مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
لو لم أكن أنا نفسي...!
 
 
 
الجمهور،بيروت،العدد 6، 1936/6/22
 

 

لو لم أكن أنا نفسي، لوددت أن أكون النسر المحلق في الجو الفسيح، لا تطول به الأبعاد كما تطول بذي الجناح القصير.

 

لو لم أكن أنا نفسي، لاشتهيت أن أكون ألحاناً تمتد مع أمواج الكون الخفية وتلامس القلوب النابضة فتحوِّل نبضاتها إلى أناشيد الحب والقوة، وتلامس القلوب المتحجرة فتعيد إليها نبضات الحياة المنسية!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون رجلاً نسيته مهام الحياة الواسعة الملحّة، فترك الجلبة وتمتمات الأفواه النمّامة والمغتابة وسار في البرية يتمتع بجمال الطبيعة، ويصغي إلى هينمات نسيم العشية وتقصُّف الأعواد والأوراق اليابسة تحت قدميه، فتختلج في نفسه الأسرار البعيدة الغور!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لتقت أن أكون أنوار الفجر في عين العذراء!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون الـحبيب الـجالس على الشاطىء عند الغيوب، وقد أسندت حبيبته رأسها إلى كتفه، وتنفس الأمواج يردد صدى تنفسهما!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون صور الفن مدهونة أبدع دهان!

 

لـو لم أكن أنا نفسي، لرغبت في أن أكون هذه الأحلام الملونة بألوان قوس قزح!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون جندياً قد دعاه الواجب القومي والحب الوطني إلى الزحف مع غابات الأسنة البارقة تحت أشعة الغزالة تتقدمها الرايات والألوية!

 

لـو لم أكن أنا نفسي، لوددت أن أكون هذه التيارات الروحية الدافعة نحو الرحابة والسمو!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لوددت أن أكون هذه الآمال الكبيرة، العالقة بها أنفس ملايين البشر!

 

لـو لم أكـن أنا نفسي، لأحببت أن أكـون هذه الرغائب العالية التي تكوِّن ما نسميه مثالاً أعلى يظن الناس أنهم أدركوه كله حين يكونون قد أدركوا بعضه!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لرغبت في أن أكون عقلاً واعياً، ونفساً فاهمة، وقوة باطشة، وحلماً مشفقاً، وصبراً لا ينفذ، وعزماً لا يقف في سبيله شيء، وغموضاً يصد الكيد، وجلاء لا يبقي مجالاً للريب!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لرغبت في أن أكون خلقاً ثابتاً، وعاطفة صادقة، وضعفاً بشرياً في بعض الدقائق!

 

لـو لم أكن أنا نفسي، لأحببـت أن أكـون رغبـاتي وآمـالي، وأميـالي، ومثلي العليـا مجسمـة!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون هذا المركَّب النفسي المعقد، المكون من ألف ألف عامل من عوامل الحياة الإنسانية وانفعالاتها!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لأحببت أن أكون هذا اللغز النفسي الغريب بمتناقضاته، العجيب بمتلائماته، الرهيب بأسرار قوَّته، الباهر ببساطته - هذا اللغز المتحجب في داخلي بحجب الخفاء حتى ينجلي عن شعب مؤلف من ملايين الأنفس الحية يخطو إلى الأمام خطوات الفلاح، عن أمة تعود إلى الحياة وتثب إلى المجد!

 

لو لم أكن أنا نفسي، لأردت أن أكون أنا نفسي!

 

                                                                    أنطون سعاده

 


[1] كُتب جواباً على السؤال «لو لم تكن أنت نفسك فمن تود أن تكون؟» الذي وجّهته مجلة الجمهور إلى المفكرين في البلاد. وكان سعاده آنذاك سجيناً في سجن الرمل في الاعتقالات الثانية من اعتقالات الحزب.  

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro