مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
دروس قومية إجتماعية إمتطاء العموميات إلى الخصوصيات
 
 
 
الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 68، 15/10/1943
 

 

إنّ درس الـحزب السوري القومي الاجتماعي ومبادئه وفلسفته وغايته وحركته وأعمـالـه شيء، ودرس الأشخـاص الذين يتفق أن ينضموا إلى صفوفه ونفسياتهم وغاياتهم وأهدافهم شيء آخر.

 

هذه حقيقة أولية ولكن كم هم الذين لا يفرّقون بين الـحزب السوري القومي الاجتماعي والأشخاص الذين ينضمون إليه، ثم يُسمع عنهم أنهم طردوا أو «انسحبوا» أو انقلبوا؟

 

في سلسلة هذه الدروس التي نسوقها نتوخى شيئاً واحداً: فهم الـحالات والقضايا النفسية والاجتماعية والـمناقبية التي تعرض في مجرى نـمو الـحركة القومية الاجتماعية.

 

منذ مدة غير بعيدة إهتمّ الكاتب القومي الاجتماعي الكبير، الرفيق جبران مسوح، بأديب سوري له به علاقة مودّة. وليس هذا الأديب أول أديب سوري إهتمّ به جبران مسوح. ولكن حماس جبران مسوح ليس من تلك الفورات الاعتباطية الوقتية فهو لا يكلّ ولا يـملّ. فأقام يراسل الأديب الـمذكور مدة، ويشرح له عن الـحركة القومية الاجتماعية وزعيمها حتى حمله على الكتابة إلى الزعيم لإيجاد صلة مباشرة معه. فوردت الزعيم رسالة وكتب مؤلفة ومترجمة للأديب الـمشار إليه.

 

أجـاب الـزعيم على رسالة الأديب وتناول مقدمة أحد كتبه التي فيها شرح لرغائب الـمؤلف وحركاته الاجتماعية وأبدى تقديره للنزعة الوطنية التي تُصورها تلك الـمقدمة وألقى أسئلة عن الـمؤسسة العالـمية التي انتمى إليها الأديب «حباً بخدمة وطنه». بقيت الأسئلة الـمذكورة بلا جواب، ولكن الـمراسلة تناولت موضوع النهضة السورية القومية وانتهت باعتناق الأديب الـملمّح إليه مبادئها وانخراطه في الـحزب السوري القومي.

 

وكان أحد القوميين الاجتماعيين يعمل في البيئة عينها، وتـمكن من قبول انضمامات عديدة أوجبت النظر في تنظيم الرفقاء الـجدد. وكان بين الـمنضمين أديب آخر سيأتي ذكره فيما بعد. ورجل صاحب إذاعة راديو. واقترح الرفيق العامل تشكيل هيئة إدارية يرأسها الأديب الأول، ويكون من أعضائها الأديب الثاني وصاحب الإذاعة الأثيرية. فقبل الزعيم الاقتراح وعيّن الأديب الأول رئيساً، والأديب الثاني ناموساً، وصاحب الإذاعة خازناً. ولم يخلُ هذا التعيين من إعتراض تواضعي من قِبَل الأديب الأول، الذي أبدى للزعيم كثرة أشغاله الأدبية والاجتماعية، وضرورة قراءته عشرات الكتب في الشهر الواحد وشدة حاجته للإنتاج الأدبي. ومن جملة معلوماته أنه عضو ضروري في عدة أندية وجمعيات ومؤسسات. فهو ناموس في نادي كذا، ورئيس في نادي كذا، وعضو عامل في جمعية كذا، وعضو مؤسس في عدة محافل ماسونية، وله علاقة ببعض الـمؤسسات الثقافية، وجميع هذه الـمراكز تتطلب منه مجهوداً كبيراً.

 

أجابه الزعيم أنه ينتظر منه أن يفهم أنّ القضية القومية قضية كلية، بينما مسائل الـجمعيات والأندية هي مسائل جزئية، وأنّ الأديب الـحي يجب أن يحوّل قلبه وعقله لـخدمـة قوميته وجنسه أولاً. أما ما تعلق بشغفه بالـمطالعة والكتابة فقد أثنى عليه الزعيم، وأشار عليه بالاهتمام بخدمة الـحركة السورية القومية الاجتماعية عن هذا الطريق، فيترجم مبادئها وبعض منشوراتها الهامّة، ويكتب عنها ليعرِّف الأقطار الأميركية حقيقتها.

 

وبينما الزعيم يتوقع حصول التأثير الـجيد الـمرغوب فيه من توجيهاته في نفس الأديب الـمذكور، إذا برسالة تطل على الزعيم من الرفيق جبران مسوح من توكومان يقول فيها إنّ الأديب الذي هو موضوع هذا الكلام قد كتب إليه يعرض استعداده لتقدمة بضع مئـات من نسـخ آخـر كتـاب أصـدره تبرعاً منه للحزب ليبيعها ويقبض ثمنها ويحوّله إلى صندوقه. ويقول الرفيق مسوح إنه ينتظر أن يحدد الزعيم كمية الكتب التي يجب أن يطلبها.

 

كان جواب الزعيم أنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي ليس حمّال كتب ولا واسطـة للتـذييع عن كتـب أحـد من الناس، إلا ما حمل رسالته ومبادئه وأفكاره وأهدافـه. أما التـبرع لصنـدوق الـحزب فله غير هذه الطريقة التي تـحاول تسخير مؤسساته لإذاعة أسماء بعض الكُتّاب وبعض الكتب.

 

كان الزعيم يفضل لو أنّ الأديب الـمذكور كتب مقالة واحدة في العقيدة القومية الاجتماعية أو في الـحركة على كل مئات النسخ التي يقدمها للإدارة الـحزبية لتكلّف هذه الإدارة عدداً من الرفقاء حمل نسخ وبيعها في أوساطهم، ولكن الأديب كان له تفضيل آخر، على ما يظهر، وهو: أن تنتشر كتبه ويذيع اسمه قبل انتشار الـمبادىء القومية الاجتماعية وإذاعة أهداف الـحركة السورية القومية الاجتماعية وأعمالها!

 

بعد أن تسلّم الأديب الـمتبرع بالكتب وظيفته الإدارية بـمدة يسيرة، ورأى حماس عدد من الرفقاء الـجدد كتب إلى الزعيم يعتذر عن تـمنّعه الـماضي ويقول إنه لا يعرف الكلل ولا التعب. ثم لـما وجد الأعمال التنظيمية تقتضي سهراً ومشقة وبذل مجهود كبير أرسل على أثر كتابه الأخير كتاباً آخر يقول فيه، إنه أخطأ وإنه لا يقدر أن يترك شيئاً من الوظائف الاجتماعية التي في يده، وإنه يحتاج للمواظبة في سبعة محافل ماسونية يجتمع كل محفل منها في وقت غير وقت غيره، لأنه عضو مؤسس فيها جميعها، ولذلك يفضل الاستعفاء من الوظيفة، وإنه مع ذلك «يبقى جندياً مستعداً لكل خدمة»!!

 

هذه كانت آخر خدماته

 

أما الأديب الثاني الذي شغل وظيفة ناموس فكان قد أبدى اندفاعاً في سبيل القضية وكتب مقالة فيها روح ووعد بكتابة غيرها. ثم ساد السكون. وفي رسالة منه إلى الزعيم قال إنه هو توقف عن الكتابة، وليس الـجريدة عن النشر، لأنه غير واقف على معلومات كثيرة عن سير الـحركة!

 

ولـما طُلب من هذا الأديب أن يكتب لـ الزوبعة رسائل ومقالات أرسل مقالة عن عيد ميلاد الـمسيح أقل ما يقال فيها إنها تـمجيد للمسيح اعتيادي مبتذل. لم يكن ذلك غريباً. ولكن الغريب أنه تـمكن من كتابة مقالة عن الـمسيح بدون الاستناد إلى معلومات جديدة أو قديـمة عن سير حركة الـمسيحية!!!

 

وأما صاحب إذاعة الراديو فقد قدِم بنفسه لـمقابلة الزعيم وموافقته على أنّ الأديبين لم يقوما بـما يجب عليهما نحو القضية. فلما أخذ عليه أحد الرفقاء، في حضرة الزعيم، اتصاله بعناصر الرجعة الـمعادية للنهضة القومية الاجتماعية قال إنه يريد أن يوضح موقفه. وخلاصة إيضاحه أنه يعتقد أنّ له شخصيتين الواحدة ضمن الـحزب والثانية خارجه!!!

 

أنكر الزعيم صواب هذا الـمبدأ وأعلن عدم اعتراف الـحزب بكل ما هو من باب الشخصيتين والوجهين واللسانين والـحقيقتين. ولـما سأل هذا «الرفيق» الزعيم عما يريد اتخاذه من الترتيبات الإدارية للفئة القومية الاجتماعية التي أصبحت بلا إدارة، أجابه الزعيم أنه سينتظر ما يظهر من الرفقاء هناك، وأنه يرى أنّ مقدرة الأشخاص يـمكن أن تظهر بدون وظائف، فمتى عمل الرفقاء بدافع ذاتي أولاً، اختار الزعيم من العاملين من ظهر أنه أكثر اقتداراً وأشد غيرة على القضية.

 

إنصرف الرجل وقد وقعت بطيخة من يده. وهنا ظهرت حكمته. فهو قد تـمكن، بـمهارة خارقة العادة، من الاحتفاظ ببطيخة الرجعيين والنفعيين الذين لا يهمهم لا كثيراً ولا قليلاً أن يكون للمرء شخصية واحدة أو شخصيتان أو أكثر.

 

صار «عروبياً صميماً» وصار يكتب في رسائله: «تـحية العروبة». وقال «سراً» لبعض معارفه من هذا النوع إنه قَدِمَ «ليدرس الزعيم» وإنه مكلّف بهذا «الدرس» من نحو سبعين عضواً دخلوا الـحزب السوري القومي الاجتماعي في منطقته، وإنهم ينتظرون وصوله ليعطيهم محصل درسه. وأخذ يستعمل لقب الزعيم في رسائله بتهكّم واستهزاء كأن يقول: «قل لفلان إنّ الـمسألة كيت وكيت. وإذا لم يصدق فقل له إني أحلف «بحياة الزعيم!».»

 

كل الـحق في خسارة هذه العناصر الهامّة هي على الـحزب السوري القومي الاجتماعي وعلى زعيمه بنوع خاص. وجهل الزعيم الـمسائل السياسية جعل الـحزب واحداً أو واحداً وسبعين شخصاً لا يقبلون زعيماً إلا من كان على مبدأ الشخصيتين والوجهين واللسانين والـحقيقتين!

 

إنّ قضيـة النهضة السـوريـة القومية الاجتماعية هي قضية نهوض بالأخلاق والـمناقب قبل كل شيء. فالأخـلاق الضعيفة والـمثالب النفسية قلّما قدرت على النهوض بأمة أو تغيير حالة شعب سيئة.

 

ليس الـحزب السوري القومي الاجتماعي مطية للرغائب الـخصوصية، أو وسيلة لاكتساب الشهرة والـمراكز العالية من أهون الطرق. كلا، إنه حركة جهادية لا امتياز فيها إلا بالعمل والـحرب في سبيل القضية القومية الـمقدسة. فمن ظن الـحزب القومي الاجتماعي غير ذلك فبعض الظن إثم.

 

إننا لا نفرح بنمو الـحزب القومي الاجتماعي إلا حين ينمو بالعناصر الكبيرة الهمّة، القوية الروحية، التي ترجو فلاح الأمة قبل فلاحها الـخاص. هذه العناصر التي تبذل نفسها في سبيل العقيدة والقضية تـجد من الأمة تقديراً وتخليداً.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro