مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
تقرير صهيوني سري تقرير صهيوني سري وضعه دافيد بن غوريون أحد الزعماء الصهيونيين أذاعه الحزب السوري القومي الاجتماعي
 
 
 
جريدة الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 51، 1/9/1942
 

 

تقرير اللجنة الـمركزية للمباي (حزب العمال الفلسطينيين) ــــ تل أبيب 24

 

أكتوبر/تشرين الأول 1938 الـمركز رقم 131

 

سريّ

 

العنوان ــــ حزب العمال الفلسطينيين

 

تل أبيب ص.ب: 36

 

التليفون 3022

 

(في أواخر سنة 1938 وقع في يد بعض مكّلفي دائرة إستخبارات الـحزب السوري القومي الاجتماعي في فلسطين نسخة من تقرير سرّي أرسله من لندن إلى حزب العمال اليهود  ــــ مركز تل أبيب ــــ الزعيم الصهيوني الـمعروف دافيد بن غوريون. وقد قررت إدارة الـحـزب السـوري القـومـي الاجتمـاعي إذاعـة التقـريـر الـمذكـور فطبعت منه «بالـميموغراف» بضع مئات وزَّعتها في أهم الـمدن السورية في لبنان والشام وفلسطين. وقد وصلت إلى بوينُس آيرس، منذ نحو سنتين، نسخة من هذا التقرير الـخطير ولم يتسنَّ لنا نشرها قبل الآن لعـدم اتسـاع الـمجـال في الزوبعة عندما كانت صغيرة. أما الآن فإننا ننشره مع تعليقنا عليه لـمصلحة قضيتنا القومية الاجتماعية الـمقدسة وهو كما يأتي):

 

في الـحالة السياسية

 

(من كتاب رفيقنا د. بن غوريون)

 

الـحالة السيئة

 

في كتابي الأخير حاولت أن أعطي تـحليلاً للحالة على ضوء الوضعية السياسية للعالم واليهودية. هذا التحليل يغلب عليه التشاؤم ــــ ولكنه باعتقادي تـحليل حقيقي صادق، يجب أن نرى الأشياء كما هي حتى ولو كانت مرة كالـموت، فإن أسوأ ما يـمكننا عمله أن نفعل كالنعامة إذ تدفن رأسها بين جناحيها فندفن رؤوسنا في التراب فنمنع أنفسنا من رؤية الـخطر. ذلك لا يـمنع الـخطر ولكنه يقفل طريق الـخلاص. الـحقائق هي حقائق وإذا كانت سيئة فيجب أن نراها تامة العري، والـجبن الأدبي والعقلي ليس بأحسن من الـجبن الـجسدي. إنّ الـحالة الـحاضرة ليست مُرضية ومن الـممكن أن تزداد سوءاً ويجب ألا نـموّه هذا.

 

جنود اليهود

 

قد لا تتحقق تنبؤاتي التي أذكرها في كتابي، وقد تظهر نظرتي السوداء خاطئة، وآمل أن تكون كذلك. ويجب أن نعمل كل ما في مقدورنا لكي لا تتحقق. اليوم، تكلمنا تليفونياً مع ثلاث قارات: جنوب أفريقية وشمال أميركة وشرق أوروبة مع جـوهانسبورغ ونيويورك ووارسو وحذرناهم من الـخطر. وطلبنا مساعدتهم الـجدية. وهنا في إنكلترا نحن نعبّىء صفوف كل أصدقائنا السياسيين في البرلـمان والصحافـة والـحكومة. نحن آخذون في تـجنيد أعضاء البرلـمان وبالطبع سنحاول التأثير على أعضاء الـحكومة. وبالإضافة إلى مجهودنا هنا في إنكلترة نحاول أن نحشد كل الـمساعدات لنا في خارج إنكلترة وخصوصاً مساعدة رئيس الولايات الـمتحدة. البارحة أرسلنا تلغرافاً إلى أميركة والنشاط ابتدأ هناك. إنّ زعماء العمال اليهود في أميركة قد اتصلوا تليفونياً مع زعماء الـحركة العمالية في إنكلترة. اليوم خاطبنا تليفونياً قواد الصهيونية الأميركية لبسكي، ووايز، وبن كوهين فأخبرونا أنهم اتصلوا مع أصدقاء لهم، منهم أحد الأربعة الأحياء الذين رتبوا تصريح بلفور ووقفوا إلى جانبنا كل هذه السنين. ومن الـممكن لهذه الـمحاولات وغيرها التي لـمّا تنتهِ بعد أن تـحوّل هذا الوضع السيّىء. ولكن ذلك ليس مؤكداً.

 

ــــ لـمن الغلبة ــــ

 

إنّ ضغط السوريين (في الأصل العرب) يزداد قوة. ومن الـمحتمل أن يكون في حكومة لندن من يشجع الـحركة يوماً بعد يوم ضدنا. وهتلر وموسوليني لا يضعفون يد السوريين. فإنه من الـمعلوم لدينا ولدى الـحكومة أنّ وكلاء النازي يعملون بنشاط في مصر والعراق وفلسطين والشام وغيرها من الأقطار العربية، ولكن الشعوب العربية تعمل أيضاً بوحي أنفسها مع أنني أعتقد بأن الـجماهير في العراق ومصر تهتم كثيراً بـما يجري في فلسطين. ولكن الصلات الدينية والثقافية واللغة تلعب دوراً. وكل شخصية من شخصيات العرب تريد أن تبني لنفسها مركزاً، من مصلحتها أن تظهر مدافعة وحامية «لعرب» فلسطين، ومن يدري ما الذي سيكون أقوى الوعود التي أعطتها إنكلترة لنا والعدالة ونور ما نقوم به في فلسطين والاضطهاـد الواقـع على اليهـود في العالـم ورغبتهم في إنشاء وطنهم القديم، أم قنابل وألغام العصابات السورية وضغط وتأثير الأقطار العربية مستنداً إلى كراهة إسرائيل الذي يتقوى يوماً بعد يوم في العالم.

 

في مـدة أسبـوع أو أسبـوعين يـُمضى تقرير بعثة التقسيم (من الـممكن أن تكون أقسامه الرئيسية قد كملت الآن) وهنالك ثلاثة أوجه للاحتمال:

 

أ ــــ أن ترى البعثة أنّ أي مشروع تقسيم «غير قابل التطبيق» و«غير عادل»، أي أنه من الـمستحيل تقسيم البلاد وإنشاء دولة يهودية بدون الإجحاف بحقوق السوريين، أو أنّ دولة فلسطينية بدون اليهود وبدون السهول الساحلية هي دولة لا قدرة لها على البقاء، أو أنه لا يـمكن، لأسباب سياسية أو مالية أو عسكرية أو إدارية تقسيم البلاد.

 

ب ــــ أن تقترح البعثة مشروعاً لا يـمكننا قبوله. كثيرون موقنون بأن ما ستقترحه البعثة سيكون أسوأ مـما اقترحته بعثة بيل (في رأيــي إنّ مشروع بيل كان جيداً في الأساس لو أمكن نقل الأودية إلى الدولة اليهودية حسب اقتراح بيل) ــــ (الـمترجم ــــ بعثة بيل هي التي ردّ على مشروعها زعيم الـحزب السوري القومي في الـمذكرة التي قدّمها للجمعيـة الأمـمية ولعبت دوراً هاماً من الوجهة الإنترناسيونية ــــ إذا رفضنا مشروع التقسيم فلا يبقى من يؤيده. لأن الفلسطينيين (أظهروا رسمياً في الأخير أنهم) يقاومون أي مشروع يرمي إلى التقسيم. ويظهر أنّ الـحكومة لن تـحقق أي مشروع تقسيم إذا رفضه السوريون واليهود.

 

ج ــــ أن تقترح بعثة التقسيم مشروعاً مقبولاً. ويكاد يكون مؤكداً أنّ هذا الـمشروع لا يكون مشروع بيل ــــ ولكن ليس من الضروري أن يكون تعديل لـمشروع بيل أسوأ تدبيراً من الـمشروع عينه. ولا يوجد مبرر للأمل أن تكون بعثة التقسيم أكثر صهيونية من بعثة بيل. وفي نظري لم توجد حتى الآن بعثة إنكليزية بلغت عمق التفكير الصهيوني الذي وصلت إليه بعثة بيل. (الزوبعة ــــ وهذا واضح من تـحليل مذكرة الـحزب السوري القومي الاجتماعي لاقتراح البعثة الـمذكورة. وقد نشرت مذكرة الـحزب في العدد 46 من الزوبعة) أنّ التحليل السياسي الذي قامت به بعثة بيل، وتـحليلها الـحالة كما هي في البلاد هما في نظري، مستقيمان أساسياً، حتى ولو لم تكن جميع التفاصيل مقبولة. ولكن أعضاء بعثة التقسيم، من الـجهة الأخرى ليسوا في مقدرة بعثة بيل على الاختراق إلى داخل الـموضوع. على أنه مـمكن، جوهرياً، أن لا تكون التغييرات التي سيقترحونها في مشروع تقسيمهم على حساب خسارتنا. وإذا كان القسم الإيجابي من هذه التغييرات لا يرجّح على القسم السلبي ففي إمكاننا الـمناقشة في اقتراحهم.

 

على أنّ الإمكـانيـة الـمـذكـورة أخيـراً هي الـمشكـوك فيها أكثـر من الكل. فـلا رغبـة للحكـومة في إقامة دولة يهودية في الوقت الـحاضر، ومع أنه لا يـمكن التأكيد أنّ مشروع التقسيم قد مُحيَ بالـمرّة فمن الـمحتمل أن نواجه في أسبوعين أو ثلاثة الـحقيقة. إننا والبعثـة والـحكومة نتخلى عن مشروع التقسيم فماذا بعد ذلك؟

 

مخاوف اليهود

 

هنالك خطران ــــ (1) أن لا تقبل الـحكومة أن تستمر الـحالة الـحاضرة «وبالـحالة الـحاضرة» لا أعني الاضطرابات، أنا لا أخاف الاضطرابات، إنـما خوفي أن تتردد الـحكومة وتلغي بندين أو ثلاثة من صك الانتداب فتقف الهجرة وتزداد الـحالة الاقتصادية سوءاً. ويزيد اليأس في معسكرنا. وتتأثر الـحركة الصهيونية والسكان اليهود في البلاد تأثراً سيئاً. إنّ حالة كهذه لا يـمكن أن تدوم طويلاً لأن الفلسطينيين لن يبقوا هادئين وما يريدون هو الـحكم الذاتي وحكومة سورية.

 

وهنا أتقدم إلى الـخطر الثاني (2) الـمحادثات بين إنكلترة والفلسطينيين على أساس دولة سورية ومن باب اللباقة لن يدعوها «الدولة السورية» ولكن «فلسطين الـمستقلة» ولا فرق بين الإثنتين. إنّ الـحكم الذاتي لفلسطين في الوقت الـحاضر يعني «دولة سورية» أي غير يهودية لأن السوريين أكثر من ثلثي السكان.

 

هذا أكبر خطر لأنه يعني ختام الهجرة وركود وجمود التوطن اليهودي وتسليم السكان اليهود لأيدي السوريين.

 

أرى أنّ هذا الـخطر ليس عظيماً إلى هذا الـحد، رغم أنه ليس خيالياً في الوقت الـحاضر، ورغم أنّ كثيرين من الإنكليز وربـما بعض أعضاء الـحكومة الإنكليزية يعتقدون هذه الفكرة ويأخذون بها.

 

عود إلى التقسيم

 

إذا فرضنا أنّ الـحكومة الإنكليزية ستحاول أن تـحقق دولة سورية في فلسطين الآن فلا بدّ من ظهور مشروع التقسيم ثانية إذا لم يستسلم السكان اليهود.

 

مضى وقت كانت فيه قوة الصهيونية في الدرجة الأولى بين يدي الشعب اليهودي في العالم. إذ لم يكن السكان اليهود في فلسطين قد أصبحوا قوة سياسية. إنّ الصهيونية لا ترتكز على قوتنا في فلسطين فقط بل على إرادة اليهود في العالم. ولو كانت هذه الإرادة أقوى وأكثر نشاطاً وتـمركزاً في السنين الـماضية لكانت حالتنا في فلسطين مختلفة تـمام الاختلاف عن حالتنا الآن.

 

فبدلاً من 400 ألف يهودي في فلسطين كان يـمكن أن يكونوا مليوناً (وإذ ذاك كان من الـمحتمل أن تشبّ الثورة في البلاد، ولكنها لا تكون بقوتها الـحاضرة، فالثورة الـحاضرة لا تـذكيها معاكسة السوريين لازديادنا فقط بل تتأثر بعوامل خارجية أيضاً ــــ إيطالية وألـمانية وقرب نشوب الـحرب العالـمية، الخ).

 

في أيدي العمال

 

إنّ التنـظيمات الصهيونية أساساً لـم يكن لها بـرنامج قوي واضح قبل السنوات السبع الأخيرة أي قبل أن يصبح توجيه سياستنا في أيدينا، أي في أيدي الـحركة العمالية السابقة. فإن أكثر من نصف اليهود في فلسطين قد هاجروا إليها خلال هذه الـمدَّة، وطبيعي أنّ هناك عوامل خارجية قد ساعدت على ذا النمو. مثلاً اضطهادات هتلر وطرده لليهود. ولكن هذه العوامل الـخارجية ما كان يـمكن أن تكون مجدية لو لم تكن عندنا الإرادة للاستفادة منها واستغلالها.

 

ولكن حتى في هذه الـمدة لم نعمل كل ما كان يـمكننا عمله. إنّ مستعمراتنا الزراعية قد توقّف نـموها بالنسبة إلى نـمو الـمدن اليهودية وأُهمل البحر الأبيض الـمتوسط بصورة كلية.ولم يقدّم الشعب الوسائل لتقوية هذا النمو والازدهار.وقد فهمت الـمنظمات الصهيونية القول أكثر من فهمها للعمل.

 

قوة الصهيونية وخطرها

 

ولكن قوة الصهيونية الأساسية قد صارت الآن في يد سكان فلسطين اليهود. إنّ 400 ألف من السكان (ومن الـممكن أن تزيد عليها 50 ألفاً) هم قوة عظيمة في بلاد صغيرة كهذه. يجب أن لا نعتبر الكمية فقط بل النوع أيضاً. لنا الأكثرية في القدس وحيفا وتل أبيب، ومعظم الزراعة الـحمضية في أيدينا وكل الصناعة عملياً في أيدينا. ولنا ميناء بكليّته. وميناء حيفا يصبح يهودياً يوماً بعد يوم ونـمتلك معظم الأراضي الـخصبة في البلاد ــــ السهول ومحطات القوة الكهربائية والبحر الـميت في أيدي اليهود. وقد نـمت قوتنا العسكرية. وقد جنّدنا 10 آلاف بـمساعدة الـحكومة. لا يزال هناك بعض الاختلافات في الآراء بيننا مـما يضعف قوّتنا، ولكننا نتغلب على هذه الاختلافات بالقيادة النشيطة الـمدركة.

 

إنّ قوّتنا لا شيء بالنسبة إلى قوى العالم، ولكننا أقوياء بالنسبة إلى القوى العاملة في هذه البلاد. إنه لا يـمكن إجراء أي تغيير أساسي في البلاد ضد إرادتنا. وهناك مسألة واحدة وهي هل لنا هذه الإرادة؟ هل نعرف كيف نحشد ونـجنّد كل قوانا في الساعة الـحاسمة للقرار ونستعمل كل هذه القوى لتخليص مستقبلنا القريب بدون تخوف من أي خسارة مـمكنة الوقوع؟

 

إذا حاول أحد أن يغيّر فلسطين إلى دولة سورية ــــ ففي رأيــي أنّ كفاح السوريين ليس لتأسيس هذه الدولة وليس هو الـخطر الأساسي، كما أنني لا أعدُّ الإنكليز الـخطر الأساسي وإن يكن من الـمحتمل أن يغدروا بنا. إنّ أكبر ضعفنا في احتمال استسلام السكان اليهود في فلسطين. وإذا عرف اليهود في فلسطين كيف يثابرون وكيف يقاومون هذه الـخطط السيئة، ليس بالكلام والـمظاهرات، فإني مقتنع أنّ مثل هذه الـخطط السيئة لنا لا يـمكن تنفيذها. وعاجلاً أو آجلاً تُبنى الدولة اليهودية. وسنقيمها بقوّتنا وعندها تضطر إنكلترة إلى الـموافقة. وما دام لا يوجد في إنكلترة حكومة فاشستية مضادة لليهود (وهذه الـحكومة مـمكنة وإن تكن بعيدة الآن). وما دامت الولايات الـمتحدة بلاداً حرة فأنا لا أعتقد أنّ إنكلترة ستضطرنا إلى الـخضوع لـحكومة سورية. إنّ الرأي العام في إنكلترة والولايات الـمتحدة سيقف ثابتاً في وجه كل محاولة لوضعنا تـحت رحمة السوريين. وكلما وضح غدر الـحكومة لنا سهل علينا الوقوف في وجهه ومحوه إذا تـمكنا من الثبات وعدم التسليم. لأنه لـمبتسر أن نتكلم عن عزم الـحكومة على وضعنا تـحت رحمة السوريين. ولن يكون من السهل أن تضع الـحكومة هذه الفكرة موضع التنفيذ، وأعني بذلك تأسيس حكومة سورية في فلسطين (الرأي العام في إنكلترة والصحافة والبرلـمان لا يوافقون بهذه السرعة على غدر كهذا للشعب اليهودي). ولكن خطراً كهذا موجود ولهذا أعدُّ واجبنا الرئيسي الأعلى في الوقت الـحاضر أن نهيىء تنظيم السكان اليهود في فلسطين للمقاومة الفعالة بكل الوسائل لهذا الاتـجاه.

 

دعوة للكفاح

 

إننا نواجه الآن معركة فاصلة ومن الممكن أن تكون الأخيرة. لا يوجد في التاريخ كفاح أخير. ويجب أن نهيىء أنفسنا روحياً ومادياً. إنّ الواجب الأساسي لإبقاء آمالنا يقع على كاهل شبابنا في فلسطين. وفي هذا الوقت يجب أن نذكر الـحقيقة العميقة البسيطة. «في العالم الآخرون يقررون مصيرنا، أما في هذه البلاد فنحن نكوّن تاريخنا»، وليأحذ الآخرون أية خطوة يريدونها، وليفعل الأجانب ما يريدون ــــ ولكن إذا عرفنا كيف نصنع التاريخ في هذه الظروف غير الـمرضية فلا يغلبنا أحد.

 

ولهذا السبب أنا لست واحداً من أولئك الذين يعتقدون أنه إذا كانت نتائج بعثة التقسيم، أو كان قرار الـحكومة يحول دون إنشاء دولة يهودية، فإن ذلك يعني أنّ مسألة إنشاء هذه الدولة قد انتهت نهائياً.

 

لن نتخلى عن هذه الـمسألة ما دمنا مهيئين وقادرين على الكفاح في سبيل تـحقيق رغباتنا. إنّ الإنكليز والسوريين في فلسطين لا يتمكنون من حل قضية فلسطين وحدهم. أنا لا أقلل من قيمة قوّتهم. ولا أحطّ من قيمة قوة الـحركة السورية ومقاومتها لنا. وليس من الضروري أن أذكر أنني لا أستبعد احتمال غدر إنكلترة بنا أو الـحطّ من قوة الامبراطورية البريطانية.

 

لو كان الأمر بين إقامة الدولة اليهودية أو وجود الأسطول البريطاني لفاز الأسطول. ولكن لـحسن الـحظ أنه في مستقبل هذه البلاد القريب لا يتعارض وجود الأسطول مع وجودنا. إنّ مصالح إنكلترة في هذه البلاد ليست مصالح حياة أو موت. ونـموّنا في هذه البلاد لا يعني تـحطيم الامبراطورية، بل الـمحتمل عكس ذلك بالرغم من رأي خصومنا في إنكلترة. لا يستطيع الإنكليز الذين يحكمون البلاد أو السوريون الوقوف ضدنا إذا وقفنا حراساً لقضيتنا، إذ بالإضافة إلى قوّتنا لنا أصدقاء وأنصار في دوائر هامّة واسعة في إنكلترة ومن الـممكن في داخل الـحكومة أيضاً. ولا يخضعنا غير استسلامنا وخوفنا. وإذا استسلم كبارنا وأغنياؤنا ورجالنا العمليون والأذكياء عندئذٍ ينهض شبابنا. شبابنا في الروح والعمر فيكافحون. وبهذا الشـباب أنا واثـق وإليـه مطمـئـن. ولـهـذا السـبب لست متشـائمـاً رغم استعراضي القاتـم للوضع الـحالي. ولهذا السبب أخاف «اللّاحل» أكثر من الـحل السيّىء. حقيقة أنّ الصحافة الإنكليزية تكتب عن خطر عدم حل القضية. ولكن لا حدّ لتردد البريطانيين ومقدرتهم على تأجيل البتّ. وعلى كل حال فإن الأسابيع القليلة القادمة تكشف لنا الأمر.

 

لا تفاهم

 

لـقـد تكلمـت عن خطرين. ويحتمل أن يكون هناك خطر ثالث وهو محاولة إخضاعنا لتفاهم يهودي ــــ سوري. إنّ التفاهم اليهودي ــــ السوري هو في الـحقيقة حل مثالي ومرغوب فيه جداً، وفي كل الـمدة التي قضيتها عضواً في اللجنة التنفيذية الصهيونية حاولت أن أصل إلى مثل هذا التفاهم ونظرت إلى كل الطرق والوسائل لتحقيقه. في وقت الازدهار عندما كانت الهجرة واسعة وعظيمة وقوّتنا في البلاد تسير إلى الأمام بخطوات سريعة، وفي أوقات الاضطرابات جربت أن أتفاوض مع زعماء الفلسطينيين وغيرهم وفتشت عن طريق للوصول إلى اتفاق مشترك. ولكن في الوقت الـحاضر وبعد عشرين شهراً من التعطيل والاضطرابات، وفي الوقت الذي سقط فيه من الضحايا مئات منا وآلاف من السوريين، ومُنيَت مزارعنا بالـخسائر الفادحة، وتـحطمت اقتصاديات السوريين في البلاد إلى درجة تكاد تكون كلية. وفي الوقت الذي قويت فيه كراهية السوريين لنا ــــ في هذا الوقت وبعد كل هذا ــــ من الصعب عليَّ أن أتصور أنّ السوريين يقبلون الشروط التي توافقنا.

 

الوحدة العربية من الأغراض اليهودية

 

في هذه الأحوال الـحاضرة أرى أنّ التفاهم غير مـمكن إلا بعد خلق الدولة اليهودية، فعندما يدرك السوريون أننا أصبحنا قوة وخرجنا من حضانة الدولة الانتدابية لا يعـود في إمكانهم الاستهانة بوجودنا وقوّتنا ونشاطنا. وإنّ عندنا شيئاً نقترحه عليهم عندئذٍ فقط يـمكن وضع الأسس لـخلق تفاهم يهودي ــــ سوري.

 

وهذا سبب من الأسباب التي تـجعلني أدعو إلى إنشاء دولة يهودية في قسم من هذه البلاد. لأنني لا أرى في هذه الدولة الهدف النهائي للصهيونية ولكن الواسطة لتحقيق الصهيونية. فعندما تكون لنا دولة نكون قادرين على التفاوض مع الفلسطينيين حول إنشاء اتـحاد عربي يضم فلسطين في الشروط التي تضمن لنا الـحرية في الوطن في كل أجزاء البلاد، أما دولتنا فيكون لنا فيها حكم ذاتي في كل الاتـجاهات الهامّة لنا.

 

بدون الدولة لا أفترض ــــ ومن الصعب حقيقة أن نفترض أنّ السوريين يقبلون بهجرة واسعة إلى فلسطين، لأنهم يعرفون أنّ هجرة كهذه ستجعلنا أكثرية في البلاد في بضع سنين، وإذا وافقوا هم على هجرة محدودة تضمن لهم بقاء الأكثرية السورية في البلاد، أي على هجرة تضطرنا إلى البقاء أقلية دائمة، فنحن لن نوافق على حل كهذا. وقد صرّحت بهذا أول أمس بنشرة أصدرتها الوكالة اليهودية. قد يكون هناك يهود يوافقون على واحد من هذين الـحلّين ولكن إذا قاوم السكان اليهود، في فلسطين بـمساعدة الـجمعية الصهيونية فلا أعتقد أنّ الـحكومة البريطانية تتمكن من إجبارنا على أن نكون أقلية في البلاد. يـمكن الـحكومة أن تـحدد الهجرة ولن نكون قادرين على إجبارها بالقوة على توسعها. وأعظم خطر يجابهنا ليس الدولة السورية في قسم من البلاد ولكنه استمرار الانتداب وتـحديد الهجرة. هذا بالطبع أسهل الـحلول للحكومة البريطانية ولكنه أسوأها لنا، وفي هذه الـحالة أضع ثقتي وأملي في مساعدة الفلسطينيين.

 

يـمكنكم أن تستغربوا هذه الكلمات كيف ولـماذا يأتي الفلسطينيون لـمساعدتنا؟ على كل حال هناك أشياء غريبة في التاريخ وفي بعض الأوقات يساعد الـخصم خصمه بدون قصد، وهكذا ساعد الإصلاحيون منّا العصابات والـمفتي بعض الأوقات ــــ ليس لأنهم قصدوا مساعدتهم بل بالعكس لأنهم فكروا أنهم يقاتلونهم في حين أنهم ساعدوهم على زيادة إرهابهم أو تقوية جبهتهم. وهكذا الـمفتي وجماعاته سيساعدوننا بأعمال يقصدون بها معاكستنا ولكن حقيقتها تساعدنا «بـمساعدة» الـمفتي (بواسطة الإضراب في يافا) أنشأنا مرفأنا في تل أبيب. «بـمساعدة» الـمفتي وسّعـنـا العمل اليهودي في الـمستعمرات (في الوقت الـحـاضر). «بـمساعدة» العصابات اضطرت الـحكومة لتسليح شبابنا، وهكذا فإنني أظن أننا سنقضي «بـمساعدة» الـمفتي على فكرة تـحديد الهجرة.

 

كيف ذلك؟

 

إنّ الفلسطينيين لن يكتفوا بتحديد الهجرة فقط. فما يحاربون من أجله وما يرمون إليه هو الـحكم الذاتي، ولن يوقف الفلسطينيون كفاحهم في سبيل هذا الـحكم، حتى ولا بعد إعلان الـحكومة إلغاء مشروع التقسيم كما أعتقد. إنّ الفلسطينيين سيكافحون ضد الانتداب أي ضد استمرار الـحكم البريطاني في البلاد. لأن الانتـداب ذو شقين ــــ عندمـا نقـول «الانتـداب» نفـكـر بالهجـرة اليهوديـة والاستعمار. نشك في أنّ انتداباً كهذا يـمكن أن يستمر وجوده، وإذا استمر انتداب كهذا فهو شيء صالح من وجهة نظرنا.

 

ولكن أولئك الذين يعتقدون أنّ استمرار الانتداب من الضروري أن يرافقه هجرة كبيرة واستعمار واسع هم مخطئون جداً. يـمكن استمرار الانتداب بدون هجرة وبدون استعمار ولكن الفلسطينيين لا يكتفون حتى بهذا الانتداب، لأن الانتداب من وجهة نظرهم يعني «الـحكم البريطاني».

 

كانت العراق تـحت الانتداب البريطاني ولم تكن هناك قضية هجرة يهودية وبالرغم من هذا فالعراقيون حاربوا الانتداب لأنهم يريدون الـحكم الذاتي.

 

في فلسطين سيستمرّ السوريون في كفاحهم ضد الانتداب حتى ولو لم يكن مرفقاً بهجرة يهودية واسعة. وإنكلترة سوف لا تكون في حالة تـمكّنها من الوقوف في وجه هذا الكفاح إلى أمد بعيد. عاجلاً أو آجلاً ستثار قضية الـحكم في البلاد وكل حكم ذاتي ــــ ما دمنا أقلية ــــ يعني «حكومة سورية» وإذا منحت إنكلترة البلاد حكماً ذاتياً فكل شيء يتوقف على موقفنا، فإذا لم نوافق لم تنشأ حكومة سورية في فلسطين وعندئذٍ تنتعش ثانية فكرة التقسيم، وفي هذا الـمعنى أنا أقول إننا نعتمد على مساعدة الفلسطينيين. ولهذا السبب أقول ــــ إذا ألغي مشروع التقسيم فلا بدّ أن يعود بعد وقت فيصبح ضرورياً خلق دولة يهودية في جزء من البلاد إذا عرف اليهـود في فلسطين كيف يقفون وأرادوا أن يقفوا ثـابتين غير مستسلمين تـحت ضغط الظروف إلى الـحكم السوري في فلسطين.

 

لندن ــــ 7 أكتوبر/تشرين الأول 1938

 

دافيد بن غوريون

 

الزوبعـة ــــ من مطالعة التقرير الصهيوني الـخطيـر الـمثبت آنفاً يتضح لنا الـمحصـّل التالي:

 

1 ــــ إنّ الزعيم أصاب كل الإصابة في تـحليل حالة سورية في الـخطاب الذي ألقاه أوائل سنة 1933 في حفلة افتتاح النادي الفلسطيني في بيروت. ففي الـخطاب الـمذكو أبرز الزعيم الـخطرين اللذين يهددان سورية من الـجنوب ومن الشمال، أي الـخـطـر اليهـودي والـخطـر التركي، ودعـا الأمة السوريـة إلى تـوحيـد القـوى وتنظيمها لدفـع هـذين الـخطرين. والزعيم أول من أعلن الـخطر بينما الـحالة هادئة والأحزاب السياسية الـمعروفة آنئذٍ في البلاد لاهية بـمناورات غير حميدة.

 

2 ــــ إنّ التقرير الصهيوني السرّي الـمثبت فوق قد صاقب تـحليل الزعيم لـحالة فلسطين وأقام الدليل على صواب نظريته في أمر العصابات الفلسطينية التي حركها السياسيون الاعتباطيون بدون رسم خطة قابلة التنفيذ، وكان من نتائجها إكساب اليهود مرفأ حراً في تل أبي لتهريب اليهود إلى داخل البلاد، وتـجهيز قسم كبير منهم بالأسلحة وتـجريئهم على شهر السلاح في وجه أبناء البلاد وإلقاء القنابل الفتاكة، فضلاً عن النتائج السيئة في النفوس والـمزروعات. فإن تقرير بن غوريون السرّي يؤكد أنه بينما سقـط من اليهـود مئات سقط من السـوريين آلاف. وكـل ذلك بسبب فساد التخطيط وعدم وجود الكفاءة في الـمتزعمين لوضع خطط ثورة منظمة يرجّح لها شيء من النجاح. وفي الـمقابـلـة التي جرت بين الزعيم وسماحة مفتي فلسطين في منزل الدكتور سامح الـخالدي في بيروت سنة 1937 بحضور عدد من رجال الـحزب السوري القومي الاجتماعي وعدد من رجل «اللجنة العربية العليا» الفلسطينية كان أهم ما سأل الزعيم عنه ولفت نظر الـحاج أمين الـحسيني إليه: التنظيم والتخطيط. فخلوّ إدارة الـحركة الفلسطينية من التنظيم والتخطيط هو الذي جعل الثورة تخيب سنة 1936، وهو الذي جعل حركة العصابات الـمسلحة مفيدة جداً لليهود وضارة جداً بالسوريين، كما يؤكد التقرير الـمتقدم، فالعصابات استنفرت بدافع اعتباطي لا حكمة فيه ولا روية وقد كلّفت السوريين أكثر كثيراً مـما أضرت باليهود، بل قد أفادتهم فائدة كبرى من حيث قصدت الضرر بهم.

 

3 ــــ إنّ الدعوة إلى اتـحاد عربي أو «الوحدة العربية» هي من الأغراض اليهودية التي تسهّل لليهود تـمزيق سورية وإنشاء دولة يهودية فيها تستولي على البلاد رويداً، بالتنظيم الصهيوني السياسي وبالرأسمال اليهودي، وتدخل في الاتـحاد العربي لتكون شوكة في جنب العالم العربي وقوة تتمكن بواسطة مركز سورية الـممتاز من التحكم في شؤون العالم العربي ولعب دور هام في سياسة شرق الـمتوسط، فالوحدة العربية هي سلاح يستعمله اليهود وغير اليهود من الأجانب لتمزيق سورية والـحجز على العالم العربي كله، لأن سورية صدر العالم العربي وأهم مركز فيه وأقوى وحدة، روحياً ومادياً، من وحداته.

 

وهنالك كتّاب يدّعون الفهم للقضايا السياسية والاجتماعية في العالم العربي ويسمّون أنفسهم «عروبيين» يذهبون في هذا التيار اليهودي. من هؤلاء كاتب في الولايات الـمتحدة الأميركانية يدعى يوسف أحمد نـجم. فهذا الكاتب يقول باتـحاد اليهود مع العرب وإليك ما قاله في مقالة نشرتها له السمير في 8 فبراير/شباط 1939:

 

«لنفرض الـمحال أنّ اليهود الأوروبيين كلهم تفرعوا من الإسرائيلية التي تـحدرت من العـرب كما تفرع كـلدان وكنعـان وفينيق وآرام وغيرهم وحكمـوا فلسطين وسـورية ولبنان والعـراق. إذن من أول واجباتهم (والـجامعات العنصرية تـحتقرهم وتضطدهم) أن يعطفوا على الـجامعة العربية التي تفرعوا منها فيسعوا إلى الانضمام إليها بقدر الإمكان، الخ».

 

أحد «العروبيين» منذ بضع سنوات في جريدة فتى العرب الدمشقية يقول بتوثيق عرى «العبقرية العربية ــــ اليهودية». وكل ذلك ترحيب باليهود ليحتلوا فلسطين مكان السوريين على أمل دخولهم الـحلف أو الاتـحاد العربي!

 

بحصول الوحدة السورية يقوى العالم العربي وتعتز الثقافة والأدب، وبتمزيق سورية يطعن العالم العربي طعنة بالغة يصعب عليه كثيراً بعدها تسوية شؤونه وإيجاد رابطة متينة بين أجزائه. إنّ سورية، بـمركزها الـجغرافي على الـمتوسط وبـمكانتها الثقافية وبـمواهب شعبها الـممتازة وبإمكانياتها الـمادية الكبيرة، هي أعظم قوة يـمكن العالم العربي الاعتزاز بها، ولا يـمكنه ذلك إلا بوحدتها وسيادتها. وهذه الوحدة السورية وهذه السيادة السورية لا يـمكن أن تتما إلا بنجاح الـحركة السورية القومية الاجتماعية التي هي من الأمة السورية وللأمة السورية بلا فارق اجتماعي أو اقتصادي.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro