مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
الحزبية الدينية في سورية وويلاتها
 
 
 
جريدة الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 63، 1943/7/15
 

 

لا مشاحة في أنّ الـحزبية الدينية لا تزال من أعظم مشاكل سورية الداخلية ومن أكبر العراقيل التي تعترض سير النهضة القومية الاجتماعية في سورية. وقد عالـجت الصحافة القومية الاجتماعية في الـماضي بعض الـمسائل التي أثارتها تلك الـحزبية الـمشؤومة، ونريد الآن أن نعالج الـمسألة الـجديدة القديـمة الناشبة بين مؤسسات وأوسـاط التعصـب الـحزبي الديني الـمحمدي وحكومة «الـجمهورية اللبنانية». فقد ورد مؤخراً في برقية عن أنقرة صادرة في 10 مايو/أيار الـماضي أنّ «أخباراً من بيروت تعرف أنّ قصد الـحكومة إرصاد عدد من الـمراكز في الـمجلس الذي سيتشكل قريباً، للبنانيين الـمهاجرين، قد أثار غضباً شديداً في أوساط لبنان الـمحمدية، والسبب هو في أنّ كل هؤلاء الـمهاجرين تقريباً، الذين يعيش معظمهم في أميركة الشمالية والـجنوبية، هم مسيحيون. وتصف الأوساط الـمحمدية الـمذكورة تدبير الـحكومة «بأنه ضد مصالـحها الطائفية في الـمجلس، والـمسألة تشمل نحو ثمانين ألف مهاجر.»

 

الـخبر يكاد يكون غريباً، وإنه لغريب لكل من لا إطّلاع له على مجرى الأمور ودخائل القضايا في الوطن.

 

لكـن مهما ظهـر هذا النبأ غريباً فهو الواقع. وهـذه حقيقة محزنة، لأن هذه الـحوادث هي ذريعة الانفصاليين والداعين إلى اليأس وحجة الـمسيحيين على تعصّب الـمحمديين الديني على «استحالة التفاهم والاتفاق مع الـمحمديين»، التي يوردونها كلما دعا داع من القوميين الاجتماعيين إلى توحيد الصفوف والتآخي القومي.

 

ليسـت هذه أول مـرة تظهـر فيها هذه الظاهرة النكراء من قِبل بعض الأوساط الرجعية من الـمحمديين، ففي سنة 1937 رفعت فئة من هؤلاء الرجعيين، تسمي نفسها «الـمجلس القومي الإسلامي»، عريضة إلى الـمفوض الفرنسي - إلى مفوض الدولة الأجنبية الـمحتلة البلاد! - تستنكر فيها عزم حكومة لبنان على تسوية مشكلة جنسية الـمهاجرين بـما يبقي لهم حقوقهم في الانتساب إلى وطنهم، وتـحتج على هذه الفكرة، وتـحارب بجميع الـحجج الباطلة والصحيحة حفظ حقوق الـمهاجرين السوريين من لبنان في الهوية التابعة للأوضاع الـحاضرة في الوطن وإليك نص العريضة، منقولاً عن عدد جريدة النهار الصادر في 13 فبراير/شباط 1937:

 

«يا فخامة السفير

 

«إنّ الـمسلمين، رغم تعلقهم بـمبدأ الوحدة قد قنعوا بالتريّث في تـحقيقها، ريثما تتهيأ أسبابها وظروفها باعتبار أنّ قضية الوحدة قضية زمن فحسب وأنّ إحقاق الـحق والـمساواة بين الطوائــف في الـجمهوريــة اللبنانيــة أمر ضمنته الوعود التي قطعتـهـا حكـومـة فـرنسـة، ووعـودكم الشخصيــة ونصوص الـمعاهــدة الفرنسيــة اللبنانيـة.

 

«على هذا الأساس إستقبل الـمسلمون الوضع الـحاضر بأمل وتفاؤل، غير أنه جاء بالبيان الوزاري ما يصح أن نسمّيه مفاجأة إعادة شعور القلق والتشاؤم إلى نفوس الـمسلمين، إذا تلمّسوا فيها بوادر الرجوع إلى خطة قديـمة مرسومة. ولقد رأينا، اتباعاً لـخطة الصراحة التي تعودتـموها منا، أن نُفضي إليكم بـما يساور نفوسنا من القلق لهذه البوادر فتتخذوا منذ الآن ما يحول دون تـحقيقها ويزيل الـمخاوف من النفوس لكي يـمكن الوصول إلى استقرار يصح السكوت عنه.

 

«إن البيان الوزاري الـمؤرخ في 4 شباط 1937 تضمَّن فقرة خاصة بالـمهاجرين تقول فيها الـحكومة «إنها تسعى لتصل إلى حل نهائي لـمشكلة الـجنسية.»

 

«إن فخامتكم تعلمون أنّ الركن الرئيسي الذي يقوم عليه النظام السياسي في لبنان هو نسبة عدد الطوائف بعضها إلى بعض، لذلك كانت قضية عدد السكان والنسبة بين طوائفهم قضية حيوية بنظر الـمسلمين خاصة، لأن على أساسها تتوزع الـحقوق ومنها يجب أن يبتدىء الإنصاف الذي يطلبون، والذي وُعدوا به، والذي عليه يتوقف الاستقرار، إستقرار ينشده أبناء البلاد جميعاً وتسعى إليه فرنسة.

 

«وبعد، فلو كان ما ورد في البيان الوزاري يعني السعي لعودة الـمهاجرين إلى هذه الديار ليشتركوا في خدمتها ويتمتعوا بحقوق الوطن ويقوموا بـما عليهم من فروض وواجبات لكنّا أول من يرحبون بهذا السعي.

 

«ولكنّ لهذه القضية وجهاً آخر يتلخص بتضخيم بعض الطوائف تضخيماً وهمياً على حساب طوائف أخرى. وهذه خطة قديـمة اتُّبعت في الـماضي وكانت عاملاً كبيراً من عوامل التبرم والتذمر والاضطراب.

 

«إنّ قضية الـمهاجرين اللبنانيين قد بُتَّ فيها دولياً بـموجب معاهدة لوزان في الـمواد 30 وما يليها، وقد جاء في هذه الـمواد أنّ العثمانيين الـموجودين في الـمهاجر من أبناء البلدان الـمنسلخة عن السلطنة العثمانية (واللبنانيون منهم) لهم الـحق أن يطلبوا التجنس بجنسية بلدهم الـمنسلخ عن السلطنة، أو بجنسية البلد الذي يقيمون فيه، وقد أُعطوا مهلة سنتين انتهت في 11 آب سنة 1924 لاستعمال حق الاختيار الـمذكور. وبعد انقضاء هذه الـمدة إذا لم يستعملوا هذا الـحق يُعتبرون محتفظين بجنسيتهم العثمانية القديـمة.

 

«ولقد تبيّن، بعد انقضاء الـموعد الـمضروب في معاهدة لوزان أنّ عدد الذين طلبوا الـجنسية من الـمهاجرين كان ضئيلاً. فقد آثر معظمهم عدم اختيار الـجنسية اللبنانية، في حين أنه كان من الـمنتظر عكس ذلك، أي كان منتظراً أن يعود الـمهاجرون اللبنانيون إلى وطنهم ويجدّدوا صلتهم به بعد الانقلاب، إذ زالت السيطرة العثمانية عن بلدهم وحلّت فيه فرنسة حامية ووصية ومنتدبة.

 

«على أنّ انصراف أولئك الـمهاجرين عن اعتناق الـجنسية اللبنانية في تلك الظروف التي كان مفهوماً لديهم خاصة أنها ملائمة لهم متفقة مع مصلحتهم وأمانيهم، قد أكد انصرافهم عن النظر إلى لبنان كوطنهم الـحقيقي وبيَّن عزمهم على اتخاذ مهجرهم وطناً نهائياً لهم.

 

«وإنّ مشيئة هؤلاء الـمهاجرين الصريحة بعدم اختيار الـجنسية اللبنانية وتثبيت هذه الـمشيئة دولياً بـموجب معاهدة لوزان وانقضاء الـمهلة الـممنوحة في الـمعاهدة، كل هذا جعل مسألة جنسيتهم أمراً مبتوتاً فيه من الوجهة القانونية الدولية. فإعادة البحـث في هـذا الـمـوضـوع يكـون مناقضاً للأمر الـمقضي ومنافياً للحقوق الـمكتسبة للطوائف الـمقيمة في هذه البلاد.

 

«ولا يـمكن أن يُفهم منه إلا أنه في النية العودة إلى خطة التضخيم القديـمة التي كان من جملة مساوئها أن قُيّد كثير من الـمهاجرين في عداد الغائبين مؤقتاً عن البلاد، في حين أنهم انفصلوا مختارين جنسية وفعلاً عن لبنان وقد قضوا خارجه مدة لا تـجيز اعتبارهم غائبين مؤقتاً.

 

«لقد كان، يا صاحب الفخامة، من وراء هذه الـخطة اللبقة ضياع حقوق سياسية للمسلمين في بلد يقوم فيه التمثيل الانتخابي وتوزيع الـحقوق على نسبة عدد الطوائف بعضها إلى بعض.

 

«وبينما نعتقد أنّ الدور الـحاضر سيزيل الـحيف الـموروث عن مثل هذه الـخطة القديـمة، إذا بالبيان الوزاري يعيد إلى نفوس الـمسلمين القلق الذي أشرنا إليه في صدر هذا الكتاب ويحملهم على الاعتقاد أنّ تنفيذ خطة التضخيم سيكون أشد خطراً وأوسع مدى في هذا العهد مـما كان عليه في السابق.

 

«إنّ الـمسلمين في هذه البلاد لا يريدون أن يغمطوا حق أحد، ولا هم يريدون أن يأخذوا أكثر من حقهم، ولكن في الوقت نفسه لا يريدون أن تُغمط حقوقهم بأساليب لبقة دقيقة من هذا النوع.

 

«إنّ الـمسلمين يرون أنّ حسن النيّة في هذا الـموضوع لا يـمكن إثباته لدى الـجميع إلا بأن تكل الـحكومة أمر الإحصاء الـمقبل إلى خبيرين فنيين من الأجانب (كذا!) الـموثوق بتجردهم، كما فعلت كثير من الدول الفتية قطعاً لكل اعتراض وشكوى على أن لا يدخـل في هذا الإحصاء من الـمهاجرين إلا من ثبت أنهم اختاروا الـجنسية اللبنانية بصورة صحيحة وفاقاً لنصوص معاهدة لوزان.

 

«إنّ هذا الإحصاء النزيه وحده يعطي الأكثرية لأصحابها، هذه الأكثرية التي يدّعيها الطرفان معاً، والتي طالـما صرّحت بعض الـمقامات الـمحترمة بأنها لطائفة وليست لأخرى.

 

«وتفضلوا، يا فخامة السفير بقبول فائق الاحترام.»

 

                                                                     «في 8 شباط 1937» انتهت.

 

 

في العـريضة الـمثبتـة آنفـاً نـجد الـموقف الواضح للفئة التي سمّت نفسها «الـمجلس القومي الإسلامي» وأرادت أن تنزلها منزلة التعبير عن إرادة الـمسلمين الـمحمديين جميعهم (وسنبحث قيمة هذه التعبير في مايلي) وجمعت فيها جميع الـحجج التي يـمكن إيرادها لتأييد وجوب الاستغناء عن بضع مئات أو عشرات ألوف من أبناء الوطن الـمغتربين لـمجرد أنهم مسيحيون وإبقاء جنسيتهم يـمكن أن يُضعف تأييد بعض الطامعين في وظائف الـحكم من الـحزبين الدينيين. فلننظر في الـحجج الواردة في العريضة ونفحص جوهرها.

 

تبتدىء العريضة بتوكيد تعلّق الـمحمديين «بـمبدأ الوحدة» من غير أن تعيّن أية وحـدة تعنـي، هـل هي الوحدة السورية أم الوحدة العربية؟ ولكننا نرجح أنها تعني الوحدة السورية، إذ لا يوجد بين الطوائف الـمحمدية في لبنان من يرفضها، إلا أن يكون مـمالئاً أو نفعياً. ومع ترحيبنا بفكرة الوحدة السورية التي هي الفكرة الوحيدة التي تـمثّل حقيقة شعبنا وتشق له طريق السيادة والارتقاء أيّاً كان مصدرها ومهما كانت العوامل الوقتيـة الدافعـة إليها عند فئات معينة، فلا يـمكننا إزالة النفرة من الأسباب الدينية التي تدفع فئة «الـمجلس القومي الإسلامي» إلى طلب الوحدة التي لا ترى فيها غير الوحدة الدينية، كما هو واضح من أغراض العريضة وحججها، ولا مَحْو الاشمئزاز من الالتجاء إلى سلطة أجنبية ومن الاستناد إلى نصوص معاهدة فرضت على الشعب فرضاً بحيث يكون الاستناد إلى الـمعاهدة إعترافاً بها.

 

تنتقل العريضة إلى بحث مسألة الـمهاجرين من لبنان الذين هم سوريون ويجب الاحتفاظ بجنسيتهم السورية أو بالهويات الفرعية التي جزأت الإرادة الأجنبية سورية إليها، فتتناول هذه القضية الـحيوية الـخطيرة من وجهة نظر ديني بحت وتـجعل نظام لبنان الطائفي الـموقت الأساس اللازم لبحثها. فتقول تلك الفئة الرجعية إنه بـما أنّ نسبة عدد الطوائف بعضها إلى بعض هو الركن الرئيسي الذي يقوم عليه نظام لبنان الفاسد فإن استبقاء جنسية الـمهاجرين من لبنان يجب أن لا يكون، ويجب أن لا يكون لهم اشتراك في مسائل لبنان لكي يتسنى للطوائف الـمحمدية أن تكتسب حقوقاً أوسع في الـمجلس. وهذا الرأي يفتح قضية من أغرب القضايا التي تتصارع فيها القومية والـمذهبية الدينية. فإن طلب ترك ما يزيد على مئة ألف مهاجر يـمدون أهلهم وأقربائهم في الوطن ومشاريع الوطن نفسه بالـمساعدات ويـمكن أن يكونوا قوة لوطنهم في الـخارج وفي الداخل لهو من أدعى الأمور إلى الدهشة لـما فيه من الغفلة عن الـمصالح القومية العامة في مجرى التاريخ وفي الـمستقبل القومي الذي يجب أن تذوب فيه قضية «نسبة عدد الطوائف بعضها إلى بعض» في قضية «النمو القومي وحشد القوى السورية جميعها في الداخل والـخارج لشق طريق الـحياة والسيادة والسؤدد لسورية.»

 

تـحتج العريضة بالقول إنّ البيان الوزاري لم يشتمل على خطة صريحة لإعادة الـمهاجرين إلى وطنهم. وأصحاب العريضة لا يفهمون أنّ حفظ الـجنسية هو شرط أولي لإمكان العودة في الظروف الـمناسبة، وأنّ مشروع استقدام الـمغتربين ليس أمراً يـمكن الـحكومة اللبنانية تقريره، لأنه يتناول مسائل اقتصادية خارجة عن صلاحية الـحكومـة اللبنانيـة التي لا سيادة لها تخوّلها البتّ في هذه الـمسائل. وليس صحيحاً أنّ أصحاب العريضة يرحّبون بعودة الـمغتربين الـمسيحيين الذين يزيدون نسبة عدد الطوائف الـمسيحية، لأنه ما دام الـموضوع قائماً على «نسبة الطوائف بعضها إلى بعض» فـلا يوجد طائفة تشتهي أن يزيد عدد غيرها لا زيادة حقيقيــة ولا زيـادة وهمية. ومسألة عودة الـمغتربين تتطلب تشريعاً لـحماية الرأسمال القومي. وهذا أمر لا تـملكه الـحكومة اللبنانية، ولا الـحكومة الشامية، ولا أية حكومة بلدية أقامها الاستعمار الـمسمى انتداباً. فكم من مغترب عاد إلى وطنه ليوظف رأسماله فيه فخسر ما حصّله في عقود من السنين بالكد والكدح؟ وكم من مغترب عاد إلى الـمهجر يائساً، حزيناً، لأنه لم يجد ما يضمن له توظيف ماله في وطنه ليحيا ويعمل فيه؟ فإلغاء جنسية هؤلاء الـمغتربين الأمناء لوطنيتهم، لأنهم لا يتمكنون من الإقامة والعمل في وطنهم، أمر لا يستند إلى حق ولا تسوغه الروحية القومية الصحيحة ولا تقبله غير عقلية «النسبة الطائفية».

 

تتطرق العريضة إلى الاستناد إلى معاهدة لوزان الـجائرة التي تعتبر مؤامرة على وحدة الشعب السوري وعلى القومية السورية وقواها في الـخارج لتثبت أنه لا وجه لإعادة النظر في مسألة الـمغتربين الذين لم يسجلوا أسماءهم في القنصليات الفرنسية ضمن الـمدة التي نصّت عليها معاهدة لوزان الـمشؤومة. ولا يريد أصحاب هذه العريضة الغريبة في بابها أن يبحثوا الدوافع الوطنية التي دفعت كثيراً من الـمغتربين إلى الإحجام عن تسجيل أسمائهم في القنصليات الفرنسية. فأكثر الـمغتربين الذين لم يسجلوا أسماءهم امتنعوا عن التسجيل لاستغرابهم ما تفرضه عليهم تلك الـمعاهدة الـمذلة ولإبائهم الـخضوع للتدابير الفرنسية والالتجاء إلى القنصليات التي كان لها في معاملتهم قضايا لا مجال لفتحها الآن. وبين رافضي التسجيل عدد من الـمغتربين الـمحمديين والدروز فجميع هؤلاء القوميين الشرفاء يجب أن يخسروا جنسيتهم وحقوقهم في وطنهم لأن الفئة التي تسمي نفسها «الـمجلس القومي الإسلامي» توافق على معاهدة لوزان التي عاملت مواطنيهم الـمغتربين معاملة الإهانة والتحقير، وعلى جميع الاتفاقات التي تـحرم الأمة السورية جماعة كبيرة قوية من أبنائها، بينهم مئات وألوف من غير الـمسيحيين، فأصحاب العريضة يريدون أن يضحّوا بكل الاعتبارات القومية وبجميع السوريين في الـخارج من أجل تأييد ارتفاع «النسبة الطائفية» إلى ما يشاؤون منها!

 

لا غرو، فهذا هو منطق «القومية الدينية»!

 

إلى هذا الـمنطق وإلى هذه الأسباب عينها تستند أعمال التهييج الـجديد في الأوساط الـمحمدية في لبنان للحؤول دون تنفيذ مشروع الـحكومة الرامي إلى منح اللبنانيين الـمغتربين حق التصويت وانتخاب مـمثلين لهم في الـمجلس.

 

بعد التحليل الـمتقدم لـموقف فئات الرجعة الدينية والـحزبية الدينية الـمحمدية، هل يجب أن نستنتج أنّ التعصب الديني موجود في الأوساط الـمحمدية فقط، وأنّ الـحزبية الدينية لا وجود لها إلا فيها، وأنّ اللوم يقع على أصحاب العريضة النكراء التي رفعت [سنة] 1937 إلى الـمفوضية الفرنسية؟

 

لا شك في أنّ أصحـاب الرجعة الدينية والـحزبية الدينية الـمسيحية يريدون أن يعتقد العالم أنّ هذه هي الـحقيقة. ولكن الواقع يخالف هذا الاستنتاج. فالذي لا جدال فيه أنّ الـحكومة اللبنانية لم تفكر في هوية الـمهاجرين من لبنان لغرض قومي أو وطني بل لغاية حزبية طائفية فقط.

 

الـحكومة اللبنانية التي وجدت بفضل الـحزبية الدينية والطائفية والفئة التي سمّت نفسها «الـمجلس القومي الإسلامي» تتخاطبان بلغة واحدة وعقلية واحدة وأسلوب واحد. فالـحكومة اللبنانية التي أكثر أعضائها مسيحيون أو يجب، في عرف طائفيتها الـممقوتة أن يكونوا كذلك، لم تلجأ إلى الاهتمام بأمر جنسية الـمهاجرين، إلا عندما رأت أنّ عدد السكان الـمحمديين صار يهدد غاية الـحزبية الدينية الـمسيحية من وجود «الدولة» اللبنانية الـمنفصلة. فإن الـمهاجرة من لبنان، وأكثرها مسيحية، أنقصت الزيادة النسبية الـمسيحية في عدد الطوائف. وما تـجرّه الـمهاجرة من نقص الـمواليد أيضاً في الـجانب الـمسيحي مع بقاء نسبة الـمواليد الـمحمدية في ارتفاع بسبب قلة الـمهاجرة من الطوائف الـمحمدية جعل قضية الدولة الـمسيحية في لبنان في خطر كبير.

 

لهذا السبب لا لغيره تنشأ الـمشادّة بين الـحزبيتين الدينيتين، الـمحمدية والـمسيحية، في «دولة» لبنان، التي أرادت الـمقامات الدينية الـمسيحية أن تكون «دولة مسيحية»، ولذلك صارت الطائفية أساسها. فأوساط الرجعة الـمحمدية تقاوم الاحتفاظ بجنسية السوريين الـمهاجرين من لبنان ومنحهم حقوق الانتخاب والتمثيل في الـمجلس النيابي اللبناني، لأن ذلك يفقدها الامتيازات التي يـمكن أن تـحصل لها بسبب تناقص الطوائف الـمسيحية بعامل الـمهاجرة. وأوساط الرجعة الـمسيحية تريد تـحقيق تلك الغاية للأسباب التي عرضت لها عريضة الفئة الـمسماة «الـمجلس القومي الإسلامي». وهي أسباب حقيقية، وإن كانت لا تـجيز للفئة الـمذكورة اتخاذها ذريعة لطلب تـجريد الـمغتربين من هويتهم، الذي يعني إفقاد الوطن قوى هامة ضرورية للعمل القومي العام الذي توضحه الـحركة السورية القومية الاجتماعية.

 

ولا يظنّنّ الـمسيحيون أنّ الفئات الـمحمدية الرجعية التي هي من نوع فئة «الـمجلس القومي الإسلامي» هي كل الـمحمديين أو مـمثلة لـجميع رغائبهم. فإن النهضة السورية القومية الاجتماعية قد برهنت على وجود عناصر محمدية قابلة التفكير القومي الصحيح ولـمحاربة الـحزبية الدينية في أوساطها. ولا يظننّ الـمحمديون أنّ حزبية الـحكومة اللبنانية الدينية تـمثل التفكير الصحيح لـجميع الأوساط الـمسيحية. فقد برهنت الـحركة السورية القومية الاجتماعية على وجود عناصر مسيحية صالـحة للتفكير القومي الصحيح ونبذ السياسة الدينية الطائفية في القضايا القومية.

 

بناءً على الشروح الـمتقدمة نقول إنّ وجهة النظر السورية القومية الاجتماعية تعتبر وجهتي نظر الـحزبيتين الدينيتين، الـمسيحية والـمحمدية، في لبنان وفي كل بقعة سورية أخرى، خاطئتين ومسؤولتين عن كل شقاق وهياج ديني يسببه تزاحمهما، وعن كل خسارة قومية تنتج عن مقاومة إحداهما الأخرى. وفي الوقت عينه يـمكن، من وجهة النظر القومية الاجتماعية، قبول نزعة الأوساط الـمحمدية في لبنان إلى الوحدة السورية، مع رفض الأسباب الـحزبية الدينية الداعية إليها، وقبول نزعة الـحزب الـمسيحي في الـحكومة اللبنانية لـحفظ حقوق الـمغتربين وهويتهم وتوثيق عرى اتصالهم بوطنهم، مع رفض الأسباب الـحزبية الدينية الباعثة عليها.

 

وإننا، لزيادة الإيضاح، نقول إنه لا داعي للتخوف من هذه الـمظاهر الـحزبية الدينية، لأنها ليست قائمة على أسباب دينية، بل على أسباب سياسية شخصية مختصة بالأشخاص من الـمسيحيين والـمحمديين الذين لهم مطامع في الـحكم، وليس لهم وسيلة غير الطائفية لينفّذوا بواسطتها مطامعهم ولو خربت الأمة في الشقاق الديني. ولنا أدلة كثيرة على ذلك منها أنّ الـحكومة اللبنانية التي احتجت عليها عريضة الفئة الـمدعوّة «الـمجلس القومي الإسلامي» كان على رأسها رجل محمدي، هو خيرالدين الأحدب، الذي أوعز إلى مؤيديه من الـمحمديين بإنشاء فئة أخرى محمدية لـمناوأة فئة «الـمجلس القومي الإسلامي»، فأنشئت الفئة التي عرفت باسم «الـمجلس الإسلامي الأعلى». وهكذا في الأوساط الـمسيحية إنحازت فئة الـمعارضة لأميل إده إلى الاتفاق مع أعضاء «الـمجلس القومي الإسلامي»، الذين منهم أمثال رياض الصلح، في مواقف عديدة.

 

فئتا الـحزبية الدينية تنافقان في الدين وفي الوطنية. والـحزب السوري القومي الاجتماعي ينادي جميع الـمخلصين إلى الاتـحاد في مبادئه القومية الاجتماعية لتقويض الـحزبية الدينية وإزالة الـحالة السيئة التي وصلت إليها الأمة من جرّائها، ولإنشاء العهد القومي الاجتماعي الـجديد الذي تنهض فيه الأمة السورية كلها، لاستعادة سيادتها وحقوقها التي هضمتها الإرادات الأجنبية الـمحالفة للحزبية الدينية في وطننا.

 

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro