مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
المقالات السياسية سورية تجاه بلفور
 
 
 
مجلة الـمجلة،سان باولو،السنة 11، الـجزء 4، 1925/5/1
 

 

صحَّ الصحيح وزار بلفور1] سورية لكي يهلل مع أصحابه الصهيونييـن أثناء الاحتفال بإقامة الـمعهد اليهودي العلمي الأول من نوعه في فلسطيـن، التي وعدهم بجعلها وطناً قومياً لليهود، للحالة الـمرعبة التي تتهدد ذلك القسم الكبير من سورية بويلات ستكون في صفحات التاريخ لعنة أبدية على بلفور والسياسة الإنكليزية.

 

كنا قد كتبنا في الـجزء الأول من سنة الـمجلة الـحالية شيئاً عن امتداد الصهيونية الـمرتبطة ببلفور بعهد أقلّ ما يقال فيه إنه أسوأ العهود الدنيئة في تاريخ الدول لأنه، فضلاً عن أنه عهد غير مبني على شيء من العدل الإنساني والـحق الطبيعي، جاء طعنة من الوراء في ظهر الشعب السوري الذي قدّر أمانة سياسيي الـحلفاء وسلامة نيتهم تقديراً سليماً انتهى بهذا الغدر الذي قلّما سُمع بـمثله، وهو غدر صادر عن أسمى مقام سياسي في أوروبة بوقاحة وصلابة جبيـن يخجل عن إتيان مثلهما البرابرة فضلاً عن الـمتمدنيـن الذين يفهمون الـحقوق الإنسانية.

 

ذكرنا في ما كتبناه عن الصهيونية وامتدادها في الـجزء الـمذكور من الـمجلة استفحال الـحركة الصهيونية، وأشرنا إلى الـخطر الذي يتهدد سورية من وراء ذلك، وقلنا بالعدول عن الـموقف الـمخجل الذي وقفه السوريون تـجاه محاولة الصهيونييـن امتلاك فلسطيـن وتهديد سورية كلها بخراب اقتصادي وسياسي مؤكد. وأوضحنا أنّ محاربة الـحركة الصهيونية لا يجب أن تقتصر على فلسطيـن التي هي جزء من سورية، بل يجب أن تتناول سورية كلها التي يجب أن لا يحول دون تضامنها الفعلي لـحفظ كيانها ونيل استقلالها التام التقسيم السياسي الذي وضعه سياسيو أوروبة وفقاً لأغراض ومقاصد دولهم التي أخفوها تـحت أسماء الوصاية والانتداب وما شاكل تسهيلاً لتنفيذها. ويسرّنا أن تكون زيارة بلفور لسورية قد جعلت السورييـن جميعهم يظهرون نوعاً من التضامن، الذي قلنا ولا نزال نقول بوجوب التمشي عليه إذا كنا نرجو لأنفسنا حرية تستحق الـحياة.

 

لم يلاقِ بلفور في زيارته لسورية سوى تيار عام من الاستياء والسخط العظيميـن. وهذه هي بارقة الأمل الأولى التي بدت في غياهب اليأس من تكوين رأي سوري عام. فهي الـمرة الأولى التي تبدو فيها أقسام سورية كلها متفقة على رأي واحد فيما يختص بالقضايا السياسية التي لها مساس بحياة سورية، وهي الـمرة الأولى التي نشعر فيها بفرح واستبشار من وجهة قضيتنا الوطنية.

 

كان أعظم استياء في سورية اتخذ وجهة خطرة هو الاستياء الذي حدث في دمشق عاصمة سورية وكعبة الـحركة الوطنية السورية. فإن ما جرى في دمشق على أثر وصول بلفور إليها لـممّا يستحق التسجيل في بطون التاريخ. وإننا عند اطلاعنا على تفاصيل ما حدث في دمشق كما نشرتها جريدة ألف باء الدمشقية، لم نتمالك من الهتاف لدمشق وحياة دمشق.

 

بيد أنه رغماً من كل ما حدث في طول سورية وعرضها من الـمظاهرات الدالة على استياء السورييـن من بلفور وكرههم لوعده التاريخي السيء الطالع، لا يـمكننا أن نهرب من وجه الـحقيقة التي لا تقبل جدلا،ً وهي أنّ كل ما حدث كان أقلّ شيء يـمكن سورية أو أية أمة أخرى أن تفعله. ونريد بهذا أن نقول إنّ سورية لم تفعل ما يجب فعله لإدخال قضيتها الوطنية في طور جديد، يكون من الـخطورة بـمكان يدعو إلى جعل الـمسألة السورية مسألة يجب حلها على ما يتفق مع رغائب السورييـن الوطنية.

 

إنّ ما حدث، مع اعتبار وجهته الـحسنة، هو على الـحقيقة غير ما كان يجب أن يحدث. وإننا نعترف بأننا عندما بلغنا خبر سفر بلفور إلى سورية، رجَّحنا أنّ بلفور سيبقى هناك إلى الأبد، وتوقَّعنا أن تظهر الوطنية السورية في هيئة بركان يقذف على الصهيونييـن ومعاضديهم حمماً قتّالة. وإننا بعد التفكير توصلنا إلى الاعتقاد بأن ذلك كان يكون أفعل كثيراً من كل شيء آخر. أما الأسباب التي تـحملنا على هذا الاعتقاد فنبديها في الفقرات التالية.

 

إننا قبل كل شيء من الذين يعتقدون بتأثير الـجمعيات السياسية السرية. فلما جمعتنا الظروف ببعض الأصدقاء، لم نتمالك من إبداء رأينا بترجيح القيام بحركة فعلية لا تكون أقلّ من ثورة تديرها جمعية أو جمعيات تعمل في الـخفاء لإنقاذ الوطن من الطامعيـن فيه الـمعتدين على حقوقه الاجتماعية والطبيعية. وقلنا إنه سيقع لبلفور وصهيونييه حوادث مؤلـمة تكون قصاصاً لهم وعبرة لـمن ينوي أن يأتي بعدهم ويتمم العمل الشائن الذي ابتدأوا فيه. ويكون للناظرين إلى أحوال العالم صورة حقيقية لـما يجرّه على الأمـم مثل وعد بلفور. ولكن أولئك الأصدقاء أظهروا من الـمخاوف من مثل ما ارتأيناه ما جاوز حد الاعتدال فضلاً عن أنه ليس في محله. وإننا نفصح عن ذلك الآن ونبدأ بهذا السؤال: ماذا كان يحدث لسورية لو أصاب بلفور مكروه مقصود فيها؟

 

نعتقد أنّ ما يحدث لسورية حينئذٍ يتوقف على الـمكان الذي يحصل فيه الـمكروه. فإذا كان ذلك في فلسطيـن، فإن الـمعقول أنّ الـحكومة البريطانية تسأل حكومة فلسطيـن عن ذلك، وهي حكومة يرأسها يهودي. ثم يأخذ في الفحص والاستقصاء عن مسببي ذلك، وما هي الأسباب التي حملتهم على القيام بفعلهم لكي تـجري بحقهم الـمحاكمات اللازمة. وقد يكون من وراء ذلك القبض على كثيرين من زعماء الـحركة الوطنية في فلسطيـن، إلى أن تكون الأمور قد عادت إلى مجاريها من السكينة. أما إذا حدث الـمكروه في دمشق أو أية بقعة أخرى تـحت النفوذ الفرنسي، فإن الـمفوضية الفرنسية السامية لسورية تكون هي الـمسؤولة في الدرجة الأولى عن كل ذلك. فيكون من شأن هذه أن تصل إلى اتفاق مع حكومة بريطانية بهذا الصدد والقيام بالتحريات اللازمة لـمعاقبة مرتكبي الـجرم. ولا تتعدى الـحال أكثر من ذلك، إذ لا يخشى في مثل هذه الـمسألة على استقلال سورية كما يخشى على استقلال مصر. فسورية لا استقلال لها، ولا يـمكن الأجانب أن يستبدوا بها أكثر مـما هم مستبدون.

 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى ننظر إلى الوقع الذي يكون لهذا الـحادث في نفوس الصهيونييـن في العالم كله، وإلى ما يكون من التأثير والتغيير في موقف الـحركة الوطنية السورية. وهنا نسأل سؤالاً آخر هو: ماذا كان يحدث للحركة الصهيونية لو أصاب بلفور مكروه في سورية؟

 

بعد الاجتماع الذي أتينا على ذكره، جمعتنا الظروف بصديق آخر رزين هادىء يفكر في الأمور ملياً قبل إعطاء حكمه. وكان مدار كلامنا بلفور وزيارته لسورية. قال الصديق إنّ بلفور كان يجب أن يلاقي في سورية حتفه «إذ لا يخيف اليهود شيء مثل الـموت.»

 

أجل، لا يخيف أصحاب الـحركة الصهيونية التهويل من بعيد والـجعجعة، بل الشيء الـحقيقي الذي يخيفهم هو الـموت. ولو وُجد في سورية رجل فدائي يضحي بنفسه في سبيـل وطنـه ويقتـل بلفور، لكانت تغيّرت القضية السورية من الوجهة الصهيونية تغيّراً مدهشاً. فإن الصهيونييـن عندما يرون أنّ واعدهم بفلسطيـن قد لقي حتفه، يعلمون أنهم يواجهون ثورة حقيقية على أعمالهم غير الـمشروعة ويوقنون أنّ سورية مستعدة للمحافظة على كل شبر من أرضها بكل ما لها من القوى وما لديها من الأسلحة العصرية والقديـمة.

 

إنّ الـمعارك التي حدثت بيـن السورييـن والصهيونييـن في أول مايو/أيار من سنة 1922 في حيفا وأماكن أخرى من فلسطيـن وقتل فيها عدد غير قليل من اليهود، لم تكن بلا تأثير بل أدَّت إلى نتائج هامة وألقت على الصهيونييـن عظات بليغات، كان من ورائها أنّ عائلات كثيرة تركت فلسطيـن وعائلات كثيرة رجعت عن عزمها على استيطان تلك البقعة السورية. أما احتجاجات السورييـن على وعد بلفور أثناء زيارته لسورية فلم تأتِ بنصف التأثير الذي أتت به حوادث سنة 1922.

 

هنا نرى أنه لا بد من العودة إلى تكرار ما قلناه سابقاً عن الاعتماد على القوة الـمنظمة لا على الضعف الـمنظم. فكل أمة تريد أن تـحافظ على كيانها الـمستقل، يجب أن تعلم أنّ ذلك يتوقف على استعدادها هي لدفع كل اعتداء بكل ما لديها من الوسائل والـممكنات. الـمحافظة على كيان أمةٍ ما علم حربي من الطبقة الأولى، كما أنه علم سياسي من الطبقة الأولى. وبدون الاعتماد على هذين العلميـن يكون كل تعب للمحافظة على الـحرية والاستقلال أو لنيل الـحرية والاستقلال باطلاً.

 

نحن لا نقول بالأعمال الـجنونية لأننا لا ندعو إلى الانتحار الوطني، لذلك نرجو القراء أن لا يسيئوا فهم ما نقول. فما حدث في فلسطيـن سنة 1922 لم يكن عملاً جنونياً قط، بل كان في غاية الـحكمة. وقد يوجد كثيرون يفسرون الـحكمة بالـجنون، ولكن الـحقيقة لا يغيّرها كلام الـجهال الذين أجهل منهم من يسمع لهم.

 

كنا ولا نزال وسنظل نقول إنه لا خلاص لنا إلا بالقوة الـمنظمة. فنحن ندعو إلى تنظيم جمعياتنا وأحزابنا الـجهرية والسرية وجعلها كلها تسير على هذه القاعدة التي برهن التاريخ أنها أفعل القواعد في الـمحافظة على حقوق الأمـم وحياتها الاستقلالية. ولو كان عندنا أحزاب وجمعيات قوية تسير على هذا الـمبدأ، لكانت حالنا على غير ما هي عليه الآن.

 

إنّ تاريخنا الـماضي يدلنا على أنّ موضع الضعف في حياتنا الوطنية هو هنا، أي في عدم وجود أحزاب وجمعيات قوية علنية كانت أم سرّية تضع نصب أعينها العمل بـمبدأ القوة الـمنظمة. ومن هنا نرى أنّ واجبنا صريح لا يقبل جدلاً، ونعني بهذا الواجب أن نكون مؤلفيـن أحزاباً وجمعيات قوية تعتمد على الـمبدأ الـمذكور في تأييد حقوقنا واستقلالنا. ولا عِبرة بـما يقوله الكسالى الذين يظنون أنهم أفهم الناس ويصرّحون علناً بأنهم يريدون تهذيب سورية، وكان الأحرى بهم أن يذهبوا هم أنفسهم إلى مدارس يتلقنون فيها مبادىء التهذب الأولية. فأولئك من الـجهال الذين يدَّعون الـمعرفة والـحكمة كما ادَّعى العلم قارىء الصحيفة الصفراء.

 

إننا نوجه كلامنا هنا إلى الشبيبة السورية خصوصاً، فإن الـمسؤولية الـملقاة على عاتقها مسؤولية كبرى ويُنتظر منها أن تقوم بواجبها نحو وطنها بكل أمانة وإخلاص غير مصغية إلى أقوال فلاسفة الكسل والـخمول أو إلى أقوال الـمضلِّليـن والـمرجفيـن. فإذا عقدت الشبيبة السورية عزيـمتها على بذل كل قواها لإنقاذ وطنها، أتـمت ذلك فعلاً. فما عقدت شبيبة بلادٍ ما عزيـمتها على أمر إلا وفعلته. إنّ الشبيبة العزومة تتغلب على كل الـمصاعب التي يحجم الشيوخ عن مواجهتها بحكمتهم.

 

إنّ الذين يقولون إنّ الشبيبة مجنونة دائماً يخطئون كثيراً، فإن للشبيبة حكمة فائقة إذا كان لا يدركها الشيوخ فلأن العصر القديـم لا يفهم العصر الـجديد تـماماً.

 

لو كان كل ما يقوم به الشبان جنوناً، لـما كانت الثورات العظمى في العالم التي قام بها الشبان أتت بنجاح باهر في سبيل تأييد الـحقوق الطبيعية ونيل الـحرية والاستقلال. إذا كان كل عمل تقوم به الشبيبة جنوناً، فكل عمل يقوم به الشيوخ خرف. ولكن ما لنا ولهذا، فالـحقيقة هي أنّ للشيوخ حكمة الاختبارات الطويلة وللشبان عزم الفكر الوقاد والنفس العزيزة. فليستعمل الشيوخ حكمتهم لعضد عمل الشبان لا لإقعاد هؤلاء عن العمل!

 

إني أنادي شبان سورية كلهم أينما كانوا وحيثما وجدوا، وأستحلفهم بكل عزيز لديهم أن يكونوا يداً واحدة لإنقاذ وطننا من الـمعتدين عليه. وعسى أن نرى قريباً الوحدات السورية قائمة بالعمل العظيم الـمطلوب منها بكل دقة وشجاعة! أما الذين يقعدهم الـجبـن عن تـمام واجباتهم تـجاه الوطن والإنسانية فإن عار جبنهم يكون عليهم مدى الـحياة. وليكن ختام هذه العجالة تلك العبارة الـخالدة »إلى الأمام!«، فهي لذيذة على سمع الأحرار.

 

                                                                          أنطون سعاده

 


[1] آرثر جيمس بلفور (1848-1930) سياسي إنكليزي، أصدر في 2/11/1917 بصفته وزيراً للخارجية البريطانية، وعداً بـمنح وطن قومي لليهود في فلسطين. وذلك في رسالة موجّهة إلى البارون روتشيلد رئيس الـجالية اليهودية في بريطانية.           

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro