مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
النص الحرفي لحلقة فكرية قادها سعاده سنة 1947
 
 
 
جريدة البناء، العدد 6 - 1033، أول آذار 1971
 

 

هذه الوثيقة التاريخية تنشرها البناء لأول مرة وهي محضر من محاضر جلسات الحلقة الفكرية للندوة الثقافية للحزب القومي الاجتماعي. عثرنا عليها في أوراق الشاعر خليل الحاوي كما سجّلها آنذاك ناموس الحلقة المساعد بخط يده.

 

وننشرها اليوم لما لها من قيمة وأهمية، فهي مرآة تعكس بجلاء محاولات زعيم الحزب والمؤسسات الثقافية فيه لتحديد أهم القضايا الفكرية التي لا يقوم مجتمع ولا نهضة إن لم تكن في أساسه وجذوره. وهذه الوثيقة قد يكون فيها بعض الخلل في تركيب الجمل لأنها سجلت على عجل ولم يتح للزعيم إعادة نظر فيها قبل استشهاده ولكنها تبقى بمعانيها ذات قيمة كبرى.

 

تتناول هذه الوثيقة مسألة القيم في نقاش وجدل فكري هادئ  مسؤول فتحاول تحديدها لتبني أسس ثقافة قومية يتجلى فيها الأساس الثوري لنسف القيم المتوارثة البالية وإحلال القيم الجديدة محلها. الأمر الذي شدد عليه سعاده في مستهل عمله السياسي والقومي واعتبره أساساً لكل عمل إصلاحي في الأمة.

 

السبت في 17 أبريل:

 

الزعيم:

 

حتى الآن نسير في المواضيع حسبما أتت لأنه ليس هناك وقت لتعيين مواضيع ووضع نقاطها ولا يمكننا تغيير ذلك إلا بإيجاد الندوة المستقرة وحتى الآن يظهر أن الاجتماعات غير كاملة لأن جميع الرفقاء الذين دعوا لم يستمروا في حضورهم، فهناك تغيب لكثير من الرفقاء الذين كان يجب أن يحضروا وهذا يجعل الندوة في حالة عدم استقرار وهذه المسألة تضعف العمل ونطاقه وتوجد شعوراً بأن المسألة غير مستقرة والتصميم غير كامل في الأفراد المدعوين للأعمال الفكرية. وضمن الحوادث التي جرت وبالنسبة لسير الاجتماعات حتى اليوم وصلت إلى أن قررت إيجاد الهيئة التي يمكنها تسيير لندوة إلى آخر السنة والسنة القادمة إذا بقي أعضاؤها هنا وسأعلن الأسماء:

 

-لبيب زويا رئيس

 

-صوراتي نائب رئيس

 

-جورج عطية ناموس يعاونه إنعام رعد.

 

وأتمنى في الاجتماع المقبل أن يتسلموا مهامهم وان اجتمع بهم في أقرب وقت ممكن لتقرير الأعمال. ويمكن بعد اليوم لطول وقت النهار أن نجتمع الساعة الرابعة والنصف من كل سبت ليتمكن بعض الرفقاء كالحسيني أن يحضرو معنا ويمكن أن يحدد الوقت بساعة ونصف أو ساعتين.

 

من الجيد أن نستعرض المعاني والمغازي التي أخذناها من الحلقة الأولى:

 

1) فكرة النهضة قد توضحت. فالذي تعنيه النهضة في عرفنا هي أنها ليست مجرد مظاهر من أي نوع كانت مهما اشتملت عليه من اختلافات واتجاهات ومفاهيم ناقصة لا تحتوي على المفاهيم الأساسية كما نجد اليوم في الموسيقى المسماة «العربية» أي أن نأخذ استعارات غريبة ونمزجها في الموسيقى الكلاسيكية العربية فتكون بذلك نهضة. يأخذ عبد الوهاب قطعاً من الغربيين ويدخلها في موسيقى عربية مثل فعله في لحن (فولكا) الذي اقتبس عنه (هيلا هوبة). هذه لا تسمى نهضة لأنه ليس فيها تعبير جوهري عن نهضة أصلية إنما هي مظاهر خارجية تأخذ الظاهرات دون أن يكون لها مقاصد كبرى وفهم للمشاكل الإنسانية الكبرى ولهذا السبب يجب التنبه للإستفادة من هذا المعنى وعندما نسمع هذه الكلمة يجب أن نعرف مدلولها.

 

2) عرفنا أن النهضة فينا أصيلة بطبيعة نشوئها وكيف لا يصح أن تكون مجرد نتيجة لموجة غريبة أتت إلى هذه البلاد  كشيء اصطناعي وسطحي أتى بسبب موجة تسربت إلى بلادنا جعلتنا نتقدم كما ورد في (الطائفية). إن معنى مثل هذا يحط من جوهر حركتنا ومراميها الصحيحة.

 

3) استفدنا من النظر في الانحرافات التي ظهرت في الواقع اللبناني ومعنى القيم التي لها جمع الشعور القومي أنه لا يجوز تجزئتها كالتكلم عن التراث والقيم ونسبتها إلى لبنان مع أنه لا نعترف إلا بالأمة السورية كممثلة لهذه القيم.

 

4) عن الثقافة، وهل هي شيء شخصي حر متعلق بكل فرد لذاته أو فيها شيء مجتمعي موجه لفائدة المجتمع وتتوخى خير المجتمع.

 

نصل اليوم إلى صفحة 13 وهذا يوصلنا لمعنى الحق والخير والجمال وطبيعتها قراءة. هذا الكلام إيجابي لبعض الأمور التي مرت في حياة الحزب وهي التعابير التي استعملها صايغ وتويني.

 

قال صايغ في «البيان» الذي سماه «البيان الأساسي لعمدة الثقافة» أن العمدة تريد أن تحمي الحق والخير والجمال من كل الاعتبارات الخارجة عن الحق والخير والجمال. هذا الكلام في قرينة البيان يظهر أن العمدة المذكورة تعين قيماً لا علاقة للمنظمة بها وتريد أن تحمي هذه القيم من طغيان قد يأتي عليها من نفس المنظمة كما في بعض التلميحات الخفية التي تقول «الثقافة لا توجه بالمراسيم والأوامر» ولذلك يعني أن العمدة ستقف ضد كل مرسوم يصدر عن الزعيم تراه معارضاً لقيم الحق والخير والجمال كما تراها هي.

 

وبالفعل من وجهة حقوقية ودستورية فصلت هذه القيم عن قضية المنظمة ونظامها وأسسها وأصبحت في عهده عمدة الثقافة شخصية وفي العمدة الخاضعة لتوجيهه. فهل يجوز أن ننظر لصورة كهذه وتعبير الحق والخير والجمال تعني أمور محدودة بذاتها موجودة في زمان ومكان مطلق أو معين وواضحة كل الوضوح ويجب أن ننظر في اقتراب الأشياء وابتعادها، أو ما هي هذه القيم لنقدر معرفتها لعمل المنظمة وعملنا الإنساني الإجتماعي.

 

فما هو الحق؟ وكيف نقدر أن نحميه وبأية طريقة يمكننا إدراكه وتعيين انطباق الأمور عليه؟ أشياء كهذه نسأل عنها لنعرف لو سألنا مثلاً ما هو الحق وكيف نقدر أن نرى أن المراسيم تطغى عليه.

 

زويا:

 

أعتقد في الحق والخير والجمال أنها قيم وواجبنا الأول أن نقرر ما إذا كانت قيم إنسانية أم غير إنسانية، فإن كانت إنسانية يجب أن نعين وجودها وإذا لم تكن فهي فوق تحديدنا فإذا كانت إنسانية يجب أن توجه ضمن المجتمع. فتصبح مفاهيمها مطابقة للقوانين القيمة الظاهرة في القوميات وعندما نقول القضية قضية حق نعني أن المقياس هو قضيتنا نفسها.

 

فلا نأتي بميزان خارجي وموقف الحزب من فايز صايغ ومن شاركه هو لأنهم قاسوا العقيدة بمقاييس غريبة ولهذا السبب حصل التشويش فيجب أن نقرر أولاً إذاً كانت هذه القيم إنسانية أو غير إنسانية.

 

وديع الأشقر:

 

ورد في كلام زويا أن الحقيقة بحد ذاتها مطلقة فكيف إذا انطبقت على مجتمع إنساني..كيف نتصورها مطلقة؟

 

زويا:

 

الحقيقة مطلقة بأنها واحدة في كل العالم وإنما ترى من جهات عديدة فعندما نقول أن قضيتنا الحق فإننا ننظر إلى الحق من جهتنا ونشترك فيه والحق يعترف به غيرنا.

 

الأشقر:

 

الفئات الإنسانية تنظر للحق من نظرها، فيبطل ذلك مطلقيته.

 

قبرصي:

 

أرجو التسلسل المنطقي في البحث ولنبدأ بتحديد الحق من ناحيته الصحيحة.

 

الزعيم:

 

كما وضع البحث من قبل لبيب، من هذه النقطة يجب الابتداء. والتحديد كشيء علمي لن يغير طبيعة البحث وطبيعة البحث في الموضوع دون أن يكون قائماً على مجرد اكتساب قاعدة علمية معينة.

 

لبيب يقول «هل هي قيم إنسانية أو قيم لا إنسانية» هنا الموضوع. والموضوع الذي أثاره الأشقر حول الحق إن كان مطلقاً أو غير مطلق يأتي إلى نقطة مزج فيها بين المطلق المجرد الكامل لكل الجماعات البشرية وبين المطلق كقاعدة للمجتمع أي لأي مجتمع من المجتمعات فأي نظر للحق يجب أن يكون مطلقاً فيجمعنا كلنا النظر للحق وعندئذ يعنيه أن يكون مطلقاً ضمن نطاق يتحدد فيه هذا المطلق. لأن المطلق، كما قلت في محاضرة سبقت، مبهم والحق كقيمة مطلقة شرحتها في بحث نشر في العدد الأول أقول فيه أن هذه القيم ليست شيئاً يوزن أو يقاس ليس لها شكل مادي يقاس بالسنتيمترات لذلك لا يمكن أن تكون واضحة شكلاً أي ليس لها شكل حسي يذهب إليه الإنسان ويصبو إليه كل الناس وينتظرونه فإذا كان المعنى الحقيقة أو الصحيح فهذا معناه مطلق. وكل إنسان يرى حقيقة ويشترك فيها يقول أنها مطلقة ولما كانت غير حسية، تنشأ المشكلة في النظر الإنساني إلى هذه القيم.

 

يمكن أن يختلف شخص وشخص أو مجتمع ومجتمع إذا كانت حقيقة من الحقائق حقيقة أو غير حقيقة تكون مطلقة بالنسبة للمجتمع مجتمعان يقولان...

 

صوراتي:

 

إذا كان الحق يعني الحقيقة ونفهم إطلاقها فهل الحق والحقيقة واحد؟ في الإنجيل ورد الحق بدل الحقيقة...فهل هما مترادفان؟

 

الزعيم:

 

يمكن ترادفهما لأنه في نفس الإنجيل ورد «الحق الحق أقول لكم» بمعنى الحقيقة في اللغة من معاني الحق الصحيح. ثم أخذ هذا المعنى ونقل إلى المعنى الحقوقي.

 

زويا:

 

- عندما تأتي الحق والخير والجمال مع بعضها تعني الحقيقة؟

 

 

الزعيم:

 

- نعم...هذه مأخوذة من قول أفلاطون وهنا الحق أخذناه بمعنى. فالحق مثلاً والحقيقة ليسا واحداً. فما هي الحقيقة؟

 

- هل يمكن أن نعين شيئاً بذاته إسمه الحقيقة وسيصبح كشخص نعينه كما نعين الأشخاص؟ ونقدر أن نصور الحقيقة بهذا الشكل؟

 

 

كرم:

 

- الحقيقة نظرة الإنسان إلى الأشياء الواقعية، كيف يرى الأمور التي يراها أمامه؟

 

 

زويا:

 

- التعريف الفلسفي للحقيقة هو بتجانس فكرة في العقل كما هي في الواقع، أي التجانس بين الملموس وغير الملموس.

 

 

الزعيم:

 

- هذا تعريف يحمل العلاقة النفسية في الموضوع ولا يوضح ما نقصد نحن بالذي نعنيه في ما هي الحقيقة.

 

جنبلاط:

 

- للإنسان أو المجتمع، حزبياً الحقيقة هي ما أراه حقاً لمجتمعنا السوري وربما لغيري لا يكون حقيقة.

 

 

الزعيم:

 

- هذا ليس تعريفاً لماهية الحقيقة.

 

 

زويا:

 

- يمكن أن تكون القيمة الوجودية.

 

 

الزعيم:

 

- أدراكنا لقيمة الإنسان من حيث هو قيمة هي إدراكنا له وهي حصول المعرفة التامة الصحيحة والوعي الكامل الصحيح لطبيعة أي أمر أو جوهره يكون معناه حقيقة للكون للإنسان أو لأي موضوع أو قيمة، إذا درست طبيعة موضوع أو عمل وأدركت كنهه تقتنع أن وصولك لهذا الشيء هو الحقيقة الكاملة التي لم يعد عندك شك بها ولذلك بما أن الناس أنواع ومجتمعات والمقاصد مختلفة وأن هناك تنوع نظر في العالم ناتج عن حالات معينة يتوقع أن يحصل اختلاف بين مجتمع ومجتمع في مفهوم هذا المطلق الذي يطرأ.

 

 

زويا:

 

- هناك معنى آخر للحقيقة فيجب أن نفرق بين ما هو إنساني وعلمي. فمثلاً الحقيقة الحسابية في جمع 2 مع 2 يساوي 4 حقيقة لكل إنسان وكذلك الحقائق الفلكية.

 

 

الزعيم:

 

- أجل هذه الحقائق وكل ما يقع في نطاقها هو حقيقة علمية.

 

 

زويا:

 

- أرجو التفريق بين الحقيقة كقيمة إنسانية وبين الحقائق العلمية.

 

الزعيم:

 

- هل التحديد الذي اعطيته يخالف هذا التحديد؟

 

زويا:

 

- أريد أن أفصل التحديد إلى قسمين لا إضافة شيء جديد.

 

 

الزعيم:

 

- التحديد الذي أخذناه هو في حصول الإدراك الكامل والوعي الكامل لجوهر وطبيعة أي موضوع أو أمر ينظر إليه الإنسان وهذا التحديد يشمل النواحي العلمية والقيمة (ذات القيمة الإنسانية) فمثلاً لو درسنا علم الحساب فهذا إدراك صحيح لإدراك أمر معين والقاعدة هنا يمكن اعتمادها في كلا الأمرين وإذا أردت التقديم إلى تفضيل في فروعه. قسم يتعلق في الأمور النظرية والأمور القيمية والمفاهيم الإنسانية.

 

 

زويا:

 

- أرجو الإيضاح بينهما. إن الناس تختلف في حقيقة علمية وتتفق في حقيقة علمية أخرى.

 

 

الزعيم:

 

- الإثنان يتفقان في نتيجة واحدة، في العلوم الطبيعية يسلم فيها كل إنسان وفرد ومجتمع. ومن العلوم ما يؤدي إلى نشوء فلسفات تحاول أن تؤول أو تدرك حقيقة علمية من النتائج إدراكاً صادراً عن ذاتيتها كأي حقيقة علمية من الحقائق التي يكتشفها العلماء كاكتشافهم كيف تكونت الكرة الأرضية هل انفصلت عن الشمس ثم أية حقيقة علمية في كيفية تطور الكرة الأرضية والحياة عليها يأتي العلماء ويقررون النتائج ثم يأتي الفكر الفلسفي لتأويل هذه الحقائق أي إعطاؤها القيم فتصل المسائل إلى حيث تنوع النظر ولهذا السبب أعتقد (ص 5 من المجلة آخرها تحديد الحق والخير والجمال) فالتأويل وإعطاء القيم يجعل للأمور تنوع نظر واختلاف مدلول الحقيقة ولذلك نرى هناك حقيقة علمية واحدة يقوم عالم ويعطي تأويلاً معيناً ويقوم فيلسوف فيعطي تأويلاً آخر معيناً مختلفاً عن فيلسوف آخر.

 

 فظاهرة واحدة ثابتة تعطي مجالاً لتأويلات متنوعة فأي واقع اجتماعي أو نظم يمكن أن يؤدي إلى اختلاف نظر أو فلسفات لهذا الواقع نفسه في ترجمة الأحوال السياسية مثلاً يمكن أن يختلف مؤرخان في سبب سقوط الدولة الرومانية سيعطي انتشار المسيحية كسبب لذلك ويقوم مؤرخ آخر ويعطي سبباً آخر وهنا ومع أن الحقيقة واحدة في حدوث أحداث معينة في وقت واحد إنما قيمة هذه الحقائق ما هي ؟ هذه القيم يصير فيها الاختلاف لجوهر الحقيقة وتنوع النظر وتنوع المصالح أيضاً- واضح؟

 

سنشرح نقطة حول الحق والخير والجمال صفحة 49- فقرة ثالثة- أن القيم إجتماعية...إن تنوع النظر يخالف تماماً النظرة التي تقول والتي تزدري أمثلة الكثرة أو الحالة الاجتماعية وتكتفي بأن الفرد كما قال صايغ في «الهدف» تعقيباً على أوغسطين أنه قد يرى الفرد الحق ولا يهمه في أن يكون كل من حوله يضرب للباطل في كل مزمار. في هذه النظرة رجوع إلى نظرة قديمة هي نظرة السفسطائيين الذين رجعوا للإنسان كالمقياس الأخير والذي تهكم عليهم سقراط وهي أن ما يتراءى للفرد كحقيقة يكون كذلك. ولذلك يقول سقراط في مثل تقرير ما هو حار وما هو بارد أن الفرد يعجز عن هذا التقرير فإذا كان الفرد يقرر لنفسه الحقيقة من حيث هو فرد ويكتفي بفرديته أن تكون كافية يرجعنا لهذه النظرة ويعلن أموراً لا يمكن لبقية الناس أن يشاركوه فيها. فإذا كان الفرد يحدد الحقيقة ولا يمكن أن يجعلها مشتركة فلا تعني الحقيقة شيئاً. بينما من وجهة نظرنا لا يمكن للفرد أن يصبح كمقياس، لتعرضه إلى أشياء كثيرة يجب أن تمتحن في المجتمع. فكل ما لا يمكن أن يصير حقيقة اجتماعية يشترك فيها الفرد فمهما قال الفرد تموت الحقيقة عندما يموت ولا تعتبر ثابتة في المجتمع. فالنظر في الحرية وكيف أن الفرد إذا نظر إليها من وجهته الخاصة لا يجعلها  حقيقة.

 

جرجي:

 

- النسك حقيقة فردية.

 

 

قبرصي:

 

- هل يجوز تضحية الحقيقة في سبيل الخير العام.

 

 

جنبلاط:

 

- الحقيقة والخير العام لا ينفصلان.

 

نجار:

 

- تضحية الحقيقة في سبيل المصلحة العامة، أي أن المصلحة لا تقوم على أساس خير، النتيجة هي خير فلا يكون هناك تناقض وإلا لا نعطي الحقيقة أي خير.

 

زويا:

 

- هذا الموضوع نسميه «العدالة والنظام» كيف يمكن العدالة في الشيء إلا إذا كان حقاً، هل نضحي النظام في سبيل الحقيقة، مثلاً إذا وجد شخص من ناحية العدل يجب أن لا ينتقل خارج البلاد، ولكن من ناحية النظام يجب أن يقضي عليه، فيكون هناك تضحية العدالة في سبيل النظام.

 

 

قبرصي:

 

- رأيي أنه يجوز.

 

 

الزعيم:

 

- يأتي هذا في موضوع الخير.

 

 

قبرصي:

 

- الخير، ما ينطوي عليه الخير العام، المصلحة العامة، أو الأمن العام بتعبير ثان.

 

 

زويا:

 

- العدالة والنظام، العدالة تحتوي الحقيقة.

 

 

قبرصي:

 

- العدالة تشتمل على قسم من الحقيقة.

 

- هذا منتهى الحقيقة، تأخذ شمولاً أكثر من معنى العدالة.

 

 

زويا:

 

- إذا ضحينا الحقيقة تماماً لا يمكن أن نصل للخير العام في السياق الطويل.

 

 

الزعيم:

 

- إذا وصلنا إلى تحديد الخير يساعدنا على تحديد معنى الحقيقة- فما هو الخير، نأخذ معناه الشامل، من القيم التي يجب فهمها لنقدر النظر إليه.

 

صوراتي:

 

- الخير هو الإحسان والمحبة التي توحي بها المسيحية.

 

زويا:

 

- كل شيء يساعد الإنسان على إدراك نفسه وتحقيق وجوده هو الخير.

 

 

الزعيم:

 

- الخير على ما أرى هو حالة حصول الارتياح النفسي العميق الكامل والاطمئنان الكامل إلى الوضع والنتائج الحاصلة بكل ما يشمل ذلك من استفادات نفسية ومادية للإنسان، حصول هذا الارتياح بالمعنى الاجتماعي أو الفكري كل حالة يمكن تصورها ويمكن العمل على ايجادها تتصور أنها الخير...إن المجتمع في بلوغه إليها يحصل له الارتياح والشعور بالسعادة في المتطلبات الإنسانية، هذا تعريف يبدأ من نقطة أساسية كقيمة إنسانية، وهذه قاعدة شاملة لتعريف الخير بالنسبة للإنسان.

 

كرم:

 

- السعادة بمعنى.

 

الزعيم:

 

- الطمأنينة هي السعادة.

 

 

زويا:

 

- كل ما ترتاح إليه النفس الإنسانية هو خير.

 

 

الزعيم:

 

- النفس الإنسانية الفردية أو الاجتماعية.

 

 

زويا:

 

- إذا أخذنا فرداً يعمل أعمال كثيرة يومياً، فهل ما ارتاح له ضميره خير وما لم يرتح له ليس خيراً؟ معنى الخير بينما يمكن أن يستعمل الفقير الدراهم لأسباب.

 

 

الزعيم:

 

- لو أعطي رجل فقير هبة فهل تعطي هذه العملية، غير خيره.

 

- الخير لا يتوقف على مبلغ المعرفة للشخص، إذا إنسان قصد أن يفعل خيراً للآخريين ويعتبر أنه عمل خيراً للآخرين، وكان جاهلاً مقاصد الآخرين لا يعدل ضرورة ارتياحه لعمل الخير. يتعدل هذا الموقف عندما يعرف أن هذا الشخص سيستعمله للشر، أي إذا رأى إنساناً رجلاً جائعاً فبدل أن يستقصي حقيقة أمره، أعطاه مساعدة، فهل جهل للمقاصد السيئة التي يستعملها  الشخص الآخر دليل على أنه لم يعمل خيراً.

 

 

زويا:

 

- سبب بغير قصد شراً.

 

 

الزعيم:

 

- هذا لا يعدل قاعدة حصول النتائج وأمور تجعل الإنسان والمجتمع يطمئنان إليها وهذه تشمل حصول النتائج التي في سلسلتها خير. وأما ما يبتدئ خيراً وينتهي شراً فإذا كان يجهله المجتمع فلا تتعدل حالته فيه ولا يكون عاملاً إلا بالحقيقة في إدراكه.

 

 

زويا:

 

- الارتياح للعمل.

 

 

الزعيم:

 

- الارتياح للوضع الحاصل والنتائج الحاصلة، والنتائج الكبرى التي يرتاح إليها المجتمع وما هي راحة فردية، الوضعية واضحة كيف يجب أن تكون أساساً. إذا قصدنا أن نعيد الحكم وكانت النتيجة ازدهاراً في الصناعة يتبعها إنشاء دور العلم وتوسيع آفاق نظر الإنسان مما يسبب ارتياحاً عاماً في المجتمع وهذا ما نقصده.

 

يكون هذا خيراً- الارتياح العام لهذه المقاصد يكون هذا مدلول الخير- إما عمل شيء جزئي بغير وضوح هو عمل خير من ناحية لها علاقة جزئية في الموضوع.

 

 

جنبلاط:

 

- عندما يغرق أهل مصر أجمل بناتهم وعندما يقتل الروس شيوخهم بقصد إراحة المجتمع فهل هذا العمل خير؟

 

 

الزعيم:

 

- كل مسألة لها ناحية. ففي قضية إغراق البنات الموضوع في ظاهره شيء وفلسفته شيء آخر. الواضح أن الارتياح هو خير إنما في شكله يظهر أنه ليس خيراً، فالنظرة هي من مجتمع آخر ولأسباب أخرى فالمقصود من تقدمة الطفل ليس قتل الطفل بل المقصود ذو علاقة في الاعتقاد أن الإله مولوخ مثلاً يطلب هذه التضحية ثمناً للخير العام. فالنظرة الأساسية والارتياح وصل بمفهومه ونظره إلى الخير وقيمته وأسباب الخير المربوطة بعقلية المجتمع. فإذا كان المجتمع يريد قتل أحد لمجرد الفرح اختلفت النظرة. وكل مجتمع يحدد المطلقات من نظرته إلى المسائل، هذا هو الخير المطلق، ولهذا السبب في صراع المجتمعات وتنازع بقائها واعتمادها أية نظرة من الحياة، تقرر مصيرها فإما يكون بنظرتها كل القوة وكل الصحة للتغلب على كل عوارض الحياة، أو المرض والاعتلال الذي يذوبها ولهذا السبب يهتم بالنظرة ومعرفة أنواعها.

 

 

زويا:

 

- المسألة الارتياحية تجعل من العمل مسألة نفسية وتفقد معناها القيمي. فلا يمكننا تفريق عمل وعمل.

 

 

الزعيم:

 

- على أي مقياس تفرق بين عمل وعمل أو نتيجة ونتيجة؟

 

 

زويا:

 

- لا شك أن الأعمال ونتيجتها تطبق على الإنسان لكن هل للخير وجود وغير وجود نفسي؟

 

 

الزعيم:

 

- هل مقياسه غير المقياس النفسي واضطررت من أن أعرف مثل هذه الصورة لغسان التويني صورت حالة غزالاً هارب يلحقه  نمر وأنا وغسان نتجول في البرية وقد وصلنا إلى أمام هذه المشهد ونحن جائعون ومعنا بندقية- أي حق هو مطلق- حق النمر أو الغزال أو الإنسان؟ ونأتي إلى الخير إذا لم يكن غير قيمة إنسانية وفي نتائجه للإنسان لتعريف الخير. لا يمكننا تصور هذه الأشياء.

 

 

زويا:

 

- هل الإنسان اكتشفها أو اخترعها؟ إذا كان اكتشفها أو اخترعها المهم...

 

الزعيم:

 

- كيف تتصور هل هي اكتشاف؟

 

 

زويا:

- ....

 

 

الزعيم:

 

- من حيث أنها قيم هي مجرد تحديد لحصول شيء في نفس الإنسان ولا يمكن أن يكون شيء اسمه قيمة إلا أن تحصل له علاقة نفسية في الإنسان فسواء أكانت مكتشفة أو مخترعة لا يغير ذلك من تحديدها الحقيقة مطلقة بذاتها بقدر ما تعني للإنسان قيمة.

 

زويا:

 

- هناك فرق بين الاختراع والاكتشاف.

 

 

الزعيم:

 

- ليست مخترعة أي ليس لها وجود، إنها تحديد حالة في صميمها إنسانية نفسية هي نفسية الحالات هذه وإنسانية. لماذا تشيح بوجهك عن المنكر هل لأن عالماً اخترعه أو لحادث من نفسية الإنسان. هل القباحة قباحة لأن لها تحديداً منطقياً أو لأن الإنسان يدرك ذلك؟

 

 

زويا:

 

- هل هذا الفهم كان كامناً أو تطور؟

 

 

الزعيم:

 

- القباحة هي قباحة ولا يهم تطورها. الشكل لا يهم، دائماً الحالة النفسية للإنسان وجوهر الإنسان النفسي به تعين قيم الأشياء.

 

 

زويا:

 

- الخير اليوم يجب أن يكون خيراً غداً.

 

الزعيم:

 

- القباحة تبقى نفسها على طول أشكالها تختلف ويجب أن نميز بينها. هذا هو القياس النفسي هل هناك غيره. يختلف مجتمع حول شكل القباحة، إذا كان إنسان عودته ظروف أن يرى أرجل الصينيات جميلة في تقييدها، فقد تغير نظره الجمالي لا القباحة التي تغيرت وتختلف النظرات بالأشكال. هناك اختلاف في القباحة كما تظهر النفس إذا كان هناك مقاييس غير هذا. هل يمكن أن يوجد خير لا يرتاح إليه المجتمع وكيف يكون خيراً بعدم ارتياح المجتمع الإنساني في أنه خير.

 

 

زويا:

 

- أقر بذلك وهناك ترابط.

 

الزعيم:

 

- الترابط هو الترابط في الذاتية والوضعية وهي في ضمير الإنسان واحد وعند التحليل نميز بينها ولكن في ضمير الإنسان هما واحد، رواية الأحمر فالفاعل والمفعول هما شيء واحد في ضمير الإنسان لكن عند تقسيم الموضوع يمكننا الكلام عن اثنين ولو كان في ضمير الإنسان واحداً. كذلك إذا قلنا الخير فهو ليس مستقلاً عن نفس الإنسان لأنه في الإنسان ويمكن.

 

- فإذا أصاب حجر حجراً آخر لا نعرف من أصاب الضرر، القيمة تكون للنفس الإنسانية، لذلك قلت عن المعرفة تقول بعض المدارس أن الحقيقة لا تحتاج إلى معلوم فما قيمة الحقيقة آنذاك. يجب أن نفترض وعياً آخر هو وعي الله، وبما أن الإنسان لا يشارك  الله المعرفة فالقيم يجب أن تبقى مربوطة بالإنسان وعندما تصبح للإنسان النظرة الإلهية يمكنه أن يفترض غير هذا وبعض الذين يعالجون هذا الموضوع كنت أجيبهم بنظرة عرفت بعد ذلك أن كنت يجب بها إذا دعينا أن عقل الإنسان ناقص فكيف نحدد أن الله كامل، ففي أمور العقل كأساس هي العقل الإنساني ويمكن أن يخطئ الفرد، فمن يصلحه؟ الذي يصلحه أو يصلح للفرد أخطاءه هو فرد آخر ومثل ذلك العمل على الجوهر الفرد حيث يتعاون العلماء على اكتشاف الحقيقة فإن أخطأ أحدهم يحاول الآخرون إصلاح ذلك الخطأ. فالفلاسفة الإغريق لنقصهم العلمي تصوروا الجوهر الفرد شيئاً والعلم الحديث أظهر أن هذه الحقائق هي غير ما ظنها الإغريق. فهي ليست فقط أصغر ذرة بل لها أيضاً نظام شمسي. هكذا نرى أن هذه الحقائق تحتاج إلى تعاون اجتماعي ومقابلة بين فرد وفرد حتى نصل إلى حقيقتها.

 

ولهذا السبب عندما أقول الحقائق مجتمعية يعني أن الحقيقة تقوم من طبيعة العقل الإنساني في المجتمع وليس من فهم الإنسان القائم بنفسه وهنا النظر مثلاً عندما نضحك على بيتاغورس بمعنى أن الإنسان هو الفرد ولكن إذا غيرنا القاعدة وأصبح الإنسان هو المجتمع وجب البحث جدياً من أساسه وهنا، يظهر الجديد في الموضوع: الإنسان- المجتمع عندما يكون المجتمع يحقق فيه تفاعل كل عقوله يصبح من الصعب غير ذلك، فكل ما يحقق الإنسان معرفته قائم بمجهود إنساني وكل القيم هي برضى الإنسان.

 

وهذا الرضى هو قائم في الإنسان فلو كان ناحية أخرى فإننا نبحثها في اجتماع آخر فلو أخذنا هذه القاعدة فكيف ممكن تضحية الحقيقة بمعناها المطلق الكلي. يمكننا تضحية بعض الحقائق وليس الحقيقة، فبأية حالة يمكنا أن نضحي بالحقيقة في سبيل الخير. بعض التفاصيل التي هي جزئية بذاتها تبطل أن تكون حقيقة، تضحية هذه شيء والحقيقة الكلية شيء آخر. فهل يمكننا أن ننسف حقيقة الشمس ونظامها ونعمل خيراً عاملاً.

 

 

قبرصي:

 

- لو أخذنا فكرة بعض الحقائق فهل يجوز أن نضحي بعض الحقائق في سبيل الخير؟ أظن أن فكرتي واضحة؟

 

 

جرجي:

 

- بعض الحقائق يجب أن يضحى بها في سبيل المجتمع، ففي الحرب يموت الأفراد في سبيل بقاء الأمة هم حقائق تزول في سبيل الحقيقة.

 

 

قبرصي:

 

- حضرني شيء يتعلق بـ...وهذا يقضي كثيراً بالخروج عن الحقيقة وذلك أن الدولة تضحي بالحقيقة للوصول إلى الخير العام فإلى أي مدى يجوز تضحية ذلك؟

 

 

الزعيم:

 

- الأمثلة هنا تصبح معقدة، تضحية بعض الحقائق في سبيل حقيقة كبرى هو شيء يجب أن يكون مفروضاً بطبيعة الخير العام نفسه. فعندما يفرض خير نفسه ويحدث تضارب مع حقيقة جزئية حتماً الحقيقة الجزئية المنتهية بذاتها تفسح للحقيقة الكبرى المجال لأنه في الأخير لا يمكن الفصل بين الخير الفردي والخير العام إلا بنظرة مهملة حقيقة الإنسان كوجود إجتماعي يمكنها أن تتصور أن الفرد شيء والمجتمع شيء، عندئذ الأنانية الفردية تحاول فرض هلاك الجماعة في سبيل هدم المجتمع، في أي صراع من هذا النوع يسقط الجزئي في سبيل ما هو عام. ولا بد من هذه النتيجة فإن استبد ملك برعيته لأهوائه الخاصة فالحق العام يفرض قطع رأسه.

 

 

صوراتي:

 

- لا يمكننا تفريق بين حقيقة وحقيقة أظن أننا نقدر أن نسمي ذلك مصالح جزئية وكلية.

 

الزعيم:

 

- هناك حقيقة- أنت موجود وأنت حقيقة قائمة أنت لست وهماً فزوالك ككيان قائم في جسده ووضعه هو المقصود ولذلك أردت معرفة هل نريد تضحية الحقيقة كحقيقة تامة أو الجزئي منها.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro