مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
محضر جلسة مجلس العمد
 
 
 
1948/8/14 دونه إبراهيم يـموت، نقلاً عن كتاب الـحصاد الـمر
 

 

 

كنت كغيري من الـمسؤولين الـحزبيين، وبصفتي وكيلاً لعميد الـمالية، على احتكاك دائم بسعاده، ألتقيه في بيته وبين عائلته، كما أستمع إليه محدثاً ومرشداً. ورغم شخصيته الـمحببة الـجذابة تشعر بأن بينك وبينه خطاً من الإحترام والرسميات لا يـمكنك تـجاوزه إلا بالقدر الذي يسمح هو به. يتكلم ببطء ولكن بتركيز. لا ينفعل إلا نادراً، يُولي محدّثه كل الإهتمام وكل الإحترام مهما كان شأنه ومركزه. إنه ينظر إلى الإنسان الإمكانية في داخل كل فرد، إنه يحترم الإنسان في الشخص وينظر إلى الإمكانية في الإنسان. كان يحاول اكتشاف الإمكانيات فيمن حوله، وحين يعثر على شيء منها يعمل على صقلها بصبر وأناة. كان يولي بناء الشخصية أكثر عنايته حتى كنّا نعجب للوقت والـجهد الذي يصرفه على رفيق أو مواطن معين.

 

بصفتي وكيلاً لعميد الـمالية كنت أحضر، بصورة استثنائية وبسبب الظروف، جلسات مجلس العمد التي كانت تعقد أسبوعياً، ويترأسها سعاده بنفسه، ويشرف من خلالها على سير الـحزب وأعمال الـمسؤولين ويناقشهم في كل صغيرة وكبيرة. يندر أن يـمرّ على قضية دون أن يعلّق عليها ويُضفي حولها أضواء كثيراً ما تكون خافية علينا. يريد من خلال إدارته لـجلسات مجلس العمد أن يُعطي القدوة في كيفية إدارة الأعمال وتصريف شؤون الـحزب. وكان يـملك القدرة الإدارية والتنظيمية كما يـملك بُعد النظر. وكان يهتم بتوجيه أنظار الـمسؤولين إلى الأمور الأساسية من دون الأمور الثانوية، كان يبهرنا بطريقة تعرية الـمشاكل الطارئة وإعطائها حجمها الصحيح.

 

كان يتصرف بصبر عجيب ودقة بالغة، يعلّق على كل أمر بطريقة الـمعلم الذي يهدف إلى تخريج معلمين يستطيعون حمل الرسالة والإنطلاق بها لتعليم الآخرين. وفي الواقع انكفأ الـمسؤولون الكبار في الـحزب ليحتلوا صفوف التلامذة، وانحجبت الهالات التي كانت تـُحيط بأكثرهم أمام شخصية سعاده، وأصبحوا كالتلامذة الذين كانوا، في غياب مدير الـمدرسة، يضعون أنفسهم في مركز الـمعلمين في الصفوف العليا، فجاء من يقيّمهم ويعيد النظر في ترتيبهم الـمدرسي، فظلّ القليل في الـمراكز التي كانوا يحتلونها، وأعيد الكثير إلى الصفوف الـخلفية التي تتفق ومؤهلاتهم ونشاطهم.

 

بين أوراقي العتيقة عثرت على مسودة بخطي لمحضر جلسة من جلسات مجلس العمد ترأسها سعاده، وجرت في 14 آب عام 1948، وفي البيت الذي كان يسكنه سعاده في رأس بيروت قرب مستشفى الدكتور خالدي. الـمحضر لم يكن بالصورة النهائية، ولا أدري السبب الذي دفعني إلى تسجيله، ومن الـممكن أن أكون كُلفت بذلك. حضر الـجلسة، على ما أذكر، عميد  الـمالية عبدالله محسن ووكيل عميد الإذاعة وديع الأشقر، بالإضافة إليّ كوكيل لعميد الـمالية. وقد يكون حضرها العمُد فؤاد أبو عجرم وأديب قدورة وغيرهم. أهمية الـمحضر تكمن في الكيفيّة التي كان سعاده يعالج بها الأمور الإدارية، والشؤون الـحزبية الـمختلفة، وفي الدّقة التي كان يعالج بها تلك الأمور، والصراحة التي يتطلبها الـموقف. يرد في الـمحضر ذكر الـمخيم القومي وهو الـمخيم الـخامس الذي أقيم في نفس الـمكان من التلة الـمشرفة على ضهور الشوير وكنت، كما في السنتين السابقتين، مديراً له. استغرقت الـجلسة ساعة وربع وفيما يلي الـمحضر.

 

«افتتحت الـجلسة الساعة 8:45، بُحثت رسالة المنفذ جبران جريج حول بيان الـمبالغ التي سدّدها لعمال الـجريدة والـمطبعة. طلب الزعيم من عمدة الـمالية إرسال رسالة رسمية للرفيق جريج تسأله فيها عن بعض النقاط».

 

«الزعيم: أعتقد أن على العمد ووكلاء العمد أن يكون عندهم تنبّهاً سياسياً للقضايا السياسية. مثلا تُثار اليوم في الـمجلس النيابي قضية الإفراج عن الـجرائد. وقد أفرج عن بعضها، ولا تزال الـحملة من قِبل النقابة للإفراج عن الباقي قائمة، فلا العمد ولا الوكلاء تسارعوا لعقد جلسة للنظر في أمر من هذا النوع، ولم يأتِ وكيل عميد الإذاعة لأخذ رأيي في هذا الـموضوع. هناك مساعٍ يجب أن تبذل للإفراج عن «الـجيل الـجديد»، ومن الـممكن أن نحتاج إلى حملة على نقابة أصحاب الصحف لاهتمامها بالإفراج عن بعض الصحف دون الصحف الأخرى. فلا العمد شعروا بأن هذا الـحادث يهمهم ولا وكيل عميد الإذاعة وضع القضية أمام الـمجلس، وإنني أسأل وكيل العميد رأيه في هذه القضية».

 

«وكيل عميد الإذاعة (وديع الأشقر):- كنت عرضت إمكانية الـمراجعة بصدد الإفراج عن جريدة الـحزب، وقيل لي إن الوقت غير مناسب وإنه إذا حاولنا القيام بحملة على نقابة أصحاب الصحف كما ذُكر فإن هذه الـحملة ستكون ذات نتائج محدودة».

 

«الزعيم: الـحملة للإفراج عن صحيفة مع بقاء قوة التعطيل في يد الـحكومة شيء، والقيام بحملة على نقابة أصحاب الصحف تلفتها إلى ضرورة رفع سيف التعطيل نهائياً شيء آخر، وإذا لم يكن من هذه الـحملة سوى إثبات الوجود لكفى. الأمر الهام هو أن عدم التّنبّه إلى هذه القضية هو نقص في الـحس الإذاعي، وواجب عمدة الإذاعة إثارة هذه القضية بـملء السرعة. وهذا دليل على أهمية التنبّه للقضايا الهامة وإثارتها. إنه يجب إدراك القضايا الهامة بل البحث عن هذه القضايا وإبرازها وهذه هي مهمة عمدة الإذاعة الدقيقة. أن قضية من هذا النوع يجب أخذ رأي الزعيم فيها لأهميتها».

 

«وهناك قضايا أخرى سياسية طارئة يجب رفعها في حينها للزعيم وبحثُها معه. يجب تتبع الـحالات السياسية الـمستجدة. كان بالإمكان أرسال كتاب إلى نقابة محرري الصحف وإثارة هذا الـموضوع في النقابة نفسها بصفتكم (موجهاً الكلام إلى وكيل العميد) عضواً في النقابة. ومن الـممكن وضع بيان لنشره في بعض الـجرائد، ومن الـممكن تشكيل مظاهرة لهذه الغاية. إن من أسهل الأمور أن نقول أنه لا يـمكننا فعل شيء، ولكن مهمتنا هي التغلب على الصعوبات وتذليلها لا الوقوف أمامها عاجزين. ليس هناك شيء مستحيل علينا، كان من الـممكن، على الأقل، بحث هذه القضايا حتى ندلّل على أن فكرنا لا يزال يعمل».

 

«هناك أمور ثانية قصرت فيها عمدة الإذاعة والثقافة، وهي بخصوص الأحاديث التي تُلقى في الـمخيم القومي، فوكيل عميد الإذاعة أولاً لا يُحضّر الأحاديث ولا يُلقي أحاديث، فيكون قدوة، وثانياً إن على عمدة الإذاعة والثقافة، في حال عدم وجود برنامج إذاعي ثقافي للمخيم، أن تسعى لوضع هذا البرنامج، وثالثاً كان على العمدتين أن تـجتمعا وتتعاونا في تدبير البرامج هذه. إن الـحزب يتعهد الـمخيم، وإن إدارته لها مسؤوليات معينة، وإن العمدات يجب أن تهتم كل منها بالناحية التي تهمّها فيه. يجب أن نهتم كلنا بالـمخيّم ونزوره دائماً ونتفقد الأعمال فيه».

 

«هنا بُحثت إمكانية وجود وكيل عميد الإذاعة في الـمخيم بصورة دائمة فقال وكيل العميد:«إنه من الصعب النزول في الـمخيم بصورة دائمة لأسباب صحية. أما من الناحية الـمالية فإن ما يدفعه في الأوتيل يقارب ما يتوجّب عليه في الـمخيم».

 

فأجاب حضرة الزعيم:- «إن عدم وجود الوكيل في الـمخيم هو سبب عدم معرفته بالأحاديث ومواعيدها. إن علينا أن نتعوّد على تـحمّل الـحياة الـخشنة، وإن الـمركزيين كلهم سيُدعّون إلى التدرب العسكري الإجباري وإلى حياة الـجندية».

 

«إن من الـمفروض في كل عمدة أن تتعهد الناحية الـمختصة بها في الـمخيم وعلى عمدة الإذاعة أن يكون لها في كل أسبوع حديث عدا عن الأحاديث الأسبوعية العادية. ولكنك يا حضرة الوكيل في عزلة عن جو الـحركة القومية الاجتماعية التي عليك أن تساعد على خلقه. فأنت لا تتصل بي ولا تزور الـمخيم. على الذي يشغل وظيفة في عمدة الإذاعة أن يكون في حركة دائمة وإشعاع دائم.يجب أن يكون في كل مكان. إن عميد الإذاعة ووكيل العميد يجب أن يكونا كثيرا الانتاج. على وكيل العميد أن يتحلّى بالبداهة اللازمة وبسرعة الـخاطر وبفاعلية لا تنضب».

 

«وكيل العميد: إن البعض يعزون وجودي في الأوتيل بقصد الرفاهية وليس الأمر كذلك».

 

«الزعيم: إن ما أقصده هو أنه ليس هناك اتصال معي، وإن البعض يرونك في عزلة، وإن قد تكون ضرورية، إلا أنها تسبب لك رفاهية روحية تـجعلك في معزل عن الـحالة الـحزبية. إننا لا نهتم فيما إذا كان أحد الـمسؤولين يحب النوم على ريش النعام ما دام يقوم بواجباته وبالوظائف الـمسندة إليه. نحن نهتم بأن يتمم الـمسؤول وظائفه أكثر من اهتمامنا بكيف يعيش في حياته العادية. الـمهم أنه ليس هناك اتصال كاف معي. يجب أن نعمل وأن نحتك بعضنا ببعض وبصورة دائمة».

 

«إن عمدتي الإذاعة والثقافة مقصرتان فيما يختص بالـمخيم وكان من اللازم أن تهتما به منذ مدة، وأن تضعا له البرامج وتُشرفا عليها. وإذا كنا لا نستطيع وضع هذه البرامج فلا أقل من أن نسأل أصحاب الاختبار من أصحاب الـمخيمات عن كيفية ترتيب برامج الـمخيمات».

 

«وكيل عميد الإذاعة:-إن التقصير الطارئ على عمدة الإذاعة يعود إلى سبب واحد هو الوضعية الـمالية الشخصية الـخاصة التي تـجعلني في حالة لا أتـمكن معها من التفكير والاهتمام. ولو أنني أُعطى مهلة أسبوع أو أسبوعين أتـمكن من خلالها من ترتيب وضعي الـمالي فقد يـمكن على أثرها العودة إلى العمل الإذاعي بهمّة ونشاط».

 

«الزعيم:- لا بأس بهذا الأمر، عليكم أن تعينُوا هذه الـمهلة وتطلبوها ولكن يجب أن نعرف منذ الآن أنه عند انتهاء هذه الـمدة ستعود إلى النشاط. لا بأس من اعطاء هذه الإجازة طالـما أن العمل الإذاعي مشلول على كل حال».

 

«إن هناك مشاكل سياسية مقبلون عليها يجب أن تكون عمدة الإذاعة مهيأة لها متيقظة للأحداث. من الـممكن مثلاً إرسال مذكرة إلى الـمجلس النيابي تبحث في حرية الصحافة، وإنني أستطيع أن أضع النقاط الرئيسية لبيان من هذا النوع ولكنني لا أستطيع أن أضع كل البيان. يجب ألا نتجاهل الـحالة الصحية التي أنا عليها والتي لا تـمكنني، كما في الـماضي، من العمل الـمتواصل. وإننا لو عدنا إلى رأي الأطباء لوجدنا أن الإرهاق الذي عانيته في الـماضي القريب هو فوق مقدرتي الـجسدية كما حددها الأطباء، ولكنني كنت آخذ من حالتي الروحية قوة أتغلب فيها على الضعف الـجسدي».

 

«الزعيم متابعاً:- هل نستطيع أن نعلم أين وصلت عمدة الـمالية بالبيان الـمالي».

 

«وكيل عميد الـمالية:- إن البيان الـمالي قد انتهى ولم يبق منه إلا إدخال الشروح التي تتناول الـحالة الـمالية الأخيرة».

 

«الزعيم:- هناك حفلة بسكتنا الـمقررة. هل بحثت عمدة الإذاعة في موضوع الرواية التمثيلية واهتمت بالـمساعي التي تُبذل للحصول على الترخيص للحفلة. يجب على العمدة التدخل في قضية من هذا النوع، والاهتمام بتنظيم الـحفلة وبحث إمكانية جعلها مهرجاناً. إن هناك إمكانيات كثيرة يجب أن نفكر بها. إن هناك استمراراً للحالة التي كان عليها فايز صايغ من عدم الاتصال بالزعيم والاستقلال بتصريف الأمور الإذاعية. كما أن أكثر الوقت الذي صرفه مسؤولو عمدة الإذاعة كان في الكتابة في جريدة النهضة، وليس هناك اهتمام بالنواحي الإذاعية الداخلية».

 

«يجب تثبيت النظام الداخلي للحزب، ويجب على كل عمدة الاهتمام ولو ببعض النواحي التي تختص بها. إننا اليوم بصدد تنظيم عمدتي الـمالية والإذاعة والعمدات الباقية، وإننا إذا لم نستطع تثبيت هذه الأمور فإننا نخسر الوقت، وإننا قد نصل إلى فترة تقف فيها أعمالنا بالكليّة، فترة نُصاب فيها بشلل عام يوقفنا عن متابعة أي عمل».

 

«إن الأمين صباغ يتصل اليوم بغوسطا ليرى إذا كان بالإمكان حضوري مأتـم الشيخ فريد الـخازن. إنـما إذا كانوا لم يُرسلوا للزعيم نعوة رسمية يُصبح من الواجب النظر فيما إذا كان من اللائق أن يذهب الزعيم من غير وجود هذه الدعوة، كما إنه يجب، في حالة إجابة الدعوة، الاهتمام باختيار الأشخاص الذين سيرافقون الزعيم في هذه الزيارة. إنه كان على رئيس اللجة السياسية مثلاً أن يهتم بهذه القضية ويأتيني بسرعة لبحث قضية من هذا النوع».

 

«هناك ركود عام في تفكير الـمسؤولين، فليس من قضية تُثار في جلسات الـمجلس من قِبَل أعضاء الـمجلس إلا القضايا التي يُثيرها الزعيم، إن الزعيم يجب أن تصله الـخلاصات، وعلى الـمجالس والإدارات حل القضايا ومعالـجتها والاهتمام بها».

 

«إن الذين حولنا يقولون أنه ليس في الـحزب من شخص مفكر عامل سوى الزعيم، وإنه في حال غياب الزعيم تنشل حركة الـحزب. إن هذه الـحالة لا تُعطي الـحزب القوة والثقة الـجدير بهما. إن الزعيم لا يريد أن يرى نفسه الـمفكر الوحيد في الـحزب وأن يقال إن الـحزب لا يساوي شيئاً بدونه».

 

«أعود فأشير إلى أنه يجب الاهتمام من قِبل عمدة الإذاعة بقضية الإفراج عن الصحيفة الـحزبية، والإهتمام بوضع بيان لنقابة أصحاب الصحف في هذا الـموضوع. إننا بحاجة إلى صحيفة تنشر أعمالنا وأخبارنا إذا كان هنا في بيروت أو في دمشق».

 

«أختُتمت الـجلسة في الساعة العاشرة».

 

ولقد أشار سعاده إلى تلك الـجلسة العامة، وما دار فيها من أبحاث ومناقشات في معرض رسالة[1] تأنيب وتصويب وجّهها فيما بعد بتاريخ 20 آب 1948 إلى وكيل عميد الإذاعة.

 


[1]  الأعمال الكاملة، ج 11 صفحة 353.

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro