مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
عرض سريع للأحزاب السياسية المنحلّة في الجمهورية اللبنانية (2)
 
 
 
جريدة النهضة،بيروت،العدد 43، 1937/12/2
 

 

1 - الكتائب اللبنانية

 

نشأت «الكتائب اللبنانية» بإيعاز، قيل إنه من بعض الـمراجع الإكليريكية الـمارونية، التي لم تنظر بعين العطف إلى نشوء حزب الوحدة اللبنانية، التي كانت بدورها تستمد - كما ألـمعنا في مقالنا السابق - نفوذها من مرجع كبير في دولة الإكليروس الـماروني، وقيل إنه من بعض الشخصيات التي تعطف على فكرة لبنان الفينيقي. ومهما قيل فنحن نعرف والناس مثلنا يعرفون أنّ «الكتائب اللبنانية» نشأت بإيعاز، كان يقصد منه حالة معينة: لدعم مكانة بعض الأفراد في الـجمهورية اللبنانية، ولـمحاربة الـحزب السوري القومي ثانياً، وهي من هذه الناحية تتفق مع زميلتها «الوحدة اللبنانية». واتخذت لنفسها الرياضة قناعاً تخفي وراءه وجهاً طائفياً بحتاً، هو وجه ماروني لم تتمكن من إخفائه طويلاً في حياتها القصيرة، وحتى بعد انتقالها إلى رحمته تعالى، ففي الاضطرابات الأخيرة أطل هذا الوجه من شبّاك مدرسة الـحكمة ومن شبابيك مدرسة اليسوعية وإدارة جريدة البشير. أما الفكرة الرياضية التي ادعتها «الكتائب» فلم تظهر في أي عمل من أعمالها، فهي لم تعنَ بالـحفلات الرياضية ولم تقدم جوائز كما تفعل الـمؤسسات الرياضية عادة، وكل ما قامت به «الكتائب» أنها كانت تقيم استعراضات في الشوارع كلها انتهازية بـمناسبات خاصة وعند رأي بعض الناس.

 

الكتائب والوحدة - قامت «الكتائب» و«الوحدة» تـحاربان جبهة واحدة مشتركة كان لها تفاعيل كبيرة في البلاد، ويقتبسان عن هذه الـجبهة القومية القوية فكرة التنظيم، فيقلدانها بالـمظاهر الـخارجية، وقامتا تـحاربان بعضهما البعض في الوقت نفسه، هما تتفقان في مارونيتهما وفكرتهما الضيقة، وفي محاربة النهضة القومية، وتختلفان من وجهة ثانية، فـ «الكتائب» صنيعة جهة والوحدة صنيعة جهة أخرى. ومن يوم تأسست «الكتائب» احمرت عليها عيون أعضاء الوحدة، فقاموا يطعنون ببعضهم البعض طعناً جارحاً أليماً. فكشفوا عن نواياهم الاستغلالية وأظهروا للناس أنهم يضللون الناس، ويفضحون أنفسهم أمام الناس.

 

وقامت مناوشات عديدة في جميع الـجهات اللبنانية بين أفراد «الكتائب» و«الوحدة». وهذا وحده كاف لأن يجعلنا نؤكد للرأي العام أنّ «الكتائب» «الرياضية» ما قامت على فكرة الرياضة مطلقاً، إذ أي دخلٍ للرياضيين من «الكتائب» بـمبادىء حزب سياسي بحت لو لم تكن الأغراض الشخصية هي التي تسيِّر «الكتائب اللبنانية»؟

 

الكتائب تنقسم على نفسها - إنّ «الكتائب» كجميع الـمنظمات التي تخفي وراءها غايات ومقاصد شخصية، لم تتمكن من أن توحد صفوفها في جبهة قوية، فقد أدى التنافس والتطاحن بين الأشخاص على الأشخاص إلى انسحاب الأستاذ شفيق ناصيف النائب وقسم كبير من الشباب، وكانت مناورة يقصد منها إسناد الرئاسة إلى السيد بيار الـجميّل الرئيس الـحالي دون منافس أو مزاحم.

 

ونـجحت الـمناورة نـجاحاً تاماً،وتـمكن الـمناورون من أن يأمنوا جانب الـمنسحبين.

 

أعضاء الكتائب - لا شك أنّ بين أعضاء «الكتائب» وبين أعضاء «الوحدة اللبنانية» بوناً شاسعاً من جهة الثقافة، فالكتائبيون في معظمهم مثقفون تثقيفاً لا بأس [به] من الوجهة النظرية، ولكن اتـجاههم العملي محدود في أفق ضيق، وتفكيرهم تخنقه الأوساط التي لها في خنقه مآرب، والتي تأبى على الشباب انفلاته من جو الطائفية الضيقة ليعمل في سبيل الـمجموع كله.

 

ولم نعرف أنّ بين أفراد «الكتائب اللبنانية» عضواً له وظيفة كاهن، كما رأينا في أعضاء «الوحدة اللبنانية»، ومديرو فروعها في القرى كانوا من الكهنة.

 

رئيس الكتائب - وهذا أيضاً من عائلة إقطاعية من الـمتن يتوارث الـمشيخة، كزميله عواد، أباً عن جد، تفكيره تفكير رياضي، وقد يكون دون مرتبة الكثير من أعضاء «الكتائب» ثقافة وعلماً ونضوجاً.

 

جنتلمن.

 

قيل إنه يفكر بدماغ ابن عمه الـمحامي موريس الـجميّل ويضرب بعصا اليسوعيين.

 

عرف في الأوساط أنه حَكَمٌ دائم للمباريات الرياضية في لبنان، وهذه ميزته الوحيدة. أفكاره تعيش في وسط ضيق ولا تـحس بالتململ من هذا الوسط، كنفوس قادة النهضات الكبرى في العالم.

 

قيل إنه كان في الـمظاهرات الأخيرة على رأس رفاقه، وقيل إنه كان مولّياً، فجاءته ضربة على رأسه أوقعته على الأرض، وكان رفاقه يهربون من حوله. كثرت تصاريحه في الآونة الأخيرة حول شراء «الكتائب» وبيعها، فقد حصر همّه في نفي بيع «الكتائب»، ولعلها كانت من باب تأكيد النفي.

 

ولقد استغل الانتهازيون في الـحوادث الأخيرة اسمه وكتائبه ليفجروا أحقادهم، فجعلوا من الـحبة قبة ومن النبأ أسطورة ومن التلة جبلاً.

 

 

2 - الـجبهة القومية

 

إستفاق الأستاذ يوسف السودا يوماً من الأيام على جلبة صاخبة، فالأحزاب تتألف في لبنان على أثر ظهور الـحزب السوري القومي، وفي تأليفها تنميق وزخرفة، فرأى السودا نفسه في معزل من هذه الـحركات، وجال في رأسه هذا الفكر: لـماذا لا يكون رئيساً لـحزب؟

 

إستعرض يوسف السودا ذكريات تاريخه الـمجيد، يوم كان في مصر، يـملأ جوانب محكمة الاستئناف بفيض من عبقريته الـحقوقية، ويوم عاد إلى لبنان يحمل إلى جانب اسمه الكريـم لقب «أستاذ» الطريف في ذلك الـحين، ويوم أسّس عقيب عودته هذه حزباً دعاه «حزب الـمحافظين» يرمي إلى الـمحافظة على كيان لبنان، ويوصل السودا إلى منصب ومجد مرغوبين، ويوم أنشأ جريدة بإسم الراية بـمساعدة بعض الـمهاجرين اللبنانيين الذين تبرعوا وأهدوه مطبعة لهذه الغاية، ويوم صعد على أكتاف الراية و«الـمحافظين» بـمعاونة الأوساط الإكليريكية إلى كرسي النيابة في الـمجلس النيابي على عهد الـجنرال سراي[1]، حيث لم يتشرف به هذا الكرسي الـمنشود سوى أربع وعشريـن ساعة طار بعدها الـمجلس النيـابي بقضه وقضيضه بأمر من الـجنرال سراي، وأخيراً يوم عاد إلى الـمجلس النيابي اللبناني على أيام العميد الصامت الـمسيو بونسو[2].

 

إستعرض يوسف السودا كل هذه الذكريات الـحافلة بالزهو والكفاح، والتفت إلى رأسه بالـمرآة فرأى الشيب يتخطى إلى شعره الـمزروع في مؤخرة رأسه، كاشفاً عن جبهة عريضة، خليقة باستيعاب كل ما في الكون من أحلام وآمال فهاله الأمر، وأدرك أنّ الشيخوخة تستبقه دون مأثرة تسجل اسمه في التاريخ مقروناً بالـمجد والـخلود، فضرب كفاً على كف، ومشى إلى أنصاره ورفاقه، يلقي عليهم ما اكتسبه من بلاغة في التطبيق والكلام، فكانت «الـجبهة القومية اللبنانية» وكان بيانها في الصحف، يـملأ فسحة لا بأس بها، يُذيّله توقيع يوسف السودا مشفوعاً برئيس «الـجبهة القومية».

 

هدف الـجبهة - وكان هدف الـجبهة يتلخص في إعادة الدستور والـحياة الدستورية إلى لبنان، وعقد معاهدة مع فرنسة ونفي كل مصلحة انتخابية، ومن هذا الهدف أدرك الـمدركون أنّ الـجبهة حركة سياسية انتهازية موقتة. وقد كان من الـمنتظر أن تتلاشى الـجبهة بعد أن تـحقق هدفها بدون أدنى علاقة ولا تدخّل منها، ولكن السودا أبى إلا أن يحتفظ بالـجبهة، وبرئاسة الـجبهة. والـجبهة أصبحت، كما هو معلوم، تقتصر على الرئيس وعلى أفراد قلائل، منكمشين على أنفسهم في زوايا مكاتبهم، على هامش الـحياة السياسية.

 

السباقة - رأى الأستاذ السودا، بالاتفاق مع زملائه في الـجبهة، أنّ جبهتهم تقتصر على الـمتقدمين في السن، والذين تـجري في عروقهم دماء باردة فلا مظاهر فضفاضة، ولا ألبسة تقليدية منمقة ولا استعراضات في الأسواق كـ «الوحدة اللبنانية» و«الكتائب» ولا تطبيل وتزمير له ولزملائه في الـمناسبات العامة، فالـجمود يكتنف الـجبهة من جميع نواحيها، والفراغ يحيط بأهدافها. فمن الضروري أن يكون لها مظاهر مزخرفة أخاذة تلقي على هذا الفراغ ستاراً من الوهم، والـجلال الـمصطنع.

 

ومن هنا تولدت فكرة «السباقة» و«السباقة» هذه فرقة تابعة للجبهة، تشبه الكشافة في ألبستها وأنظمتها، أو على الأصح هي أقرب إلى فرقة من صفوف تلامذة

 

 

الأيتام منها إلى أي شيء آخر. ولعل ما يجعلها كذلك هو اقتناؤها آلات موسيقية تشبّهاً بآلات الـجيش الـموسيقية. والسبب في اقتناء هذه الآلات يعود إلى رغبة الرئيس السودا وأعوانه في التطبيل والتزمير.

 

وأما أعضاء «السباقة» فمعظمهم من الأولاد، والبقية فمن الفتيان الـمأخوذين بالظواهر الغرارة.

 

مصير الـجبهة - واليوم تتوارى «الـجبهة القومية اللبنانية» مع قافلة الأحزاب اللبنانية الأخرى التي ولدتها الرجعية والإكليريكية، كردّ فعل للنهضة السورية القومية الـخطيرة. ويصبح يوسف السودا خالي اليدين من وسيلة كان يظنها الوسيلة التي يرجو منها خيراً لإيصاله إلى مطمحه في منصب رفيع في الدولة.

 


[1] سراي، موريس (1856-1929): جنرال فرنسي، تولى قيادة جيش الشرق (1915)، ثم الـمفوضية الفرنسية في الشام ولبنان (1924) خلفاً للجنرال ويغان.

 

[2] بونسو، هنري: مفوض سامي فرنسي في لبنان والشام (1928-1933)، طلب إلغاء ست مواد من الدستور اللبناني الذي أقرته الـجمعية التأسيسية التي نظّم انتخابها في بدء ولايته، وأهم هذه الـمواد هي الـخاصة بالوحدة السورية، وتنظيم الـجيش، والتمثيل الـخارجي.    

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro