مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
ملحق رقم 4 الخطب العامة جبل عامل والصهيونية خطاب ناموس المجلس الأعلى في مهرجان مرجعيون عام 1945
 
 
 
نشرة عمدة الإذاعة، المجلد الثاني، العدد الثالث والرابع، 1945/11/19
 

 

سيدي الرئيس، سيداتي وسادتي، رفاقي القوميين.

 

قد يتساءل البعض عن الدوافع التي حدت بي لانتقاء هذا الـموضوع- جبل عامل والصهيونية- وقد يستعرض هذا البعض مدن الـجبل وقراه فلا يجد أثراً للصهيونيين ولا نشاطاً ملموساً لـحركتهم فيستغرب الأمر.

 

والـحقيقة هي أنه منذ عهد السلطان عبد الـحميد الثاني عندما بدأت مساعي الصهيونيين العملية لاغتصاب أرض فلسطين واتخاذها وطناً قومياً لهم، وقبل تصريح بلفور، يرى الـمتتبع للحركة الصهيونية، أن الأخطبوط الصهيوني سوف لا يكتفي بفلسطين فريسة له بل سيتخذ منها نقطة ارتكاز وتهيؤ ومكاناً للراحة وجمع القوى ليستأنف هجومه وليلف أذرعه حول جميع أجزاء هذه الأرض الـجميلة الـممتدة من طوروس إلى القنال ومن الأبيض السوري إلى الصحراء.

 

فلمعرفتنا الأكيدة هذه بأن الـخطر الصهيوني يهدد كياناتنا كياناً كياناً، ولوجودنا الآن في عاصمة الـجبل الثقافية التي خطت في سجل نهضتنا مع شقيقاتها مدن الـجبل وقراه أروع الصفحات وأنقاها ولأن جبل عامل في عرف الصهيونيين هدفهم الـمباشر بعد فلسطين ولأن ضربتهم الثانية ستوجه إليه حتماً قبل غيره تطبيقاً لسياستهم الاغتصابية التسلسلية رأيت أن أدرس بعض الأسباب الـخفية التي كانت عوناً للصهيونيين على بث دعايتهم وباعثاً لأملهم في اغتصاب الـجبل من أيدي أهليه.

 

الإنتداب وسوء إدارته

 

فالانتداب الذي تقلص ظله- بحمدالله وبفضل وعي أبناء البلاد- كان خير معوان للصهيونيين، إذ أن السياسة الـخرقاء التي كانت تتمشى عليها الـحكومات السابقة الـمؤتـمرة بأوامر الـمنتدب، الرامية إلى إفقار الشعب مادياً وروحياً والتي ظهرت نتائجها بأجلى الـمظاهر في هذه البقعة من الوطن العزيز فأدت إلى إفقارها وإفلاسها من كل شيء إلا من مواهب رجالها وإيـمانهم بقضيتهم وحقهم بالـحياة.

 

إن هذه السياسة ولَّدت عند بعض العامليين فكرة الإنسلاخ عن لبنان والإنضمام إلى فلسطين:

 

أولاً: تخلصاً من ربقة الاستعمار الـمجرم ظناً منهم بأنهم ملاقون بعملهم هذا الـحياة الـحرة التي ينشدون.

 

ثانياً: بقاء جبل عامل مهملاً من الـمشاريع العمرانية والزراعية والثقافية كعهده في أيام السلطنة العثمانية.

 

ثالثاً: تخلصاً من الفقر الـمدقع الذي ابتلاهم به الإستعمار وسوء إدارته.

 

ونشأ عن هذا السبب الأخير عند البعض سبب رابع هو فكرة اجتياز الـحدود طلباً للرزق عن طريق الاتـجار مع سكان فلسطين على اختلاف عنصريتهم، وهذا الاتـجار كان يعود عليهم إذا نـجوا من أخطار اجتياز الـحدود بربح يكفل لهم العيش فظنوا أن بانضمامهم إلى فلسطين يخلصون من حياة الفقر والـحاجة إلى حياة الغنى والاكتفاء.

 

فجميع هذه الأسباب الـمتقدمة الـمتأتية عن نتيجة سوء إدارة الانتداب وحكوماته كانت عوناً للصهيونيين مضافاً إليها الـخطة التي رسمها الصهيونيون أنفسهم وهي:

 

أولاً: الظهور بـمظهر الطريد الشريد الذي يستحق الرحمة والشفقة مستغلين بذلك أنبل صفاتنا وأكرم أخلاقنا.

 

ثانياً: الإسراف ببذر الذهب الوهاج لشراء أراضينا وإغرائنا به موقنين من استرجاعه إلى جيوبهم أضعافاً مضاعفة وذلك بتفوقهم الصناعي من جهة وباستخدامهم الأساليب اليهودية الـخاصة من جهة ثانية.

 

ثالثاً:- ويا للأسف- شراء ضمائر من لا ضمائر لهم من أبناء أمتنا.

 

رابعاً: اعتمادهم على مساعدة بعض الدول الأوروبية التي كانت تعطف عليهم إما حباً بأموالهم والاستفادة منها وإما شفقة عليم لأنهم ضعفاء مطرودون.

 

سياسة الـحكومة الـحاضرة وإصلاحها

 

ولئن أمعنا النظر الآن ملياً باستعراض جميع هذه الأسباب الـمتقدمة منها والـمتأخرة للمسنا فشل خطة الصهيونيين الذريع الرامية إلى اغتصاب هذا الـجزء الـحبيب من وطننا كما نلمس أيضاً فشلهم بإمكانية السيطرة على فلسطين وإمكانية اتخاذها وطناً قومياً لهم.

 

إذ أن الانتداب الـمسؤول عن تلك الـحال التأخرية التي وصلت إليها البلاد وبالأخص جبل عامل، زال من الوجود، وبقايا رجال الـمنتدب على وشك الرحيل النهائي بفضل الـمساعي الـمبذولة من رجال حكومتنا الوطنية، وبزوال ذاك العهد الـممقوت استقبلنا عهداً جديداً فيه اليمن والبركة وعلى أنقاض تلك الـحكومات الـمسيّرة قامت حكومة رشيدة مخلصة تعمل لـخير الشعب لأنها منه ووليدة إرادته فسارعت لإنقاذ جبل عامل مـما وصل إليه وذلك بفضل مساعي النبيل معالي الوزير أحمد بك الأسعد الـمصلح الـمخلص وبعطف رئيس لبنان الأول وتأييد النواب الأحرار فأقرت إنشاء الـمدارس الـمجانية لتثقيف النشء وتربيته تربية صحيحة تكفل للوطن حماته وللأمة ذخرها في اليوم العصيب وقضت بهذا على الـجهل وعلى اللامبالاة بالوطنية الـمتولدة عنه.

 

كما أقرت مشاريع الري والزراعة وشق الطرق وإصلاحها ففسحت بذلك مجالاً واسعاً للعامل العاملي ليحول أرضه الـجرداء إلى جنائن فيحاء وليبرهن للملأ بإن القوى الكامنة فيه هي أقوى من تلك القوى التي يتبجح بامتلاكها ذلك الصهيوني الأفاق.

 

وسيجد العامل العاملي بذلك ما يكفل له الـحياة السعيدة بـما يتقاضاه تعويضاً عن أتعابه وبـما تـجود عليه أرضه الطيبة الـمباركة من خيرات، فيمتنع بذلك عن ركوب الأهوال والأخطار وعن تخطي الـحواجز الوهمية وسيهزأ بالتالي بذلك الصهيوني الـمتشرد وبإغراء ذهبه، فيحتفظ بأرضه ويصونها وسيعرف كيف يدافع عنها وكيف يدفع بذلك الدعي إلى أشداق الـموت.

 

وهكذا يصبح الـخطر الذي يهدد جزءاً من وطننا خطراً يهدد الصهيونيين الـمعتدين فجبل عامل لن يكون بعد الآن الهدف الـمباشر لـمطامعهم بل سهماً مسدداً إلى نحورهم، إنه الـحصن الـمنيع لبقية أجزاء الوطن والساحة التي تزحف منها الأبطال لإنقاذ فلسطين الغالية.

 

واجبنا نحو فلسطين

 

وعلينا، بعد أن أصبحنا بـمأمن من الـخطر الصهيوني وبعد أن أصبحت أجزاء بلادنا بـمناعة تامة منه، أن لا نترك فلسطين الـمعذبة تقاسي وحدها أشد الآلام وتئن تـحت ضربات الصهيوني، وكما أعلنها هؤلاء حرباً شعواء علينا وعلى بلادنا فلنعلنها لا هوادة فيها ولا رحمة ولنبدأ:

 

أولاً: بـمقاطعة بضائعهم وعدم الاتـجار معهم.

 

ثانياً: بالتمسك بكل شبر من أراضينا، فلا بيع للصهيونيين ولا لسماسرتهم الـخونة.

 

ثالثاً: بالسهر على الـحدود لـمنع اليهود من التسرب إلى فلسطين للإنضمام إلى عصبتهم الشريرة.

 

رابعاً: عدم قبول أية حلول تفرض على أمتنا فرضاً ولا تؤمن مصلحتها.

 

خامساً: بحشد القوى والتهيؤ للنضال الـمسلح، إذ لا يفلّ الـحديد إلا الـحديد.

 

فليس اليهود بأشد منا مراساً على القتال ولا بأجرأ منا عليه يؤيدنا فوق ذلك حق لنا بوطننا صريح لا يحتاج لإثبات أو برهان، أما أولئك الأدعياء فأين الـحقوق الطبيعية التي يطالبون بها؟

 

ألأنهم هبطوا مرة أرضنا واجتازوا حدودنا فارين من سياط الـمصريين؟

 

إن التاريخ سوف لا يعيد نفسه هذه الـمرة وستعرف سياطنا طريقها إلى أجسادهم حتى إذا فروا- كعادتهمهاربين يطلبون النجدة بالاحتماء إلى أرض مصر، تلقفتهم هناك سياط الـمصريين التي لا تزال تـحن إلى جلودهم.

 

ونحن- أيها الـحفل الكريـم- لا ندافع عن فلسطين لأنها مولد عيسى ومحط إسراء محمد فحسب بل لأنها كانت أيضاً قبل عيسى ومحمد وقبل أن يهبطها اليهود لاجئين موطناً لأجدادنا سقوه دماءهم ذوداً عنه ودفعاً لهجمات الفاتـحين، فلا حرب دينية بيننا وبين اليهود كما يتوهم البعض وكما يريد البعض الآخر أن يسميها، فإن حرباً تـجمع الأمة، على اختلاف أديانها ومذاهبها وتعدد طوائفها على إعلانها لا يـمكن تسميتها بالـحرب الدينية.

 

ولئن أفلس الصهيونيون اليوم في ربح القضية وأخذوا يرمون آخر سهم في جعبتهم ويهددون بإنزال قواهم الـمسلحة والـمدربة، فليس أمام قوانا إلا الزحف إلى فلسطين لإعطاء هؤلاء الأفاقين درساً لا ينسى.

 

ومن هنا، من جبل عامل، من مقر الأبطال الأباة سيبدأ الزحف القومي الـجبار وسنعيد فلسطين جزءاً ذا سيادة تامة يقدم الـمعونة اللازمة لأوصال الوطن الواحد الـمتقطعة، وسيساهم هذا الـجزء بنصيبه في بناء صرح العائلة العربية الكبرى.

 

وليس أمام اليهود بعد هذا إلا أن يفرروا من لقاء أبطال النهضة الـجبارة حيث يفتشون على صحراء تيه غير تيهنا يدفنون فيها خزيهم وعارهم إلى الأبد.

 

عبدالله محسن

 

في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 1945

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro