مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
المعرض السياسي الحالة السياسية في الشام إنهيار »الكتلة الوطنية« إمتداد نفوذ الحزب السوري القومي الدكتور شهبندر يؤيد الحزب السوري القومي
 
 
 
سورية الجديدة،سان باولو،العدد 1، 1939/3/11
 

 

دمشق في 18 فبراير/شباط - لـمراسلنا الـخاص بالطيارة

 

إنهيار »الكتلة الوطنية«

 

شعر الشعب في الشام، بعد رفض فرنسة تصديق الـمعاهدة وإبدالها مفوضها الانتدابي، أنّ تصريحـات رئيس الـوزارة السيد جميـل مردم وتصريحـات وزير الـخارجية السيد سعدالله الـجابري بأن الـمعاهدة سائـرة في طريق التصديق، لم تكن سوى خدعة، قصدوا منها تخدير الشعب القَلِق من جراء تطور الـحالة السياسية أو هي دليل جديد قاطع على عجز »الكتلة الوطنية« التام عن الاضطلاع بأعباء سياسة استقلالية تقتضي دهـاء وحنكة ودراية. أضف إلى ذلك السياسة الداخلية السيئة التي سارت عليها »الكتلة الوطنية« منذ تسلمت الـحكم إلى اليوم وهي السياسة الـمخرّبة، التي لم تُظهر مساوئها سوى جريدة واحدة هي جريدة الـحزب السوري القومي التي مُنعت من دخول الشام قبل صدور قرار التعطيل بحقها من حكومة لبنان. هذه السياسة، التي سمّتها جريدة النهضة »السياسة الكتلية الـخصوصية« قد جرّت البلاد إلى حالة من التفسخ لم يسبق لها مثيل. وهي هذه السياسة الـمسؤولة عن تنفير العناصر الكردية في لواء الإسكندرونة وتقوية الدعاوة التركية في هذا اللواء وفي مناطق سورية أخرى. وهي هذه السياسة الـمسؤولة عن تنفير العناصر الـمختلفة في لواء الـجزيرة، الغني بأحواض النفط، من الـحكم الوطني. وهي هذه السياسة التي جعلت نواب العلويين ينسحبون من الـمجلس ويتخذون سياسة انفصالية. وهي هذه السياسة الـحمقاء التي تـجلّت مؤخراً في إحدى جـلسـات الـمجلس النيابي، فنفّرت دروز الـجبل الـجنوبي. وأخيـراً إنها هـذه السياسة الـخصوصية التي لم يفتـأ رئيس الـوزارة يهدد الناس بها، غير حاسب أي حساب للعواقـب الوخيمـة التي تتـأتى عنها سيـاسة إخضـاع الشعب لـخصوصيات »الكتلة الوطنية« بالقوة. فإن رئيس الوزارة لم يترك فرصة إلا انتهزها ليهدد الناس بهذا القول: »لقد قلت إني سأوحد الصفوف وسأوحدها بالقوة« أي بالعصا، التي وضعها الانتداب في يده ليخضع الشعب للإرادة الأجنبية.

 

شعر الشعب بسوء مغبة السياسة الكتلية منذ ابتدأت تتسرب إلى الرأي العام أخبار الامتيازات الاقتصادية والعسكرية، التي كان الـجانب الانتدابي يلحّ بالـحصول عليها كشرط لتصديق الـمعاهدة ولم يبقَ خافياً على أحد أنّ الـحكومة الكتلية سلّمت بـما يزيد على تسعين بالـمئة من هذه الامتيازات التي تعطل كل قيمة لتحويل الانتداب إلى معاهدة. وكان من وراء ذلك أنّ الرأي العام أخذ يدرك حقيقة ما أعلنه سعاده في بلاغه الأزرق الذي أذاعه في  يونيو/حزيران سنة 1936 عقيب خروجه من سجنه الأول، خصوصاً قوله:

 

»إنّ زعماء الوطنيين في الشام اعتمدوا على سياسة الـمفاوضات وأغفلوا إمكانية تنظيم البلاد فكرياً وعملياً التي يقدمها الـحزب السوري القومي. ففاوضوا على أساس عقد معاهدة من غير أن يكونوا قد أمّنوا الوحدة بالفعل ولذلك نرى الـحركات الانفصالية في مناطق الداخلية تشجع في كل مكان. والأمل الوحيد بتحقيق الوحدة الداخلية، في حالة استفتاء هو في وطنية أهل الـمناطق غير الـمنظمة.«

 

والآن، بعد مرور نحو ثلاث سنوات على كلام زعيم النهضة القومية، ترى الأوساط الـمهتمة كم كان نظر سعاده بعيداً وكم كانت مغرضة الدعاوة، التي حاولت أن تُظهر سعاده بـمظهر الناقم الـمتعنت. إنّ الكتلة تضع اللوم، في نشوء الـحركات الانفصالية، على الفرنسيين، محاولة بذلك التنصل من التبعة التي ألقاها عليها الـحزب السوري القومي، ولكن الناس قد ابتدأوا يدركون أنّ هذا العذر أقبح من ذلك الذنب، لأنه إذا كانت الأصابع الأجنبية تقدر وحدها على تفسيخ الشعب، فلماذا لم تستطع هذه الأصابع تفسيخ وحدة الـحزب السوري القومي الذي يضم عشرات الألوف من الأعضاء ومئات الألوف من الشعب وكل هذا الـجمع مؤلف من جميع العناصر الدينية والإتنية (العرقية)؟

 

يدرك الشعب اليوم أنّ قول الزعيم في بلاغه الأزرق الـمشار إليه: »إنّ تقييد مصالح أمة بأسرها بـمعاهدة لنحو ثلاثين سنة من أجل الـحرص على نـجاح الـمفاوضات هو الفشل السياسي الذي لا فشل بعده« لم يكن قولاً اعتباطياً، بل قول من يرى الـحوادث والإمكانيات قبل وقوعها بزمان. ومهما بالغت فلست أستطيع أن أصوّر لكم نقمة الشعب على الكتلة وسياستها وغليانه الشديد. فالأوساط العامة وأوساط الطلبة في حركة سريعة وحالة هياج شديد، والاجتماعات تعقد في كل مكان، خصوصاً مع أعضاء الـحزب السوري القومي، الذين أخذوا يوضحون للشعب مدى التغرير بـمصالـحه الذي تـمَّ على يد السياسة الـمتبعة.

 

وقد اشتد الهياج في الأيام الأخيرة وانفجر بشكل مظاهرات قوية ضد الـحكومة الكتليـة والسياسة الكتلية، فهتفت الـجماهير بسقوط الانتداب وخرج الـمتظاهرون في دمشق يهتفـون بـمبدأ الـحزب السوري القومي: »سورية للسوريين« وبحياة سورية والزعيم. وأعلن الدكتور شهبندر أنّ البلاد السورية تتمسك بوحدة الوطن السوري، على ما هو مبيّن في مبادىء الـحزب السوري القومي. والأنباء الواردة من الـجهات تفيد أنّ تياراً عاماً من الاتـجاه نحو مبادىء الـحزب السوري القومي قد اجتاح النفوس وأدى إلى اصطدامات. وقد حاولت الشرطة في دمشق منع التظاهرات والهتافات بحياة سورية والزعيم ولكن جنود النهضة القومية صدّوهم ودحروهم وحصروهم ضمن نطاق البنايات الرسمية.

 

الـحزب السوري القومي والدكتور شهبندر[1]

 

قلت إنّ الدكتور شهبندر أعلن تـمسك الأمة السورية بالـحدود التي يعيّنها الـحزب السوري القومي وإنّ هذا الإعلان لاقى ارتياح الـجماهير. ولا بد هنا من الإشارة إلى أنّ الدكتور شهبندر أعلن تأييده للحزب السوري القومي وقد نشرت هذا التأييد جريدة النهار البيروتية في عددها الصادر في 21 أكتوبر/تشرين الأول الـماضي وهو كما يلي:

 

»أنا لا أكون منصفاً الـحزب السوري القومي إذا لم أذكر له جهاده، لأن هذا الـحزب يسعى لأكبر غاياتنا القومية.

 

»فاسألوني ما هي هذه الغاية النبيلة التي يسعى إليها هذا الـحزب؟

 

»هل هي طلب الـحرية؟ وكلنا طلاب الـحرية. هل هي وحدة سورية؟ وكلنا طلاب وحدتها. هل هي التعلق بتقاليدنا والـمحافظة على عاداتنا؟ كلنا يحافظ على التقاليد والعادات الصالـحة.

 

»إذن ما هي مزية الـحزب السوري القومي؟ هي تضافر رؤسائه وأعضائه الـمسلمين والنصارى على أن تكون سورية لأبنائها الـمسلمين والنصارى. هي أنه لا دين في الوطنية، إنّ الأديان في الـمعابد والعبادة بين الإنسان وربه أما الوطن فهو للجميع.

 

»ولقد سمعت التّهم، التي توجّه إلى الـحزب السوري القومي بأنه عدو القضية العربية، ولـما باحثت الكثيرين من رؤسائه وأعضائه تبيّن لي أنّ هذه التّهم لا تستند إلى حق. فهذا الـحزب يسعى لتوحيد سورية وما سورية إلا جزء من العالم العربي.«

 

هذا ما صرّح به الدكتور شهبندر. ويقول بعض الـمطّلعين إنّ اجتماعات جرت بين بعض كبار موظفي الـحزب السوري القومي والدكتور شهبندر درست فيها قضية الـحزب السوري القومي وانتهت بـموافقة الدكتور شهبندر التامة عليها وعلى جميع تفاصيل مبادىء الـحزب وبرنامجه العملي.

 

وقد اتصلت ببعض مراجع الـحزب السوري القومي الـمفوّضة، رغبةً في الوقوف على الـخطة التي يريد الـحزب سلوكها، فلم أفلح من تـحقيق رغبتي، لأن دوائر الـحزب متكتمة بشأن الإجراءات التي تريد القيام بها ومتحفظة تـجاه الـموقف الدقيق الذي جرّت البلاد إليه سياسة »الكتلة الوطنية« الـخصوصية.

 

وفي آخر ساعة علمت أنّ الوزارة استقالت والطاسة ضائعة. وسأوافيكم في رسائلي القادمة بـما تـحدثه التطورات الـخطيرة الـجارية.

 

سورية الـجديدة - إنّ البرقيات التي نشرت في الـحاضرة في التاسع عشر من فبراير/شباط تثبت ما ورد في هذه الرسالة. وفي برقية بتاريخ 23 فبراير/شباط أنّ الوزارة الـجديدة قد تألفت على هذا الشكل: رئيس ومعارف بالوكالة - لطفي الـحفار. الداخلية والدفاع بالوكالة - مظهر باشا رسلان. الـمالية والـخارجية بالوكالة - فايز الـخوري. العدل - نسيب البكري. الاقتصاد القومي - سليم جنبرت. وسنرى كم تعمّر هذه الوزارة الكتلية.

 

الأستاذ سعدالله الـجابري يؤيد نظرية الـحزب السوري القومي الأساسية، من حيث يدري أو لا يدري، في ردّه على الـمفوض الفرنسي الـجديد:

 

سورية وحدة جغرافية واجتماعية:

 

لقد ردّ الأستاذ سعدالله الـجابري، وزير الـخارجية والداخلية في الوزارة الشامية، على تصريح الـمفوض الفرنسي الـجديد الـمسيو بيو إلى جريدة الطان الـمفهوم منه أنّ سورية هي جـزء ضروري لـمواصلات الإمبراطورية الفرنسية. وقد ظهرت في ردّ الأستاذ الـجابري الروح »السورية« هذه الـمرة ولم يتخبط كزملائه من الكتلة، تارة في العروبة وطوراً في الدين، مستنجداً بأمراء شبه الـجزيرة وأقيالها [وقراها]، بل ظلّ يتكلم بدوافع سورية وبحقوق سورية ولم يفهم من كلامه أنه يعتبر استقلال وطنه السوري واسطة لتشييد مجد ديني. وأهم نقطة تسترعي الانتباه في ردّه هي التالية:

 

»أما العودة إلى نظر سورية والشعب السوري كأنها خطأ تاريخي وجغرافي وأنه ليس لهما شيء من مقوّمات الدول والشعوب، والاعتقاد بأن هناك شعوباً كثيرة تقطن هذا الوطن السوري، فهذا غير صحيح. وتلك سياسة أفلست منذ اليوم الذي أعلنها مسيو ميلران، وذلك عام 1920 والـحوادث برهنت على ذلك، فإذا كان هنالك تسوية في وحدة سورية الـجغرافية فلقد تـمّ ذلك بيد السياسة التي سيطرت والتي تنازلت بالتتابع عن أراضيها. وأما أننا شعوب وسكان بلاد، فهذه دعوة كنت أتـمنى أن لا يبادرنا بها حضرة السفير قبل وصوله. إنّ هذه البلاد يسكنها شعب واحد متحدر من أصل واحد يتكلم لغة واحدة وله تقاليد وأخلاق واحدة. حتى أنّ الذين يفترقون عنصرياً عن الأكثرية، وهم قليلون، قد انصبغوا بالصفات التي يتصف بها الشعب السوري. وأما الفوارق الدينية والـمذهبية فلولا الأيدي التي لعبت بها منذ القديـم وما زالت تلعب لـما  كان لها أثر، ومع ذلك فأي بلادٍ تخلو من هذه الفوارق؟«

 

لقد قال الأستاذ الـجابري حقائق في هذا التصريح وارتكب، في الوقت نفسه، أخطاء اجتماعية أصبحت معرفتها واجبة في هذا العصر. فبعد أن نستنتج من تصريحه أنّ الوطن السوري يبقى وطناً سورياً ولا يتحول حسب الإشاعات وطبقاً للعناصر التي تسربت إليه من أرمن وآشوريين وأكراد وشركس، التي يبقيها في بلاده إذا لم تسبب له تـجزيئاً في وحدته القومية، بعد ذلك يعود ويقع في خطأ »الأصل الواحد« و»الدم الواحـد«! فالأصل الواحد أو الدم النقي لا تُبنى عليه أمـم في هذا العصر. وأية أمة في العالم تقدر أن تقول إنها من أصل واحد. إنّ الوحدة الـجغرافية والدورة الاجتماعية والاقتصاديـة الواحدة تكوّن الشعب الواحد. ألا نرى أبناء حيفا وعمان ودمشق وحمص وحلب وإنطاكية واللاذقية وطرابلس مرتبطين اقتصادياً بابن بيروت ويتجهون دائماً بأفكارهم ومصالـحهم نحو بيروت. ألا يشعر ابن صيدا أنه في بلاده عندما يزور هذه الـمدن؟ ثم يصل الأستاذ الـجابري إلى »الفوارق الدينية والـمذهبية« فيتبين عجز الكتلة عن حل هذه الـمسألة الاجتماعية، فلا يقول كما كان يجب أن يقول: نحن نفصل الدين عن الدولة، بل يتألم من الأيادي التي تلعب، وستبقى، يا سيدي، الأيادي لاعبة، هادمة، ما زالوا يعلمون أنّ ذلك الـخلل يتصل بكيان الأمة وبأساس الدولة. إننا نرى بعض رجال الكتلة يدورون حول الـحقيقة، فيقولون بعضها ويجهلون أو يتجاهلون البعض الآخر ولا شك أنّ الـمتنورين منهم سينفصلون يوماً عن أولئك الذين يجرّون الأمة السورية إلى الهلاك بعقمهم السياسي وبأفكارهم الـموروثة عن عهود الانحطاط.

 


[1] عبد الرحمن شهبندر.  

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro