مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
البلاد السورية سيدافع عن سلامتها جيش سوري لا جيش تركي
 
 
 
الزوبعة،بوينس آيرس،العدد 47، 1942/7/1 «نقلاً عن الشرق، بيروت، 1937/1/29»
 

 

(مرت في الشهر الـماضي ذكرى حدث مؤلم جداً لكل سوري أبيّ بوجه عام، ولكل سوري قومي اجتماعي بوجه خاص، هي ذكرى آخر حلقة من سلسلة اتفاقات جرت بين فرنسة، بصفتها دولة منتدبة من الـجمعية الأمـمية على سورية، وتركية لنقل السيادة على منطقة الإسكندرونة من سورية إلى تركية وسلخ هذه الـمنطقة الغنية عن جسم الوطن السوري وضمّها إلى تركية.

 

إن مسألة الإسكندرونة من أغرب الـمسائل السياسية الإنترناسيونية التي حدثت في القرن العشرين. هي رواية مثّلت فيها الـخيانة الأجنبية والوطنية دوراً من أروع أدوارها.

 

في سنة 1936، بعد الاضطرابات التي حدثت في لبنان والشام على أثر ظهور الـحزب السوري القومي الاجتماعي، قبلت فرنسة عقد معاهدتين مع هذين الـجزأين من سورية تعترف فيهما باستقلالهما السياسي وسيادتهما الـحقوقية. ولكن فرنسة لم تكن مخلصة في معاهدتها، فما كادت الـمعاهدتان توقّعان حتى باشرت تشجيع الـمشاغبات الداخلية والاتفاق مع تركية على أرض سورية داخلة ضمن سيادة الدولة الشامية التي اعترفت باستقلالها. والرجال الذين اختارت فرنسة الاتفاق معهم على الـمعاهدتين لم يكونوا مخلصين، أو لم يكن إخلاصهم تامّاً، ولم تكن لهم مقدرة سياسية تذكر فكانوا متواطئين معها في الشام ولبنان على الـخيانة.

 

تم الاتفاق الأولي بين فرنسة وتركية على منطقة الإسكندرونة السورية في أواخر سنة 1936، وكان ذاك الاتفاق مكتفياً بإيجاد استقلال إداري واسع للمنطقة الـمذكورة، ووضع خاص يجعل حمايتها مشتركة بين فرنسة وتركية. وهو يعني جعل منطقة  الإسكندرونة تـحت سيادة فعلية مشتركة، وأول خطوة نحو إلغاء السيادة السورية عليها وسلخها عن جسم الوطن السوري لتضم إلى تركية.

 

لم ينهض في سورية غير الـحزب السوري القومي الاجتماعي لـمقاومة الدسائس السياسية والاتفاقات الإنترناسيونية الـمجحفة بحق الأمة السورية. وتـجاه هذه الـمقاومة لـجأت فرنسة وتركية إلى خطة واسعة. فدبرت فرنسة مشروع إرسال لـجنة من قبل الـجمعية الأمـمية تدرس حالة الإسكندرونة وتقرر الـمصير الذي تراه أوفق لهذه الـمنطقة، أي الـمصير الـمتفق عليه بين أصحاب هذه الـمؤامرة الشائنة. وفي 29 مايو/أيار سنة 1937 أصدرت الـجمعية الأمـمية نظام منطقة الإسكندرونة التي سميت »جمهورية هاتاي« وقانونها الأساسي[1]. وقد أبقي النظام الـمذكور على صلة رسمية بدولة الشام.

 

في 4 يوليو/تـموز 1938 عقدت فرنسة وتركية معاهدة صداقة[2] اتفق فيها الطرفان الـمتعاقدان على تعزيز العناصر التركية في الإسكندرونة. وفي 23 يونيو/حزيران 1939 عادتا فعقدتا اتفاقاً أخيراً تقرر فيه بينهما نقل السيادة على الإسكندرونة إلى تركية، وكانتا متأكدتين من حصول موافقة مجلس »جمهورية هاتاي« التركي على ذاك النقل، التي حصلت في 29 يونيو/حزيران من السنة الـمذكورة.

 

وفي 23 يوليو/تـموز 1939 كَمِلَ تسلُّم السلطة التركية السيادة على الإسكندرونة. ففي منتصف نهار ذلك اليوم تسلَّم السيد سيوكمن سوير، مدير الأمن العام سابقاً في أنقرة، الـحكم بصفة حاكم لـمنطقة الإسكندرونة التي صارت الولاية الثالثة والستين من ولايات تركية.

 

بهذه الـمناسبة ننقل عن عدد جريدة الشرق البيروتية الصادر في 29 يناير/كانون الثاني سنة 1937 الـمقال الذي كتبه زعيم الـحركة السورية القومية الاجتماعية، عند وصول أول خبر عن الاتفاق الأول في أواخر 1936؛ وكان الزعيم حينئذٍ في الفراش من جراء وعكة ألـمّت به. وهو كما يأتي:)[3]

 

تم أخيراً الاتفاق بين فرنسة، الدولة الـمنتدبة على سورية، وتركية على منح مدينتي الإسكنـدرونة وأنطـاكية استقلالاً داخلياً إدارياً، وعلى جعل الدفاع عن لواء الإسكندرونة من حق تركية وفرنسة وفاقاً لاتفاق يعقد بينهما في أقرب وقت، وعلى جعل الـمدينتين الـمذكورتين تابعتين، في الشؤون الـخارجية، للجمهورية السورية »باعتبارها عضواً في الـجمعية الأمـمية« أي بناءً على هذا الاعتبار.

 

وتقول برقية صادرة عن جنيف بتاريخ 15 الـجاري إنّ الأوساط الإنترناسيونية قد قابلت هذا الاتفاق بالارتياح التام لأنها كانت تخشى صدمة مشكلة إنترناسيونية من جراء اختلاف فرنسة وتركية ربـما أفضت إلى اضطراب السلام الأوروبي.

 

الـحقيقة أنّ هذا الاتفاق قد جاء بعيداً كل البعد عن حل قضية الـحدود السورية - التركية حلاً يؤمّن السلام. إنّ تأمين السلام على الـحدود السورية - التركية لا يـمكن أن يتم بالإجحاف بحقوق سورية وإفقادها سيطرتها على بقعة هامة من الوطن السوري تضاف إلى البقاع التي فقدتها بـموجب اتفاقات سابقة.

 

إنّ الاحتفاظ بحق الدفاع عن لواء الإسكندرونة للقوات التركية والفرنسية يعتبر تـمهيداً عملياً لتهديد استقلال سورية وخسارة كبيرة لـمصالح الأمة السورية.

 

إنّ في فقد السيطرة السورية على لواء الإسكندرونة خسارة لا تنحصر في دولة الشام بل تشمل لبنان وفلسطين وشرق الأردن لأنها فَقْدُ بقعة خصبة وموقع هامّ للتجارة والأعمال الـحربية، وتهديداً لا يقتصر على كيان دولة الشام بل يتناول سورية الـجغرافية كلها. لأن اجتياز الـحدود من الشمال يعني أنّ البلاد كلها أصبحت في خطر.

 

وليس شيء أضمن للسلام من استعداد بعض الأمـم للفناء في معترك تنازع الـحياة والتفوق. وإذا كان على رأس الـحكومة السورية رجال مسؤولون[4] يحبّون السلام أكثر من الاحتفاظ بالـحياة ويقفون تـجاه الأخطار الـمحدقة والـمناورات الـموجهة ضد سلامة الوطن ومصالح الأمة مكتوفي الأيدي، لا يبدون ولا يعيدون، فليس موقفهم معبّراً عن رغبات الأمة وإرادتها.

 

إنّ الأمة لا تريد أن تختنق بين الضغط التركي والضغط الصهيوني. إنها قد سئمت العقم الفكري والشلـل السيـاسي اللذين يغمـران موقف السياسيين الكلاسيكيين القابضين على زمام الأمور، ولا يعرفون من طبائع الأمور السياسية سوى ما يدّعون ويجادلون، وما يختلقون من أعذار للشلل الـمصابين به. إنهم يظنون الأمة مشلولة، وليس الشلل إلا في نفوسهم.

 

إنّ النهضة السورية القومية قد أعطت البرهان القاطع على معنوية الأمة وعلى ما فيها من موارد قوية كانت كامنة حتى حرّكتها النهضة القومية وبعثتها لتؤيد حقنا في الـحياة ولتعطي دليلاً حياً على أننا نريد الـحياة قبل السلام.

 

إنّ الـحزب السوري القومي كان القوة الأولى الوحيدة في سورية التي وقفت موقفاً حاسماً في جانب تصريحات مـمثل الدولة الـمنتدبة في اجتماع جمعية الأمـم الأول لبحث مسألة الإسكندرونة، وإنّ هذه القوة ستظل في موقفها.

 

إنّ الأرض السورية سيدافع عنها جيش سوري لا تركي. وإذا كان الـجيش الفرنسي سيشترك في هذا الدفاع فإنه يفعل ذلك بـموجب صك الانتداب ووفاقاً لـمعاهدة الصداقة والولاء التي لا يزال حبرها رطباً.

 

إنّ النهضة القومية الـجديدة لا تتوقع من الـحكومة الـحالية في الشام غير الـموقف الضعيف الذي وقفته حتى الآن، ونكرر أنّ هذا الـموقف لا يعبّر مطلقاً عن إرادة الأمة واستعدادها لصيانة حقوقها ومصالـحها.

 

قلنا إنّ مسألة الـحدود الشمالية لا تهمّ أهل الشام فقط، بل أهل لبنان وفلسطين وشرق الأردن أيضاً. لقد قلنا ونعيد القول إنّ السوريين القوميين في لبنان وغير لبنان يعدّون حدودهم الوطنية حدود سورية الـجغرافية ويعتبرون كل اعتداء على الـحدود اعتداء عليهم.

 

إننا نطالب بأن تكون أول نقطة من نقاط البحث في الـمصالح الـمشتركة بين لبنان والشام نقطة توحيد الـجيش أو توحيد وسائل الدفاع عن الـحدود العامة التي تضمن تقدم الأمة في مضمار الـحياة.

 

إننا لا نوافق مطلقاً على النظرية الـخرقاء القائلة بأن تهديد سلامة الشام لا يتضمن تهديد سلامة لبنان. إنّ الـمصير القومي واحد للبنان والشام وفلسطين وشرق الأردن. ولا شيء يؤمّن خير الـمصير سوى استعدادنا لإدراك خطورة الـموقف وتوحيد الـجهود في نهضة غرضها حماية الـمصلحة القومية العامة.

 

إننا نخاطب الدولة الـمنتدبة ونقول إنها إذا كانت لم تـجد في الـمواقف السورية الـحكومية التأييد الكافي لتصريحات مـمثلها الـمثبتة حق سورية في لواء الإسكندرونة، فإن هذه التصريحات  والتصريحات التي أدلينا بها دفاعاً عن حق سورية في هذا اللواء تـجد التأييد الفعلي الكافي في النهضة السورية القومية.

 


[1] أنظر الـملحق رقم 4.       

 

[2] بعد رحيل اللجنة الدولية عن لواء إسكندرونة جرت مباحثات بين فرنسة وتركية، انتهت بالتوقيع على معاهدة صداقة بينهما في 4 تـموز 1938، تضمنت تعهد الطرفين بأن لا يدخل أحدهما في حلف ضد الآخر، وأن يعترف باستقلال لواء إسكندرونة ويطبق النظام الـموضوع له من قبل العصبة الأمـمية بـمفردها على أن يضمنا تفوق العنصر التركي فيه. شكلت لـجنة عليا مشتركة فرنسية تركية للإشراف على الانتخابات، فقامت هذه اللجنة بإعادة النظر في الـجداول الانتخابية التي نظمتها لـجنة عصبة الأمـم. فألغت قيد 2080 ناخباً سورياً، وأضافت 947 ناخباً إلى القائمة التركية، وسمحت لـ 500 ناخب بالتصويت للقائمة التركية وبذلك تكون فرنسة قد خانت تعهداتها للدولة السورية.       

 

[3] تـمهيد الزوبعة للمقال.      

 

[4] الكتلة الوطنية ورئيسها جميل مردم.     

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro