مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رأي الجيل الجديد سلاح إنترنسيوني لم يستعمل
 
 
 
جريدة الـجيل الـجديد، بيروت،العدد 35، 19/5/1949
 

أذاعت حكومة دمشق، ونشرناه، بلاغاً عن تصديق اتفاقية التابلاين [1] بعد أن كانت موضع أخذ ورد ورفض في عهد الـحكومة السابقة، وبعد أن مرّ على توقيعها من قِبل الـحكومة اللبنانية ما يزيد على العام. وقد استقبلت الأوساط السياسية والعمالية تصديقها بشيء من حمى القبول التي أملتها أزمة البطالة والضيق الاقتصادي، فرأت الأولى فيها منفذاً للتخفيف من البطالة دون ما جهد وعناء، والأخرى مورداً للرزق في وقت صعب فيه نوال الدرهم!

 

على أننا لن نتناول هنا أثر بدء أعمال التابلاين في حل الأزمة الاقتصادية والنقد النادر، ولا الـمسؤولية الواقعة على عاتق السلطة مـما يجره هذا الاتفاق في حقل السياسة البترولية الـمعروفة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية اليوم وفي الـمستقبل، ولا مسؤوليتها في ترك أمر حل أزمة البطالة على الشركات الأجنبية، والإعراض عن القيام بالـمشاريع القومية لـمكافحة البطالة!

 

إننا نتنـاول هنا الإفـادة السياسيـة القوميـة التي كـان يـمكـن جنيهـا عن طريق الـمساومة الدبلوماسية، وعن طريق استعمال هذا السلاح الإنترناسيوني الفعال الـمسمى امتيازات البترول. والـجدير بالذكر أنّ اتفاقية التابلاين وضعت من قِبل الشركات الأميركية على بساط البحث في الـمملكة السعودية وفي دوائر الـجمهوريتين السورية واللبنانيـة في وقـت بلغ فيه الصـراع في حقـل القضيـة الفلسطينيـة الذروة وفترة الفصل.

 

 

وأجدر بالذكر أنّ الـجانب الـمفاوض مع مـمثلي التابلاين حصر اهتمامه في ناحية الإفادة الـمادية لـحل بعض الأزمات الـمالية الداخلية دون الاهتمام في نواحي الاتفاقية القومية والعسكريـة والسياسيـة، وذهب الـمفاوضـون تـحت تأثيـر أزمـة البطالة والضائقة الاقتصادية إلى حد إهمال كل النواحي الأخرى.

 

فـاتفـاقيـة التـابـلاين هذه، في الظـروف الـدوليـة الـمتـأزمـة بيـن الشرق والغرب والـمنذرة باصطدام مسلح عاجلاً أو آجلاً، وفي الـحالات التي دللت فيها الولايات الـمتحـدة والـدول الكبرى الأخـرى على عطفها الفعلي والـمـادي والـمعنـوي على إسرائيل، هذه الاتفاقية، على هذه الأسس، تشكل في أيدي الدول السورية والعربية سلاحـاً إنترنـاسيونيـاً لو أحسـن استعمالـه لـحـدَّ من فعاليـة التأييـد الأميركـاني الشامل لإسرائيل في كل الـحقول.

 

هذا من حيث واقع اشتراك الدول السورية والعربية في الـمؤتـمرات الدولية والـمنـاورات العسكريـة «لإنقـاذ» فلسطيـن، منذ بـدء الصـراع في فلسطيـن وحتى الآن. وإذا ما قلنا بأنّ إنقاذ فلسطين لن يكون إلا على يد الأمة السورية وبخلاصها من الاختلاطات الغريبة الـخصوصية فينبغي أن ننظر في مدى تصديق اتفاقية التابلاين في الـحقل الدولي العام وخصوصاً في قضية فلسطين.

 

صدّقـت حكومـة دمشق الاتفاقيـة مع الشركـات الأميركـانية البترولية في نفس الوقت الذي يتابع فيه مؤتـمر لوزان [2] أعماله بصدد اللاجئين وتدويل القدس وحدود إسرائيل، وفي الفترة التي تـجتاز فيها الـمفاوضات السورية - اليهودية مرحلة دقيقة بالنظـر إلى تشبـث اليهـود باحتـلال منـاطق استراتيجيـة هامّة، يهيمن عليها الـجيش السوري الآن، وفي الوقت الذي يؤدي تدخل ترومان[3] إلى استقالة العضو الأميركي أثريدج من لـجنة التوفيق الثلاثية[4]. ومعروف أنّ تصلب اليهود تـجاه الدول السورية والعربية، والدول الأخرى، مستند إلى تأييد حكومة الولايات الـمتحدة لها. ومعروف أنّ اتفاقية التابلاين تهم الـحكومة الأميركانية. فيتضح من مجرّد تصديق اتفاقية التابلاين الأميركيـة أننا لم نستعمـل هذا السلاح البترولي للحدّ من تأييد الولايات الـمتحدة لليهود في لوزان وفلسطين والأمـم الـمتحدة، وتركنا الولايات الـمتحدة تستمر في تأييدها لليهود وجازيناها بتصديق اتفاقية حساسة هامّة تهمها جداً لـمستقبل العمليات الـحربية الـمقبلة.

 

هذا السـلاح الثميـن لم نستعملـه وأسلحـة غيره كثيـرة تبقى بدون استعمـال. وننتظر، مع كل ذلك، أن نربح الـجولات الـمقبلة فـي حـرب الـمـوت أو الـحيـاة مـع الغزاة الصهيونيين.

 

لقد كـان بإمكـان الـمفـاوض السـوري أن يتحكم بـمصيـر مفاوضات الهدنة السورية - اليهودية، وبـمصير أعمال مؤتـمر لوزان، وبطبيعة موقف أميركانية في الأمـم الـمتحدة في جميع القضايا التي تهم الدول السورية في قضاياها الـحيوية، وخصوصاً في فلسطين.

 

وتـجـب الإشـارة إلى أنّ هذا الـموقـف الـحازم الذي انتظرنـاه من الـمفاوض السوري كان يجب أن يدعمه موقف موحد الغاية والوسيلة في جميع الدول السورية، وأن يكون وراءه بالتالي تعاون، بين سورية كلها من جهة والدول العربية، وثيق، يسد في وجه الدبلوماسية الأجنبية منافذ الضغط والتهويل والـمساومة.

 

ويجب القـول إنّ من جملـة الـمؤثـرات التي حَـدَت بالـمفـاوض السوري إلى تصديق الاتفاقيـة الـموقف الذي وقفتـه مصر من النـزاع القائم حول الاتفاقية. ويجب القول إنه لو لم تصدق حكومة دمشق الاتفاقية هذه لبادرت مصر للفور إلى عقدها مع التابـلاين. إنّ مصلحـة مصـر، كما دلَّـت التجـارب، لا يقف دونها اعتبارات عربية أو سورية أو دولية!

 


 

[1] خط الأنابيب لنقل البترول السعودي إلى مصب الزهراني جنوبي صيدا (لبنان) عبر الأراضي الأردنية والشامية، بوشر في مد الخط عام 1947 وانتهى العمل به عام 1950. وقد تمّ إبرام الإتفاقية من قبل الحكومة الشامية بتاريخ 26 أيار 1949. وكان قد عقد اتفاق بين الحكومتين اللبنانية والشامية بتاريخ 10/6/1947 على كيفية اقتسام المنافع.           

 

 

[2] بناء على دعوة «لـجنة الأمـم الـمتحدة للتوفيق بشأن فلسطين» عُقدت اجتماعات في لوزان بسويسرة، بدءاً من 26/4/1949، مع مندوبي الـحكومات العربية من جهة ومع مندوب «اسرائيل» من جهة ثانية، كل جهة على حدة. وفي 12/5/1949 وقّعت «إسرائيل» على «بروتوكول لوزان» الـمتضمن الـموافقة على تنفيذ قرار التقسيم (خريطة 29/11/1947) وعودة اللاجئين وتدويل القدس وتعقب قتلة برنادوت. وقد سهّلت هذه الـموافقة قبول عضوية «إسرائيل» لإلتزاماتها بعد قبول عضويتها ورفضت تنفيذ مواد البروتوكول.

 

 

[3] هاري شيب ترومان: الرئيس 33 للولايات الـمتحدة الأميركية. أمر بإلقاء أول قنبلة ذرية على هيروشيما (6/8/1945) وبعد 3 أيام القنبلة الثانية على ناكازاكي.

 

في 15 أيار 1948 أعترف بقيام دولة «إسرائيل» بعد 5 دقائق على إعلانها. وسبق له أن طالب بريطانية، بصفتها الدولة الـمنتدبة، بفتح أبواب فلسطين لهجرة 100،000 يهودي فوراً، ثم استُخدم الضغط السياسي والإقتصادي على كثير من أعضاء هيئة الأمـم لقبول عضوية «إسرائيل» في الـمنظمة الدولية.

[4] «لـجنة الأمـم الـمتحدة للتوفيق بشأن فلسطين» تشكلت بـموجب قرار صادر عن الـجمعية العامة لـمنظمة الأمـم الـمتحدة في 11/12/1948، بناء على تقرير رفعه وسيط الأمـم الـمتحدة إلى فلسطين، الكونت فولك برنادوت، وتضم مـمثلين عن فرنسة وتركية والولايات الـمتحدة الأميركية.       

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro