مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
محاضرة الزعيم الثامنة في الندوة الثقافية
 
 
 
الأحد في 14 مارس/ آذار 1948 نقلاً عن كتاب الـمحاضرات العشر،دمشق،1952
 

 

تكلمت في الاجتماعات الـماضية عن الـمبدأ الإصلاحي الأول القائل «فصل الدين عن الدولة» وعن الـمبدأ الإصلاحي الثاني القائل «منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين» وعن الـمبدأ الإصلاحي الثالث القائل «إزالة الـحواجز بين مختلف الطوائف والـمذاهب».

 

 

ننتقل اليوم إلى الـمبدأ الإصلاحي الرابع «إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة».

نتابع الشرح الـمنصوص:

 

«هل في سورية إقطاع ونظام إقطاعي؟ لا ونعم. لا، لأن الإقطاع غير معترف به قانونياً. ونعم، لأن في سورية،في وجهات متفرقة، حالة إقطاعية من الوجهتين الاقتصادية والاجتماعية.إنّ في سورية إقطاعات حقيقية تؤلف جزءاً لا يستهان به من ثروة الأمة ولا يـمكن بوجه من الوجوه حسبانها ملكاً شخصياً،ومع ذلك فهي لا تزال وقفاً على «بكوات» إقطاعيين يتصرفون بها أو يهملونها كيفما شاؤوا مهما كان في ذلك من الضرر للمصلحة القومية.ومنهم فئة تهمل هذه الإقطاعات وتغرق في سوء التصرف بها إلى حدّ يوقعها في عجز مالي ينتهي بتحويل الأرض إلى الـمصارف الأجنبيـة،الرأسمـال الأجنبي،البلوتكـراطيـة[1] الأجنبيـة،والـحـزب السـوري القـومي الإجتماعي،يعتبر أنّ وضع حدّ لـحالة من هذا النوع تهدد السيادة القومية والوحدة الوطنية أمر ضروري جداً.

 

 

«إنّ هذه الإقطاعات كثيراً ما يكون عليها مئات وألوف من الفلاحيـن يعيشون عيشة مزرية في حالة من الرق يرثى لها. وليست الـحالة التي هم عليها غير إنسانية فحسب، بل هي منـافية لسلامـة الدولة بإبقائها قسماً كبيراً من الشعب العامل والـمحارب في حالة مستضعفة، وخيمة العاقبة على سلامة الأمة والوطن، فضلاً عن إبقائها قسماً كبيراً من ثروة الأمة في حوزتها وفي حالة سيئة من الاستعمال. إنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي لا يستطيع السكوت عن هذه الـحالة».

 

قد يتبادر إلى ذهن القارىء من قراءة هاتين الفقرتين بعض أسئلة: مثلاً سلامة الدولة؟ سلامة الدولة في بحث حالة اقتصادية؟ أية دولة هي هذه الدولة؟

 

الدولة هنا هي الدولة القومية فقط. الدولة التي يصح القول فيها إنها قومية تشمل الـمجتمع القومي كله، ذا الدورة الاقتصادية الكاملة التامة. الدولة التي تـمثّل مصالح شعب تام كامل وليست الدولة هنا أية حكومة من الـحكومات، ولدت في ضرورة معيّنة أو شـاذة غير قـائمـة على أسـاس تـمثيـل مصالح معيّنة والتعبير عن إرادة مجتمع موحد وشعب واحد.

 

نحن نعتقد أنّ النظام السياسي الذي نحيا فيه ليس نظاماً قومياً بالـمعنى الصحيح.

 

نحن نعتقد أنّ درساً اقتصادياً صحيحاً من الوجهة القومية على أساس نظام سياسي لا قومي صحيح هو درس عقيم لا يـمكن أن يعطي نتائج صحيحة. ولكن يـمكننا أن نتمثل، نتصور الدولة القومية وأن نتصور لها النظام الاقتصادي الذي يكوّن قوّتها الفاعلة ويعطيها الـموارد ويعطيها الـمصالح العامة الكاملة التي تكون متممة لها، وقائمة بتنظيمها لتأمين الـخير وحصول الـخير في أحسن حالات العدل للمجتمع كله.

 

وواضـح أنّ دولة من هذا النـوع يجب عليها أن تنظـر في حالـة الـمجتمع الاقتصادية وفي النظام الاقتصادي الذي يوفر الاستقرار والطمأنينة والارتقاء وزيادة الـخير. وحينئذٍ لا بد من النظر في الـحالة العامة في الشعب.

 

وفي مثل هذه الـحالة ننظر إلى الـمساحات الواسعة من الأرض التي نسميها سورية الطبيعية. نـجد فيما نـجد، الـحالة الاقتصادية غير الـمعترف بها قانوناً والنافذة عملياً (De Facto).

 

وكما رأيتم من هذا الشرح أنّ هذه الـحالة تـمثّل تأخراً عظيماً من الوجهة الاقتصادية بالـمعنى القومي،لأنها تضع مساحات واسعة من الأرض في أيد فردية،غير شاعرة بالـمصلحة القومية والترابط القومي الاقتصادي، يتصرف الفرد بهذه الـمساحات من الأرض وفاقاً لنظرة فردية محضة، بصرف النظر عن أية فكرة اجتماعية أو معنى أساسي عام.

 

ومن هنا ينشـأ إجحاف بالبلاد وإجحاف بفئات من الناس تعمل في الأرض تـحت سيطرة وسلطة مطلقة من الإقطاعي الذي، وإن لم يكن معترفاً به إقطاعياً قانونياً، فإن الامتيازات التي يتمتع بها تـجاه الـحكومة وتـجاه الشعب تـجعله ذا سلطة مطلقة يتصرف بالناس في إقطاعه تصرّف الـمالك في ملكه أو السيد في عبيده.

 

يظن البعض أنّ هذه الـحالة ليست موجودة في لبنان الـمترقي، وأنها موجودة فقط في بعض الـمناطق الداخلية، وهذا غير صحيح فهذه الـحالة مـمثلة في لبنان تـمثيلاً محزناً جداً.

 

قصّ عليّ أحد صناع التبغ سابقاً الذين أزالت معاملهم اتفاقية «الريجي»، قصّ عليّ كيف كان يتجول في جهات جبل عامل لابتياع التبغ وكان يحتاج إلى الإقطاعي هناك ليرسل «زلـمته»[2] معه ليسهل له البيع بالأسعار الـمفروضة التي يأخذ عليها الإقطاعي ما يرى هو أنه يجب أن يأخذ عليها.

 

فإذا لم يكن له صلة بالإقطاعي ولم يـمكنه أن يرضيه، لم يـمكنه مطلقاً أن يتعامل مع الفلاحين الـمنتجين رأساً.

 

الـحالة الإقطاعية موجودة حتى في لبنان، ويوجد ألوف وألوف من الناس يئنون من وطأتها، ومع أنّ الإقطاع لم يعد موجوداً قانوناً، لم يعد هنالك أشراف بالـمعنى الصحيح، ولكن كل النتائج العملية لذلك النظام البائد لا تزال فاعلة في مجتمعنا. فالإقطاع موجود ويجب إزالته ليتحرر، جزء هام من الشعب، تـحريراً اقتصادياً وتـحريراً نفسياً وسياسياً أيضاً.

 

أما «تنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج فهو الطريقة الوحيدة لإيجاد التوازن الصحي بين توزيع العمل وتوزيع الثروة. كل عضو في الدولة يجب أن يكون منتجاً بطريقة من الطرق».

 

الإنتاج هو الأساس الهامّ للاقتصاد القومي. وبدون الإنتاج لا يـمكننا مطلقاً التفكير برفاهية الشعب.

 

إذا كانت الثروة قليلة والناس كثر لم تفد الناس كثيراً توزيع كمية قليلة عليهم، بالكاد تسد رمقهم.

 

لذلك كان الإنتاج مقصداً رئيسياً من مقاصد التفكير في الدولة القومية. وعلى أساس الإنتاج فقط يـمكن النظر في إيجاد العدل الاجتماعي الـحقوقي بيـن الذين يشتركون في الإنتاج.

 

«وفي حالة من هذا النوع يتوجـب تصنيف الإنتاج والـمنتجيـن بحيث يـمكن ضبط التعاون والاشتراك في العمل على أوسع قياس مـمكن، وضبط نوال النصيب العادل من النتاج، وتأمين الـحق في العمل والـحق في نصيبه.

 

«يضع هذا الـمبدأ حداً للتصرف الفردي الـمطلق في العمل والإنتاج، الذي يجلب أضراراً اجتماعية كبيرة، لأنه ما من عمل أو إنتاج في الـمجتمع إلا وهو عمل أو إنتاج مشترك أو تعاوني».

 

يوجد أشياء قليلة في العالم يـمكن أن يتناولها الناس بدون أي مقابل. منها الهواء والشمس مثلاً. هذه منافع في متناول كل فرد وكل فئة من الناس. يتناولها رأساً من الطبيعة بدون أي مقابل من عمل أو إنتاج. ولكن حتى هاتان الـمنفعتان أصبحتا في عالم تـمدننا وفي كبر الـمدن واتساعها غير مؤمّنتيـن في حالتهما الطبيعية. صارتا مغشوشتيـن تقريباً ولذلك يحتاج ساكن الـمدينة الذهاب إلى مكان يشعر فيه بالهواء الطلق مثلاً. ولذلك نتكلم عن أماكن يوجد فيها هواء طلق وعن أماكن لا يوجد فيها هواء طلق. وأحياناً يكلف الوصول إلى الـمناطق التي يوجد فيها الهواء الطلق بعض الـمقابل.

 

إذن كل شيء آخر هو نتيجة عمل الإنسان. وهكذا نعود أيضاً إلى الإنتاج.

 

الإنسـان يجب أن ينتـج وكلما ازدادت مطاليبـه وحاجـاته ازدادت حاجته إلى الإنتاج.

 

والإنتاج أساساً هو الـمفتاح للقضية الاقتصادية كلها. بدون الإنتاج لا يـمكننا أن نحل مشكلة واحدة من مشاكل الاقتصاد في مجتمعنا.

 

كان الإنتاج قديـماً يقوم على عمل واحد (فرد) أو عمل عائلي، يحاول «الفرد» بواسطته أن يصل إلى حاجاته الأولية. يعمل هو أو عائلته بنظام فردي ظاهر يقيمه لنفسه ويختار فيه نوع العمل، ولا يفكر إلا بالـمحيط الصغير الذي هو ضمنه، ويعمل كاداً على هذا الأساس.

 

في تلك الـحالة كان الاقتصاد شيئاً لا قومياً، فردياً، ومحيطه الـمجتمع. داخل الـمجتمع كان نظام الاقتصاد النظام الفردي الذي يبقى فيه الإنتاج ضمن الـمجتمع عينه ولا يخرج خارج الـمجتمع إلا بالتصرف يقوم به الفرد صدفة.

 

هذه الـحالة، حالة الاقتصاد الفردي، قد زالت إلا من الـمجتمعات أو الـجماعات الـمتأخرة التي لم تساهم في حالة التمدن. وقصدنا هنا التمدن العصري بعد نشوء الآلة الـحديثة التي سببت ما يسمونها الثورة الصناعية.

 

في الإنتاج الفردي لم تكن هنالك حاجة إلى نظر الدولة. لم تكن هنالك دولة قومية بالـمعنى الصحيح ولم تكن هنالك حاجة إلى النظر في نظام اقتصادي، يـمكن أن يشرّع له الشرع أو يجب أن تسنّ له القوانين. الـحالة التي تتوجب ذلك هي حالة الاقتصاد الاجتماعي أو القومي الاجتماعي، الذي يعني الإنتاج والتبادل الـخارجي، وليس التبادل الداخلي.

 

التبادل الداخلي يتم ليس فقط في مدينة واحدة كبيروت، التبادل الداخلي يتم بين عدة مدن وقرى ومناطق.

 

يـمكننا مثلاً أن نضرب نطاقاً حول منطقة معيّنة ونقول هنا دولة قومية وكل ما خرج من ضمن هذا النطاق إلى الـخارج عدّ تبادل علاقات، تبادلاً خارجياً، وكل ما ظل ضمنه كان تبادلاً داخلياً.

 

إنّ التبادل بين بيروت ودمشق لا يـمكن أن يكون تبادلاً خارجياً وليست له صفة الاقتصاد القومي لكل واحدة من هاتين الـمدينتيـن.

 

إن الاقتصاد القومي بالـمعنى الصحيح هو نتيجة مجهود هاتيـن الـمدينتيـن، هذين الـمركزين، وبين مراكز أخرى تكون مجموعاً اقتصادياً يـمكن لـمجهودها مجموعة وإنتاجها الـمجموعي أن يتبادل مع الـخارج، ويسمى تبادلاً خارجياً، بالـمعنى الصحيح.

 

لذلك أرى أنّ الكـلام على الاقتصاد القومي في دولة كدولة لبنان مثلاً غير مـمكن إلا إذا وضعنا الـمقاييس الاقتصادية الـمحضة مكان الـمقاييس الاقتصادية والاقتصادية السياسية.

 

تكلمت في اجتماعات سابقة عن وحدة سورية الاقتصادية وخصوصاً الزراعية فإذا عاد الذين سمعوا الكلام بالذاكرة إليه أمكنهم أن يدركوا إدراكاً صحيحاً ما عنيت عن وحدة سورية الاقتصادية وعن الاقتصاد القومي الذي لا يـمكننا التفكير بأي نتيجة اقتصادية متقدمة للشعب إلا على أساسه، والذي بدون النظر إليه ككل واحد نظل نتخبط في مشاكل اقتصادية لا نصل معها إلى نتيجة.

 

اليوم توجد مسألة على بساط البحث. مسألة اتفاقية النقد التي انفرد بها لبنان مع فرنسة. إنّ النظر في هذه الاتفاقية مثلاً يرينا أنّ وضعها خرج عن كل الأصول الاقتصادية بالـمعنى الصحيح، أي معنى الاقتصاد القومي. وإني أميل إلى الاعتقاد أنّ معاهدة أو اتفاقية من هذا النوع خضعت بذاتها أو أفادت إلى حد كبير مصلحة سياسية اقتصادية أجنبية.

 

إني أميل إلى الاعتقاد من الوجهة السياسية أنّ حاجة بريطانية إلى إرضاء فرنسة من أجل اكتسابها نهائياً في تأييد جبهة غربي أوروبة هو أحد العوامل التي عملت على تشجيع وتـحقيق السير في اتـجاه نحو اتفاقية من هذا النوع.

 

إنّ فرنسـة لم تخرج من سورية برضاها. إنها خرجت مكرهة تاركة في هذه البلاد وخصوصاً في لبنان مصالح اقتصادية وسياسية وحربية أيضاً يعز عليها كثيراً تركها بتاتاً والتفكير أنها قد أفلتت من يدها إلى الأبد.

 

لنترك باب السياسة ولنتجه نحو باب الاقتصاد.

 

إني لا أعتقد أنّ اتفاقية النقد يجب أن ينظر إليها من وجهة النقد، كمسألة مالية محضة. إنّ اتفاقية من هذا النوع تفتح مسألة، هل يوجد للجمهورية اللبنانية أساس اقتصادي صحيح؟ وإذا أدى الانفصال النقدي بين لبنان والشام إلى انفصال اقتصادي صحيح تام، فما مستقبل الـجمهورية اللبنانية الاقتصادي وعلى أي أساس يقوم؟

 

سمعت بعض الـمتكلمين الذين يحسبون أنفسهم من الـخبراء ويتكلمون بتواضع الـخبراء، سمعت بعضهم يقول إنّ لبنان يستغني عن الشام بالـمرة، وإنّ أساس الاقتصاد فيه يـمكن أن يقوم على مسألتيـن:

 

الأولى تـحويل لبنان إلى وحدة اصطياف (سويسرانية) وتـحويله من الـجهة الأخرى إلى مرفأ حر للتجارة.

 

سألت الذي أعطاني هذه الـمبررات، وكلّفته أن يريني كيف يـمكن أن يحوّل مصيفاً واحداً من الـمصايف اللبنانية إلى مصيف سويسراني؟ مثلاً ضهور الشوير التي هي مصيف متقدم في مصايف لبنان. إذا أراد أن يحوّل هذا الـمصيف إلى طراز سويسراني. ما هو الـمشروع؟ وكم نحتاج من الـمال إلى تـحقيقه؟ وكم نحتاج من الوقت؟ طلبت إليه أن يضع مشروعاً عملياً يصوّر فيه كيف سينقل ضهور الشوير من مصيف لبناني على مستوى الـحالة في لبنان إلى مصيف على مستوى الـحالة في سويسرة، وأن يبيّن كم يحتاج تـحقيق هذا الـمشروع إلى مال ووقت، ومن أين يأتي بالـمال؟ من رؤوس أموال أجنبية أو في البلاد؟ وما هي العائدات الـحقيقية التي تـحصل حالـما يتم تـحويله إلى مصيف سويسراني؟ ويـمكنه أن يضع مشروعاً لتحويل كل الـمصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية، لكن يجب أن يضع بالأرقام من أين يأتي بالـمال وكمّ الـمال اللازم لتحويلها إلى طراز حديث عصري؟ كم هي الأبنية التي يجب أن تزال من كل مصيف والطرق الـحديثة التي يجب أن تشق والساحات والـجنائن العمومية؟ ما هو الطراز الذي يجب أن تبنى به البيوت والـجنائن وكيف تسير الطرقات، إلخ... إلخ؟

 

ثم بعد ذلك نصل إلى نقطة أخرى وهي: هل بعد تـحويل الـمصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية سينتقل كل الذين يذهبون إلى سويسرة إلى لبنان؟ إلى الـمصايف اللبنانية؟ هل صاحب هذا الـمشروع أعد مشروع اتفاق مع دول مثل بريطانية والولايات الـمتحدة وغيرها لإخضاع الـمصطافين ليذهبوا فقط إلى الاصطياف في لبنان؟

 

ثمّ إنّ مسألة تـحويل الـمصايف لا تقتصر على مجرّد تـحويل الأبنية والشوارع. الـمسألة تتناول ناحية أخرى يـميل الاقتصادي غير الـمتوسع النظر، إلى الاقتناع بالاستغناء عنها وهي الناحية الاجتماعية النفسية.

 

إنّ تـحويل الـمصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية لا يتم في نظري بتحويل الـمظـاهر من أبنيـة وطرقـات. يقتضي تـحويـل نفسيـة الشعب في لبنان إلى نفسيـة شعب سويسراني.

 

فبأية مدة يقترح أصحاب مشروع ـ التحويل ـ ومن أين يأتون بالـمال؟ وما هي النتائج الأكيدة وهل ستحدث الـحرب الـمقبلة قبل أن يتم هذا التحويل أو بعده؟

 

أما الـمرفأ الـحر فلست أرى فيه أي أساس اقتصادي لشعب ولا أي أساس اقتصادي لدولة.

 

إنّ مرفأ حراً في ظروف كظروفنا في الـجمهورية اللبنانية يعني شيئاً واحداً هو تـحويل لبنان إلى مستودعات للرأسمال والإنتاج الأجنبي الذي لا يعطي الشعب في لبنان غير شيء قليل جداً مـما كان يـمكن أن يكون في غير هذه الـحالة.

 

إنّ مسألة مرفأ حر مسألة تقتضي درساً طويلاً وتتطلب مسائل طويلة جداً. يجب أن لا يُبَتّ في هذه الـمسألة قبل النظر في كل التفاصيل الـمتعلقة بها.

 

وإذا حصلت القطيعة الاقتصادية بين لبنان والشام أصبح هنالك أمر يجب مواجهته، وهو الاقتصاد للشعب في لبنان، وهل يـمكن في حالة من هذا النوع أن يتكون في لبنان رأسمال لبناني مستقل؟ وعلى أي شيء يجب أن يعمل هذا الرأسمال؟ وماذا ينتج؟ وفي أية أسواق يأمكن أن يبيع؟

 

إنّ تـحويل الـمصايف اللبنانية إلى مصايف سويسرانية إذا تـمكن من جلب بعض الـمصطافيـن من أوروبة إلى لبنان فإنه يقطع الـمصطافيـن الذين يطلبون الاصطياف الرخيص. لأنه متى تـحوّل الاصطياف في لبنان إلى اصطياف فخم صار الاصطياف غالياً لا يـمكن الـمصطاف العادي أن يدفع مقابله.

 

كذلك من الوجهة الاقتصادية لا يـمكن في حالة خطة اقتصادية أن ينشأ في لبنان معامل لا تنشأ في الشام، أو غير أماكن، لأنه في حالة القطيعة الاقتصادية لا يـمكن للانتاج اللبناني أن يبيع في الشام بحريّة ولا يوجد في لبنان موارد تستحق الذكر ليست موجودة إلا فيه، فإذا أنشىء معمل حرير مثلاً في لبنان ينشأ معمل حرير في الشام فأين يبيع لبنان في حالة القطيعة؟

 

لا أعتقد أنّ الرأسمال اللبناني يقدر أن يؤمّن مناطق واسعة ويؤمن ويكتسح أسواقاً في الهند أو إيران أو غيرهما.

 

إذن العملية الاقتصادية، الاقتصاد كموضوع لأمة ولشعب لا يـمكن أن ينظر إليه إلا بالـمنظار القومي، بـمنظار الـمجتمع الـموحد الأمة التي هي وحدة جماعة، وحدة أرض، وحدة اقتصاد.

 

نعود إلى الإنتاج بصرف النظر عن الأصول وعن الأحوال السياسية والسياسية الاجتماعية.

 

«لأنه ما من عمل أو إنتاج في الـمجتمع إلا وهو عمل أو إنتاج مشترك أو تعاوني. فإذا ترك للفرد الرأسمالي حرية مطلقة في التصرف بالعمل والإنتاج، كان لا بد من وقوع إجحاف بحق العمل وكثير من العمال. إنّ ثروة الأمة العامة يجب أن تخضع لـمصلحة الأمة العامة وضبط الدولة القومية. لا يـمكن تنمية موارد القوة والتقدم في الدولة إلى الـحد الأعلى إلا بهذا الـمبدأ وهذه الطريقة».

 

إنّ دولـة قوميـة اجتماعيـة كالتي يـريـد تـأسيسها الـحزب السوري القومي الاجتماعي هي الدولة التي يـمكن أن يكون لها اقتصاد قومي صحيح واقتصاد سياسي. لنتصور هذه الدولة ويجب أن نتصورها، لأن بعض الشروح لا تصوّر الواقع في الدولة السورية القومية.

 

نتكلم عن حق العمل وكثير من العمال. ونحن لن ندخل الطور الرأسمالي الصحيح والصناعات الكبرى. إنّ أساس الاقتصاد لا يزال ضمن الـحالة الـمزرية.

 

إنّ سورية لم تـحوَّل حتى الآن إلى بلاد صناعية يتركز فيها رأسمال ضخم ويزداد تضخمه مع الوقت. إنّ شيئاً من هذا النوع قابل الـحدوث، يـمكن حدوثه، ويـمكن أن نلاحظ له ابتداءات حتى الآن ويـمكن أن نرى إذا لاحظنا كيفية سير الدول السورية الـحاضرة، أنّ الرأسمال الفردي يلعب دوراً هاماً في تقرير مصير الـمجموع ضمن هذه الدول وأنّ من أضلاع الاتفاقية النقدية مع فرنسة أيضاً حالة رأسمالية بين لبنان والشام، حالة مصالح رأسمال فردي محدود في لبنان ومصالح رأسمال فردي محدود في الشام.

 

وواضح جداً وصار ملموساً عند الذين يبحثون أنه يوجد مثلث في لبنان، ومخمس في الشام، فالـمثلث والـمخمس لهما الـمصالح الكبرى في كل أمر وإليهما تعود الـمنافع الكبرى من أية تسوية سرية اقتصادية في هاتيـن الـمنطقتيـن.

 

الـحالة في بلادنا لا تزال في بادىء الأمر بين الفرد والـمجتمع، بين الرأسمال الفردي والـمصير القومي.

 

إنه نزاع إذا لم يكن قد اتخذ شكلاً وتكوّن في جبهات فلا بد أنه واصل إلى شيء من هذا.

 

الفردية، خصوصاً في بلاد كبلادنا، لم تكن لها تربية قومية ولا وعي قومي، ولم تتمكن أن توقظ شيئاً قومياً لا في طلبة الـمدارس ولا في فئة ولا في مجموع. ينشأ الفرد منا في حالة من هذا النوع غير شاعر إلا بـمسائل وقضايا محدودة تختص بدائرته هو، مصيره هو، مهما كان مصير مجموع الأمة، مجموع الدولة أو الـجماعة الكبرى.

 

الرأسمالي عندنا أشد الناس ابتعاداً عن الاهتمام بأية قضية قومية أو وطنية أو بأي مصير للجماعة القومية. إنّ تخطيطه تخطيط فردي محض والـمصلحة مصلحة فردية محضة، ولذلك لا يحجم حتى عن التحالف مع أي رأسمال أجنبي مجموعي ضد مصلحة الـمجموع الذي هو أحد أفراده.

 

فالرأسمال الفردي الآخذ في أن يزداد أمام أعيننا في هذه البلاد ويسيطر على مصير هذه البلاد والشعب، هو من أسوأ حالات الرساميل في العالم على الإطلاق.

 

وطبعاً لكي يـمكن أن ننظر في حالة العمل والعمال والرأسمال يجب أن نصل إلى الطور الصناعي وإنّا بدون شك نرى أنه لا بد للدولة القومية الـمقبلة من أن تسير في إيجاد حالة صناعية في هذه البلاد تخرج الأمة من حالة الرق للنظام الرأسمالي القائم على الصناعة الكبرى في الأمـم الكبيرة الـمتقدمة.

 

إنّ الأمة التي تبقى في حالة زراعية محضة تبقى حتماً مستعبدة للأمة التي هي منظمة صناعياً تنظيماً عالياً يـمكنها من إحداث الآلات الصناعية والـحربية لإخضاع أي شعب لا يخضع لأحكامها الاستبدادية.

 

ولو كان تـم الانتصار لألـمانية في الـحرب التي مضت كنا رأينا تكتيك التسلط على الـجماعات القومية بأجمل واقوى وأروع وأقبح صورة يـمكن أن ترسم لها.

 

إنّ اتـجاه ألـمانية هو أن تكون هي الـمركز الصناعي الأكبر الذي تـحيط به مراكز زراعية محضة تـحرم باتفاقات إنترناسيونية من حق انتاج صناعي ثقيل، وأن تنصرف للزراعة بآلات ألـمانية تعطيها بدلها الـمحصولات الزراعية.

 

والأمة التي ليس فيها صناعة كيف تكون حالتها في أزماتها؟ مثلاً أزمة فلسطين. مرت حالة في طور فلسطين الأخير كانت شبه جنونية للشعب في فلسطين، كان الفلسطينيون يدورون في جميع الـمناطق يحملون الـمال الذي أخذوه من البيع أو التوفير طالبين أن يجدوا سلاحاً اعتيادياً بسيطاً يدفعون به غالباً جداً ليدافعوا عن أنفسهم فلا يجدون. ولا معمل واحداً للبنادق أو الـخرطوش أو (التومي غن) كان يوجد في البلاد لسد حالة جزئية صغيرة. مثل هذه الـحالة، كل حماس الشعب وجهود الشعب كانت تـحت رحمة عدم وجود الآلة في هذه البلاد، ليس فقط في أحوال الـحرب بل في أحوال السلم. إنّ هنالك آلات لـمسائل السلم يـمكن أن تصنع في هذه البلاد، وكانت دمشق من الـمدن الصناعية الكبرى في صنع السيوف وسقي الفولاذ، ويـمكنها أن تعود إلى الصناعات الـحديثة أيضاً، ومهارة السوري في الصناعة ليست أقل من مهارة أي شعب إذا استثنينا الفرق بالاختبار، والـموارد للصناعة.

 

قد لا نطمح في بلادنا إلى أن نصير أمة صناعية من الطراز الأول ولكن لا بد من إنشاء صناعة تنهض بها هذه البلاد وتسد قسماً كبيراً تـحتاج لـجلبه من الـخارج لقاء قطع نادر أو ما تصدره إلى الـخارج، لأن الاقتصاد يجب أن يعني الازدهار وليس البقاء على الاستمرار في الـحياة. إنّ الاقتصاد يجب أن يعني توفير إمكانيات التقدم والتمتع ورفع مستوى الـمصالح الـمادية والفنية والنفسية للشعب الواحد. وإذا كانت النظرة القومية الاجتماعية غير مبنية على الـحالة الراهنة الآن فهي مبنية على القواعد والأسس التي ستواجهها الأمة متى أصبحت هذه الأسس فيها محققة لأهدافها في القريب العاجل، إن شاء الله.

 

إنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي يريد وحدة قومية متينة قوية، تثبت بها الأمة السورية في معترك الـحياة والتفوق. وهذه الوحدة القومية القوية لا يـمكن أن تـحصل ضمن نظام اقتصادي سيّىء، كما أنه لا يـمكن أن تـحصل ضمن نظام اجتماعي سيّىء. فإقامة العدل الاجتماعي ـ الـحقوقي والعدل الاقتصادي ـ الـحقوقي أمر ضروري لفلاح النهضة السورية القومية الاجتماعية.

 

نصل الآن إلى تـحديد الإنتاج من وجهة ما نعنيه بالعدل الاجتماعي في توزيع الإنتاج من حيث يصون مصلحة العمل والأمة.

 

بعد حصول وعينا القومي وبعد شعورنا بارتباط مصيرنا في الـحياة ارتباطاً لا يـمكن فصمه، لا مناص لنا من الاعتقاد بوحدة الـمصالح التي هي مصالح الأمة، مصالح الـجماعة الكبرى، وليس مصالح فردية معيّنة للأفراد بأنفسهم.

 

الإنتاج في حالة الوحدة القومية هو إنتاج قومي له موقف تـجاه إنتاج قومي لأمـم أخرى، ويحتاج إلى التفاعل معه من أجل تـحقيق الـخير والرفاهية الـمرغوب فيهما، فلا بد من النظر إلى الإنتاج كشيء قومي، الـمصلحة فيه للشعب، للمجتمع، للأمة، وليس للأفراد كأفراد.

 

«إنّ الإنتاج الـمشترك هو حق عام لا حق خاص. والرأسمال هو ضمان استمرار الإنتاج وزيادته، هو، بالتالي، وبـما أنه حاصل الإنتاج، ملك قومي عام مبدياً، وإن كان الأفراد يقومون على تصريف شؤونه بصفة مؤتـمنين عليه وعلى تسخيره للإنتاج».

 

من هذا يعني أننا لا نرمي إلى إبادة الـملكية الشخصية كملكية عملية، ولا إلى أخذ الرأسمال من أيدي الأفراد رأساً ونزع حق التصرف من أيديهم، ولكن يعني أنّ الأفراد الذين يتصرفون الآن بالرأسمال تصرفاً فردياً يتصرفون به تـحت إشراف الدولة لضبطه وتوفيقه، لأنهم مبدئياً مؤتـمنون عليه ائتماناً من قبل الـمجتمع، يبقى لهم قوة الاستنباط والتفنن لإنتاج ما يشعرون بأنفسهم الكفاية لإنتاجه، ويتصرفون بحرّية ضمن شروط تضعها الدولة. ولكن يكون من حق الدولة أن تنظم للأفراد وتـحدد لهم وتسنّ القوانين اللازمة لضبط الإنتاج وتقسيم العمل وتوزيع الإنتاج الـحاصل من العمل، فلا يعود الرأسمالي الفردي من جهة حقوقية حراً في أن يتصرف تـجاه العمال وتـجاه الذين يستأجرهم أو يستأجر منهم الأرض أو ما شاكل ويفعل ما تـمليه مصلحته الفردية بصرف النظر عن مصالح الـمشتركين معه في الإنتاج والذين يجب أن يكون لهم حق في نصيب من الإنتاج.

 

وهذا يعني أنّ الإقطاعات الكبيرة التي تظهر اليوم بـمظهر ملك شخصي تـحتاج إلى إعادة النظر من قبل الدولة فيها، وإلى إعطائها اتـجاهاً يحرر جماعة كبيرة من الناس ويعطيها الـمجال لتتحرر في نفوسها، ولتعمل على أساس جديد يساعد على رفع مستوى حياتها والـحصول على حياة أَلْيَق بالإنسان من الـحياة التي يحياها اليوم. وهذا لا بدّ منه لأنه كما قلنا إنّ النظام الاقتصادي السيّىء، الذي يجعل مئات وألوفاً من الفلاحيـن في حالة من شظف العيش، في حالة من الـجهل، في حالة من الـمرض والبؤس، لا يـمكن دولة عصرية من تثبيت نفسها في تنازع البقاء. إذا احتاجت الدولة إلى هؤلاء الألوف في حالة حرب مثلاً، وجدت أنها لا يـمكنها أن تستند إليهم في الـحرب، وكيف تستند إلى رجل خمدت في نفسه عوامل الـحياة وشوهته الأمراض وأقعده الذل ليكون بطلاً يحارب بكل قلبه وكل نفسه من أجل وطنه وأمته اللذين يجد فيهما تـحقيقاً للحياة الـمثلى التي يريد ويطمئن أن يحياها.

 

ولذلك يقول الـمبدأ: «وصيانة مصلحة الأمة والدولة».

 

«وإنّ الاشتراك في الإنتاج اشتراكاً فعلياً شرط الاشتراك في الـحق العام».

 

إني أرى أنّ غير الـمنتج لا يـمكن أن يعامل معاملة الـمنتج ويأخذ نصيبه من الإنتاج. يجب أن يصير الـجميع منتجين. يجب أن يعمل الـجميع لنهضة صناعية زراعية اقتصادية قوية تفيض الـخير على هذه الأمة والشعب. وبهذا العمل، وبهذا الإنتاج يـمكن النظر في توزيع النصيب العادل للجميع ليحيوا الـحياة اللائقة بالإنسان الـمتمدن الراقي.

 

«بهذا التنظيم الاقتصادي نؤمّن نهضتنا الاقتصادية وتـحسين حياة ملايين العمال والفلاحين وزيادة الثروة العامة وقوة الدولة القومية الاجتماعية».

 

للوصول إلى تـحقيق هذه الـحالة الـمثلى لا أريد أن أدخل الآن في تفاصيل دقيقة تـحتاج إلى إحصاءات ودروس تصنيفية دقيقة سنعود إليها. ولكن نعلن منذ الآن أننا لا نرى النقابات وطريقة النقابات الـمتبعة طريقة للوصول إلى هذه الـحالة الـمثالية التي نتوخى الوصول إليها.

 

إنّ النقـابـات أصبحـت في الأخيـر وتصبـح تقريبـاً دائمـاً من وجهـة نظـر سيـاسيـة، معسكراً حربياً غايته دائماً الـحرب وطلب الـمزيد من غير أي تقدير عقلي أو منطقي للنتائج.

 

إذا أضربت نقابة وفازت بشيء، طلبت بعد مدة أن تـحصل على مطالب أخرى، ولـجأت حالاً إلى إضراب ثان إذا لم تـجب إلى مطاليبها، وقد يكون ما تطلبه النقابة أحياناً ضاراً بالـمصلحة القومية الكبرى.

 

حينئذٍ تـحلّ نظرة النقابة الضيقة محل نظرة الفرد الرأسمالي الضيقة غير ملتفتة إلى أي خير عام.

 

النقابة لا يـمكن أن تنظـر فيما تـحتاج إليه موازنة الدولة لـمواجهة الـحالات العصرية الـمعقدة. هي تطلب الزيادة كالطفل من غير أي تقدير لـما يطلب، من غير تفكير فيما يطلب.

 

ففي حالة حسنة يبقى العدل الإنساني والـحقوقي في نصابه.

 

إنّ النقابات تصير واسطة للعمل من غير منطق عقلي، تعمل بالـحدس والتخمين، بالتقديرات الاستبدادية وتصير نظرتها سياسية مستمدة من الأفراد لا من النظرة القائمة في الشعب.

 

لذلك نحن لا نقول بالنقـابـات نظـاماً ولكن نقول بالتصنيف الفني للإنتاج، والتصنيف الفني لا يعني النقابات الـمحاربة لتصل إلى حقوقها، بل يعني إيجاد الأسس الصحيحة التي يصير فيها التوزيع مع حفظ نظر الدولة في الـمسائل الأساسية. لأنه لا يـمكن أن نعني إلغاء الرأسمال بالـمرّة، لا يـمكن إلغاء الرأسمال كرأسمال بالـمعنى الـجاري، لا يـمكن تعطيل الرأسمال دون تعطيل الـمجتمع.

 

إنّ الرأسمال يـمكن أن يتحول من حالة إلى حالة ولا يجوز أن يلغي أبداً. وإذا مُنع التصرف بالرأسمال الفردي، فلا يعني ذلك منع الرأسمال بل منع الاستبداد بالرأسمال من قبل فرد ضد مصلحة الـمجموع. والأمة الناهضة لا يـمكن أن تفكر أبداً بـمسألة جنونية كإلغاء الرأسمال مثلاً، إنّ الرأسمال ضمان وفي حالة اقتصاد لا قومي لا يلام الرأسمالي الفردي إذا طلب الـمزيد من رأسماله لأن ليس له العلم بـما يحاربه به الزمن.

 

الضمانة الوحيـدة للرأسمال الفردي هي أن يـزداد ويزداد للنهاية. الرأسمالي الفردي لا يدري ما يحـدث إذا نشبت حرب غـداً أو اعتـداء من أمة من الأمـم يصـدر إليها، أو أصـدرت تلك الأمة قوانيـن منعت ما كان يصدره. إنه يحتاج إلى ضمانة من رأسماله يواجه به الأحداث التي لا يعلم متى وبأية كيفية تأتي.

 

وكذلك الأمة في نضالها وحياتها لا ينتظر أن تستغني عن الـمحشود الـحاصل بـمعنى رأسمال في أية طريقة من الطرق، في حالة تـحتاج فيها كل أمة إلى النظر وإلى الاحتياط للأحداث الإنترناسيونية التي يـمكن أن تـحدث لها بين لـحظة وأخرى، خصوصاً في عصر ارتقت فيه الضربات وارتقت فيه الـمبادىء، كمبدأ الهجوم الدفاعي مثلاً: نحن نخشى هجوم أمة علينا فنهاجمها من غير سابق إنذار. كالـحالة التي نشأت في الـحرب. وكالـحالة التي حدثت في الـحرب الأخيرة، حالة اللامحاربة التي لا يقصد بها الـحياد بل التوقف عن الـحرب موقتاً. وقواعد كثيـرة تزداد تراكماً كلما ازدادت البشرية اختباراً.

 

التوجيه من الدولة وسنّ القوانيـن إلى أقصى حدّ ينمي حيوية الشعب ويعطي الـخير العام، مهما تذمر بعض الـخصوصييـن لـما يحرمون منه، هو أمر لا مفر منه، وهو أمر لا يـمكن أن نستغني عن تقريره في حالة إنشاء الدولة القومية التي نريد إنشاءها هنا.

 

نحـن لا نـقـول بحـرب النقـابـات ولا بحـرب الطبـقـات لأننـا نقـول بوحـدة اجتمـاعية قومية.

 

نقول بالـحق والعـدل الذي يجعل مجموع الشعب في حالة خير وبحبوحة فلا يكون أناس في السماء وأناس في الـجحيم.

 

إنّ سوريـة تـحيا اليـوم ليس في القرن العشرين في حالتنا الـحاضرة، إنها تـحيا في القرون الـمتوسطـة، فالنظـام الاقتصادي فيها لا يـزال نظـام القـرون الـمتوسطـة والنظرة الفردية.

 

السياسة فيها سياسة العائلات والأشخاص ذوي النفوذ. وحالة من هذا النوع لا يـمكن أن تـجعل الأمة تتقدم نحو أهداف عليا. لا بدّ من تـحويل هذه الـحالة إلى حالة قومية، إلى النظرة القومية العامة في الـمسائل الاقتصادية والسياسية.

 

السياسة ليست نفوذاً لأشخاص أو أفراد أو عائلات.

 

السياسة فن بلوغ الأغراض القومية وتـحقيق الغايات القومية التي يجب على كل فرد أن يرتبط فيها لأنها رابطة الـمجتمع. السياسة عندنا وسيلة لا غاية، وسيلة لبلوغ الأغراض القومية بأقرب الطرق وأقل التكاليف.

 

وليست السياسة سياسة لنفسها ومهنة خاصة يحترفها بعض الأفراد ويحتكرون بواسطتها النفوذ وتقرير مصير الشعب.

 

من هذه الناحية نحن نسير نحو نظام جديد لا نهرب فيه من الآلة بل نتقدم إليها. لا نعد الآلة مصيبة للبشرية ولا مستعبدة للناس بل نعمة للبشرية ومحررة للناس. ولكن بعض الناس الذين استعملوا الآلة الـحديثة رأوا أن يستعبدوا الناس الذين لم يكن لهم ما يـمكنهم من حيازة الآلات الضخمة الـحديثة.

 

إنّ سوء الـحالة الاقتصادية ليس من الآلة بل من النظام السيّىء الذي تنمّيه النظرة الفردية اللامسؤولة عن الـمصير القومي في استخدام الآلة الـحديثة.

 

ونهضتنا تريد أن تضع حداً لهذا الاستعباد ولأصحاب الرساميل الفردية الذين يستعبدون بواسطتها الناس.

 

نهضتنا تريد أن تـحرر الآلة من استبداد النظرة الفردية، لأن بتحريرها تـحرير مئات وألوف من الناس. والذين يحرمون من أعمالهم بسبب الآلة، تصرفهم نهضتنا إلى أعمال أخرى ولكنها لا تـحرمهم، من مجرّد اتـجاههم إلى أعمال أخرى، من نصيبهم من الانتاج الذي تشكّل الآلة نصيباً كبيراً منه.

 

إنّ الإنتاج من هذا النوع يعتبر حقاً عاماً لأنه نتيجة الـمجهود العام وما يؤمنه وجود الآلة والوحدة القومية التي هي حاصل وجود الأمة وحقيقتها بالفعل.

 

أظن، ما قلنـاه الآن يكفي تـمهيداً لهـذا البحث الذي يجب أن يتنـاول في الـمستقبل محاضرات اختصاصية في كل باب وناحية من نواحيه، ليعطي صورة حقيقية عن النظام القومي الاجتماعي.

 

إنّ ما أعطي الآن هو قواعد عامة ومعلومات أساسية لا غنى عنها للتقدم إلى النظر في أمور اختصاصية.

 


[1] أو حكم الأثرياء هي أحد أشكال الحكم تكون فيها الطبقة الحاكمة مميزة بالثراء. في البلوتوكراطية تكون درجة التفاوت الاقتصادي عالية.

 

[2] الزلمة بمعنى "التابع" 

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro