مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
أنطون سعاده
 
 
 
الصـــراع الفكــــري في الأدب الســـوري
 

 

في شهر مايو/أيار من هذه السنة 1942 وقعت في يدي نسخة من العدد الثاني، السنة الأولى، من مجلة العصبة التي كانت تصدر في سان باولو، البرازيل، وهو العدد الـمخصص لشهر فبراير/شباط سنة 1935. كانت نسخة وسخة الغلاف وقد انتزعت منها صفحات عديدة والصفحات الباقية مخلخلة ومهددة بالعطب. مع ذلك رأيت أن أنظر في هذه الصفحات وأقف على ما فيها، فوجدت نص مراسلة أدبية بين ثلاثة أدباء سوريين، هم: أمين الريحاني ويوسف نعمان معلوف وشفيق معلوف. والـمراسلة الـمذكورة عبارة عن ثلاثة كتب مشتملة على آراء ونظريات في الشعر والشاعر. والشعر والشاعر يدخلان في موضوع الأدب الذي كان قد استلفت نظري ما يجري من تخبط وتخليط فيه.

 

قرأت الكتب الثلاثة الـمشار إليها وقرأت التعليق الأخير الذي ألـحقه بها شفيق معلوف، حين دفعها للنشر في الـمجلة الـمذكورة. فشعرت بالنقص الفكري الكبير، الذي مثلته تلك الكتب في هذا الـموضوع، وبالـحاجة إلى درس يتناول موضوع الأدب في أساسه ويجلو الغوامض الكثيرة، التي أشوت فيها سهام الرماة وضاعت مجهودات الكتّاب. على أني لم أجد منفسحاً من الوقت للقيام بهذا الدرس، على الوجه الذي أريده. فحاجات صحيفة الزوبعة، التي كان لا بد من قيامي على إدارتها وكتابة أهم مـواضيعها وأبحـاثها السياسية والاجتماعية، والفلسفية، مضافة إلى حاجات إدارة فروع الـحزب السوري القومي الاجتماعي، عبر الـحدود ومعالـجة الـمسائل والقضايا الكثيرة التي تعرض لها، وإلى حاجات الإذاعة القومية الاجتماعية في أوساط السوريين عبر الـحدود، فضلاً عن الاهتمام بتتبع السياسة الإنترناسيونية وعلاقتها بالأمة السورية ونهضتها القومية الاجتماعية، كانت أكثر مـما يـمكنني وحدي سد ثغراته، فكيف أعمد إلى توسيع دائرة الأعمال وزيادة القضايا التي تشغل فكري، من غير إلـحاق عجز كبير بشؤون كثيرة.

 

بعد استعراض مستعجل لهذه الـحالة، قرّرت إرجاء الـموضوع الأدبي إلى وقت مؤات. ومضت بضعة أشهر أنـجزت فيها بعض الـمطاليب الهامة. ولكن الـمسائل الـمتعلقة بطبيعة عملي لم تنقص، بل زادت. وفي هذه الأثناء كان موضوع الأدب يلوح أمام ناظري ويطل من وراء الـمشاكل الإدارية والنفسية والسياسية التي تعرض أمامي. ولم أكن أجهل علاقة الأدب بهذه الـمشاكل وإمكانيات تذليلها بإنشاء أدب جديد، حي. وكم كنت أتألم من تفاهة الأدب السائد في سورية وأشعر أنّ فوضى الأدب وبلبلة الأدباء تحملان نصيباً غير قليل من مسؤولية التزعزع النفسي والاضطراب الفكري والتفسـخ الروحي الـمنتشرة في أمتي. وكان هذا التألم يحفزني لانتهاز كل فرصة عارضة للفت نظر الأدباء الذين يحدث بيني وبينهم اتصال إلى فقر الأدب السوري وشقاء حاله وفداحة ضرره ولتوجيههم نحو مطالب الـحياة وقضاياها الكبرى وخطط النفس السورية في سياق التاريخ. ومن الذين اتصلوا بي في سان باولو، البرازيل، وأفضيت إليهم برأيي ثلاثة من أفراد «العصبة الأندلسية» بينهم مدير مجلة العصبة التي نشرت الـمراسلة الأدبية الـمذكورة آنفاً. كان ذلك في أحد أيام يناير/كانون الثاني 1939، على الأرجح، بـمناسبة قيام الأدباء الثلاثة الـمذكورين بزيارة رسمية لي. فقد سألت أولئـك الأدبـاء عـن السبـب الـمـوجب لنشـوء «العصبة الأندلسية» وهل لها غرض أو مذهب أدبي يجمع بين أفرادها ويوحّد اتـجاههم. فأجاب مدير مجلة العصبة جواباً استوثقت منه أنه لا يوجد شيء واضح من هذا القبيل. فأبديت للزائرين رأيي في الأمر وقد اشتمل على نظريات توجيهية جعلت أحدهم يقول، فيما بعد، «إنّ الزعيم محدّث مـمتاز». فتأسفت كثيراً، لأن ذاك الأديب قصر همّه على مزايا الـمحدّث دون أفكاره وآرائه، والعهدة على الناقل. ومثل هذه السابقة جعلني أزداد شعوراً بالـحاجة الـماسّة إلى بحث في الأدب ومهمته، وفي الأدب الذي تـحتاج إليه سورية وخصائصه.

 

بين إلـحاح هذه الـحاجة وإلـحاح الـمسائل الأخرى التي لا تفتأ تزدحم في مكتبي، رأيت أن أستسنح أول فرصة للتوفيق بين الـجاذبين. فلما فرغت من أهم الـمسائل الـمستعجلة، قررت الكتابة في هذا الـموضوع بالاستناد إلى ما ورد في مراسلة الأدباء الثلاثة الـمنشورة في مجلة العصبة. وكانت الطريقة العملية الوحيدة الـممكنة، للتوفيق بين مختلف الـحاجات، أن أكتب لكل عدد من الزوبعة قسماً من البحث، وهذه الطريقـة الاضطراريـة أوجبـت قطع التفكير في الـموضوع عند نهاية ما يفي بحاجة عدد الـجريدة والانتقال إلى معالـجة الشؤون الأخرى الـمتنوعة، حتى إذا حان موعد صدور العدد التالي، عدت إلى الـموضوع والفترة بين الانقطاع والعودة نحو خمسة عشر يوماً تنازعت فيها الفكر شواغل ومهام عديدة. فكان كل قسم جديد يكلفني جهداً كبيراً في الوصل بين أسبابه وأسباب القسم السابق له. وكان من وراء ذلك فوات تفاصيل كثيرة هامة.

 

وكنت أريد أن أحدد الـموضوع بـما جاء في الـمراسلة الأدبية الـمشار إليها. وهو مقتصر على ناحية الشعر. ولكني اضطررت إلى تعديل هذه العزيـمة بسبب اطّلاعي، بعد كتابـة الـمقـال الأول، الذي نشر في العدد 50 من الزوبعة الصادر في 15 أغسطس/آب الـماضي، على آراء رهط آخر من كبار أدباء سورية ومصر منشورة في بعض أعداد الهلال التي وردتني هدية من أحد الرفقاء القوميين الاجتماعيين. فعرضت للأدب عامة، فضلاً عن الشعر، وكان ذلك دائماً ضمن حدود التوفيق الـمذكور التي أوجبت الاقتصار على الأساسي، الضروري والاستغناء عن الإسهاب والتفاصيل الواسعة الـمجال، التي رأيت تركها لاستنتاج الـمفكرين والأدباء.

 

أتـممت هذا البحث في ثمانية أقسام، تشبه الـمقالات، نشرت متلاحقة في ثمانية أعداد من الزوبعة ابتداء من العدد الصادر في 15 أغسطس/آب وانتهاءً في العدد الصادر في 1 ديسمبر/كانون الأول 1942. وفي أثناء نشر الأقسام الـمذكورة وردتني رسائل من أدباء، ومن بعض محبي الأدب، يبدي فيها أصحابها اهتمامهم للبحث ورغبتهم في اقتنائه. وبعض هذه الرسائل حمل اقتراح طبعه مجموعاً في كتاب على حدة، تعميماً للنظريات الواردة فيه. فوافق ذلك رغبتي واغتنمت أول فرصة لإصدار هذا الكتاب.

 

وقد عنيت بـمراجعة البحث وتنقيحه وتصحيحه من الأغلاط التي وقعت عند نشره في الزوبعة وأضفت إليه ملاحظات جديدة قليلة لم ترد في الزوبعة. وفي هذه الناحية صعوبات أخرى ناتـجة عن نظام الـمطابع السورية في بوينُس آيرس وكيفية عملها.

 

بوينُس آيرس، في 15 ديسمبر/كانون الأول 1942

 

                                                                          أنطون سعاده

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro