مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
ذكرى سوريَّيْن عظيميْن «الدكتور خليل سعاده جبران خليل جبران»
 
 
 
الزوبعة،بوينُس آيرس،العدد 19، 1941/4/30
 

 

في العاشر من أبريل/نيسان اجتمعت ذكرى وفاة عظيمين من عظماء الفكر السوري مبشرين بـمجيء النهضة السورية القومية سباقين لها هما: العلاّمة الوطني - السياسي الدكتور خليل سعاده والأديب الروحي جبران خليل جبران.

 

في الـمقالة الافتتاحية لـِ سورية الـجديدة الصادرة في عددها الأول، ذُكر هذان النابغتان وذُكر معهما العلاّمة الـمؤرخ الدكتور فيليب حتي، وحُسب الثلاثة طلائع للنهضة السورية القومية. واليوم نضيف إليهم نابغة رابعاً أظهر التنقيب الـجديد أنه يستحق أن يحسب من طلائع النهضة القومية هو الـمفكر الاجتماعي فرح أنطون. فهؤلاء النوابغ الأربعة عملوا مستقلين، ونشروا أبحاثاً تستحق الدرس والعناية نظراً للقيمة الفكرية العالية التي تضمنتها.

 

نقتصر اليوم على كلمة مختصرة في النابغتين اللذين نتناولهما الآن معاً بـمناسبة ذكرى وفاتهما في يوم واحد. فجبران خليل جبران توفي في العاشر من أبريل/نيسان سنة 1931 والدكتور خليل سعاده توفي في العاشر من أبريل/نيسان سنة 1934، أي بعد جبران بثلاث سنوات تـماماً.

 

إمتاز جبران خليل جبران بكتاباته الروحية الرامية إلى عتق النفوس من عبودية التقاليد الاجتماعية - الدينية الـمتحجرة. واتّخذ نفس الفرد مدار اهتمامه فأنشأ قصصه القصيرة اللطيفة كـ خليل الكافر وغيرها. وأظهر في هذه القصص ظلم التقاليد وعماوتها وانحطاط الـمؤسسات الدينية. وجعل أسلوبه موسيقى تدعو النفوس إلى اليقظة والانعتاق.

 

كتب جبران خليل جبران قصصه بلغته القومية، فوصلت كتاباته إلى قسم من الناشئة التي تلقتها بنفوس محتاجة إلى اليقظة فأيقظتها، وأرتـها الظلمة التي هي فيها وحبّبت إليها الـخروج منها. ومع أنّ جبران وقف عند هذا الـحد فإن أهمية تعيين العتمة هي أهمية عظيمة الشأن. ومن هذه الناحية أمكن تعيين جبران خليل جبران كسبّاق أمام النهضة السورية القومية.

 

كان لـجبران خليل جبران تأثير عظيم على قسم من شبان بلاده، سورية، فنبّه الشعور الروحي فيهم وجعلهم يتوقون إلى عهد جديد. ولكنه أخيراً تخلى عن هذه الرسالة وطلب الـمجد الشخصي. فترك الكتابة بلغة السوريين وانصرف إلى الكتابة بلغة الأميركان الذين هم أسرع من السوريين إلى التقدير وأقدر منهم على شراء الكتب. فأظهر من هذه الناحية ضعفاً روحياً عظيماً، وهو الرجل الروحي الذي أراد الانتصار بأدبه على الـمادة. ومع كل الأعذار التي اجتهد مريدو أدبه في جمعها وتقديـمها للسوريين لتبرير تخلي جبران عنهم، فلا بد من الاعتراف بأن ترك جبران الكتابة باللغة العربية كان نقيصة كبيرة لأديب عظيم مثله لا يعوّض عنها ما أحرزه أدبه عند الأميركان من الـمكانة وما حصل له في حياته من تعزيز في مقاماتهم.

 

ولكن هذه الـحقيقة الـمؤسفة لا تـمحو القيمة الكبيرة لأدب جبران خليل جبران السوري وأثره في تنبيه النفس السورية إلى القيم الروحية السامية.

 

أما الدكتور خليل سعاده فقد امتاز كوطني صادق وسياسي بعيد النظر وعالم. وأعظم تأثير له كان في الناحية الوطنية - السياسية، مع أنه هو أيضاً سلك طريق الأدب فترة وأحب أن يعرف العالم خطورة شأنه فألّف بالإنكليزية روايته الشهيرة قيصر وكليوبطرة التي طبعت في لندن سنة 1898 ونالت تقديراً كبيراً في الدوائر الأدبية الإنكليزية، ثم ألّف أنطونيوس وكليوبطرة التي لم يرسلها للنشر.

 

خصص الدكتور خليل سعاده القسم الأعظم من إنتاجه للناحية الوطنية ـــ السياسية، فكتب في مصر والأرجنتين والبرازيل مقالات كثيرة وألقى محاضرات وخطباً. ومجموعة كتاباته كانت النور الأول للوطنية الـخالصة وللأبحاث السياسية بالـمعنى الصحيح. فبينما التدجيل والرياء في الوطنية يفعمان الـجو، انتصب الدكتور خليل سعاده مثالاً للشعور الوطني الـحي. وفيما الـمتعيشون بالصحافة والكتابة يغْشون أدمغة القرَّاء بضباب كتاباتهم السقيمة، وضع الدكتور خليل سعاده أبحاثه القيّمة في شؤون سورية السياسية ووضعيتها وفي حوادث التاريخ السياسي. فأسس بكتاباته طريقة التفكير السياسي الصحيح وأيقظ محبة الوطن الـحقيقية.

 

كثير من الناس الذين كانوا سئموا الوطنية لكثرة ما سمعوا فيها من تدجيل الدجالين، حتى صاروا يعدّونها »خلطة من الـخلطات« وجدوا في الدكتور خليل سعاده منقذاً من اليأس ومحيياً للأمل.

 

ونقطة أخرى هامة لا تقل عن خطورة النقطتين الـمتقدمتين هي نقطة الأخلاق. فقد كان الدكتور خليل سعاده في وطنيته وكتاباته السياسية مثالاً للأخلاق.

 

كلمة أخيرة: قد يحتج بعض الـمتلبننين على نعتنا جبران خليل جبران بالسوري كالدكتور خليل سعاده، ذلك لأن سوريّة جبران لم تكن واضحة كسوريّة الدكتور سعاده، ولكن لا شك في سوريّة جبران، كما أنه لا شك في سوريّة الدكتور خليل سعاده فمقالة جبران »لكم لبنانكم ولي لبناني« دليل قاطع على عدم رضاه عن لبنان السياسي.

 

وهنالك دليل آخر صريح بخط جبران ننقله لقراء الزوبعة عن عدد أول مارس/آذار 1934 من مجلة الهلال وهو مـما كتبه جبران إلى السيد إميل زيدان مدير الـمجلة الـمذكورة وأحد أصحابها سنة 1919 و1922. وإليكه:

 

»أنا من القائلين بوحدة سورية الـجغرافية وباستقلال البلاد تـحت حكم نيابي وطني عندما يصبح السوريون أهلاً لذلك، أي عندما تبلغ الناشئة الـجديدة أشدها، وقد يتم الأمر بعد مرور خمس عشرة سنة..«

 

ثم يقول:

 

»فهناك أمور رئيسية يجب علينا الـمطالبة بها بإلـحاح واستمرار وهي: وحدة سورية الـجغرافية، والـحكم الأهلي النيابي، والتعليم الإجباري، وجعل اللغة العربية الأولية والرسمية في كل آن... إذا كنا لا نريد أن نُـمضغ ونُبلع ونُهضم فعلينا أن نحافظ على صبغتنا السورية، حتى وإن وُضعت سورية تـحت رعاية الـملائكة... أنا أعتقد أنّ السوريين يستطيعون أن يفعلوا شيئاً مشكوراً بعد خروجهم من عهد التلمذة إلى عهد التوليد. ولولا اعتقادي هذا لفضلت الانضمام الكلي إلى أية دولة قوية. بإمكان الغربيين مساعدتنا علمياً واقتصادياً وزراعياً ولكن ليس بإمكانهم أن يعطونا الاستقلال الـمعنوي، وبدون هذا لن نصير أمة حية. والاستقلال صفة وضعية في الإنسان وهي موجودة في السوري ولكنها لم تزل هاجعة فعلينا إيقاظها.«

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro