مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
ملحق رقم 2 توزيع الوظائف بموجب الطوائف
 
 
 
جريدة الـجريدة، العدد 51، السنة الثانية، سان باولو، 1921/10/29
 

 

نظام لبنان القديـم أنشئ على التعصب الديني لأنه في عصر كان التعصب متفشياً فيه تفشياً كبيراً، ولأنه كان في مصلحة تركيا فناصرتها إنكلترا فيه وناصرتها فرنسا حاسبة أنها تناصر الـموارنة وظلت الـحال كذلك لأن تـحوير النظام الـمذكور كان يقضي بقبول الدول الضامنة فضلاً عن تعذّر تـحقيقه من جانب الأهالي أنفسهم.

بيد أن الطبقة الراقية أدركت ما في كل ذلك من الضرر بـمصلحة وطنها فضلاً عن أن الطائفة الكبرى لم تتحقق أمانيها بهذا الصدد لأن التوازن كان يتم رغماً من أكثرية أعضائها. ففي مجلس الإدارة وفي محكمة الـحقوق على ما رواه لنا نسيب كان موظفاً في هذه، كان أعضاء الروم الأرثوذكس والـمسلمين والشيعيين يؤلفون حزباً يوازن حزب الـموارنة حتى يتكافأ الفريقان. وكان كل موظف يعتبر واجبه قائماً في الـمحاماة عن حقوق ابن طائفته لا في الـمحاماة عن الـحق.

في ذلك الزمان كان للإكليروس اليد الطولى في شؤون البلاد، وكان كتاب توصية من صاحب سيادة أو صاحب غبطة كافياً لإبطال حق أو تـحقيق باطل، بل كانت لهم الكلمة الأولى في تعيين الـموظفين تسندهم في ذلك قناصل الدول. فكان قنصل فرنسا يدعم الـموارنة وقنصل روسيا يدعم الأرثوذكس وقنصل بريطانيا يدعم الدروز، وقد أحرز تراجمة هذه القنصليات مالاً وافراً من طلبة الوظائف الذين كانوا يتقاطرون إلى القنصليات، وعلى عهد واصا باشا وصهره كوبليان أفندي الشهير كانت الوظائف تُطرح في الـمزاد.

ومن البديهي أن أمثال هذه السخافات لا تضاد فقط العدل العام، بل تثير الأحقاد والضغائن في الصدور وتـحفر هوات بين الأفراد والطوائف وكثيراً ما أفضت إلى عواقب وخيمة. وكان إذا استاءت طائفة بلدة من أسقفها لتقصيره في تأييد ما تدعيه حقاً لها، توجهت إلى بيروت واعتنقت البروتستنطية!

والـحقيقة أن البروتستنطية كانت «مفشّة خلق» للطوائف كلها دون فارق بينها، ولا ندري ما إذا كان بقي لها بعد كل تلك عضو من الناقمين من أساقفتهم بعد الإشكال وانحلال الـمعضلة السياسية!

كان أول عمل حيوي يرجى أن تقوم به الدولة التي انتدبت نفسها للوصاية، إلغاء هذه الـخطة التي لا تنطبق قط على قوانين الأمـم الـحية والوطنية الـحقة التي لا تـميز بين دين وآخر ولا بين طائفة وأخرى، ولكن فخامة الـجنرال غورو لم يفعل شيئاً من ذلك، بل بنى نظام لبنان على التعصّب الديني وبنى مآدبه السياسية على التعصبات الطائفية، ونظنه أصبح الآن أستاذاً أخصائياً في أديان الشرق وطوائفه، لا بل جاوز كل حد معقول وأمسى معاونوه بل أفراد جنوده أيضاً حماةً لا لدين النصارى فقط، بل لدين الـمسلمين أيضاً فيلقون القبض مثلاً في دمشق على رجل أفطر في رمضان وتـحكم عليه الـمحاكم التي أقامها هو بسجن أربعة أشهر، وهو ما لم يفعله عبد الـحميد نفسه، فضلاً عن أنه قد يكون للرجل عذر شرعي من الوجهة الدينية الـمحضة، فقد جاء في القرآن العزيز «من كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر». فهل كان الـجندي الفرنسي الذي أخذ على عهدته تنفيذ القرآن بالقوة على ثقة من أن الرجل لم يكن مريضاً أو على أهبة السفر؟

إلى مثل هذا الـحد الـمضحك من الأبحاث السياسية تدفعنا الاعتبارات الدينية والشؤون الطائفية، لذلك نرجو الـجنرال غورو إذا كان لا يزال باقياً في سوريا أو خلفه إذا كانت الأقدار تـحرمنا من آرائه الرشيدة أن يضع حداً لهذه الشؤون التي لا تلتئم قط مع شرف دولة منتدبة ولا مع شرف أمة حية، وإذا أجابنا بأن اللبنانيين والسوريين يريدون هكذا، وهو ليس الواقع أجبناه ألا يحترم إرادة اللبنانيين والسوريين إلا في ما يضرهم ويقتل حياتهم الوطنية؟

إن الطبقة الراقية عاقدة العزيـمة على التخلص من عبودية الطوائف والإكليروس التي لا تقل عن عبودية فرنسا، وستتحقق آمالها في القريب العاجل لأن التمدن السوري الذي هو أرقى تـمدن في الشرق الأدنى، لا يسعه احتمال هذا العار زمناً طويلاً فضلاً عما في كل ذلك من العقبات الكبرى في سبيل الاستقلال، فلتكف فرنسا رجال الإكليروس من القضاء على الـحرية.

                                                                                                         خليل سعاده

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro