مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
المقالات العلمية كتاب أيوب (2)
 
 
 
»ترجيح أنه مترجم عن العربية«
 

 

2

 

»إنّ الـحجة الأولى في القول بوجود أصل عربي لسفر أيوب مأخوذة من النص الذي يظهر فيه ما يـمكن تسميته «عبرانية مترجمة». إذ ليس بخافٍ أنه مهما كان الـمترجم مقتدراً، ومهما كان مدققاً في ترجمته، فهو قد يعرض لـخصائص يظهر منها أنّ نتاجه ترجمة لا أصل. وإليك أهم الأغلاط الإنشائية :

 

1 - إذا كانت اللغتان متشابهتيـن، كما هي الـحال في كتاب أيوب، حدث نقل كلمات من اللغة الـمترجم عنها إلى اللغة الـمترجم إليها لا تتناسب مع عبارة هذه اللغة.

 

2 - يغلب نقل كثير من التراكيب الـخاصة بصورة يلتبس فيها الـمعنى ويكثر الإبهام في الترجمة.

 

3 - نقل أمثلة لا مثيل لها أو غير شائعة في اللغة الـمترجم إليها.

 

4 - إستعمال تعابير قد تكون صحيحة من حيث القواعد اللغوية ولكنها تبقى مبهمة إذا لم يظهر الأصل الذي يفيد معناها في اللغة الأصلية.

 

5 - إساءة الترجمة، أو إساءة فهم الأصل.

 

6 - عدد الدورات حول الـمعنى الدالة على أنّ الـمحيط الذي نشأ فيه الأصل هو غير الـمحيط الـموجود فيه الفرع.

 

7 - إستحالة تغيير الـمشهد الأصلي.

 

»إنّ جميع هذه الـمناظر التي تظهر بها »لغة الترجمة« قد تظهر في كل ترجمة تقريباً. فإذا نظرنا في الترجمات الإنكليزية عن الألـمانية نرى من مثل هذه الأمثلة شيئاً كثيراً، لأن الإنكليزية والألـمانية لغتان لهما من صلة القرابة ما للعبرانية والعربية. وإنّ من الكتب اللاهوتية الـمترجمة عن الألـمانية ما يكثر فيه الأغلاط إلى حد أنها تـجعل فهمه أصعب من فهم الأصل الألـماني، وأمامي الآن مثال من ترجمة مقال يتعلق بفلسفة كلفيـن الأخلاقية. والذي أراه أنّ الـمترجم قد يكون يعرف اللغة الألـمانية معرفة تؤهله للقيام بهذا العمل لو أنه كان يعرف من أصول الترجمة أكثر مـما برهن عنه في هذا الـمقال. ففي السبعة والأربعيـن صفحة التي أمامي نـجد اثنيـن وثلاثيـن مثالاً من »الإنكليزية الـمترجمة« حتى أننا نكاد نلمس الـمحيط والتعبير الألـمانييـن في جميع أقسام الـمقال، ومن ذا يشك في أهمية الـمعنى الـمترتب على هذه الـحقيقة؟ إنّ الأدلة الـمتقدمة هي نتيجة الـحقيقة أنّ الـمقال بالإنكليزية هو ترجمة لا أصل، وهي برهان قاطع على الترجمة ولا حاجة إلى البراهيـن أو الوسائل الأخرى التي توصلنا إلى هذه الـحقيقة.

 

»وإننا سنقتصر الآن على الصنف الأول من خصائص الترجمة التي ذكرناها في بدء هذا القسم ونبدأ بالكلمات الـمنقولة:

 

وإنّ الـمبدأ الذي يستند إليه هذا الصنف هو أنه إذا وجدت كلمة عبرانية نادرة (خصوصاً الكلمات التي لم ترد أكثر من مرة) وكان معناها مجهولاً أو أدى الافتراض أنها عبرانية صحيحة إلى إكسابها معنى لا يتفق مع الوضع الذي هي فيه، ثم إذا كان في اللغة العربية أصل لفظي مـماثل لها أو صيغة تتفق مع صيغتها وتعطي الـمعنى الـمطلوب في العبارة، فاللفظة العبرانية إذن هي «عبرانية مترجمة» وبناءً عليه يجب الاعتراف أنّ الـمعنى العربي هو الـمعنى الصحيح، وقبوله.

 

1 - إني لعالم بأن فاديَّ »حيّ« وسيقوم  آخراً على التراب، الخ (25:19).

 

»إنّ هذه العبارة الـمشهورة كثيراً لـمن أغرب أمثلة الإبهام التي تنجلي حقيقتها بردّها إلى أصل عربي مفترض. وإنّ إساءة ترجمة »تراب« في العبرانية قد  أوجدت مشكلاً إذ إنّ اللفظة العبرانية لم ترد بهذا الـمعنى في أي قسم من أقسام العهد القديـم. فمعناها هنا، كما هو في كل مكان »الغبار« وهي هنا تعني »الغبار« (التراب) الذي ينحل إليه الـجسد في القبر. لذلك فإن الـجملة يجب أن تكون هكذا »وإنه سوف يقف على ترابي«. وإنّ الضمير الـمفقود من الـجملة الأولى يجب أن يثبت لكي يتلاءم مع الضمير عينه في الآية السادسة والعشرين حيث يقول »جلدي« أي »غباري« (ترابي) . والـمعنى يدل على شفيع والعادة عند العرب أن يأتي إلى قبر الـميت شفيع يصلي من أجله. ومثل هذا الـمعنى يرد في القرآن الكريـم، سورة التوبة، الآية 84 :»ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون« ومعنى جملة »ولا تقم على قبره« أي لا يكن لهم شفيعاً. والعادة قديـماً كانت أن يقف الشفيع على قبر الـميت لأنهم كانوا يعتقدون أنّ روحه كانت تبقى في الـجثمان إلى أمد اختلفوا في تـحديده. وهكذا نرى أنّ الترجمة العبرانية »فاديَّ« ترجمة غير ناجحة، ولقد استعملت هذه اللفظة وفاقاً للطريقة التي اعتمدوا عليها في شرح النبوءات والأوصاف الدالة على الـمسيح، لأنهم فهموا منها »الـمخلّص« الذي سيقف على الأرض. ويـمكن التثبت من الصعوبات الـمتولدة من هذه الترجمة، التي كثيراً ما تقتضي إعادة تركيب الـجملة لإعطاء الـمعنى، بالرجوع إلى أي الشروح الـمتعلقة بالكتاب. ونرى أنه يجب الاستعاضة عن »الفادي« بلفظة أخرى »كالوسيط« مثلاً، ومهما يكن من الأمر فيجب أن نفهم من هذه اللفظة أنها ترجمة غير صحيحة للكلمة العربية »شفيع« التي قد تكون اللفظة الأصلية...الخ[1]

 

3

 

(نترك الـمستندات اللغوية العديدة التي لـجأ إليها الـمؤلف وننتقل إلى القسم الثالث من بحثه وفيه زبدة نظريته):

 

»يحسن بنا أن نقف عند هذا الـحد في استعراض الأدلة الـمؤيدة للقول بوجود نص عربي لكتاب أيوب. ولقد كان في إمكاننا أن نضيف إليها كثيراً مـما هو شبيه بها ولكني أعتقد أنّ ما أوردته يكفي للغرض من هذا الـمقال.

 

»والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد الانتهاء مـما تقدم هو: ماذا يـمكننا أن نستنتج من الأدلة الـمتقدمة؟ والـجواب على ذلك ما يأتي:

 

1 - إنّ الـمحيط الذي نشأ فيه الكتاب هو محيط الصحراء العربية.

 

2 - إنّ أيوب يـمثّل شيخاً عربياً.

 

3 - إنّ كلمات كثيرة في الأصل العبراني هي منقولة عن العربية.

 

4 - إنّ في هذا الأصل لهجات عربية واضحة.

 

5 - إنّ فيه أمثالاً عربية.

 

6 - إنّ الواقع الذي يفهمنا الكثير من التعابير الواردة في السفر عربي.

 

7 - نقص الـمظاهر الدالة على الـمدنية العبرانية كالـمدن والطقوس الدينية وما شاكل.

 

8 - الفكرة الـممثلة الله هي فكرة عربية.

 

9 - إنّ تصرف أيوب تـجاه الله في نبذه والتجديف عليه وفي التقرب إليه واستعطافه ليس تصرفاً عبرانياً، بل عربياً، لأنه شبيه بتصرف العربي تـجاه شيخه.

 

»بناءً على ما تقدم أطلب أن يجري بحث مستفيض يتسع لأكثر مـما اتسع له هذا البحث لنرى ما إذا كان القسم الأكبر من كتاب أيوب مترجماً عن العربية أم لا. أقول القسم الأكبر لأن أقوال أليهو من الإصحاح 32 إلى 37 مستثناة منه لأنه ليس فيها ما يدل على محيط عربي. فلا يقرأ إنسان هذه الإصحاحات وينتقل إلى الإصحاح الثامن والثلاثيـن حتى يشعر بأنه قد عاد إلى الصحراء الفسيحة التي لا إنسان فيها، فالـمحيط تكثر فيه السيول والبقر وحمار الوحش والفرس الـمنطلق والباشق والنسر والنعامة والغزو. ليست إصحاحات أليهو من بلاد العرب ولا من أصل كتاب أيوب، بل هي أقوال تعترض مجرى القصيدة وتأتي بفكرة جديدة لا وجود لها في سفر أيوب، هي فكرة صداقة الله للإنسان (14:33) وعنايته به (16:33).

 

»إنّ ما تقدم من الأدلة، وهو كثير، لـمما يحمل على الاعتقاد أنه يكفي لتقرير صحة الافتراض أنّ الكتاب الذي يرد فيه هذا القدر مترجم. ولكن هل ما تقدم كاف فيما يختص بكتاب أيوب؟ ما أجهل الاعتراضات الكثيرة التي يـمكن الإتيان بها من تاريخ أدب اللغة العربية ومن مصادر أخرى. ولكن إذا حاز طلبي الـمشار اليه القبول وأخذ أحد الثقات على عاتقه تـمحيص حقائق هذا الـموضوع فقد يكون لديَّ ما أقوله بشأن بعض الاعتراضات الـمذكورة. أوَليست الأدلة الـمستخرجة من الكتاب عينه هي التي تضطرنا إلى قبول الافتراض الذي نضعه الآن أمامنا؟ أليس من الواجب على العلماء أن يعيدوا فحص الـحقائق الـمفترضة التي يظهر أنها تـجعل افتراضنا »مستحيلاً« مستهدين بنور الافتراض الـمذكور، بدلاً من اقتفاء أثر أولئك الـمستعدين لرفضه بكل ما له من الأدلة، مستندين إلى »حقائق« قد يظهر أنها ليست حقائق على الإطلاق. ومن الـمحتمل أن يكون افتراض وجود أصل عربي لسفر أيوب أشبه شيء برفع ستار كان مسدلاً على فصول مهمة في تاريخ اللاهوت والأدب الإسرائيلي والأدب العربي- أو على الأقلّ، شبيه برفع جانب من ذلك الستار، باختصار.«

 

الـمجلة: لا نعتقد أنّ الإنسان يجد صعوبة كبيرة في قبول النظرية القائلة إنّ سفر أيوب خال من الروح اليهودية وإنّ أصوله قد تكون خارج اللغة العبرانية. وأما مسألة وجود نص عربي أصلي ففيها نظر. وكاتب الـمقال نفسه يعترف بالصعوبة التي تعترض هذه الوِجهة ولكنه يعود فيقول إنّ لديه ما يقوله بشأن الاعتراضات الـمستمدة من تاريخ أدب اللغة العربية.  ونحن نـميل إلى الاعتقاد أنّ عبارته الـمشار إليها هي من باب الترغيب والـحث على البحث أكثر مـما هي لإعطاء براهيـن قاطعة لأن الاعتراضات التي يتخوف منها ويتردد تـجاهها من إعطاء القول الفصل هي من الأهمية التاريخية واللغوية بـمكان. وقد يكون القول بأصل سرياني مستنداً إلى أدلة تاريخية ولغوية متينة. ومهما يكن من الأمر فإن هذا البحث يتناول موضوعاً خطير الشأن من الوجهات اللاهوتية والتاريخية والأدبية وهو جدير بتحقيق العلماء الاختصاصييـن. وقد يكون علماؤنا أقرب إلى جلاء الغموض الـمحيط بهذه القضية من علماء الغرب الذين كثيراً ما يقعون في حيرة تـجاه بعض التعابير.

 


[1] نكتفي من الأمثلة التي يقدمها صاحب المقال على معاني الكلمات العبرانية الراجعة، على زعمه، إلى أصل عربي، بما تقدم. والذين يريدون التدقيق في هذا البحث يمكنهم أن يعودوا إلى المقال نفسه في المجلة الأميركانية Semitic Languages and Literatures شهر أكتوبر / تشرين الأول 1932.       

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro