مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
إلى وليم بحليس
 
 
 
1942/7/31
 

 

رفيقي العزيز وليم،

 

إني صرت أعمل تـحت ضغط عصبي وتعب فيزيائي دائميـن. وبـدلاً من أن تفكروا في تـحرير نفسي وجسمي من الـمتاعب الباطلة تفكرون في كيف تعوضون عن تفكيري بتفكيركم.

 

تسلمت كتابك الأخير الـمؤرخ في 16 يوليو/تـموز الـحاضر. وهو مرسل قبل وصول كتابي الأخير إليك الذي أجبت به عن كتابك السابق الـمؤرخ في 4 يوليو/تـموز الـحامل نسخة كتاب قديـم لم يكن وصل إليّ. سرّني أن يكون فؤاد [لطف الله] فهم الغاية من كتابي إليه. وسرّني أكثر أن أعلم أنه أخذ منه درساً واسعاً للمستقبل فلا يحوجني في هذه الظروف الـحرجة إلى العودة لكتابة مثله، الأمر الذي يكلفني تضحيات كثيرة روحية، ومادية الآن، وإذا كان لا بد من قول كلمة حول من كان السابق إلى مسّ إحساس الآخر بذاتيته، فأقول إنه قد يكون جبران [مسوح] الـمبتدىء وقد يكون نسي ما كتب قبل. وأنا قد بيّنت لفؤاد أنه ليس القصد من كتابي تفضيل جبران عليه فللكتاب غرض آخر هو إصلاح الـمعوج من فؤاد.

 

أما القول الذي ورد في كتابك إنّ فؤاد كتب العبارة الـمشوشة التي أظهرت له غلطه فيها، بقصد سحق كبرياء جبران القائل إنه لا يقبل ملاحظة من أحد، فلا يبرر صيغة العبارة التي تـمسّ الزعيم الـمعلم في عمله ومقدرته. فلو قال فؤاد إنه سيبدي ملاحظة على إحدى مقالات الزعيم وهو متأكد من ورود جواب من الزعيم يشرح ما أغلق عليه [...] أما أن يقول لشخص ثالث غير الزعيم «لـماذا العود على الأموات والاهتمام بالـجيف؟» فهو لوم صادر عن حكم جازم بفساد مقالة صادرة عن قلم الزعيم. وهو يعني أنّ كل فرد له الـحق بانتقاد الزعيم تـجاه الآخرين على هواه فكأنه يدل الآخرين على انتقاد الزعيم فيما بينهم بدون التروي والرجوع إليه أولاً. وهو لو كان وجّه كلامه لي وحدي لـما كان للهجته هذا الشكل من الضرر العام. وكنت أنا أفهمه حسبما أعرفه. ولكن ليس جميع الأعضاء قادرين على فهم الـمسائل كما يفهمها الزعيم.

 

والآن أريد أن أعلّق على نقاط أخرى وردت في كتابك الأخير. فأنت تقول: «قرأت الكتاب أولاً وثانياً فتصورت حضرة الزعيم من خلاله عاملاً معتنياً برفقائه معطياً لكل منهم ما يلزمه من الدروس والنصائح، الخ.» ثم تقول: «لأني أعلم أنّ معاليكم تفضّلون رجلاً يفتش عن الـحقيقة ويجادل في سبيلها حتى يجدها. وعندما يجدها يرضى بها ويتقبلها كما هي أكثر من ألف ألف رجل، الخ.» ثم تقول: «كان فؤاد صارحني مثلاً بعدم استحسان الكلمة الأخيرة وهذا نقلته إلى حضرة الزعيم. لكنه كان دائماً يقول لي أيضاً: إنّ حضرة الزعيم يرى ما لا نراه في هذه الأمور، ولا بد أنه سيشرح لنا نظريته، الخ.» فمجمل هذه الأقوال يدل على أنّ التفكير عندكم لا يحاول أن يرتقي من البسائط إلى الـمركّبات. ففؤاد يفتكر وأنت تقبل أن «يشرح لنا الزعيم نظريته.» كأنّ لا همّ للزعيم غير شرح نظريته لكل رجل «يفتش عن الـحقيقة ويجادل في سبيلها حتى يجدها.» ولو كان في ذلك حرمان الـخطة العامة المرسومة عند الزعيم والـجماعات الكبيرة التي يعالـجها الزعيم، من ساعات ثمينة من وقته ليتمتع أي واحد من هؤلاء الرجال بالاطلاع على الـحقيقة من الزعيم رأساً بدون أن يتكلف هو الانتظار ليفهم أهميتها من نتائجها التي قد تـحتاج بعض الوقت لتظهر.

 

وهذه الفائدة الـمحدودة التي تـحصل بهذه السرعة لفرد كثيراً ما تضر الزعيم بتكليفه مجهوداً فوق منهاجه وساعات عمله، وتضر القضية نفسها بأخذ وقت من عمل الزعيم وقسم من قوة تفكيره. الثقة أساس نظامنا وهذه الطريقة لا تدل على فهم النظام ولا على احترام له. ففي نظامنا كما في كل نظام اجتماعي سياسي راق، الثقة ركن من الأركان الأولية. وهذه الثقة يجب أن تكون تامّة متبادلة بين الـجميع بالنسبة إلى الصلاحية والاختصاص. فالـمختصون بالإذاعة مثلاً، يجب أن يثقوا من جهة الـمختصيـن بالسياسة بأنهم يدركون مهمتهم ويعرفون الأصلح ويغارون على الـمصلحة مثل الأوليـن. وهكذا جميع أهل الاختصاص والـحائزون على ثقة الزعيم والأعضاء يجب أن تكون ثقتهم قوية بالذين يحملون الـمسؤوليات، وثقتهم بالزعيم يجب أن تكون تامّة بقدر ما هي مطلقة. لأنها أساس الإيـمان والثقة بالفوز. والذين يحبون الاستفادة الفردية يجب أن لا يعرقلوا الـخطط ويثيروا الشكوك حولهم وحول الـمراجع العليا لكي يستفيدوا. ويجب أن يكون عندهم شعور حي بـمسؤولية العامليـن ووجوب التخفيف عنهم. والرجال الذين يحبون البحث لولع خاص بهم أو ليشبعوا جوعهم إلى الـحقائق، يجب أن لا يكونوا كالأطفال لا يقدرون أن يدرسوا شيئاً بالبحث والتأمل، ولا يتعلمون شيئاً إلا بالسؤال ما هذا، ولـماذا ذلك، ومن أين ذلك، وبطلب الـجواب من أحد العامليـن ليل نهار للقيام بواجبات مسؤولياتهم.

 

ولـماذا هذا الـجمود والـخمول والولع بانتقاد واستقصاء ما يقوم به الـمسؤولون، مع إهمال ما كان يجب أن يقوم به الـمنتقدون والـمستقصون؟ أما كان الأفضل للحركة أن تنصرف أنت وفؤاد إلى توحيد جهودكما وتفكيركما في خطة عملية لربح مناصرة فريق من الذين أصبحوا مقتنعيـن بصحة النهضة وتـحقيق مشروع إذاعي، من أن تـجتمعا على الكلام على هذه الـمقالة وتلك الـمقالة، وصواب الواحدة وغلط الأخرى بالظن والتخميـن، والاعتماد على ما يسمع من غير الفاهميـن؟

 

تقول إنّ لفؤاد رأياً في الأغنياء وكيفية اكتسابهم، فهل تظن أنت وفؤاد أني لا أعرف بوجود الأغنياء ولم أفكر بأمرهم؟ وإذا كنتما تعتقدان أني فكرت في ذلك فهل تظنان أني لا أعرف كيف يعالـجون على الوجه الأكمل؟ فإذا كنتما تظنان ذلك فلا مانع من أن يقدّم أحدكما رأيه، مع العلم أنه رأي أولي غير اختصاصي، يبدى لذي الرأي الأخير الاختصاصي من غير إنشاء مسألة جدلية حول الـموضوع تقتل الوقت والـجهد في الأخذ والرد من أجل أن يستفيد هو بعض الدروس النفسية والسياسية.

 

إنّ مسألة الأغنياء، ومسألة الـجماعات، ومسألة الأفراد، ومسألة الطبقات، وغيرها، هي مسائل استغرقت قسماً كبيراً من تأملاتي ودروسي النفسية والسياسية والاقتصادية. ولا يغفل أن أكون فكرت في وجوه نظر مثل تلك التي يبديها فؤاد. وإذا رجع فؤاد إلى بعض ما كتبته ونشرته في سورية الـجديدة كخطابي الـموجه إلى جالية البرازيل، ومقالي، «شعب منقسم على ذاته» وغيرهما، وجد أني لم أهمل قط نظرية استعمال الـحكمة، والإتيان بالـحجة لقتل الأحقاد الـماضية، ووضع بلسم على الـجراح وإفهام الـجميع، من أغنياء وغير أغنياء، أننا للجميع ونحترم جميع الذين يحترمون أنفسهم ويحافظون على شرفهم. وإذا كان يلزم الاهتمام أكثر بالأغنياء وكيفية معالـجتهم فهذا أمر يتعلق بالنظريات بقدر ما يتعلق بالعمليات. والعمليات تتطلب زيادة الوسائل وزيادة عدد العامليـن ليصير توزيع عمل الذي هو القاعدة الوحيدة لسد حاجات متعددة في وقت واحد. وبدون هذه الزيادة تكون جميع الآراء الـجيدة والنظريات الصائبة عديـمة الـجدوى وقليلة القيمة. فكم من الآراء والـمشاريع الـجيدة يجول في ذهني ولا أجدني قادراً على الاهتمام إلا بجزء صغير جداً منها. وببعضها مدة، ثم ببعضها الآخر مدة أخرى، ويبقى معظمها جامداً حيث هو، إذ لا سبيل إلى تنفيذه. ثم تأتيني آراء فجة أرى أنها غير ناضجة مثل الآراء التي وردت في بعض كتبك وكتب فؤاد، كرأي عدم ذكر أسماء في الـمقالات وغير ذلك. وجميع هذه الآراء قد تواردت على ذهني من سنيـن عديدة [...] حق إبداء الرأي. ولا يقف الأمر عند هذا الـحدّ بل يتعداه إلى مناقشتي وطلب إيضاح في كل أمر ومسألة مـما يدل على إحاطتي بكل موضوع أتناوله وأجيزه. وهذه أمور مخالفة للنظام فليس معنى إبداء الرأي تخويل كل فرد حق الاستيضاح عن كل أمر والـمناقشة في كل مسألة هي من اختصاص مراجعها. بل معناه أنّ كل من يرتأي رأياً حسناً يجوز له تقديـمه والـمراجع الـمختصة لها حق أن تفصل به ما تريد، لأنه إذا كانت هذه الـمراجع ستفتح أبوابها للأخذ والردّ مع كل سائل ومستوضح فلا يبقى لها وقت كافٍ لغير ذلك.

 

إنني أحب فؤاد وأقدّر ذكاءه. ولكنه ليس من أهل الاختصاص في مسائل النفس والاجتماع والسياسة. وإذا كان يريد أن يدرس أحد هذه العلوم فيجب أن لا يطلب أن يجعل من الزعيم معلماً خاصاً له، خصوصاً ونحن الآن في ساحة جهاد. وكل منا يجب أن يجاهد بـما يعلم ويحسن وما يقدر. وله بعد ذلك أن يدرس ويتعلم ما يشاء. أما في الـحزب فالعلم للعموم وليس للأفراد، إلا نادراً وفي ظروف معيّنة ولأسباب دولية وليس لأسباب فردية.

 

إنّ خطة عملي واضحة في فكري. وما أحتاج إليه هو العمل وإمكانيات توزيعه ووجود الـمستعدين للتنفيذ وليس للآراء. وقد كتب مرة الرفيق مسوح مقالة[1] بناها على درس ألقيته على الأعضاء في بعض الاجتماعات في الآراء وأنواعها وقيمتها. ومن الرجوع إلى هذه الـمقالة لـمعرفة نوع الآراء الـمرحّب بها دائماً وهي الآراء التي تقترح أعمالاً تبيّـن لنا إمكانيات تنفيذها العملية وكيف تـحصل لنا هذه الإمكانيات عملياً، بدون عرقلة سير الـخطة وبدون توقيف أعمال أخرى. ولو أنك وفؤاد تنصرفان إلى درس إمكانيات دعم مكتب الزعيم، وتأميـن وسائل الإذاعة وإيجاد عدد من الـمتعاونيـن، لكان ذلك أفضل لبلوغ ما يتمناه فؤاد وما تتمناه أنت وما يتمناه سواكما من الـمخلصيـن، لأني حينئذٍ أتـمكن من توزيع الأعمال الـمتعددة والقيام بعملية كبيرة واسعة في آن واحد، تكفل مقداراً غير يسير من النجاح. أما إذا كنتما تعتقدان أني أحتاج إلى آرائكما قبل كل شيء، وإلى نظرياتكما في بعض أجزاء الـمجتمع كالأغنياء وغيرهم، وأنّ هذا ما يلزم للنجاح فأنتما في ضلال كبير. ولا يعني ذلك أنكما خاليان من كل رأي مفيد أو أنه ليست لكما آراء يـمكن الاستفادة منها، بل يعني أنه يجب أن تهتما بالأكثر بـما هو ضمن حدود معرفتكما ودائرة عملكما. فرأي فؤاد في استحسان إصدار بلاغ لـمنع التقولات والتأويلات، وإن يكن قابل الاصطباغ بصبغة عامة، كان رأياً مبنياً على سبب في الـمحل عينه. وقد تبنيّته وأصدرت بلاغاً في هذا الصدد[2]. وهذا دليل على فهم الزعيم الواجب من الآراء وغير الواجب منها. فلو لزم كل واحد حدوده لـما حصل تصادم. على أنّ الـمعلومات هي دائماً ضرورية وجميع الأعضاء، الـموظفيـن وغير الـموظفيـن، مكلفون بنقل الـمعلومات إلى مراجعهم أو إلى من يهمه الأمر. وصاحب الشأن يبني على الـمعلومات ما يشاء من الآراء. هذا هو النظام وبدونه لا يقوم عمل عام ناجح بل تصير الأمور والـخطط فوضى آراء ومنازعات فردية.

 

وكم كنت وددت وأود أن تكون أنت وفؤاد إلى جانبي. فقربكما إليّ يـمكني من إفادتكما من غير تعطيل الأوقات وعرقلة الأعمال. ولو أمكنكما أن تخصصا للعمل معي ضمن الـخطة الكبرى لكان ذلك من أحسن ما أتـمنى، وحينئذٍ كنت أدربكما على القضايا والأعمال. ولكن أن تلزما حدوداً ضيقة من العمل القومي الاجتماعي ثم تقفزا فوق تلك الـحدود كلما عنّ لكما أو لأحدكما وتطلبا الإحاطة بحدود جميع الأعمال، فأمر لا يـمكن تـحقيقه عملياً بدون إلـحاق الضرر بأعمال الـمنظمة وخطتها. إنه قد يخطر في بالك وفي بال فؤاد أنّ ما أقوله هو بعيد عما تقصدان. وقد يكون ذلك صواباً. ومع ذلك فقولي يعبّر عن حقيقة الواقع التي قد لا تكونان فكرتـما فيها.

 

تقول إنّ فؤاد يبدي رغبته في كتابة مقالات لـِ الزوبعة وإنك شجعته. وأنا أود تشجيع فؤاد في ما يرغب فيه ويـميل إليه. ولكن على فؤاد واجبات هو مسؤول عنها أكثر مـما هو مسؤول عن التمرن على الكتابة وتعلّم السياسة الاجتماعية ــ الاقتصادية بواسطة كتابة الـمقالات لـِ الزوبعة. فهو قبل كل شيء رجل صناعي عملي مالي. ومعظم اجتهاده يجب أن يكون في هذه النواحي التي تخصص فيها ونـجح. ولكن فؤاد قد استخف كثيراً بهذا الرأي الذي قاله الرفيق غالب [صفدي] بتعبير أعوج، ومع ذلك فالرأي في أساسه وجوهره وجيه. فإذا كان الـمالي العملي يريد أن يصير أديباً وكاتباً سياسياً، مهملاً للأمور التي يحسنها ليجرب حظه في أمور لا خبرة ولا علم له فيها، والأديب والسياسي يريدان أن يصيرا صناعياً الواحد ومالياً الآخر، فما هي النتيجة التي تـحصل للعمل القومي الاجتماعي؟ فوضى في فوضى. إنّ مبدأ توزيع العمل يقوم بإسناد العمل إلى الذين يحسنون ولهم خبرة فيه. وهو يقول أيضاً بعدم انتقال عامليـن من جبهة إلى جبهة أخرى إلا بأمر أعلى مبني على إلغاء تلك الـجبهة أو على وجود من يحلّ محل العامليـن الـمنتقليـن. وإذا كان فؤاد يريد أن ينتقل من واجب درس قضايانا الـمالية وتسهيل أمورها بـمقدرته العملية إلى الاهتمام بالشؤون الأدبية البحتة أو الفكرية الاجتماعية التي لم يسبق له درس شيء من خصائصها العلمية والفنية، فهذا لا يعني للحركة شيئاً غير مجاراة الـميول الفردية البحتة، لأنه لو كان الأمر على غير هذا الاتـجاه لكان يكتفي بإبداء الآراء الفكرية أو العملية التي يراها مناسبة. فإذا وجدتها صالـحة تبنيّتها وكتبت أنا فيها أو كلفت من يكتب فيها، ويكون فؤاد كفى نفسه مؤونة ترك ما يحسنه من الأعمال الـمفيدة ضمن دائرة اختصاصه والانتقال إلى ما لا خبرة له فيه. وأقول لك إنّ اهتمام فؤاد بإصدار بلاغ عن موقف القومييـن في أميركة ليس فكرة ما كان يـمكن أن يتنبه لها غيره أو تغفل عنها الإدارة العليا. خصوصاً إذا وردتها معلومات بـما يجري في بعض البيئات. وقد يخطر في بال فؤاد أن يصير مثل الذي حاول أن يصير سياسياً كبيراً ومتزعماً بالاستناد إلى مكانته الـمالية وكونه قد درس التجارة في الـجامعة الأميركانية حين كانت لا تزال تدعى «الكلية السورية الإنـجيلية». وإلا فما هو السبب النظري أو العملي الذي يدفع فؤاد إلى الاهتمام بكتابة الـمقالات؟ وهل نحن في كل هذه الـحاجة لتعدد أساليب الكتّاب وزيادة عددهم؟

 

لا بأس أن يكتب فؤاد مقالة كلما عنّ له ولم يكن ذلك معترضاً مع مجهوده ضمن اختصاصه. فيوجد مجال لكتَّاب يتناولون الـموضوع بدراسات متفاوتة الرتبة والـمدى. أراك كاتباً ويوجد مجال لتكتب بدرس بين الـمدة والـمدة وأن ترسل رسائل إلى الزوبعة تتحدث فيها عن حالة الـمستعمرة السورية في البرازيل وعن آراء الناس في الـجريدة ومقالاتها في النهضة القومية الاجتماعية ومصيرها،وهذا يفتح الباب لـمعالجة ما يقال.

 

الأفعال قبل الأقوال: الـحقيقة مع ذلك هي في أننا نحتاج إلى رجال أفعال ومحققي مشاريع أكثر كثيراً مـما نحتاج إلى رجال أقوال ومقترحي مشاريع. الذي أراه أنك وفؤاد قد أهملتما الاهتمام بـما هو مطلوب منكما في بيئتكما فتهتمان بـما هو مطلوب من إدارة الـحزب العليا ومن إدارة الزوبعة. فأمام أعينكما تلوح الإمكانيات العملية الـمتنوعة ولكنكما لا تبديان حراكاً.

 

إنك قد كتبت إليّ عما قاله السيد نديـم عبود عن عظم تقدير الشاعر شفيق معلوف وقرينته للزعيم وحركته، وكتبت إلي عن استعدادات الرفيق جورج سابا. ولا شك، أنه يوجد استعداد في عدة أوساط وعائلات كبيرة كالراسي وغيرهم، فإذا تنظمت خطة لاستغلال هذه الإمكانيات لـمصلحة القضية فأعتقد أنّ النتيجة تكون كبيرة. خصوصاً إذا بذل فؤاد جهده وانضم إلى الـجهود مثل غالب [صفدي] الذي يجب أن لا يغفل ولا يهمل وكذلك الرفيق جورج بندقي. وماذا يـمنعك أنت وفؤاد من درس خطة للاتصال بالشاعر معلوف ومصارحته، بدون مقدمات وبدون تطويل، إنكما سمعتما عن إطرائه الـحركة القومية الاجتماعية التي أنتما مقتنعان من صحتها ومقتنعان بـمبادئها وإنكما لذلك، أتيتما لإطلاعه على رأيكما بوجوب إيجاد طريقة عامة لـمناصرة هذه الـحركة ليساهم بالرأي والعمل، ومن الاتصال بأشخاص آخرين يـمكن أن تـجدوا عندهم قبولاً وترحيباً. إني أقول لك إنك مسؤول عن الاهتمام بـمثل هذه الأمور وتهيئة أفكار الرفقاء لها أكثر كثيراً مـما أنت مسؤول عما يصدر عن الـمراجع العليا ودوائرها الإذاعية من الـمستحسن وغير الـمستحسن. وأقول إنّ فؤاداً مسؤول بالأكثر في هذه النواحي العملية وليس مسؤولاً في النواحي النظرية. فليقم كل منكما بواجبه النظامي أولاً وليقع اللوم من الناس على الإدارة العليا أو على بعض دوائرها الإذاعية فهي تعرف الآن وفي الـمستقبل، كما عرفت في الـماضي، كيف تـحوّل الرأي العام. خصوصاً متى كان بالها مرتاحاً من جهة الأمور العملية ومن وجود متعاونيـن يخففون فيها بعض الأعباء الدورية وإهمال الشؤون الصغرى. الاختصاص وقيام كل واحد بواجبه الـمفروض عليه أولاً هو الطريق الوحيدة الـمضمونة إلى إتـمام كل دائرة مهمتها. فليشتغل بالكيمياء من عمله الكيمياء. وليعمل في الاقتصاد من عمله الاقتصاد. وليهتم في السياسة من اختصاصه في السياسة. وليتعرف إلى الإدارة من مهمته الإدارة وليثق كل من هؤلاء بالآخر. ولكلٍّ الـحق والواجب القاضي بإرسال جميع الـمعلومات والـملاحظات التي يراها مفيدة إلى دوائرها الـمختصة من غير ترك أعمال دائرته للتدخل في شؤون الدوائر الأخرى.

 

يكفيك دليلاً على صحة هذا الـمبدأ هذه الكتب الأخيرة الطويلة، التي أضطر إلى كتابتها إليك وإلى فؤاد في أمور أخرجتني عن واجب العناية بـمسائل أخرى ضرورية. وكم من الأمور التي من هذا النوع يرد عليّ أسبوعياً إذا لم يكن يومياً وشهرياً. فأضطر لإهمال مواضيع هامّة من اختصاص عملي وأعمال خطتي من أجل الاهتمام به. وهذا من جملة أهم أسباب وجود النقص في كثير من الأعمال الظاهرة وغير الظاهرة. وفي هذا كفاية.

 

وقد تقول بعد قراءة كتابي الـماضي إليك: إذا كانت هذه حالة مكتب الزعيم، فلماذا يدعوني الزعيم إليه؟ والـجواب أنه بسبب هذه الـحالة دعوتك ولو كنت أنت أو غيرك مـمن يصح اعتمادهم موجوداً في مكتب الزعيم لأمكن اتقاء وتـجنب اصطدامات كثيرة حصلت هنا. وكان يـمكن غير الزعيم التساهل فيها من غير تعريض كرامة الـمنظمة القومية الاجتماعية كلها، ولأمكن إتـمام واجبات كتابية كثيرة مع الفروع بقيت غير متممة لضيق الوقت. وكانت النتيجة فَقْد نتائج عملية كبيرة. فإنّ جباية الـمكسيك انقطعت بسبب عدم تـمكني الإجابة على عدة رسائل وردت من هناك في قضايا إدارية وشخصية، وقس على ذلك. والبرازيل نفسها تتخبط بسبب قلّة توجيهات مكتب الزعيم. وما سبب ذلك إلا قلّة الوقت وانعدام الوسائل. ثم لو كانت تأسست مطبعتنا لأمكن اكتساب أرباح كثيرة في هذه الظروف. فإنّ إحدى الـجرائد الأرجنتينية قد اضطرت إلى الالتجاء إلى مطبعة الزمان السورية لطبع عشرة آلاف نسخة كل يوم وأجرة الطبع للماكينة وحدها بدون طابع، إذ هذا تقدّمه الـجريدة، وبدون أحرف من نحو خمسيـن فاس أرجنتينياً كل يوم. وهذا سبب تـحسّن طبع الزوبعة التي تطبع الآن في الزمان. فبهذه الواسطة صار أصحاب الزمان في بحبوحة وجلبوا بعض أسطوانات جديدة للمحابر وصار الطبع أوضح. وقس على ذلك.

 

وطباعة الزوبعة ليست مضمونة الآن، وقد يحدث قريباً بعض الـمشاكل التي كان يجب أن يهتم بها سواي. ولكن سواي يريد أن يهتم بشؤون اختصاصي في القيادة لأتولى أنا شؤون اختصاصه في بعض الـمسائل العملية. وهذا يكون النظام الـمقلوب الذي يؤدي إلى الفشل والـخيبة.

 

أرى أنكم قد تركتم الاجتماعات النظامية وغير النظامية وأضحت رابطتكم منحلة. فلقد قتلكم الـخوف ولم يقتل غيركم. فألّفوا مأتـماً أو جنازة أو عرساً تـجتمعون. فلعلكم تـجتمعون، وأخشى أن لا تتمكنوا من الاجتماع لا لهذا السبب ولا لغيره. ولتحيى سورية.

 

حواشي

 

تأمل كم يجب أن يقتضي مثل هذه الـمراسلات الأخيرة من الوقت، وخمِّن كم أقوم بـمثلها وكم يبقى لي من الوقت.

 

في الـحرب التي قامت بين الزوبعة وزمرة «الرابطة القلمية» لم يكن من الـمفيد ترك الردّ على ترّهات [عبدالـمسيح] الـحداد، والزوبعة لا تتسع لكل ما أريد دفعة واحدة وهي صغيرة وتصدر مرتيـن في الشهر. ولو كانت تصدر أسبوعية أو نصف أسبوعية لـما كانت الردود استغرقت كل هذا الوقت.

 

لو كنت حاصلاً على الـمعاونة العملية اللازمة من الـمعاونيـن، لكان الأرجح عدم حصول أي تصادم بين فؤاد وجبران. فإني كنت أريد الاهتمام بنفسي بـموضوع الهدايا السورية إلى حكومات أجنبية.

 

في العدد 49 يصدر مقال بعنوان «النزعة الفردية» وهو موضوع هامٌ مـما عاينته بنفسي. فعسى أن لا يرى فيه فؤاد أو غيره «ما يـمسّ إحساسه» بل يجب أن يدرسه.

 

بعد: لقد اجتزأت وقرّبت الـخطوط ما أمكن لكي لا تكثر الأوراق. وبعد أن ختمت الكتاب لم أجد بداً من زيادة بعض الأفكار والتعليمات.

 

قلت إنه يوجد لفؤاد ناحية يفيد فيها اهتمامه أكثر مـما يفيد في ناحية الكتابة التي سوف لا يكون من ورائها غير فائدته هو، خاصة في الأول وفائدة كلية من حيث الفكر الذي لم يتخصص له وأكثر أفكاره مطروقة من قبل. ولكن الناحية الأولى في مسيس الـحاجة لـمن يهتم بها. ويدخل فيها عدا عن تقوية ناحية الإذاعة الـخاصة، تنظيم خطة مالية واقتصادية لاستخدام وسائل إذاعية أخرى، كالصحف التي يستخدمها أعداؤنا. فأكثر هذه الصحف في الأرجنتيـن والولايات الـمتحدة وفي البرازيل والـمكسيك وكل مكان آخر صحف تعيُّش لا صحف مبادىء. وبدرات قليلة من الـمال تكفي لاستمالة أكثر معظمها، وهو أفضل سياسياً من محاربتها والـجدل معها تـجاه مجموع غير مثقف الثقافة الكاملة. وأنا قد اضطررت لهذا الأمر الأخير، لأني لم أجد اهتماماً وتعاوناً في الوجه الأول. وصاحب السمير نفسه لم يتهجم عليّ وعلى الـحركة القومية الاجتماعية إلا لأنّ جماعة «العروبييـن» ضمنت له بعض الـمنافع بينما الـحزب لم يضمن له شيئاً. وتوجد أدلة كثيرة على أنّ [إيليا] أبي ماضي مال إلى الـحزب وحبّذه ونشر عنه أشياء حسنة. ولكن أعداءنا استمالوه بالدولار وهو عبده الـمطيع. وفي الأرجنتيـن توجد صحف تفتح صفحاتها لـمنشورات الـحزب، ويوجد كتّاب في الصحف تكفي العشرون أو الثلاثون فاس في الشهر للواحد لينشىء عدداً من الـمقالات عن محاسن الـحزب منهم كاتب في السلام إسمه جورج عساف. ويـمكن تكليف أحد منا الاتصال به ومخابرته ليكتب مع الـحزب لقاء شيء معيـّن.

 

حتى السمير نفسه يـمكن أن يكلف أحد بلومه على فعله السابق ويأخذ على نفسه التوسط لإعادة الأمور إلى مجاريها، إذا عدّل موقفه وعاد إلى تأييد الـحزب. وهناك جريدة النسر العروبية فهذه تنقلب لـما تريد بنفحات قليلة. فؤاد يقول من هم أبو ماضي وغيره. هذا صحيح، من جهة الأدب الراقي والتفكير السليم. ولكنه ليس صحيحاً من الوجهة السياسية، فهولاء الأشخاص لهم صحف يقرأها يومياً مئات بل آلاف الناس. ولا يـمكن الاستهانة بهذا الأمر.

 

في مثل هذه الأمور العملية، يجدي تفكير فؤاد وتفكيرك لا في محاولة توجيهي أنا إلى ما يجب كتابته أو عمله. فيكفي أن تؤديا معلوماتكما كما هي وأنا أتخذ ما يلزم من التدابير حسب الـمستطاع وكما أرى الأفضل.

 

مسألة الكتب: يـمكنك إرسال الكتب كما وصفت، وكذلك مجموعة الـجريدة.

 

مرني أطع: ترى من هذا الكتاب، والكتاب السابق أني متأثر جداً وهو الصحيح. فإني أكاد أضيق ذرعاً بهذه الفوضى والآراء الغريبة غير النظامية وغير الـمنظمة. ومع كل ما هو مشهور عن طول بالي وكثرة صبري، فإنّ أعصابي تعبة جداً، ولا وقت عندي في هذه الظروف وتـحت ضغط الـجهاد، لإعطاء كل مستفيد ما يحتاج إليه من الدروس التي لبعضها شروح فكرية وتقنية كثيرة. هذا الوقت هو وقت جهاد، مطلوب من كل قومي اجتماعي أن يقول لزعيمه: ماذا أقدر أن أفعل أنا للقضية؟ مرني أطع. وليس مطلوباً أن يشير على زعيمه ما يحسن أو ما يجب أن يفعله الزعيم.

 

وأعود فأقول إنّ الزوبعة يجب أن تعالج الأمور الـجارية كما تعالج الأمور الثابتة، لأنها الوحيدة والزعيم الذي هو منشئها الوحيد لا يـمكنه وحده الكتابة في جميع الأمور التي يرى الكتابة فيها واجبة في آن واحد، ولو وجد من يقوم بنصيب من الأعمال والكتابة الـجارية لانفسح الوقت للزعيم في التفرغ للشؤون العليا فقط. فعسى أن تـجد في كتابي هذا إليك ما يعينك على توجيه الرفقاء إلى النواحي الأكثر فائدة لـخطة الزعيم.

 


[1] مقالة «العمل الـمنظم». الزوبعة، العدد 12، 15/1/1941.   

 

[2] «موقف القومييـن في أميركة» سعاده، أنطون، الأعمال الكاملة، ج 6، ص 142.           

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro