مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
عشرة أعوام جهاد «16 نوفمبر 1932 16 نوفمبر 1942»
 
 
 
الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 56، 16/11/1942
 

 

في ليل 15 ــــ 16 نوفمبر/تشرين الثاني انطوى عقد كامل من الـجهاد القومي الاجتماعي وابتدأ عام جديد. نحن الآن في مطلع العام الـحادي عشر لنشوء الـحزب السوري القومي الاجتماعي. وفي هذا اليوم السادس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني تـمرّ الذكرى السابعة لإعلان وجود هذا الـحزب بواسطة الاعتقالات الأولى التي أصابت الزعيم ورجال إدارته.

 

ليس قليلاً التقدم الذي أحرزته الـحركة السورية القومية الاجتماعية في مدة عشرة أعوام. وإذا قسناه بالـمقياس اللاقومي رأينا فيه ما يشبه الـمعجزات. لم يكن يخطر في بال أحد أنّ سورية التي تعاقبت عليها الفتوحات البربرية وقبضت عليها يد الاستعمار الـمنظم، وفككتها العصبيات الدينية، وقطع الرجاء بنهوضها فساد الأخلاق وانحطاط الـمناقب وذهاب الثقة، تنهض من الـحضيض الذي تدهورت إليه. وعندما ظهر الـحزب السوري القومي، وأذاعت الصحف خبر القبض على زعيمه وأركان إدارته، قابله الشعب باللامبالاة الـمعتادة وفي أوساط كثيرة وضعوا أمره موضع الاستهزاء الـملازم لفقد الثقة وانحلال العزائم.

 

كان التشاؤم قد قتل العزائم وأرهق النفوس. ولم يكن ملازماً للعامة، بل تفشّى في جميع طبقات الأمة. ولعل النابهين من الأمة كانوا أشد تشاؤماً من البسطاء لأنهم أقدر على إدراك الوهن العام وكثرة الـمشاكل السياسية والاجتماعية، ووصل هذا التشاؤم فيهم إلى درجة اليأس الكلي. يدل على ذلك عبارة قالها الدكتور رئيف أبي اللمع، قبل اطلاعه على وجود الـحزب السوري القومي الاجتماعي، للزعيم وهي: «إذا أمكنك أن تـجمع عشرة رجال على مبدأ عشرة أيام فقط أتيت أمراً عجيباً». والدكتور رئيف أبي اللمع من رجال البلاد النابهين.

 

وسط هذا اليأس وهذه الأمراض الاجتماعية ــــ السياسية نشأ الـحزب السوري القومي الاجتماعي ليكون قضية حياة ونهوض. وقد عرف الزعيم أين وإلى من يلقي تعاليمه. فاختار عدداً من الطلاب في الـجامعة الأميركانية وجعلهم تلامذة رسالته، فكانوا نواة هذه النشأة التي هي اليوم منظمة واسعة تشمل إدارتها جميع مناطق سورية وأكثر النزالات السورية في الـخارج ويعدّ الـمنتظمون فيها بعشرات الألوف، رجالاً وسيدات، خلا فرق الأحداث الذين رأوا في هذه الـحركة مصدر النور والـحرارة فأقبلوا عليها إقبالاً كبيراً مدفوعين بذاك الشعور اللطيف الذي يـميّز بين الـجميل والقبيح وبين الصفاء والكدر وبين النور والظلمة. فلما خرج الزعيم من سجنه الأول فوجىء بطلب السماح لفريق كبير من تلامذة الـمدرسة الابتدائية التابعة للجامعة الأميركانية في رأس بيروت ورفقائهم بزيارته، لإظهار تـحبيذ الأحداث لعمله واستعدادهم ليكونوا جنوداً للقضية، ولسؤاله إنشاء فرع خاص في الـحزب السوري القومي الاجتماعي يهتم بالأحداث. وفي كل مكان زاره الزعيم كان يرى عدا عن فرق الرجال والسيدات جماعات الأحداث الـمندفعين بشعور قوي للالتفاف حول الزعيم.

 

إنّ الألوف الـمنتظمة الآن في الـحركة السورية القومية الاجتماعية تـمثّل حياة الأمة كلها وجميع عناصرها. فقد انضم إلى هذه الـحركة العظيمة ألوف الرسوليين والـمسيحيين والدروز ليتعلموا فيها ترك التحزبات الدينية الـمشؤومة والتحزب لقضية واحدة ذات عقيدة واحدة، هي قضية استقلال الأمة وسيادتها ورقيها في عقيدة وحدتها الروحية والعملية. والسوريون القوميون الاجتماعيون هم الآن شهود على بطلان الوهم أنّ الـمسيحيين والرسوليين والدروز لا يـمكن أن يتحدوا في قومية واحدة ونظام واحد.

 

تعرّض الـحزب السوري القومي الاجتماعي في سيره التاريخي لـجميع الصعوبات الكائنة في حالة الشعب السوري الـموصوفة آنفاً. فمن غايات خصوصية هزيلة وتـجسس وخيانات في العهود والـمواثيق، ومن رجعة وارتداد، ومن ملاحقات واضطهادات، ومن شتائم وسباب. ولكن الـحزب تغلب على جميع هذه الصعوبات وهو يقف الآن، في بدء العام الـحادي عشر لوجوده، أقوى منه في كل وقت سابق وأكثر عدداً.

 

كان الـحزب السوري القومي الاجتماعي يضطر لإحداث غربلة بين الـمدة والـمدة لنفي الأشخاص الذين لا فائدة منهم للقضية القومية الاجتماعية الـمقدسة. فطرد في الوطن عدداً من الأشخاص. وبعض الأشخاص الضعيفي العقيدة الواهني العزيـمة، أعلنوا انسحابهم منه في الوطن تـحت ضغط الـملاحقات الـحكومية أو الاضطهادات الرجعية، ولكنهم ظلوا مؤمنين برسالته في نفوسهم ولعلّهم يستفيقون ذات يوم ويرون خسرانهم وتأخرهم وضياع ذاتيتهم في الفوضى، فيعمدون إلى إنقاذ أنفسهم من الـمحاق.

 

لم تكن الصعوبات في الـمغترب أقل منها في الوطن. ووجدت في الـمهاجر السورية مشاكل غير معروفة في الوطن، ومع ذلك فقد سارت الـحركة السورية القومية الاجتماعية سيراً حسناً واكتسبت عدداً غير قليل من الـمنتظمين، فضلاً عن جماعة من الـمحبذين والـمؤيدين يزداد عددها سنة بعد أخرى بازدياد وضوح القضية القومية الاجتماعية والثقة بـمتانة عقيدتها وقوة نظامها.

 

في الـمغترب أيضاً اضطرت الـحركة لإحداث غربلات وإخراج عدد من الـمنضمين اعتباطاً أو لـمآرب خصوصية من صفوفها. فطرد كل من ظهر سقم نفسه وفساد أخلاقه ومناقبه وتقلقل عقيدته. وأصاب الطرد عدداً من هؤلاء في الأرجنتين. وقد ظن غير الـمطّلعين أنّ طرد الأشخاص الـمشار إليهم دليل على ضعف الـمنظمة القومية الاجتماعية لا على قوّتها. والبعض توهموا أنّ الـمطروين يضعفون الـمنظمة. والـحقيقة على العكس تـماماً لأن في بتر العضو الفاسد صلاحاً للجسم. أما عاقبة الطرد على الـمطرودين فظاهرة لكل بصير. فقد انحدر هؤلاء إلى حضيض الفوضى الذي لا يـمكنهم العيش إلا فيه، وصاروا عالة على الـمجتمع وعاملاً مفسداً له. فالـحزب القومي الاجتماعي تطهّر من وباء أخلاقهم وكانوا هم الـخاسرون.

 

العامة كانت تسمع ضجيج الـمطرودين وصخبهم فتظن أنّ نكبة عظيمة نزلت بالـحزب السوري القومي الاجتماعي. والصواب أنّ النكبة حلّت على الـمطرودين فسقطوا من صفوف القضية القومية الاجتماعية، بينما هذه الصفوف تزداد تـماسكاً وتوثقاً باطراد الإقبال عليها وبرسوخ عقيدتها ونظامها.

 

لقد مات الـمسيح أو رفع لثلاث سنوات من تعليمه وظلت رسالته مضطهدة ومقاومة مدة طويلة. ومحمد بقي ثلاث عشرة سنة يدعو في مكة فكان الاضطهاد عليه في أواخر هذه الـمدة أشد من وقت بدء الدعوة، واضطر إلى الهرب من مكة إلى الـمدينة، وقد طلبته قريش بجميع أحيائها لقتله. ولـما فتح مكة كان مسيره إليها في عشرة آلاف فقط من الـمسلمين وكان ذلك في السنة الـحادية والعشرين لبدء الدعوة على التقريب. فإذا قسنا تقدم الـحركة السورية القومية الاجتماعية بالنسبة إلى الرسالتين الـمسيحية والرسولية وجدنا تقدم هذه الـحركة باهراً، خصوصاً وأنّ صعوباتها أكثر نظراً للعصر الذي نشأت فيه ولـحالة سورية.

 

كل هذه الـحقائق تدعو إلى التفاؤل بـمصير النهضة السورية القومية الاجتماعية، وبـمصير الأمة السورية. فالـمستقبل قد أصبح واضحاً إلا للذين يئسوا من الـحياة وخانتهم قواهم. فهؤلاء يرون مصيرهم قاتـماً وحياتهم كالـحة، ويظنون أنّ كل شيء في العالم باطل كأوهامهم. يشعرون بعجزهم عن القيام بالواجب والاضطلاع بالـمسؤوليات فيدعون إلى ترك الواجب وإقامة الفوضى، إلا أنّ دعوتهم دعوة الفشل والوجل والقطيعة والـخيبة والفناء. إنها دعوة هالكة لأن مبدأها الهلاك. أما الدعوة السورية القومية الاجتماعية فهي دعوة الـحرية والواجب والنظام والقوة. إنها دعوة إرادة الـحياة والسمو ولا يضيرها أن لا يلبّيها الذين اختاروا العجز مذهباً والفناء غاية.

 

في هذه الظروف العصيبة التي تـجتازها أمتنا والعالم، والأخطار العظيمة تهدد وطننا والأعداء محدقون بجنسنا، نتمسك بعقيدتنا القومية الاجتماعية ونظامنا اللذين نـجد فيهما الفرج وحسن الـمآل لأمتنا ووطننا.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro