مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
الحزبية الدينية لعنة الأمة!
 
 
 
جريدة كل شيء، بيروت،العدد 105، 1949/4/1
 

 

قد اتضح لنا من سياق الـمقالات السابقة، أنّ بلية الأمة العظمى، هي الرجعية الاجتماعية والسياسية، بعقليتها الاتكالية الـمستسلمة الـمستمرة في خطط التفكير الانحطاطي، وفي قضايا الـحزبيات الدينية والـمصالح الـخصوصية والسياسة القبلية والعائليـة، وأنّ التفكيـر الرجعـي الـجـديـد ليس سـوى محاولة لإنقاذ قضايا الرجعة ومصالح الرجعيين القائمة في استمرار الرجعة وأهدافها، وأنّ هذا التفكير الرجعي الـجديد يخبط في العلم ويسفسط سفسطة صارخة في الـمعرفة والرأي، فيمسخ مبدأ القومية الصحيح ويحوّله عن مدلوله الـحقيقي إلى مفهوم عقلية السياسة الدينية ومفهوم الغايات الـخصوصية، ويشوه الـمذاهب الاجتماعية التقدمية ويتخذها مطايا للرجعية الاجتماعية ووسيلة للإبقاء على الانحطاط الاجتماعي، وعلى التفسخ القومي بين انعزاليات خانقة، واتـحاديات مضيّعة ملاشية.

إذا كانت مهمة الرجعية الـجديدة، الإبقاء على الغايات الرجعية الأساسية والاستمرار في خطط النفسية الرجعية باتخاذ مظاهر تقدمية واقتباس شكليات التفكير التقدمي، فإنّ مهمة التفكير التقدمي الصحيح، تفكير الـحياة الـجديدة، والقضايا الصحيحة، والـمثل العليا الـجميلة، الـخروج بالـمجتمع من الرجعية وقضاياها وأساليبها وخطط تفكيـرها القديـمة والـجديـدة والقضـاء على الرجعيـة بكـل أسسها وأشكالها والأخذ بـمبادىء الـحياة الـجديدة، حياة العز والـخير. وعلى النتيجة التي تسفر عنها الـمعركة الدائرة بين التقدمية الهجومية والرجعية الدفاعية، يتوقف مصير الأمة، مصير الأجيال الـمتعاقبة، إلى العز أو إلى الذل.

الـمعركة لتقرير مصيرنا القومي تدور منذ نشأة الـحركة القومية الاجتماعية وظهور تعاليمها التي تضع أساساً جديداً لبناء اجتماعي جديد متين جميل، وتقيم نظاماً جديداً لـجيل جديد يحارب الرجعة ويتركها لـمصير الظلم والتعاسة الذي تطلبه، ويشق للأمة طريقاً إلى الـحياة الـمجيدة، إلى مصير العز والسعادة. والـمعركة تزيد احتداماً بعد كل خطوة تقوم بها الـحركة القومية الاجتماعية في سيرها نحو مصيرها التقدمي، دافعة قوى «القوميات» الدينية والاجتماع الطائفي العشائري نحو مصيرها الرجعي الانحطاطي.

تستمد الرجعة البغيضة حيويتها وتفكيرها من الطائفية، من الـحزبية الدينية الـملتصقة بالأمة كأنها لعنة تعمي بصيرتها وتضلها. فالأحزاب السياسية الرجعية تنشأ من الطوائف على أساس الـحزبية الدينية، ثم تـحاول العقلية الرجعية الـجديدة إكساب تلك الأحزاب أشكالاً «قومية» تخدع الـحسني النية من الطائفيين بالتظاهر بالابتعاد عن الـحزبية الدينية وتغش الشعب والرأي العام بسفسطاتها «القومية» و«الوطنية» التي تقيم لكل حزبية دينية «قومية» تعجبها وتناقض «قومية» غيرها.

إنّ أعظم تفسخ وتفكك، تصاب بهما أمة من الأمـم، هما التفسخ والتفكك الناتـجان عن تـحويل الطوائف إلى «أمـم» بالـمعنى الـحرفي، وتـحويل الـحزبيات الدينية الـمتعددة إلى «قوميات» تتضارب في الأهداف بين انفصالية انعزالية ضيقة، تقلصية، خانقة واتصالية اتـحادية منفلتة، مشتّتة ومضيعة. وإنّ أغرب سفسطة من سفسطات الرجعية الـجديدة هي محاولتها التوفيق الظاهري، الشكلي، بين «قوميتين» رجعيتين بإنشاء «القومية الـمتراوحة» التي يـمكن أن تكون مدة تقلصية ومدة أخرى انتفاخية، كـأن تقـول «حـزب بيـروتـي، قومـي، لبنـاني، عـربي» أو «حــزب عـربــي، قـومــي، إنساني» أو «حزب عربي، قومي، لبناني» أو «حزب لبناني، قومي، عربي» وتضاف إلى هذه «القومية الـمتراوحة» كل النعوت التي تنتحلها الرجعية الـجديدة وتـحوّلها إلى «موضة دارجة»!

من الأمور التي تصعق العقل السليم: أن يبرز عالِم أو أديب من علماء الاجتماع الرجعي وأدباء التفكير النايو رجعي فيؤلف كتاباً أو يكتب مقالاً أو يلقي محاضرة في أضرار الطائفية ويخلص في معالـجة هذا الداء الفتاك إلى القول بوجوب الإخلاص «للأوطان» و«القوميات» التي أنشأتها الطائفية أو أنشأتها الإرادات الأجنبية للطائفية منعاً للشباب الـجديد من الاتـجاه نحو الوطنية الصحيحة والقومية الـحقيقية الأصلية التي لا يـمكن أن تزول الطائفية إلا بالاتـجاه إليهما!

إنّ علاج الـحزبية الدينية بالدعوة إلى تأييد أهداف الـحزبية الدينية السياسية هو علاج علماء وأدباء مـمخرقين. فلا يقضى على الـحزبية الدينية إلا بالقضاء على عقليتها وطرق تفكيرها، وعلى قضاياها الاجتماعية والسياسية من «وطنية» و«قومية». عبثاً يطلب الأدباء الـمرضى بالطائفية محو الطائفية بالدعوة إلى أهداف سياسية طائفية وإلى «القوميات» الاصطناعية التي ولدتها العقلية الرجعية بتفكيرها النايو رجعي.

إنّ في البلاد تضارباً في الأهداف وتصادماً في الـحزبيات الدينية وقضاياها الرجعية. وهذان التصادم والتضارب يسببان نفيين وأكثر. ولكن غرض النفيين ليس ما صوّرته العقلية الشرقية بشكليتها الغربية من أنه «رفض الغرب رفض الاستعراب» بل هو رفض كل من الـحزبيتين الدينيتين الرئيسيتين أهداف الـحزبية الدينية الأخرى «القومية» والسياسية! فماذا تفيد الأمة الدعوة إلى رفض التعصب الديني وقبول التعصب لأغراض التعصب الديني؟!

لا يكون التخلص من الـحزبية الدينية إلا بالتخلص من قضاياها «القومية» السياسية والـحقوقية. فمحاولة محو لفظة «التعصب الديني» فقط مع الإبقاء على كل قضايا التعصب الديني وأهدافه، اعتقاداً بأنّ العلّة هي في اللفظة لا في الـمبدأ وقضاياه، هي محاولة نايو رجعية انحطاطية باهرة بقدر ما هي عقيمة!

إنّ «القوميـة» الطائفيـة و«الوطنيـة» الطـائفيـة و«الـحريـة» الطائفية و«التقـدميـة» الطائفيـة و«الإصـلاح» الطائفي و«الـمثالية» الطائفية و«الـمحبة» الطائفية و«الدولة» الطائفيـة و«الـحكم» الطـائفي و«اللاطائفيـة» الطائفية وبقيـة قضـايـا الـحـزبيـة الدينية والتعصب الديني لا يـمكن أن تقضي على الـحزبية الدينية والتعصب الديني، بل بالعكس، هي قضايا تـحيي الـحزبية الدينية وتذكي التعصب الديني وتقتل الأمة وتخرب الوطن!

القضاء على التعصب الديني ومحو لعنة الـحزبية الدينية يكونان بالاتـجاه إلى الأرض وترابـط جبـالهـا وسهـولهـا بـأنهرها، وإلى الشعب بنسيجه الدموي وتفاعله اليومي في الـحياة مع الأرض - بـإدراك أنّ الـحزبية الدينية تصرفنا عن واقع الوطن وتشوه حقيقة الأمة.

الـحركة الوحيدة التي قضت على الـحزبية الدينية ومحت التعصب الديني من صفوفها هي الـحركة التي استمدت وجودها من الأرض والشعب بكل ملله وطوائفه - الـحركة التي سارت بالـمحبة للأرض والشعب - للشعب كله بجميع فئاته الـمتقدمة والـمتأخرة الـمتعلمة والـجاهلة الـمثقفة وغير الـمثقفة.

هذه الـحركة هي الـحركة القومية الاجتماعية.

أما التكتلات والتشكيلات التي نشأت من بعض أجزاء الشعب - من الطائفية - معلنة الـمحبة ومبطنة البغض والـحقد فهي تـحمل لعنة الـحزبية الدينية التي تسير بها و«بقومياتها وأوطانها ومثاليتها وحرياتها» إلى القبر!

الـحركة القومية الاجتماعية هي حركة صراع لأنها حركة حرية، وحركة انتصار لأنها حركة حق. الويل للحركات الطائفية من الـحركة القومية الاجتماعية والويل لتكتلات الأحقاد من حركة الـحرية والواجب والنظام والقوة!

 

 

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro