مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
تدخّل الدين في الدولة
 
 
 
جريدة الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 48، 1942/7/15
 

 

في أخبار الوطن الأخيرة الواردة بطريق الولايات الـمتحدة التي تناقلتها الصحف السورية في أميركا الـخبر التالي:

 

 

«إحداث مقام محمدي أعلى بسورية»

 

«دمشق ــــ اتّخذ الـمؤتـمر الـمحمدي العلمي القرارات الآتية:

 

1 ــــ إحداث مقام أعلى يكون مرجعاً لـجميع الشؤون الدينية ويشارك الوزراء في مقرراتهم. ولا يتبدل بتبدلهم على أن يوضع له نظام خاص يتعلق بكيفية انتخابه وصلاحيته بعد قبول هذا الـمبدأ من لدن الـحكومة.

 

2 ــــ إعادة نقابة السادة الأشراف في حلب وزيادة عدد أمناء الفتوى والـمدرّسين وجعل رواتب الـمفتين بحسب درجاتهم.

 

3 ــــ عدم انتخاب الـحكام الـمدنيين ليحلّوا محل القضاة الشرعيين وملء الشواغر في الـمحافظات.

 

4 ــــ أن يكون للمفتين وحدهم حق إعطاء وثيقة بالوعظ والإرشاد للعلماء الذين هم أهل لذلك.

 

5 ــــ أن يكون للمفتين حق مراقبة التدريس الديني والـمدارس الدينية وألا يعيّن مدرّس إلا بعد الفحص أمام لـجنة مؤلفة من أربعة علماء برئاسة الـمفتي.

 

«وقد خوّلت اللجنة الإصلاحية التنفيذية جميع الـحقوق للمطالبة بتنفيذ مقررات الـمؤتـمر».

 

يظهر من الـخبر الـمتقدم أنه كما في لبنان كذلك في الشام. ففي لبنان سعى الإكـليروس الـمسيحـي سعيـاً حثيثـاً للتـدخـل في جميـع شـؤون «الدولـة» السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولغرس الاعتقاد في نفوس الشعب بأن لبنان وطن الـمسيحيين ودولتهم. وفي هذه الـحالة يصير مركز الإكليروس الـمسيحي قوياً جداً.

 

وفي الشام لم يكن خافياً وجود نزعة لـحسبان هذه الـمنطقة وطن الرسوليين ودولتهم. وعلى هذا الاعتقاد استند جميع الـمتنفذين الطامعين في الـحكم لتأييد نفوذهم. فيروى بتأكيد عن السيد فخري البارودي «زعيم الشباب» أنه كان يخرج، عندما يرى لزوماً لتقوية مركزه، فينادي العامة قائلاً ــــ: «يا أمة محمد» وأنه يعدّ هذا النداء نداءً «وطنياً». والظاهر أنّ الإكليروس الـمحمدي لا يريد أن يترك للإكليروس اليسوعي أمراً يحسد عليه فاتخذ مؤتـمر «العلماء» القرارات الـمثبتة آنفاً. وقد يكون شجعه على اتخاذها وجود شيخ ديني على رئاسة «الدولة» وبعض خطابات هذا الرئيس الدال على أنه هو أيضاً يرى أنّ «دولة» الشام دولة محمدية أي دولة دينية للأكثرية الدينية.

 

إنّ إحداث مقام أعلى يكون مرجعاً لـجميع الشؤون الدينية، كالبطريرك أو البابا عند الـمسيحيين، هو شأن من شؤون التنظيم الديني البحت الذي لا احتجاج عليه. وقد يوجد هذا «الـمقام الأعلى» في وظيفة الإفتاء، فكان «مفتي الـجمهورية» مرجعاً أعلى للشؤون الدينية، وإذا أراد الإكليروس الـمحمدي أن يكون له غير هذا التنظيم الديني فله ما يريد. أما أن يكون الـمقام الديني الأعلى الـمقترح إيجاده «مشاركاً الوزراء في مقـرراتهـم» فـأمر آخر لا يتعلق بالتنظيم الديني بل يتعلق بتنظيم الدولة. وما رمى إليه علماء الدين الـمحمدي الشاميون في اقتراحهم هو شيء في غاية الـخطورة وقبوله يجعل قبضة رجال الدين على شؤون الدولة قبضة شديدة. وتزداد قوة هذه القبضة بطلب الـمقترحين جعل صاحب الـمقام الديني ثابتاً في الوزارة لا يتبدل بتبدل الوزراء، فيصبح الوزير الديني الدائم أقوى مركز حكومي في الدولة، وتصبح السلطة الدينية على جميع شؤون الدولة أقوى سلطة.

 

قبول هذا الاقتراح، يجعل، عدا ما ذكر آنفاً، الوطنية نفسها مرتبطة بالـمذهب الديني. وهذه الـحالة هي أفضل حالة للمطامع الاستعمارية في سورية، فدولة مسيحية ودولة رسولية يجعل مباراة هاتين الدولتين واحتكاكهما وتزاحمهما وسيلة لتدخّل الإرادات الأجنبية تدخلاً واسعاً في البلاد والتأثير على أهلها.

 

الـمقـررات الأخـرى التي يقتـرح مـؤتـمـر علمـاء الـديـن العمـل بها لا ترمي إلا إلى توسيع تدخّل رجال الدين في الـمسائل العمومية التي ليست من شؤون الدين البحت. فالاقتـراح الثالث الذي يطلب عدم العدول عن القضاة الشرعيين الدينيين إلى رجال القضاء الـمدني، هو اقتراح يرمي إلى إبقاء القضاء في أيدي رجال الدين زيادة في سلطتهم ونفوذهم، فيكونون هم مرجع الشؤون الـمختصة بالـحقوق الـمدنية كالعقود وجميع ما يدخل فيها من الأحوال الشخصية، وهو ما يحدد الـمجتمعات الدينية في الوطن تـحديداً يشبه التحجر، لأنه يـمنع التطورات الـحقوقية الـمدنية ويزيد الـحواجز بين الـملل التي تتألف منها الأمة الواحدة.

 

الاقتراح يجعل إصدار وثيقة الوعظ والإرشاد إلى علماء الدين من حق الـمفتين فقط هو من أمور التدقيق في التنظيم الإكليريكي وتقوية سلطة الـمراجع الدينية وأهم منه الاقتراح الـخامس الأخير فمراقبة الـمدارس الدينية والتدريس الديني كله من قبل المفتين، إذا أجيزت لهم بقانون، صارت من أعظم عقبات التربية القومية الـمدنية.

 

ونـذكـر بهـذه الـمنـاسبـة أنّ مثل هذا الطلـب طلبـه البطريـرك الـماروني في لبنان في خطابه أواخر سنة 1937 وكان من جملة القضايا التي رد فيها زعيم الـحزب السوري القومي الاجتماعي على البطريرك.

 

إنّ مراقبة التدريس الديني يجب أن تكون من قبل الإدارة القومية الـمجرّدة عن التحمس والهوس الدينيين التي يجب أن يكون غرضها منع حصول التحمس الديني بواسطة التعليم، لأن حصوله يضر بالقومية الصحيحة ويباعد بين أبناء الوطن الواحد، ويجعل تشبث كل فريق منهم بوجهة نظر دينه في مسائل الاجتماع والـحياة الـمدنية من عوامل التفرقة القومية، كما كانت الـحال حتى اليوم، ويكفي الأمة ما لاقته وتلاقيه من هذه الشرور.

 

إنّ جوهر الاعتقادات الدينية وهي الـمختصة بالإيـمان بالله والـخلود والـحشر هو شيء لا تعقّد فيه ولا يـمكن أن يحصل فيه غلط، ولكن الـمسائل الدنيوية التي يتناولها التعليم الديني ويجمدها تـجميداً تاماً هي الـمسائل الـخطرة التأويل. وتأويلها يجب أن يكون تـحت مراقبة إدارة الدولة التي يجب أن يكون من صلاحيتها ومسؤولياتها إيجاد وسائل التقدم الفكري في القضايا الإنسانية، وضمانة تساوي الـحقوق الـمدنية، وإزالة تناقض الاعتقادات الاجتماعية في الأمة الواحدة، أي العمل بالـمبدأ السادس الأساسي والـمبادىء الأول والثاني والثالث الإصلاحية من مبادىء الـحزب السوري القومي الاجتماعي.

 

إذا أجازت حكومتا لبنان والشام مطامح رجال الدين، وأقرّت مطاليبهم الرامية إلى جعل الدولة تـحت سلطة الـمؤسسات الدينية، فإنها تزيد الـمشاكل التي ستتركها للعهد القومي الاجتماعي الـمقبل.

 

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro