مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
مثل الأمة الأعلى ومثل الشعر الأعلى
 
 
 
الـمجلة، بيروت، المجلد 8، العدد 1،1/3/1933
 

(يسرّنا أن ننشر فيما يلي الـمقال الشائق الذي بعث به إلينا أحد أدبائنا الـمجددين، وهو يتناول موضوعاً من أهم الـمواضيع الأدبية العصرية التي تشغل عقول مفكري النهضة التجديدية في سورية ومصر، ويبحث فيه من وجهة جديدة نلفت إليها نظر الأدباء والدارسيـن.)

 

حضرة محرر الـمجلة الـمحترم

 

قرأت في عدد ديسمبر/كانون الأول الـماضي من مجلة الهلال الغرّاء النقد القيّم الذي دبّجه يراع الكاتب الـمصري الكبير الدكتور طه حسين في الشاعرين الـمصرييـن الـخالدين حافظ [إبراهيم] و [أحمد] وشوقي، فأعجبت كثيراً بالأمانة التي صوّر لنا بها حياة كل من الشاعرين الـمذكورين ونفسيته وأخلاقه وأدبه وشعره. ثم قرأت في عدد يناير/كانون الثاني من الـمجلة الـمشار إليها رد الأستاذ سامي الـجريديني على الدكتور طه حسيـن، ورأيت أنّ بيـن هذين الأديبيـن نقطة خلاف في وجهة النظر هي من الأهمية بـمكان. ورأيت أنّ البحث في هذه النقطة واجب، لأنها تتعلق بفهمنا الـمثل الأعلى في الـحياة وحقيقة الأدب والشعر. وإذا كنت أميل إلى الانتصار لـما ذهب إليه الدكتور طه حسيـن فليس لأني أريد تأييد أديب كبير قد لا يحتاج إلى تأييد، بل لأني أعتقد أنّ مذهبه أقرب إلى الفكر الصحيح مـما ذهب إليه الأديب الكبير سامي الـجريديني.

 

والذي دلّني على وجود شقة خلاف عظيمة الـخطر بيـن وجهتي نظر هذين الأديبيـن، هو أنّ الدكتور طه حسيـن نظر إلى الشعر نظره إلى فن متطور قابل الاكتساب الـمعنوي والاستزادة من الثروة النفسية والعقلية بـما يكتسبه الشاعر من بواعث الشعور ومرامي الفكر الـجديدة. وهو ما جعله يأسف لأن شوقي اكتفى من تثقيف نفسه بالاطّلاع السطحي في الأدب الغربي عموماً والأدب الفرنسي خصوصاً، ولذلك قصّر عن الإبداع الذي كانت تؤهله له فطرته الغنية بـمواهبها.

 

أمـا الأستاذ سامي الـجريديني فيعتقد أنّ من الواجب علينا: »أن نأخذ الشعر العربي كما وصل إلينا ونكيّفه مع عقليتنـا وبيئتنـا على عصرنا فنعيش ويعيش معنا. وإذا نحن أصحاب أدب عربي كما أنّ التليان أصحاب أدب تلياني والألـمان أصحاب أدب ألـماني.«

 

ونرى شقة الـخلاف بيـن هاتيـن النظريتيـن تزداد اتساعاً، متى علمنا أنّ الـجريديني نظر في الشعر العربي عامة من حيث هو وحدة، بينما نظر حسيـن في الشعر العربي من حيث هو أجزاء تعمل في كل جزء منه نفسية وعقلية تختلفان عن نفسية وعقلية سائر الأجزاء. فالـجريديني يردّ على حسيـن الذي أراد أن يكون «مؤرخاً للشعر الـمصري الـحديث» من وراء نظرية »الشعر العربي« القديـم، ولذلك نراه يشدد النكير على طه حسيـن لأن هذا كان يود لو أنّ شوقي اتصل بالأدب الغربي أكثر مـما وقف عنده ليتمكن من إكساب الأدب العربي »شعراً مصرياً« جديداً في أسلوبه ومعانيه، يـمثّل نزعة جديدة في الـمثل الأعلى الـمصري.

 

ولست أدري كيف غاب هذا الـمرمى الـخطير عن الـجريديني الواسع الاطّلاع في الأدب العام. ولست أدري كيف أنه لم يذكر أنّ الأدب الطلياني يستند إلى أصول ليست كلها طليانية وليس معظمها طليانياً. أوَليس دانتي خليفة فرجيل؟ أوَليس فرجيل ناسجاً على منوال هوميروس؟

 

ولست أدري كيف غاب عنه أنّ الأدب الألـماني ليس شيئاً ألـمانياً صرفاً، وأنه لم يرتقِ إلى مثل أعلى يستحق أن يُنظر إليه بعيـن الإكبار والإعجاب إلا بعد أن كانت أوروبة كلها قد اضطرمت بنهضة البعث الأدبي، وبعد أن اقتبس من شكسبير وهوميروس خططاً جديدة، وبعد أن ابتدأ الفن الطلياني والفلسفة الإغريقية يؤثران عليه.

 

وأعتقد أنه لولا سهو الأستاذ الـجريديني عن هذه النقطة الـخطيرة لـما قال هذا القول:

 

»ونحن لا نفهم مثلاً أعلى للشعر إلا الـمثل الأعلى للأمة التي يقال بلسانها هذا الشعر.

 

»فالشاعر الذي يتجرّد عن مثل أمته الأعلى ويتفحص مثلاً أعلى في غير أمته قد يعدّ من كبار الفاتـحيـن، ولكنه لن يحسب في عداد عظماء الشعراء.«

 

وقد يخيل إليَّ من وراء هذا القول أنّ الأستاذ الـجريديني لم يقف على الأبحاث الـحديثة والتحقيقات التي حملت فريقاً كبيراً من الـمفكرين على الاقتناع بأن رواية دانتي الإلهية مستمدة من حكاية ليلة الـمعراج من الـحديث النبوي، وشعر دانتي كان ولا يزال الـمثل الأعلى للشعر الإيطالي.

 

وغنيٌ عن البيان أنّ الدكتور حسيـن لم يقل بوجوب تقليد شوقي الـمصري دانتي الطلياني. فهو لم يتمنَّ إلا أن يكون شوقي قد وسع أفق نظره الشعري والفني ليتمكن من استيحاء صورٍ جديدة تزيد الـمثل الأعلى الـمصري ارتفاعاً نحو الكمال الإنساني كما يفعل الآن بعض شعرائنا، خصوصاً أولئك النازلون في الأميركتيـن الذين اكتسبوا من احتكاكهم بالأدب الغربي القديـم والـحديث فهماً أوسع من الفهم الذي وقف عنده الشعراء التقليديون منا.

 

وكما سها الأستاذ الـجريديني عن النقطة الـمتقدمة، كذلك سها عن الواقع الذي لا يؤيد وحدة الأدب العربي بصورة من الصور. فالأدب العربي في سورية لم يكن كالأدب العربي في الـحجاز. والأدب العربي في بغداد لم يهتم للشعر السياسي الذي نشأ في دمشق، بل إنّ أكبر شعراء الأدب العربي الـمفكرين لم يكن عربياً في شيء من فلسفته وتفكيره، وكل ما في شعره يدل على أنّ طبيعته السورية كانت أقوى من الأدب العربي، هو أبو العلاء الـمعري الشاعر السوري الذي هو تاج شعراء اللغة العربية، والذي لو اقتصر على الـمثل الأعلى للشعر العربي لـما تـمكن من إضافة هذه الثروة الطائلة من الشعر والأدب إلى اللغة العربية.

 

أعتقد أنّ القول بوحدة الأدب العربي خطأ مشهور لا يفضل الصواب الـمهجور. وأنّ الـمثل الأعلى للشعر، كالـمثل الأعلى للأمة، ليس شيئاً ثابتاً لا يتغيّر بل هو خاضع لسنـن التطور الذي تخضع له الأمة والشعر على السواء. فما كان مثلاً أعلى عربياً من قبل لم يعد يصلح لأن يكون مثلاً أعلى مصرياً أو سورياً، بعد الذي أصاب مصر وسورية من التطور في نفسيتيهما وعقليتيهما.

 

أجل، لم يعد في وسع سورية ومصر، بعد أن أفلتتا من الأدب العربي التقليدي لتدخلا عالم الأدب الإنساني الـمتسع لـما لا يتسع له الأدب العربي القديـم، أن تعودا إلى التمسك بـما هو محدود وقابل الإستنضاب.

 

أوافق الدكتور طه حسيـن كل الـموافقة على نظريته في شوقي وحافظ، خصوصاً فيما يختص بالأول منهما الذي لم يكن يشعر بحاجات مصر التي كانت تدفعها إلى طلب مثل أعلى جديد في حياتها وأدبها، إلا بعد أن ترك «قفصه الذهبي» وحجبه القصر عن بهرجته وأنانيته. فلقد كان سجن شوقي في القصر واستعباد شاعريته مدة غير يسيرة من الزمن من أكبر العوامل التي قعدت بذلك الشاعر الكبير عن أن يهمس في آذان الـمصريين وحي مثل أعلى جديد.

 

وقد يكون الدكتور طه حسيـن أسرف في تبيان نقائص شوقي. وقد يكون الأستاذ الـجريديني على صواب في الدفاع عن بعض مواقف شوقي ولكن اختلاف نظريتي هذين الأديبيـن يثير قضية فكرية من الطراز الأول، وهي ما رأيت أن أثبت رأيي الـمتقدم بشأنه، راجياً أن تفسحوا له مجالاً في مجلتكم الغرّاء. وسلفاً أقدم لكم خالص شكري.

 

                                                                           »مفكر حر«

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro