مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رأي سورية الجديدة جنوب سورية في لندن
 
 
 
جريدة سورية الجديدة،سان باولو،العدد 1، 1939/3/11
 

 

إنّ اشتـداد الصـراع السيـاسـي - الاقتصادي بين دول النظـام الـجديد ودول النظـام القديـم واستفحال خطر حرب طـاحنة بين هاتين القوتين، جعل الـحكومة البريطانيـة تفكـر تفكيراً جديـاً في قضية سورية الـجنوبيـة والـمشاكل الواسعة التي قد يجرّهـا بقاؤها بدون حل في حالة وقوع حرب. وقد قادها التفكير الـجدي في هذه القضية الـخطيـرة والثورة الناشبـة من أجلها إلى الإقدام على محاولة جديدة لـحلها تختلف عن الـمحاولات السابقة من عدة وجوه، أهمها وجوب التوصل إلى حل يرضي سوريي الـجنوب ويضع حداً لـحالة الثورة والفوضى الـخطرة فوضعت مشروع مؤتـمر مزدوج يتعلق فرعه الواحد بالسوريين ووفود الأقطار العربية الـمتدخلة في الأمر والفرع الآخر بالـجمعية الصهيونية.

 

ولا بد لفهم حقيقة الـمؤتـمر[1] الـحالي من إلقاء نظرة على أدوار قضية الـجنوب منذ سنة 1936 وثورتها الكبيرة التي بلغت مبالغ عظيمة. فلما استُفحل أمر تلك الثورة، رأت الـحكومة البريطانيـة أنه قد حان الوقت للاستفـادة من عصبيـة الوحدة العربية - الإسلامية، التي أوعزت إلى صحافتها وكتّابها بتغذيتها بالـمواضيع الـجدلية الـمثيرة الغيرة على الكرامة. وكان من وراء ذلك أنّ «ملوك العرب» وحكومات الأقطار العربية أخذت تتدخل في قضية فلسطين منتصرة لـحقوقها، وابتدأت الأنغام توقّع في الصحف تـحت إشراف مدير جـوق مـوسيقي بارع، فخلبت الألباب وبهرت الأبصار وجعلت سوريي الـجنوب يوقنون أنّ الساعة الـمنتظرة قد جاءت وأصبحت قضية فلسطين قضية العالم العربي كله، وأنّ الأنغام التي يسمعونها ليست خدعة موسيقية بسيكولوجية، بل تباشير وحدة العالم العربي وبدء تكوين «الأمة العربية» التي تكوّن في سورية نعرة دينية لغوية يعرف مستغلو الشعب الطيب النية كيف يستثمرونها.

 

إتسع نطاق هذه الأنغام السياسية حتى شمل مناطق حقيرة جداً، لا قوة لها ولا شأن كإمارة الكويت التي يقدّر عدد سكانها بخمسين ألفاً! فأرسل أميرها برقيات الاحتجاج على ظلم فلسطين وتأييد حقوقها. وقام الـمستثمرون في شمال سورية يقولون: «قد هبَّ العرب وأصبحت الإمبراطورية العربية في طور التحقيق» وتعاظم هذا الضجيج الـمغرور واشتد بالاحتكاك بـمقالات تنشر خصيصاً في الـجرائد البريطانية والفرنسية لتوليد التيارات العصبية، التي هي في مصلحة هاتين الدولتين وغيرهما من الدول الاستعمارية. وهذه الـمقالات التي توضع لها عنوانات ضخمة جذابة كعنوانات «خطر الاتـحاد العربي وخطر الوحدة الإسلامية وتنادي العرب» وغيرها يترجمها إلى الصحف السورية الـمتمرنون على التعيش الصحافي وليس لهم ثقافة اجتماعية - سياسية تساعدهم على انتقادها انتقاداً صحيحاً وإدراك مغازيها السياسية ويقبلها الشعب على علاتها مهللاً لها ومكبراً جاهلاً كل الـجهل أنها الطعم في الشص.

 

كثير من الناس أخـذوا بهذه الدعـاوات وعدّوها مصداقاً للقول بفساد مبدأ الـحزب السوري القومي القائل: «القضية السورية قضية قومية قائمة بنفسها، مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى» واعتباره حجر عثرة في سبيل «الوحدة العربية» وهكذا اندفع تيار الرأي العام في مجرى هذه الدعاوات وألقت الثورة السورية سلاحها بعد تضحيات عظيمة بالنفوس والـمواسم ملقية مصير جنوب سورية في أيدي «ملوك العرب» الذين تعهدوا بأخذ القضية على عواتقهم وتـحقيق مطالب «العرب»!

 

ومضت الأيام، جمع فيها الشعب قتلاه وأحصى تضحياته، فإذا هي عظيمة جداً. ودفن الـحزب السوري القومي قتلاه العديدين وفي مقدمتهم البطل الكبير الـخالد سعيد العاص وقلوب القوميين تتفطر حزناً على أول شهدائهم في سبيل قوميتهم ووطنهم، ونفوسهم تكاد تزهق لهذا التسليم الـمخزي الذي كان أشد وقعاً عليهم من جميع أهوال الحرب ومحنها.

 

وما هو إلا الزمن اليسير حتى تكشفت مغازي «القضية العربية» عن السياسة الـمتسترة بها. فإذا ببريطانيـة ترسل لـجنة اللورد بيل وتتبنى تقريرها القائل بتقسيم فلسطين بين السوريين واليهود والانتداب، وتطلب موافقة لـجنة الانتدابات في الـجمعية الأمـمية. وإذا بالشعب يشعر بالأحبولة التي وقع فيها ويثور ثائره. وإذا بالسياسي العراقي نوري باشا السعيد رئيس الوزارة العراقية الـحالي ينتدب نفسه لتعديل مشروع التقسيم تعديلاً طفيفاً تـحت اسم «تـحقيق الوحدة العربية» الـخدّاع فتشير الصحف إلى مساعيه وتنتقد جريدة الـحزب السوري القومي مشروعه وتـحمل على الـمناورات وراء ظهر السوريين.

 

كانت خيبة الشعب عظيمة وأصبح في حالة يأس شديد، فالثورة ألقت سلاحها وتبددت قواتها وليس جمع الرجال والسلاح أمراً ميسوراً في كل حين. أما «ملوك العرب» و«القضية العربية» فقد تبيّن أنها قضية سياسية تستر وراءها أشياء كثيرة لا يعرف عنها الشعب شيئاً لأنها من شؤون السياسة الإنترناسيونية العليا.

 

شعر سوريو الـجنوب أنه لا يـمكن التسليم بهذه النتيجة الـحقيرة لتلك الثورة الباسلة فاتـجهت الأنظار نحو الـحزب السوري القومي وأرسل القائد الكبير فوزي القاوقجي كتاباً إلى محرر جريدة الـجزيرة في دمشق يعلن فيها سخطه على النتائج وعلى الـمتزعمين السوريين ويصرح بثقته بزعيم الـحزب السوري القومي وباستعداده «للعمل تـحت لوائه».

 

ولكن الـحزب السـوري القومي كان في تلك الآونة خارجاً من معركة شديدة مع الـحكومة اللبنانية استغرقت نحو سنة. ثم ما عتم حتى دخل في معركة جديدة مع هذه الـحكومة عينها بعد حادثة بكفيا الـمشهورة، فلم يتمكن من توجيه العناية اللازمة لقضية الـجنوب واتخاذ التدابير الكافية لها. فلمَّ سياسيو الـجنوب شعثهم وروجوا لثورة جديدة هي الثورة الـحالية التي ابتدأت ضعيفة جداً بسبب نكبة سنة 1936 ولكنها أخذت تشتد باندفاع الشعب اليائس وبالتلبية السورية في الـمهجر. وكان من اشتداد الثورة بعد أن ظن البريطانيون أنّ اللعبة العربية جعلت عودتها مستحيلاً، ومن توتر العلاقات الإنترناسيونية وتعقُّد الـمسألة اليهودية في العالم، أنّ الـحكومة البريطانية رأت القيام بـمحاولة جديدة بالاستناد إلى العناصر عينها التي استندت إليها في إخماد ثورة 1936 فأعلنت عزمها على عقد مؤتـمر في لندن يـمثل السوريين فيه «العرب» أي وفود عن مصر والعراق وبلاد العرب وجميعها مجارية للسياسة البريطانية ومرتبطة مصالـحها ببريطانية ارتباطاً وثيقاً، مضافاً إلى هذه الوفود وفد عن الـحزب الفلسطيني «الـمعتدل».

 

إستقبل السـوريون فكرة الـمؤتـمر بارتياح ولكنهم نفروا من العودة إلى اللعبة «العربية» فأعلن سماحة الـمفتي بواسطة الدكتور سامح فاخوري أنّ كل تـمثيل لـمسألة فلسطين غير تـمثيل «اللجنة العربية العليا» باطل. وقامت فلسطين كلها ترفض كل تدخّل غير سوري ولا تعترف إلا بـممثلي ثورة الـجنوب مرجعاً للمفاوضة. فأدى تصريح سماحة الـمفتي وموقف سياسيي الـجنوب إلى ارتياح عام، خصوصاً في أوساط الـحزب السوري القومي، الذي رأى فيهما تأييد الشعب كله في جنوب سورية لـمبدأه القائل بكون القضية السورية قضية قومية مختصة بالسوريين ويجب أن يكون من حقهم وحدهم تـمثيلها، حتى أنّ دموع الفرح طفرت من عيون كثير من القوميين لشعورهم باستفاقة الشعب لشخصيته وحقوقه ولتثبتهم من صحة الثقة الكلية التي وضعوها في سعاده ورسالته. وقد وردت الزعيم رسائل تهنئة بانتقاء وجهة نظر الـحزب السوري القومي في قضية الـجنوب أرسلتها إليه مراجع الـحزب وفروعه.

 

بعد أخذ وردّ كثير اضطرت الـحكومة البريطانية لقبول وفد الـحزب الـحسيني بين الوفود وهو الوفد الذي يـمثل الثورة. ولكن ما إن ابتدأت الاتصالات الأولى، حتى قـامت الـجرائـد الرسميـة واليهوديـة ترمي الـممثلين السـوريين بالتعـنت وتنصـحهم بقبـول وجهـة نظـر الوفـود العربيـة الأخرى خصوصاً وفدي مصر والعراق ولكن السوريين كانوا قد اكتسبوا مناعة كافية ضد اللعب على وتر «العروبة» فلم يتراجعوا خطوة واحدة.

 

وقـد وافتنا منذ أيام برقيـات تشير إلى أنّ الـحكومة البريطانية عرضت مشروعاً يكفـل لفلسطين الاستقـلال وأنّ أوساط سورية الـجنوبية استقبلت الـخبر بفرح وأنّ أوساط اليهود رفضت الـمشروع وقابلته بوابل من الاحتجاجات. ولكن الـمشروع ابتدأ ينجلي عن لعبة سياسية، القصد منها، ربح الوقت للهجرة اليهودية. وهو ما سماه الزعيم في بيانه الصادر في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول الـماضي «محاولة إيجاد حل سياسي حقوقي». فقد وردت برقيات تقول إنّ وكيل وزير الـخارجية الـمصرية كُلِّف بعرض الـمقترحات البريطانية على الـمفتي. وعلم أنّ هذه الـمقترحات تـحتوي على طلب مهلـة خمس سنوات تستمر فيها الهجرة اليهوديـة إلى فلسطين وستة أشهـر يستمر فيها بيع الأراضي السورية لليهود. ومن هذه الـجهة لا تكون الـمقترحات البريطانية سوى محاولة لتنفيذ وجهة النظر اليهودية التي عبّر عنها اللورد هربرت صموئيل في مجلس اللوردات وكشف النقاب الدبلوماسي عنها الزعيم في بيانه الـمشار إليه فوق. وتقول إحدى البرقيات إنّ سماحة الـمفتي رفض هذه الـمقترحات.

 

إنّ الـمشادة بين وجهة النظر السورية من جهة ووجهة النظر البريطانية ووجهة نظر «الوفود الـمعتدلة» من جهة أخرى، لا تزال قائمة وإننا نهنىء الـجبهة السورية بعدم وقوعها في أغلاط سنة 1936، التي كلَّفت البلاد ثورة ثانية وتضحيات فاحشة. وسنعود إلى معالـجة هذا الـموضوع في العدد القادم.

 


[1]  مؤتـمر لندن، افتتحه رئيس الوزراء البريطاني نفيل شمبرلين في قصر سان جيمس بتاريخ 7/2/1939 وحضره مـمثلون عن الـمملكة السعودية والـمملكة الـمصرية والـمملكة العراقية واليمن وإمارة شرقي الأردن واللجنة العليا لفلسطين. أما مـمثلا الشام ولبنان فقد أوقفتهما الـحكومة الفرنسية في باريس ومنعتهما من الـمضي إلى الـمؤتـمر.

في 9/2/1939 بدأت الـمباحثات بين الوفد البريطاني برئاسة مالكوم ماكدونالد وزير الـمستعمرات والوفود العربية التي تكلم بإسمها جمال الحسيني رئيس الوفد الفلسطيني. وقد تناول البحث مراسلات الـحسين -ماكماهون التي حجبتها بريطانية 23 سنة. وفي 10/2/1939 عقد الـمؤتـمر البريطاني-اليهودي. وانتهت الـمباحثات على أن تعلن بريطانية لاحقاً سياستها الـجديدة.   

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro