مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رأي سورية الجديدة الخطر المقبل مسؤولية فرنسة
 
 
 
سورية الجديدة،سان باولو،العدد 18، 1939/7/8
 

 

أخيراً نزلت النكبة التي حاول سعاده وبذل جهده لتوحيد قوة الأمة السورية في سبيل دفعها فاصطدمت محاولاته وجهوده بخصوصيات »الكتلة الوطنية« في الشام، وخصوصيات فئة إميل إده وفئة بشارة الـخوري في لبنان، التي اندفعت في تنفيذ سياسة الدولة الفرنسية »الـمنتدبة« اندفاعاً أعمى مغرّرة بالشعب السوري وخادعة إياه بتشبيه استقلال ومعاهدة وتسلّم صلاحيات الإدارة والتشريع، في حين إنّ كل ذلك لم يكن سوى خدعة سياسية، كشف زعيم الـحزب السوري القومي القناع عنها في بلاغه الأزرق الذي نشره في يونيو/حزيران 1936، وصادرت معظمه الـحكومة وعاونتها على ذلك »الكتلة الوطنية«. وإنّ الـخُطَب التي تبجح فيها الكتليون بجلب الاستقلال للأمة ونيل معاهدة تـحالف »تؤمن« هذا الاستقلال لا تزال ترن في آذاننا خصوصاً، الـخُطَب التي حاولوا بإلقائها في دمشق وحلب ستر الـحقيقة عن الشعب، فأعلنوا فيها أنّ لواء الإسكندرونة لن يكون للأتراك وأنه لو كان هنالك أي خطر عليه لـما كانوا بقوا ساكتين وهم الذين أعلنوا في »أربعين هنانو[1]« أيْـمانهم الـمغلظة بأنه لو منعهم الفرنسيون »عقالاً لـحاربوهم عليه«! ولكن ظهر أنّ لواء الإسكندرونة كان يساوي عندهم أقلّ من عقال!

 

ما كادت مسألة لواء الإسكندرونة تلوح في الأفق، حتى وضع زعيم الـحزب السوري القومي مذكرة قدمها للجمعية الأمـمية وللدول الصديقة، يحتج بها على مطالب الأتراك وادعاءاتهم ويطلب الـمحافظة على الـحقوق السورية في الأرض السورية. قدّم الزعيم مذكرته في الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 1936 وأجابته عليها لـجنة الانتدابات في خريف 1937 قائلة، إنّ هذه الـمذكرة تعتبر شكـوى على الدولة الـمنتدبـة

 

وإنّ اللجنة لا يـمكنها أن تنظر في الشكوى. ثم أردف مذكرته بكتاب وجّهه إلى الـمفوض الفرنسي في بيروت يؤيد فيه الـحقوق السورية في لواء الإسكندرونة واستعداد السوريين القوميين في طول سورية وعرضها للدفاع عن هذه الـحقوق. وبعد ذلك ابتدأ اتصالاته عـاملاً على توحيد القوى تـجاه الـخطر فسمع من جميل مردم الذي كان آنئذٍ رئيس الوزارة الشامية قوله الـخطير »ليس فقد لواء الإسكندرونة خسارة قومية. إنه خسارة للأتراك الذين سيتعرضون لـمعالـجة عناصر غريبة جديدة«!

 

هذه هي السياسـة الكتلويـة بأروع مظاهرها وأقسى حقائقها. فإذا كانت »العناصر الـجديدة الغريبة« تشكل خسارة للأتراك، ولـمّا كان الأتراك ظُلاَّم سورية وأعدائها فاتّباع هذه الدبلوماسية الكتلية الباهرة يقضي بتسليم سورية كلها للأتراك لتكون خسارتهم أعظم وأفدح!

 

الـحقيقة أنّ سياسة »زعماء« الكتلويين لم تكن بعيدة عن هذا الغرض، بدليل تصريح السياسي الكتلي الـخطير الشأن جميل مردم: »إذا كان الأتراك يعدّون كمال أتاتورك أباً للأتراك فأنا أعدّه أباً للشرق« أي أباً لسورية أيضاً. وكان هذا التصريح الـخطير لـمكتب الأخبار الألـماني بعد أن تـمّت قواعد جمهورية »هاتاي« [لواء الإسكندرونة]!

 

هؤلاء هم الذين يحلفون على محاربة فرنسة »على عقال« ثم يتواطأون على حقوق الأمة وينيلون الأعداء حقوقاً في الأرض السورية!

 

أخيراً نزلت الـخسارة العظمى بتركية (على حد التعبير الكتلوي) وابتلعت لواء الإسكندرونة كله وأصبحت جيوشها على حدود اللاذقية والـجزيرة، وصارت حلب خاضعة للنفوذ التركي. ويظهر أنّ مهمة »الكتلة الوطنية« لـمّا تنتهِ، فهي تريد أن تعود إلى تنفيذ سياستها الباهرة وإنزال خسارة جديدة بتركية بتمكينها من لواء الـجزيرة وحلب!

 

أما في لبنان فماذا يهمّ كتلتي النابغتين في العبودية، إميل إده وبشارة الـخوري، من خسارة الدولة الأجنبية، سورية، لواءها الشمالي الغربي؟!

 

إنّ رجـلاً مصاباً بجنون الغطرسة كإميل إده لا يرى سوى الطرقات التي تـحمِّل الشعـب السـوري أعبـاء إنشائها لتسير عليها الدبابـات الفرنسية وتثبت قبضتها الإمبراطورية على مناطق الشرق!

 

تـدرك فـرنسة جيداً أنه ليس في سوريـة قوة قومية غير قوة الـحزب السوري القومي، التي لا يـمكن اللعب بها وإخضاعها، لأنها قوة ناشئة عن عقيدة ثابتة، واضحة تـجمع مصالح الشعب السوري وتوحدها ضد الـمصالح الأجنبية وتنقل النزاع من الداخل إلى الـخارج، فتوجد في الأمة تـجانساً روحياً ووحدة مصالح ووحدة إرادة وتصدم الـمطامع الـخارجية وتدافع عن حقوق الأمة وتـحارب في سبيل حصولها.

 

تـدرك فرنسـة الآن أنّ تعـديها على حقـوق الأمة السوريـة يصطدم بقوة وحيدة هي قوة الـحزب السوري القومي، فحاولت أن تقضي على هذه القوة بإيقاعها في نزاع داخـلي بينها وبين الفئات النفعية التي لوحت لها بالـمعاهدة وبالـحكم وربقها في »السلطة«. ثم حاولت خدع هذه القوة الـجديدة وإخضاعها لسياستها فلما فشلت في جميع هذه الـمحاولات، عادت الآن إلى الأخذ بسياسة الـحرب، كما تدل الأخبار الـمتوالية التي تردنا من الوطن، والـخطر العظيم على الأمة السورية هو في هذه الـحرب الـمقبلة.

 

تريد فرنسة أن تقضي على القوة السورية الوحيدة التي تقف في سبيل مصالح الشعب السوري وحقه في الـحياة، حتى النَفَس الأخير، ولن تتنازل عن مناقشة فرنسة حساب خياناتها. ويحالف فرنسة في غرضها هذا، جميع الذين تلوّح لهم فرنسة بالوظائف وبعض الـمنافع وما أكثرهم في وطننا السيّىء الطالع بهم. فهم كل عناصر النفسية الشرقية التي سيطرت على أمتنا دهراً، لا يعرفون بطولة غير بطولة الغدر والكيد في التنازع الداخلي، بينما الأجنبي يـمعن في سلب بقية الـحقوق والـمصالح القومية، ولا يرون قضية غير قضية الفوز على غيرهم من أبناء أمتهم في اكتساب عطف المستعمر الأجنبي ونوال حظوة في عينيه، ولا يحجمون عن الطعن في الـحركة السورية القومية الـمقاومة للمطامع الأجنبية ورميها بكل فرية. والصحف »الوطنية« الـمتعيشة هي من أشد العوامل تأييداً لسياسة الأجنبي الـمستعمر.

 

إنّ فـرنسة تبحث الآن عن مبرر لاستعمال سياسة البطش الـحربي بالـحزب السوري القومي، وهي تريد أن توهم العالم بأنها قد وجدت هذا الـمبرر في مرور الزعيم بـمحور رومة - برلين. فتقديـم الـخضوع لفرنسة والسفر إلى باريس حيث لا يكون هنالك اتصال سوى بالفرنسيين ليس جريـمة، ولكن محاولة درس الـحالة السياسية الإنترناسيونية وإيجاد مركز لسورية في السياسة الإنترناسيونية هو جريـمة.

 

إنّ الـمصيبة، في هذا الـموقف، ليس في اتـجاه السياسة الفرنسية، فالسياسة الفرنسية تنظر في مصلحة فرنسة وتعمل لـمصلحة فرنسة وتـحارب سعاده والـحركة السورية القومية في سبيل فرنسة. إنـما الـمصيبة في الفئات «الوطنية» النفعية التي تعمل بإشارة الأجنبي على تهديـم القضية السورية القومية، بتسميم أفكار الشعب السوري وتصوير الـحركة السورية القومية بصورة حركة مأجورة، لأنها تبحث عن وسيلة تخلع بها النير الفرنسي عن عنق الشعب السوري!

 

الـحرب بين الـحزب السوري القومي وفرنسة هي حرب بين مصالح الشعب السوري ومصالح فرنسة. وقد أعلن سعاده رغبته في إيجاد توفيق شريف بين الـمصالح السورية والـمصالح الفرنسية إذا كانت فرنسة ترغب في الاعتراف بحقوق سورية القومية وسيادتها على نفسها. فهل عرض الفرنسيون شروطاً تتفق مع هذه الرغبة التي أبداها سعاده في عدة مواقف؟

 

إنّ فرنسة تريد أن يستسلم لها سعاده دون قيد ولا شرط ويتغنى »بالصداقة التاريخية« على آلام شعبه ويشيد بـمآثر فرنسة الإمبراطورية في بلاده. فإذا استسلم فهو رجل »وطني، حر« وإذا رفض الاستسلام وبحث عن الوسائل لإنقاذ شعبه فهو »خائن«. وإنّ دولة تعدّ أعضاء مجلس إدارة لبنان خونة لـمجرّد أنهم أرادوا السفر إلى فرنسة وتقديـم مذكرة رسمية إليها، ليس كثيراً عليها، أن توجه إلى زعيم الـحركة السورية القومية أشنع التّهم.

 

ولكننا نطمئـن فرنسـة والعالم بأن سعـاده لن يـترك وسيلة أو فرصة، سواء أكانت مع الـملائكة أم مع الأبالسة، إلا واستخدمها لإنقاذ أمته. فعلى الذين يدّعون أنهم ملائكة أن يعلنوا حقيقتهم ويقفوا موقف الـملائكة. عليهم أن يقيموا الدليل الـحسي إن كانوا صادقين!

 

إذا كانت فرنسة ترغب في التفاهم مع الـحزب السوري القومي فلتعلن موقفها الصريح من قضيته. فقضية الـحزب ومطاليبه واضحة ولكن موقف فرنسة غامض وأغراضها خفية.

 

إنّ فـرنسة تنـادي الآن »بحقوقها« في سورية وتريد أن يقف سعاده مكتوف اليدين مستسلماً لرحمتها و»صداقتها التاريخية« تـجاه ضياع حقوق أمته.

 

ولكن لتثق فرنسة أنّ الشعب السوري قد استفاق وأنّ قواه الـحية تثق بسعاده كل الثقة. وكما وثق السوريون القوميون بسعاده حين كان على اتصال بالـمفوضية الفرنسية، كذلك يثقون به حين يتصل برومة وبرلين. وإذا كانت فرنسة تريد أن يكون موقف الـحركة السورية القومية حسناً من نحوها فما عليها إلا أن تعلن موقفها الـحسن من هذه الـحركة العلنية الصريحة.

 

إنّ السوريين الـمتنبهين، في جميع أنحاء العالم، يدركون أنّ الـحرب بين الـحزب السـوري القومي وفرنسة هي حرب بين حياة أمتهم والـمصالح الأجنبية التي تريد أن تقضي عليها. إنّ الـخطر الـمقبل ليس خطراً يتعلق بالـحزب السوري القومي فحسب بل بمصير الأمة السورية. وفي هذه الحرب لن يفشل السوريون!

 


[1] هو ابراهيم هنانو (1869-1935) مقاوم سوري قاوم الغزو الفرنسي، كان أحد قادة الثورة السورية على الإحتلال الفرنسي للشام ولبنان.       

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro