مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رسالة الأرجنتين الشهرة على حساب الحزب السوري القومي (1)
 
 
 
سورية الجديدة،سان باولو،العدد 77، ، 1940/8/3 العددان 79 و 80، 1940/8/24
 

 

بوينُس آيرس في 16 يوليو/تموز 1940 - لـمراسل سورية الـجديدة.

 

أرسل إليَّ صديق ورفيق في بوينُس آيرس بعض ما نشر عن الـحزب السوري القومي في تلك الـمدينة، فوجدت بين الـمواد قطعتين نشرهما السيد زكي قنصل[1]  الذي ألقى، في أول مارس/آذار الـماضي، قصيدة قومية جيدة الروحية حملت الكثيرين على الاعتقاد أنّ السيد قنصل قد صار قومياً بالفعل، فرأيت أن أكتب شيئاً في هذا الـموضوع:

 

منذ أعلن أمر الـحزب السوري القومي في حادث اعتقال الزعيم وأركان إدارته وظهرت خطورته للناس من خلال التحقيق والـمحاكمة، حدث تشنج عنيف في نفسية الشعب السوري وفي نطاق واسع من النفسيات الفردية، واتقدت في صدور عدد كبير من الأفراد «الـمتنورين» نار الغيرة أو نار الـحسد، كما جاء في كتاب إلياس فرحات إلى الزعيم، في الوقت عينه الذي اجتاحت فيه عواطف الإعجاب والإكبار نفوس مئات الألوف من الشعب. كل من أمسك مرة قلماً، وكتب مقالة تـحمل أفكاره أو أفكار غيره، أو نظم قصيدة لا فرق بين أن تكون روحيتها وأفكارها من عنده أو من عند غيره، وذيّلها بإمضائه وأصبح «أديباً كبيراً» أو «شاعراً من فحول الشعراء»، ولم تكن له مناقب وأخلاق متينة تقيه الغرور صار يحسد سعاده «على خرقه النظم الطبيعية وبزوغ شمسه في منتصف ليل انحطاط أمتنا.» فسارع عدد منهم، في الوطـن إلى اقتبـاس الأنظمـة الشكليـة للحـزب السـوري القومــي، والادعاء أنـهم هم فكروا في إبداع حركة مثل حركة الـحزب السوري القومي، مستـندين إلى بعض أفكار أو أمانـي جزئية لاحت لهم في ظرف من الظروف. وقام آخرون يتصدون لـمعارضة مبادىء الـحزب السوري القومي ليقال إنهم أهل رأي ونظر، وليسوا بحاجة لأن يقودهم أنطون سعاده، مفضلين الـمكابرة والعناد والـمراوغة على التسليم بالـحقيقة.

 

جميع هؤلاء الذين ذكرتهم أخذوا يأتون الـمحاولة إثر الـمحاولة، ويهيمون في كل واد لإيهام الناس أنّ أنوار النهضة السورية القومية التي أنشأها سعاده لا تكسف «أنوارهم». وليس هنا الـمجال لتعداد محاولاتهم ووصف هيامهم وإعجابهم بأنفسهم. ولكن لا بد لي من ذكر بعض السوابق لبعض الـحوادث الأخيرة التي حدثت في الأرجنتين.

 

كان لظهور الـحزب السوري القومي وقعٌ عظيم في أوساط الـجالية السورية في هذه البلاد، كما كان له وقعٌ عظيم في كل وسط سوري آخر. وكان من نتائج هذا الوقع في الأرجنتين أن اندفع نفر من الشباب، في مقدمتهم إلياس قنصل وزكي قنصل، لإنشاء ما أطلقوا عليه «عصبة الشباب السوري»، جرياً مع التيار الـجديد ولو على غير هدى. ولكن «عصبة الشباب السوري» لم تعمر طويلاً فانفرط عقدها وتـحوّل بعض أفرادها إلى هدف سياسي آخر.

 

في الـخطاب الذي ألقاه الزعيم في حفلة أول مارس/آذار الـماضي أبان كيفية وصوله إلى الأرجنتين، وقد نشر ملخص ذلك الـخطاب في العدد الثالث والستين من سورية الـجديدة. وكانت قد سبقت الزعيم إلى الأرجنتين الإشاعات الـمغرضة عن توقيفه في البرازيل، وظهرت بعض حركات عدائية من أشخاص هنا يعملون لأغراض فخري البارودي. فكان من وراء ذلك أنّ بعض الـمتنورين أو «الأدباء الكبار» وقفوا بعيداً يراقبون ما يجري، وفي عداد الذين وقفوا هذا الـموقف السيد زكي قنصل الذي مال إلى مـمارسة النظم منذ مدة، ونظم عدداً مـما يعرف في الاصطلاح بالقصيدة. فهو تهفو نفسه حيناً إلى النهضة السورية القومية، وحيناً يعود فيتشبث بسلوكية الـمجتمع اللاقومي الـمبلبل الذي نشأ فيه «أدبه». إنه أحد هؤلاء الذين يرغبون في السير إلى الأمام، ولكنهم يخافون ألا يسير الـجمهور معهم. وبعد فزكي قنصل «أديب وشاعر»، فقد كتب مقالات ونظم قصائد، فهو لا يستطيع «الـمجازفة بـمركزه» بهذه السهولة.

 

لـمّا وجد السيد زكي قنصل أنّ الـمبادىء السورية القومية تلاقي إقبالاً في أوساط الـجالية في الأرجنتين، أراد أن يتثبّت من أنّ هذا الإقبال حقيقي، فكتب إلى الكاتب القومي الرفيق جبران مسوح يسأله: «أصحيح أنّ الـمتحد السوري في توكومان قد فهم رسالة سعاده؟»

 

ولـمّا اقترب أول مارس/آذار وشعر بتحرك أوساط الـجالية في بوينُس آيرس للاحتفاء بـمولد مؤسس سورية الـجديدة وواضع قواعد نهضتها، نظم قصيدته التي نشرت في العدد 56 من سورية الـجديدة وألقاها في الـمأدبة التي أقيمت على شرف الزعيم. وقد كانت قصيدة زكي قنصل خروجاً على التردد والغموض إلى الصراحة واليقين، فهو فيها سوري قومي يقول بنهضة سورية وبزعامة سعاده. وفيها هذه الأبيات التي لا تبقي مجالاً للشك:

 

نــهضت ســـوريا يــقـــود إلى الــمــجـ

 

                                                    د خــــطــــاها زعـــيــمــهـــا الجبــــار

 

يـا زعــيــمـــاً تــرنــو الــقــلـوب إلــيــه

 

                                                    بــــخــشــوع وتــنــتـــهـــي الأنــــظــــــــــار

 

عــقـــدت ســـوريــة عــليــك رجــاهـا

 

                                                    واســتــظــلّــــت بـــــــرأيــــــــــك الأحـــــــــــــــــرار

 

إيـــــــه آذار مــــــا ذكـــــرنـــــــاك إلا

 

                                                    صــفّـــق الـمجد واشــــــــــرأبّ الــفــخــــار

 

أنــــــت تــــــــــاريــــــــــخ أمــــــــــة أيــــــقـــــــظــــــتــــــهــــا

 

                                                    من كـهـوف الــونـى خـطـوبٌ كــبــار

 

أنت فـــجـــر تـــلا مـن الجهـــل لـــيــلا

 

                                                    عــشــيت في ظـــلامـــــه الأبــــــصــــار[2]

 

هذه الأبيات الصريحة حملت بعض القوميين على الاعتقاد أنّ زكي قنصل قد ترك عنعنات البيئة اللاقومية الـمريضة، وانضم بالفعل إلى صفوف الذين صاروا أمة واعية «يقود إلى الـمجد خطاها زعيمها الـجبار». والظاهر أنّ بعض هؤلاء القوميين اعتقدوا أنّ زكي قنصل مخلص ويعني ما يقول، فإذا بالسيد زكي قنصل يعود أدراجه وينشر في جريدة السلام بتاريخ 4 مايو/أيار الـماضي هذا «الإيضاح»:

 

«كتب إليَّ أديب من إخواننا في البرازيل أنّ صديقاً له في الأرجنتين نبّأه بأنـي قد أصبحت عضواً في الـحزب السوري القومي، وبوقاً من أبواقه، فإثباتاً للحقيقة ودفعاً للتضليل أعلن أنّ هذا الـخبر غير صحيح، فأنا لـم أنضم إلى الـحزب الـمذكور ولم أقم له بـ «الدعاية الواسعة» التي يشير إليها الصديق الأرجنتيني الدار وإن كنت أؤيد الكثير من مبادئه وآرائه الاجتماعية.»

 

وواضح من هذا «الإيضاح» أنّ زكي قنصل قد وقع في ورطة مع رصفائه من أدباء عهد الانحطاط، فأراد التخلص منها، فلجأ إلى إعلان هذا الإيضاح الذي يورطه تـجاه النهضة السورية القومية وتـجاه الرأي العام، لأنه ينقض موقفه في أول مارس/آذار. ومـما لا شك فيه أنّ زكي قنصل حاول تـجنب هذه الورطة الـجديدة فوضع عبارته: «وإن كنت أؤيد الكثير من مبادئه وآرائه الاجتماعية» أي بإخراج مبادئه السياسية والاقتصادية والـحقوقية فيبرر بهذا التأييد الكسيح قصيدته البريئة من الزمن.

 

بيد أنّ ورطة الرجوع على قوله الصراح لا تقف عند هذا الـحد، بل تتناول شيئاً أهم من «الـمبادىء والآراء الاجتماعية». إنها تتناول الـمبادىء الـمناقبية في قوله «ودفعاً للتضليل» فهذه العبارة الـخطيرة تطعن «الصديق الأرجنتيني الدار»، كائناً من كان، بتهمة التضليل. والـحقيقة هي أنه إذا كان هنالك تضليل فالتضليل صادر عن السيد زكي قنصل نفسه، الذي ألقى قصيدة غير مأجورة، وبـمطلق رغبته في عيد مولد سعاده، يؤيده فيها تأييداً خالياً من كل قيد ومن كل شرط، ويقول فيه: «أنت سفر من الـحياة تـجلى فيه أسـمى ما تبدع الأفكار» فإذا كان «الصديق الأرجنتيني الدار» لصديقه «الأديب الكبير» في البرازيل قد ضلّله موقف زكي قنصل وقوله الصراح في قصيدته الـمذكورة، حتى اعتقد أنّ زكي قنصل قد أصبح سورياً قومياً نظامياً بدليل قوله «واستظلت برأيك الأحرار. وأثرها - فديت - زوبعة حمراء فالـمجد ثورة وانتصار. فأفـىء ظلك الـمجيد علينا تتجنب لقاءنا الأقدار»، فالتضليل ليس صادراً عن «الصديق الأرجنتيني الدار» ولا عن أحد من القوميين بل عن السيد زكي قنصل نفسه، الذي جاء يعلن لنا في «إيضاحه» أنه لا يؤيد إلا «الكثير من مبادىء الـحزب السوري القومي وآرائه الاجتماعية» فقط. هذا إذا كان السيد قنصل لم يقصد من قصيدته سوى التحبب إلى القوميين، والظهور بـمظهر شاعر قومي في يوم مشهود، وفي هذه الـحالة يستطيع أن يقول إنّ صراحة أقواله لم تكن إلا من موجبات البيان، وإنّ الاستفاقة الظاهرة في قصيدته لم تكن سوى فن صناعي تقتضيه ضرورة البديع، وإنّ قوله «أمتـي سورية والزوبعة الـحمراء وآذار تاريخ أمة»، وغير ذلك، إن هي إلا ألفاظ اقتضاها الوزن!

 

إنّ هذه العبارة الـخطرة «دفعاً للتضليل» التي يظهر أنـها أدخلت في هذا «الإيضاح» عمداً هي نفسها نوع من أنواع التضليل التي يلجأ إليها الـمغترون بأنفسهم، ليوهموا الناس أنّ أسـماءهم عظيمة القدر إلى درجة أنّ نهضة عظيمة، غيّرت وجه التاريخ كالنهضة السورية القومية، تـحتاج إلى استعمالها! وسامح الله الكاتب القومي جبران مسوح الذي أسرع إلى الوثوق بصراحة زكي قنصل وتشجيعه بعبارات كانت فوق ما كان يجب أن يقال في هذا الباب.

 

                                                             «أعذر من أنذر»[3]

 

                                                                              (للبحث استئناف)

 


[1] شاعراً سورياً مهجرياً. ولد في كوردوبا في الأرجنتين عام 1916 لأبوين سوريين من يبرود ريف دمشق، من أعماله شظايا (1939) ديوان سعاد (1953) نور ونار (1970) وغيرها. توفي عام 1994 في بوينس آيرس الأرجنتين.

 

[2] الـخ. 

 

[3] عُدِّل تذييل هذه السلسة استناداً إلى رسالة الزعيم إلى جورج بندقي في 31/7/1941.           

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro