مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
الفتنة الدينية بين سوريي الأرجنتين «الحي الإسلامي»
 
 
 
جريدة الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 36، 1942/1/15
 

 

إنّ استغلال الإسلام الـمحمدي والـمحمديين لأغراض نفعية ولسياسات إنترناسيونية ليس بالشيء الـجديد. وقد تصدَّت الزوبعة في أعداد سابقة لتبيان تزاحم ألـمانية وبريطانية وإيطالية وفرنسة على تـحريض الـمحمديين في كل مكان لبلوغ مآرب سياسية أو حربية خصوصية. وتـجد هذه الـمآرب دعامة في مطامع بعض الأشخاص من الـمحمديين في الارتقاء إلى الـحكم والـخلافة على سلّم العصبية الدينية كالسيد شكيب أرسلان الدرزي الأصل والـمحمدي الـمذهب، الذي يريد أن يحوّل الدروز إلى مسلمين محمديين ليكتسب بهم عصبية ضمن الـمجموع الـمحمدي لأنه لا عصبية له فيه يـمكنه الاعتماد عليها لتحقيق مطامعه في الـخلافة والانتصار على مزاحميه في النفوذ. وكالأمير عبد الله صاحب شرق الأردن وكالشيخ تاج الدين الـحسني.

 

ومـا هـي هـذه الـخـلافـة ومـا هـو هـذا الـحـكـم الـذي يطمـع فيه هؤلاء النفعيون والاستغـلالـيـون؟ هـمـا ولايـة من يـد أجنبيـة تـجعـل صاحبها في مقام بـاي تونس عند الفرنسيين أو خليفة مراكش عند الإسبان وبعض الـمال الذي يقبضونه للدعاوة!

 

 

وهنالـك مصيبة أخـرى تـأتي مع الـمصيبـة بالطامعين في الـحكم بإسم الدين هي الـمصيبة بصغار النفعيين الذين يقبضون أجوراً زهيدة لقاء نشر جميع ما توعز به الـمصادر الأجنبية مباشرة أو مداورة. وهذه الـمصادر عندها رجال ذوو اختصاص في نفسيات الـجماعات الدينية يهيئون الفكر والـمواد التي يلزم نشرها ويقدمونها إلى الـمأجورين لهذا الغرض فيتكفل هؤلاء بإذاعتها أو دسها في الأوساط الـمقصودة.

 

 

إنّ تأخـر اليقظـة القوميـة في أكثر الشعـوب الـمحمدية، أو التي أغلبيتها محمدية هو الذي يـوجد سبيلاً لهذا التلاعب بعواطف الـمؤمنين الدينيـة وتسخيرهـا للأغراض الأجنبية. فباسم الدين تقدر الإرادات الأجنبية أن تغرِّر بالـجماعات الدينية التي لـمّا يشملها الوعي القومي وتستغل تعصبها الديني الأعمى لأغراضها.

 

 

وتـأخر اليقظـة القوميـة في بعض الشعوب الـمسيحية، أو التي أغلبيتها مسيحية يوجد السبيل عينه للتلاعب بعواطف الـمؤمنين الدينية وتسخيرها للأغراض الأجنبية. والدول الأجنبية الطامعة في سورية ما زالت تثير الـمحمديين على الـمسيحيين ثم تتقدم إلى هؤلاء بالـحماية فيقبلونها والعاقبة السيئة كانت دائماً على الـملّتين. ولـما كان غرض هذا الـمقال تناول الدعاوة الأجنبية بين السوريين الـمحمديين التي أخذت تفعل منذ مدة غير يسيرة في الوطن وفي الـجوالي السورية وذرّ قرنها منذ زمن في الـجالية السورية في الأرجنتين فإننا نحصر الـموضع في هذه الناحية.

 

 

وصلت إلينا في أوائل ديسمبر/كانون الأول الـماضي نسخة من جريدة الاستقلال التي يصدرها في هذه الـحاضرة السيد أمين أرسلان الذي بلغنا أنه تـجنس منذ زمن بالـجنسية الأرجنتينية ولكنه بدلاً من أن يهتم بشؤون وطنه الـجديد ويترك شؤون الوطن الذي أنكره ونبذه لا يزال يعدّ نفسه من «كبار الوطنيين» السوريين أو «الـمسلمين» أو غير ذلك. والنسخة هي من العدد الصادر في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الـماضي بالرقم الهندي وفي 1 نوفمبر/تشرين الثاني بالرقم العربي. وفيها مقالة بقلم زائر جديد للجالية السورية في الأرجنتين هو الطبيب نديـم الـمعرّي وخلاصة الـمقالة دعوة إلى إنشاء «الـحي الإسلامي أو العربي» (أي أنّ الإسلام والعروبة لفظتان مترادفتان بـمعنى واحد) وفتح اكتتاب لهذا «الـمشروع الذي فيه حياة الـجالية الإسلامية الاجتماعي» كما هو عنوان الـمقالة. ويكون إيجاد «الـحي الإسلامي» بإنشاء «جامع ومدرسة ومساكن تتهيأ فيها كل أسباب الراحة ما عدا الـمحلات التجارية وما يتبعها ثم تعميم الـمشروع ليشمل مقبرة خاصة بالـمسلمين وبدون أن ننسى التفكير مبدئياً في مرجع لـمرضانا. وإن شئت فسمِّه عيادة أو مستوصفاً أو مصحاً على قدر ما تسمح به الظروف، الخ».

 

وقد علّق السيد أمين أرسلان على مقال «صديقه الراقي الدكتور الـمعرّي بتحبيذ ما جاء فيه كل التحبيذ وبالثناء غاية الثناء على وطنيته والـمشروع الـجليل الذي يهتم بإبرازه إلى حيّز الوجود لأنه مشروع ضروري لـحياة الـجالية الإسلامية في هذه الديار، الخ». وبناءً عليه نـجد أنه لم يعد هناك حتى ولا محاولة لإبقاء صبغة واحدة للجالية السورية في الأرجنتين وغيرها من الـجوالي.

 

لا ندري ما هو مذهب السيد أمين أرسلان الديني، فلا نعلم هل هو باقٍ على الدين الدرزي أم هو مسلم محمدي سُنِّي كنسيبه السيد شكيب أرسلان. وقد يكون جرى له في الدين ما جرى له في الوطنية، أي أنه قد يكون تـجنس بالدين الـمحمدي مع بقاء اشتغاله في الشؤون الدرزية، كما تـجنس بالوطنية الأرجنتينية مع بقاء اشتغاله بالـمسائل «العربية السورية اللبنانية الإسلامية الوطنية القومية العنصرية الدرزية الـمسيحية الاستقلالية».

 

ولا ندري من هو الدكتور نديـم الـمعرّي. وإنـما ندري أنّ أحد الـمأجورين للدعاوة الأجنبية بين الـمسلمين الـمحمديين قَدِم مؤخراً من البرازيل بإيعاز خصوصي للاشتغال بهذه الدعاوة بين السوريين الـمحمديين في الـجمهورية الأرجنتينية. وإنّ مهمته هي بذل الـمجهود لإيقاد نار التعصب الديني التي يـمكن الإرادة الأجنبية استعمالها عند الضرورة لأغراضها الـحربية. وإنّ هذا الشخص اتصل حال وصوله بأصحاب الصحف القائمة بهذه الدعاوة من قبل فأخذت تنشر له الفصول حول «مشروعه الـجليل». ولم تكن جريدة الاستقلال الـجريدة الوحيدة التي «حبَّذت» هذا الـمشروع الفاسد، بل هناك جريدتا العمى العربي أو العلم العربي والفطرة الإسلامية أو الطفرة الإسلامية.

 

وما هو هذا «الـمشروع الـجليل» الذي يحبذه السيد أمين أرسلان السوري اللبناني العربي الأرجنتيني الإسلامي الـمحمدي الإسلامي الدرزي وتـحبِّذه جريدتا الشقاق الديني العمى العربي والطفرة الإسلامية؟

 

هو جعل السوريين الـمحمديين في الـمهجر كاليهود. فيكون لهم «حارة» خاصة بهم كما لليهود «حارات» خاصة بهم فينعزلون عن أبناء وطنهم غير الـمحمديين ويعدّون أنفسهم «شعباً خاصاً» لا يجوز أن يختلط مع «الشعوب الأخرى».

 

إنّ مسـألة إنشاء جامع إسـلامي هي مسألـة يجب على جميع السوريين من محمديين ومسيحيين ودروز تـحبيذها لأن أبناء شعبنا الـمحمديين يحتاجون إلى مسجد يـمارسون فيه فروض دينهم. والزوبعة تقترح أن يناصر هذا الـمشروع جميع السوريين بدون تـمييز ديني. وإنّ من دواعي السرور لـجميع السوريين بدون فارق ديني أن ينال كل دين من أديانهم الوسائل اللازمة لإقامة فروضه.

 

أما الـمدرسة الـمحمدية والـمستشفى الـمحمدي وإنشاء حي للسكن والتجارة مختص بالـمحمديين فهي فتنة، الغرض منها إيجاد التباعد بين أبناء الوطن الواحد والـجنس الواحد.

 

إنها فكرة رجعية تـحمل وراء مظاهرها الدينية الـمشبعة هوساً أغراضاً سياسية خفية هي الأغراض الـحقيقية الوحيدة. فقرائن الـحال تدل على أنّ بعض الدول الـمحاربة قد قرّرت، لتهييج جماعات كثيرة ضد عدوتها، مساعدة الـمشتغلين في السياسة باسم الدين بين الـجماعات الـمحمدية لإضرام نار الـحزبية الدينية والتغرير بالـجماعات الـمذكورة.

 

فمسألة إنشاء حي محمدي في كل مهجر سوري لا تـحمل في باطنها فكرة دينية، بل فكرة سياسية يستفيد منها بعض الـمشتغلين في السياسة عن طريق الدين وتستفيد منها بعض الأمـم الأجنبية الـمحاربة في أغراضها القومية. فلو كانت الـمسألة مسألة دينية بحتة لكان الداعي اقتصر على فكرة إنشاء جامع للمحمديين. ولو كان في هذه الـمسألة غاية وطنية أو قومية لكانت الدعوة وجهت إلى جميع السوريين لإنشاء مدرسة سورية لأبناء الوطن الواحد وإنشاء مستشفى سوري لـجميع السوريين بلا فارق (إذ ما يسمى اليوم «الـمستشفى السوري اللبناني» يكاد يكون مؤسسة مارونية خصوصية).

 

إنّ مشروع «الـحي الإسلامي» هو مشروع نتيجته التفرقة بين أبناء الوطن الواحد وليس لـه غرض ديني صحيح. وغرضه الـحقيقي استغلال شعور الـمؤمنين البسطاء لأغراض خفية تكون وبالاً على الأمة السورية وعلى أمـم الشرق العربي. وتـحبيذ هذا الـمشروع صادر عن نيات لا تـمتُّ إلى الوطنية الصحيحة ولا إلى القومية الـحقيقية بصلة.

 

وإنّ من الأمور الـمحزنة أن يصل التلاعب بعواطف الـمؤمنين إلى حد بعيد في الشعوذة والتدجيل. فقد نقل إلينا أنّ دعاة الأجانب من السوريين الـمحمديين يشيعون بين أبناء الـملّة الـمحمدية أنّ هتلر محمدي وأنه يقوم بهذه الـحرب الطاحنة ليس لـخدمة ألـمانية كما يجاهر بل لـخدمة الدين الـمحمدي. وإنه لا يجاهر بغرضه الـحقيقي الآن، لأن أمته مسيحية وقد لا توافقه. ولكن بعد انتصاره سيعلن قصده الـحقيقي ويفرض الـمحمدية على جميع الأمـم التي يـمتد إليها سلطانه!

 

ولا يبيّـن للناس هؤلاء الدعاة «الوطنيون» كيف ستقبل أمة هتلر الـمسيحية أن يفرض هتلر عليها الدين الـمحمدي بعد انتصاره بسواعدها هي. ولعلهم يقولون إنّ هتلر سيترك حينئذٍ أمته ويستند إلى الـحاج أمين الـحسيني وحزبه أو إلى السيد شكيب أرسلان ومقالاته فيكتسح بقوة أحدهما ألـمانية كلها وجميع أوروبا ثم يحوّل هذه القوة الهائلة إلى أميركا وآسيا فلا تـمضي سنوات معدودة حتى نرى هتلر خليفة محمد والدين الـمحمدي يعمّ العالم!

 

لا قصد من هذه العجالة التدخل في مسائل الـمتحاربين ولكن قصدها هو داخلي بحت يتلخص في: وجوب التقارب والتفاهم والتوحيد بين جميع السوريين لإسعاد أمتهم وترقية وطنهم.

 

والشقاق الديني والتفرقة والتباعد تشقي الأمة وتخرب الوطن.

 

وهذه كلمة لقوم يعقلون. وأما الذين لا يعقلون فلا كلمة لهم.

 

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro