مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رأي سورية الجديدة تجزئة سورية بين العرب والعجم
 
 
 
جريدة سورية الجديدة،سان باولو،العدد 17، 1939/7/1
 

 

تعلّم الذين حفظوا التقاليد العربية ولم يحفظوا شيئاً غيرها أنّ كل ناطق بالعربية عربي وأنّ كل ناطق بغير العربية أعجمي. وفهموا بالعربي ليس الـمدلول الذي نفهمه من قولنا «لاتيني»، مثلاً، أي أحد الذين يشملهم عالم اللغة العربية، بل إنه من «الشعب العربي» وفهموا من «الأعجمي» أنه كل من لم يكن من «العرق العربي». فعند العرب لم يكن أمـم وشعوب وسلالات وأقوام بل كان هنالك فقط عرب وأعاجم. ولكي يتمكن الـمتضلعون من «العلم العربي» من متابعة وجهة بحثنا لـجأنا إلى استعمال التعابير التي تعوّدوها.

 

عندما أعلن زعيم الـحزب السوري القومي رأيه في اللعبة «العروبية» - البريطانية، حول مسألة جنوب سورية وحقوق الأمة السورية في فلسطين، وندد بالسياسة الـخرقاء التي اتّبعتها الشركات والفئات السورية السياسية في معالـجة هذه القضية وغيرها ووضعها الـحقوق السورية في أيدي سياسيين غير سوريين، اندفاعاً مع الهوس العروبي - الديني، ظن الكثيرون أنّ موقفه كان مبنياً على العداء الذي ظهر من هذه الشركات والفئات للحزب السوري القومي. ولكن ما عتمت الشؤون الإنترناسيونية أن أظهرت صحة نظره في الـمناورات السياسية التي جرت في القاهرة ولندن واشتركت في ترتيبها بالتفاهم الضمني بريطانية ومصر والعراق، على خطة سياسية، تهمّ بريطانية ومصر والعراق. ولم يُقَم لسورية أي وزن في العملية الـجارية، غير وزن الـمريض الـموضوع على سرير الـجراحة، والذي يجب عليه أن يخضع لـما يقرره الـجراحون ويسلّم جسمه للجرح والقص والبتر، لأن الـجراحين الذين سيجرون العملية هم من أقاربه وأصدقائه الذين لا يؤلم جرحهم كما يؤلم جرح الأباعد.

 

ولم يكن أحد يتصور إلى أي حد بعيد كانت نظرية سعاده صائبة ولكن سلسلة الـحوادث التي تلت مؤتـمر لندن الـمشؤوم أخذت تُظهِر جلياً لكل ذي عينين، الـحقائق الـمؤلـمة التي أراد زعيم الـحزب السوري القومي أن يـمنع وقوعها بدعوته الشعب السوري إلى اعتبار القضية السورية قضية مستقلة قائمة بنفسها لا يجوز أن يتولى تـمثيلها والبتّ بها، غير سوريين صالـحين للتعبير عن إرادة الأمة السورية وحقوقها. فما كاد مؤتـمر لندن ينتهي حتى علمنا أنّ غرضه الـحقيقي لم يكن الاهتمام بقضية فلسطين وإنصاف الشعب السوري في مسألة حقوقه الأصلية، بل ترتيب الوضعية السياسية في الشرق الأدنى بالتفاهم بين بريطانية ومصر والعراق، وراء ستار بحث قضية فلسطين، وأنّ السياسيين السوريين من الطراز  العتيق الذين أمّوا لندن كانوا مجرّد تـماثيل زينة ولعب استخدمها البريطانيون بـمهارة لستر ما يجري في «الكواليس»، وأنّ هؤلاء السياسيين «الدنكيخوطيين» قد خدموا السياسة البريطانية ومآربها في وطنهم خدمة لم تكن ترغب بريطانية في أكثر منها، فهم قد استنزفوا دماء الشعب «بثوراتهم» العنترية واستنضبوا أموال الـمهاجرين بتحريضهم واستغاثتهم ثم حضروا مؤتـمر القاهرة كبعض الـمدعوين عند أصحاب الشأن في فلسطين، وحضروا مؤتـمر لندن فرحين بالـجلوس إلى موائد الطعام والشاي بين ابتسامات الوزراء الإنكليز. ثم عادوا من حيث أتوا ظانين أنّ مؤتـمر لندن قد فشل، في حين أنّ مؤتـمر لندن نـجح لأنهم كانوا يجهلون غرض مؤتـمر لندن وأسباب الفشل وأسباب النجاح.

 

جاءت فيما بعد هذه السلسلة الغريبة من الـمناورات والـحوادث كمتابعة أبحاث مؤتـمر لندن في القاهرة وإثارة مسألة الـملكية السورية ومسألة توحيد بعض أجزائها، وكل ذلك، بقصد خدع الشعب السوري وتغطية السياسة الـحقيقية التي كانت جارية، وكان من نتائجها، الـمعاهدة البريطانية - التركية[1] التي تتلوها الآن الـمعاهدة الفرنسية - التركيـة[2]، التي تقرر تعديل الـحدود السوريـة الشماليـة لـمصلحـة تركيـة. وآخر هذه النتائج الغريبة وأشدها وقعاً الـمفاوضات الـجارية بين مصر وتركية لعقد اتفاق بين هاتين الدولتين واحتمال دخول مصر الاتفاقية الرباعية بين تركية والعراق وإيران وأفغانستان[3].

 

منذ أوائل يونيو/حزيران والأخبار ترد، عن التقرب بين مصر وتركية واحتمال زيارة وزير خارجية مصر لأنقرة «لرد زيارة وزير خارجية تركية السابق». وفي الوقت الذي تـحرَّر فيه الـمعاهدة بين فرنسة وتركية القاضية بتسليم لواء الإسكندرونة السوري إلى تركية، يزور الوزير الـمصري عبدالفتاح يحيى باشا أنقرة حاملاً لزميله التركي العواطف والنيات الودية التي تكنّها السياسة الـمصرية العربية للسياسة التركية في هذه الظروف السعيدة!

 

ولقد حمل إلينا البرق نبأ الـمأدبة التركية التي أقيمت على شرف الوزير الـمصري وما تضمّنه خطاب وزير خارجية تركية في صدد تـماثل الـمصالح التركية والـمصرية وتوازيها. وكان من أهم ما ورد في هذا الـخطاب، الإشارة إلى فلسطين والكتاب الأبيض البريطاني. فقد قال الوزير إنه «لا يفصل بين تركية ومصر غير فلسطين» حيث تعاني بريطانية صعوبات في حفظ النظام بسبب مقاومة السوريين واليهود لسياستها الأخيرة. وأشار الـخطيب إلى أنّ الـحل الذي اقترحه الكتاب الأبيض رُفِض من قبل ذوي الـمصلحة، ولذلك فإن جنوب سورية معرّض لأن يصبح مثار شر خطر في حالة حرب، ولكن الـخطر يزول «إذا وضعت فلسطين ضمن إطار من الدول التي لها مصلحة مباشرة في حفظ الـحالة الراهنة» أي بإيجاد مقاومة لكل تدخُّل من قبل خصوم بريطانية في هذه البقعة من الشرق الأدنى. وحصول هذا «الإطار» أو الطوق الـحديدي يكون بدخول مصر إتفاقية سعدآباد فتصير فلسطين بين مصر والعراق وتركية وفرنسة وبريطانية!

 

على أنّ أخطر عبارة في الكلام الـمتقدم هي العبارة التي تقول إنه ليس بين تركية ومصر غير فلسطين. فهذه العبارة تؤيد كل التأييد الترجمة التي أعطتها الأوساط السورية القومية للاتـجاه السياسي البريطاني - الفرنسي - التركي - العربي الأخير. فمخاوف الـحزب السوري القومي من وضع شمال سورية تـحت رحمة الـجيش التركي التي أعلنها الزعيم في عدة مواقف في الوطن لم تكن مجرّد تكهنات، بل تقديرات راهنة مبنية على أسباب تكنيكية.

 

أليست هذه النتيجة هي النتيجة الوحيدة لاعتماد أمة من الأمـم على غيرها في معالـجة قضيتها القومية وتقرير مصيرها؟

 

والآن فممن يجب أن ينتقم الشعب السوري لـحقوقه ومصالـحه التي ذهبت إلى الأيدي الأجنبية من عرب وعجم؟

 

أليس من العروبيين الذين غشوه وخدعوه وباعوا مصالـحه بينما هم يتبجحون أنهم أصحاب «قضية قومية»؟

 

ألم يحن للشعـب السوري أن يستفيق لشخصيته ومصالـحه وحقوقه وإرادته ويعتنق الـمبادىء التي تعبّر عن هذه الأمور كلها؟

 

إنّ العجز هو من الذين يعلّمون الشعب العجز وعدم الثقة بالنفس.

 


[1] بعد اتخاذ خطوات لتمتين الروابط بين تركية وبريطانية، عام 1938، منها تقديم قرض بريطاني بقيمة 16 مليون جنيه. صدر إعلان مشترك في 12/5/1939 باعتماد التعاون الفعّال وتبادل الـمساعدات في حال وقوع إعتداء يؤدي إلى الـحرب في منطقة البحر الـمتوسط. 

 

[2] الـمعاهدة الفرنسية - التركية، صُدِّقت في 4/7/1938، وسلمت فرنسة بـموجبها لواء الإسكندرون إلى تركية خلافاً لنتائج الإستفتاء الذي أشرفت عليه عصبة الأمـم، وكانت السياسة الفرنسية البريطانية ترمي إلى إبقاء تركية إلى جانبها وإقصائها عن ألـمانية.         

 

[3] إتفاقية سعدأباد، ميثاق عدم إعتداء عقد في قصر سعد أباد بطهران في 8/7/1937، وقعه كل من رشدي أراس (تركية) وعناية الله سميعى (إيران) وفيض الله محمد خان (أفغانستان) وناجي الأصيل (العراق).         

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro