الرحلة بوظيفة ناموس من درجة ثانية، ثم عزلته لتقصيره ولـمسؤوليته في حادث التوقيف في البرازيل ولإساءته التصرف، وهو الآن ليست له أية وظيفة، وقد خسر رتبة الأمانة التي مُنحها لأسباب مدونة في سجلات مجلس العمد والـمجلس الأعلى ثم خسرها بناءً على ظهور قصوره ومسؤوليته.

 

«أما ما كتبه السيد خالد أديب نفسه، الذي أصبح مطروداً من الـحزب، ليستر فشله، فهو كلام مقصود منه تأويل الـحقيقة وتـحريف النصوص وتشويش الـحوادث لـمصلحته. فهو لم يكن مرة من الرجال الذين لهم دخلٌ في سياسة الـحزب أو إدارته العليا، وليست له في الـحزب أو في أية دائرة من دوائره آراء سياسية. وهو لم يكن له معي أي حديث سياسي، ولا يسمح له شأنه ومركزه أن يكون له معي تبادل أحاديث وآراء سياسية.

 

«وأما ادعاؤه أنـي كتبت إليه بعد خروجي من الوطن، وأنه هو سعى وعمل وأرسل مالاً، فهو كلام ملفق. إني خابرت الـمنفّذ العام للشاطىء الذهبي الذي كان أسد الأشقر، والـمال الذي تسلمته لنفقات الرحلة من منفذية الشاطىء الذهبي كان من الـمنفذ العام، أو من ناموس الـمنفذية رفيق الـحلبي. وفي سجلات مكتبي الوثائق الـمتعلقة بهذه الـحقيقة وهي تنفي كل ادعاءات خالد أديب الباطلة.

 

«إنّ الوثائق التي في حوزة الإدارة بخط خالد أديب وإمضائه تثبت ما يلي:

 

1 - إعتراف خالد أديب بأنه كان يغش الزعيم ويكذب عليه.

 

2 - إثبات بخط يده لـمسؤوليته في حادث توقيف الزعيم في البرازيل.

 

3 - تبلّغُه، تـحت توقيعه، فصله عن مكتب الزعيم في 13 يونيو/حزيران 1939.

 

4 - إفادة بتوقيعه تثبت عدم فهمه مهمة الرحلة والعمل الـمطلوب.

 

5 - وثائق أخرى مالية وغيرها تثبت سوء أمانته.

 

«وجميع هذه الوثائق يـمكن لأيّة هيئة صحافية أو غيرها أو لأيّة شخصية لها وزنها طلب الاطّلاع عليها.

 

«هذه الـحقائق البسيطة تعطي البيان الكافي عما يكتبه السيد خالد أديب.

 

«وتفضلوا بقبول سلامي واحترامي.»

 

في 19 يوليو/تـموز 1940                                                            «التوقيع»

 

 

 

وبـما أنّ خالد أديب لـجأ إلى الـمطرودين وإلى الإعلان والتأويل، فقد أجاز لي الـمقربون إلى الزعيم الاطّلاع على الـحقائق التي أعلنها الزعيم في السابع من يوليو/تـموز الـجاري، حين شرح رحلته وأعلن تـجريد خالد أديب من رتبته وغيرها من الـحقائق الـمتعلقة بخالد.

 

والظاهر أنّ خالد أديب كان يخبىء في صدره فكرة خصوصية يحاول تـحقيقها بصحبته للزعيم. ومتى علمنا أنه خالف سنة 1937 تعليمات الزعيم، وسافر إلى أفريقية لكي يتجنب عاصفة الانتخابات النيابية في لبنان، وما قد تـجرّه من ذيول يصيب الـحزب السوري القومي شيء من مساوئها ونتائجها، وأنه لم يعد إلى وضع نفسه ضمن النظام إلا بعد أن خسر الرأسمال الذي كان أبوه قد أعطاه إياه ليشتغل مع أخيه في أفريقية الغربية. والـمنفّذ العام السابق للشاطىء الذهبي الرفيق أسد الأشقر كان قد كتب إلى الزعيم يقول: «إنّ خالد أديب قد خسر في تـجارته ويقصد الرجوع إلى الوطن»، وعلمنا أنه هو أرسل يعرض على الزعيم أن يرافقه وأسد الأشقر في رحلته، بدلاً من رئيس مجلس العمد وعضو الـمجلس الأعلى الأمين نعمة ثابت وعضو الـمجلس الأعلى الأمين معروف صعب، مغرياً أسد الأشقر بالـجاه الذي يـمكن اكتسابه من مرافقة الزعيم ليحمله على القيام بنفقته أثناء الرحلة - متى وقفنا على كل ذلك ابتدأنا نتصور أنّ خالد أديب رمى إلى غاية خفية من وراء مرافقة الزعيم. ومتى علمنا أنّ الزعيم لم يسلّم باصطحاب الرفيق أسد الأشقر وخالد أديب إلا بعد أن وجد أنّ معاملات الأمينين نعمة ثابت ومعروف صعب تلاقي صعوبات من قبل السلطة، وتقتضي بعض الوقت لترتيب الوضعية أثناء غياب رئيس مجلس العمد، أدركنا أنّ الزعيم، وإن كان يـميل إلى تقريب الرفيق أسد الأشقر إليه ليدرس مواهبه ويعطيه التوجيهات الـمفيدة له، فهو لم يكن يعوّل على خالد أديب قط. ويعلم الـجميع أنّ الزعيم وصل إلى البرازيل وحده، مريضاً مُعياً، وأنه ما كاد يصل الرفيق أسد الأشقر وخالد أديب إلى البرازيل حتى أصدر الزعيم قراراً بإلـحاقهما بـمكتب الزعيم بصفة ناموسين لشؤون الرحلة فقط. فعيّن أسد الأشقر ناموساً أولاً ومتسلماً مكتب الزعيم، وعيّن خالد أديب ناموساً ثانياً، وكلاهما من درجة ثانية. ثم انتقل الزعيم من الفندق إلى بيت أخته في ضاحية «ايبرنغا» بعد أن أفهم الناموسين وضعية البلاد ووجوب الـحذر، متى نشطت الأفكار من سعاية السعاة.

 

لم يكن الزعيم يستطيع الإشراف على الأعمال التي يقوم بها مرافقاه بسبب مرضه، وجميع الذين زاروه في بيت أخته كانوا يرون دلائل الضيق والإعياء اللذين كان يتألم منهما، فسار الناموسان الـجديدان على هواهما وسلّما قيادهما إلى شخص يدعى جميل صفدي كان يُظهر إلـحاحاً غريباً في الاقتراب من مكتب الزعيم، وحذّرهما الزعيم من فضوله.

 

وكان خالد أديب ينتهز الفرص ليروي للزعيم وللرفيق أسد الأشقر حكايات «ملاحظاته»، ويتظاهر بأنه يفوق جون سنكلر وشرلوك هلمز بدقة ملاحظاته. أما الزعيم فكان مرضه يـمنعه من القبض على زمام الأمور، وأما أسد الأشقر فكان يصدق الشيء الكثير من فصول خالد أديب «الدنكيخوطية». ولكن الزعيم لاحظ من سؤالاته للناموسين، أنّ العمل لا يسير كما يرغب، فطلب من متسلم مكتبه وضع تقرير بالاشتراك مع الناموس الثاني بجميع الأشخاص الذين يتصلون بهما، وتعيين ما يقدّران أنّ كل واحد منهم يقدر على القيام به في الـحركة القومية. فلم يفهما ما قصد الزعيم فوضعا تقريراً أخطآ به القصد وأساءا إلى بعض أصدقاء الزعيم من وجهاء الـجالية وكبار أدبائها، وقدَّما إلى الزعيم القسم الأول منه وأبقيا القسم الثاني معهما. ولم يتمكن الزعيم من النظر في هذا التقرير لأن حالته كانت شديدة.

 

أخيراً وجد الزعيم نفسه مضطراً لأن يكون تـحت معالـجة دقيقة بالأشعة فوق البنفسجية لتهدئة حالته العصبية. وفي هذه الـحالة أوقف بوشاية بعض السوريين الذين زيّنوا لإدارة الشرطة في سان باولو أنّ الزعيم يعمل لـحساب ألـمانية وإيطالية. وقد عرف الزعيم، بعد أيام على توقيفه، باعتراف أسد الأشقر، أنه وخالد عرفا أنّ أحد رجال التحري جاء يبحث عن الزعيم، وأنـهم أوقفوا رجلاً سورياً يدعى أنطون سعد لتشابه اسمه واسم الزعيم، وكان ذلك قبل حصول التوقيف ببضع ساعات. واعترف خالد أديب بأن هذا الأمـر صحيح. حينئـذٍ رأى الـزعيم أنّ الأمر ليس بسيطـاً، وأنّ هنـالك تبعة عظيمة الـخطورة تقع على الناموسين ولكنها تقع بالأكثر على خالد أديب، الذي منحه الزعيم رتبة الأمانة وهو في أفريقية بناءً على طلب رئيس مجلس العمد الأمين نعمة ثابت، لأسباب موجودة في سجلات الدوائر العليا، والذي اختبر في الوطن شؤون التحري، وكان يتبجح بأنه أقدر من مدير «اسكطلند يارد». وللحال أوضح الزعيم في سجن التوقيف للناموسين خطورة التبعة الـملقاة عليهما، وأخبرهـما أنّ قضيتهما تستحق أن يحالا على الـمحاكمة أمام محكمة حزبية عليا. فحالاً امتقع لون خالد أديب وأخذ يحلف أنه أمين للزعيم حتى الـموت، وشرع يبكي والدموع تـهطل من عينيه، ولا بكاء امرأة أسقط في يدها.

 

ومـما لا شك فيه أنّ خطورة أمر توقيف الزعيم عظيمة، خصوصاً والزعيم كان في حالة مرض فتعرضت صحته لـخطر عظيم. وقد خرج من التوقيف في حالة تدعو إلى عناية دقيقة. هذا فضلاً عن خطورة ترك أوراق مكتب الزعيم للوقوع في أيد غريبة.

 

حين وصل الزعيم إلى الأرجنتين كان لا يزال في حالة صحية دقيقة ولكنه لم يشأ تعريض نفسه مرة أخرى، وتعريض الرحلة للفشل، فأصدر في 13 يونيو/حزيران 1939، أي قبل مرور شهر على قدومه إلى الأرجنتين مرسوماً بفصل الرفيق أسد الأشقر وخالد أديب عن مكتبه وإقالتهما من وظيفتهما فتبلغاه ووقعاه. والـمرسوم محفوظ في سجلات مكتب الزعيم وعليه توقيع خالد أديب وأسد الأشقر. ثـم إنّ الزعيم عيّن الرفيق أسد وكيلاً عاماً لـمكتب عبر الـحدود في الـخارج، فسافر ليقوم بـمهام وظيفته الـجديدة وأصدر قراراً بإلـحاق خالد أديب به بصفة «معاون» ريثما يتمكن من العودة إلى الوطن ووضع نفسه تـحت النظام هناك. وهذه الوظيفة ذات صفة وقتية، أو هي ليست وظيفة ثابتة في الـحزب، وقد أصدر الزعيم إلى خالد أديب تعليماته أن يسافر «حالـما يستحصل على الإمكانيات اللازمة.»

 

ولم يشأ الزعيم أن يكون قاسياً مع من عرّض حياته للخطر مع سابق علمه به، فأبقاه معه في غرفته يقاسمه الـمسكن والطعام فبقي خالد أديب برفقة الزعيم وظل يتظاهر بأنه ناموسه، ولكنه لم يأتِ عملاً غير التحدث إلى من يتفق أن يلتقي بهم في بوينُس آيرس عن فكرة الـحزب، وغير قصّ الأقاصيص الـمختلقة عن بطولته.

 

تساهل الزعيم مع خالد أديب ما أمكن التساهل، ولكنه لم يغفل الـحصول على الوثائق الـمتعلقة بحادث التوقيف، فأمر أسد الأشقر وخالد أديب برفع تقريرهما عن الـحادث الـمذكور، وبأن يشرح كل منهما كيف بلغه الـخبر الأول عن سعي التحري، وماذا عمل بعد علمه بذلك. فرفع خالد أديب تقريره إلى الزعيم في 24 مايو/أيار 1939 وهو بخط يده وبصفته ناموساً ثانياً في مكتب الزعيم وبتوقيعه، ورفع أسد الأشقر تقريره بخط يده وتوقيعه في 29 مايو/أيار 1939، فأضافهما الزعيم إلى التقارير التي طلبها من القوميين الذين شهدوا الـحادث في سان باولو، وربط الـجميع في إضبارة واحدة.

 

لم يشأ الزعيم أن يـحيل الرفيق أسد الأشقر وخالد أديب في الـحال على الـمحاكمة، لأنه أراد أن يعطيهما فرصة للتفكير.أما أسد الأشقر فقد كان ظاهراً أنّ خطأه كان لعدم خبرته، إذ هو دخل الـحزب في أفريقية الغربية بواسطة الرفيق رفيق الحلبي، ولم يتسنَّ له الاطلاع عن كثب واختبار معارك الحزب والتمرن على دقة النظام والمسؤولية. وقد أظهر استعداداً للتعويض بالعمل كوكيل لـمكتب عبر الـحدود. وأما خالد أديب فقد رأى، تنفيذاً لـخطته الـمرسومة، أن يلازم الزعيم ما أمكن طمعاً بالشهرة وبالوصول إلى تنفيذ أمر ستنظر فيه محكمة الـحزب العليا.

 

منذ مدة ابتدأت تظهر أدلة جديدة على ما يـمنّي نفسه به خالد أديب، إذ صار يجتمع كثيراً ببعض الرجعيين الـمتعصبين الذين قالوا له: «إنّ الـحكم في بلادنا كان دائماً لنا نحن الـمسلمين السنيين، فلماذا لا تكون أنت الزعيم؟» وقد خدعت بساطة هؤلاء الأشخاص خالد إلى درجة أنه أخذ يجرّب تقليد الزعيم في جلسته، حتى روى شاهد أنه صار يقف ساعات أمام الـمرآة يتمرن على تقليد الزعيم بتقطيب حاجبيه ونظراته!!!

 

ومـما لا شك فيه أنّ الـمرء يحتاج إلى مقدار كبير من السخافة ليصدق أنه بـمثل هذه الوسائل الصبيانية أو القردية يصير ذا شأن في حركة قومية تحتاج إلى رجال أفكار وأعمال لا خاملين مقلدين.

 

وقد شهد شهودٌ أنّ خالد أديب كان يسبب للزعيم، أثناء مرضه، عذاباً أليماً بتصرفه، خصوصاً حين أهـمل تنفيذ تعليمات الزعيم الـمتعلقة بالسعي للاستحصال على شهادة من السلطة الأرجنتينية بـمدة الإقامة التي مضت لترسل إلى الـمحكمة العسكرية في بيروت لتبرئة أركان الحركة الـموقوفين هناك، فهو كان كل يوم يخدع الزعيم بقوله ذهبت إلى محل كذا ويجب انتظار كيت، حتى قام الزعيم واتصل بنفسه بالسيد يعقوب غطاس فوجد أنّ خالد أديب كان يخدعه ويغشه في ما يقول. وهذا الأمر أضاف دليلاً جديداً على مقاصد خالد أديب الـخفيّة!

 

الآن قد اتضح لكل بصير أنه لو كان خالد أديب مخلصاً وصادقاً في ما يدعي، لكان لـجأ إلى الطرق الـحزبية القانونية، إما إلى الـمحكمة الـحزبية وإما إلى بعض الـمراجع العليا، ولـمّا كان لـجأ إلى مخاطبة من لا يعرفون شيئاً من دخائل الأمور، فإذا كان على حق فدوائر الـحزب تنظر في الأمر وتنصفه. ولكن خالد لم يسعه إلا الاعتراف بكل ما ذكره الزعيم أمام نـحو أربعين أو خمسين من القوميات والقوميين عن تصرفه، وبأنه كان ينتحل أقوال الزعيم وأفكاره ليظهر بـمظهر الـمفكرين أصحاب الآراء.

 

قد ذهب خالد أديب في طريق الـخائن جورج حداد مقتفياً خطواته خطوة خطوة، ومستعملاً الطرق والوسائل عينها التي استعملها جورج حداد الذي انتهى به الأمر إلى الإجرام، واقتلع أذن العميد الأمين جورج عبدالـمسيح حين انتزع منه هذا الأخير الـمسدس الذي شهره عليه وخبر هذه الـحادثة مشهور. وقد انضم خالد أديب الآن إلى الـمطرودين هنا حسني عبدالـمالك وجبران سابا فليهنأ بهما. وليتعزَّ بأنه ليس أول خائن ولا آخر خائن نال رتبة أو كلّف بوظيفة. ولم يكن يوضاس آخر من ينزل التاريخ ملعوناً لأنه خان معلمه وزعيمه!

 

كان الـمنتظر أن يصدر إيضاح الزعيم في جريدة السلام يوم أمس ولكنه لم يصدر،  وقد بلغني أنّ حسني عبدالـمالك وجبران سابا قد اتفقا مع صاحب الـجريدة على فائدة، لأن صاحب الـجريدة قال للذي جاءه برسالة الزعيم إنه «لا يجوز له» أن ينشر شيئاً قبل أن يفرغ من نشر ما يطلب نشره خالد أديب وحسني عبدالـمالك الذي يساعد خالد أديب على لغته.

 

بقي أن أشير إلى أنّ التقرير الذي طلبه الزعيم من الناموسين وقع مع أوراق مكتبه في أيدي التحري، وحمله التراجمة إلى الذين يـمسّهم كلامه، فسبّب ذلك استياء شديداً، لم يبدده فيما بعد سوى وجود مذكرات الزعيم التي تشير إلى بعض الشخصيات التي يـمسّها التقرير بكلام فيه التقدير لهذه الشخصيات. أما عبارات التقرير فمستقاة من معلومات جميل صفدي، يؤيدها غرور خالد أديب الذي كان يقلّد الزعيم في وقاره علناً، ويسخر بكل شخص وكل شيء عندما يخلو بـمن يثق بكتمانهم. وقد كان قصد جميل صفدي ومن هو وراءه إيقاع العداوة بين الزعيم وعدد من الشخصيات، وكان خالد أديب يبذل جهده لتحقيق غرض جميل صفدي لينال هو مآربه. وفي مكتب الزعيم كتب من جميل صفدي يقول فيها إنّ أخاه أصبح على يقين من أنّ السيد باسيل يافث هو الذي أرسل الوشاة إلى دوائر التحري السياسي ليقدموا لها تلك الوشاية الدنيئة، ولكن الزعيم لم يُجِب على هذه الكتب وأبقاها لتدل على مآرب صاحبها.

 

رواية «في سبيل التاج»

 

كان القوميون الذين عزموا على إنشاء «الـجمعية السورية الثقافية» قد باشروا منذ بضعـة أشهـر التمرن على رواية «في سبيل التاج» ليدشنوا بتمثيلها أعمال الـجمعية الفنية. فما إن درى بالأمر بعض الناس وبلغ الـخبر صاحب الاتـحاد اللبناني و«الـجامعة الـمارونية اللبنانية» حتى ابتدأت هذه الـجماعة تسعى للحصول على نسخة من هذه الرواية لتزاحم عليها الشباب القومي وتفسد مشروعهم. ويقال إنهم دفعوا لزكي قنصل مبلغاً ليحصل على نسخة، فانضم إلى الشباب القوميين وأخذ دوراً في الرواية، وتظاهر بأنه يريد نسخ أدوارها لكل مـمثل، فلما أتـمّ نسخ الرواية إنسحب من التمثيل!

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro