مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
ملحق رقم 11 من أجل عروبة واقعية ولبنان علماني جديد البيان التاريخي لرئيس الحزب القومي الاجتماعي في ذكرى التأسيس
 
 
 
منشورات عمدة الإذاعة 1960
 

 

حضرة السادة الـمحترمين

 

أيها القوميون الاجتماعيون

 

يأتينا عيد تأسيس الـحزب القومي الاجتماعي هذه السنة وأمتنا تـمر في مرحلة تاريخية تكاد تكون من أكثر الـمراحل خطورة وأبلغها عبرة ويجدر بنا وبكل الأحزاب العقائدية والكتل السياسية والـمواطنين الـمسؤولين، أن لا تـمر هذه الـمرحلة التاريخية دون أن يكون لها أثرها وطابعها، ودون أن تـحفز جميع هؤلاء إلى إعادة النظر في أسس آرائهم ومفاهيمهم القومية والاجتماعية ومواقفهم السياسية.

 

من هنا كان لا بد للحزب القومي الاجتماعي من أن يعود إلى تقييم أفكاره وسياسته تقييماً موضوعياً لنفسه وللرأي العام في الأمة والعالم العربي.

 

إن أكثرية الـمثقفين والعاملين في السياسة والاجتماع في بلادنا لم يفهموا من النهضة القومية الاجتماعية إلا سوريتها وتـجسيدها الـحزبي، في مبادئها الـمحددة ونظامها الدقيق. بينما الـمبادئ والنظام الـحزبيان ما كانا إلا النتيجة العملية لـمعاناة عميقة عند سعاده لـمعنى الـحياة الانسانية وقيمها في كل أغوارها وشمولها ولـمفهوم القومية العلمي الذي تأرجح في العقل الانساني بين العصبية العنصرية الإقليمية الـحقود والنزعة الأمـمية.

 

يلاحظ الـمدققون أن سعاده كان يطلق على حزبه مرة إسم »النهضة القومية الاجتماعية» ومرة إسم »الـحزب السوري القومي الاجتماعي» ومرة إسم »الـحركة القومية الاجتماعية» ولم يكن ذلك لغير قصد أو لغير غاية. وهو الـحريص على العبارة وتـحديد مدلولها.

 

بل إن حرص سعاده كان في أن لا ينقلب هذا الـحزب بعد الـممارسة الطويلة إلى (دوغم) جامدة، محددة، جافة، فيتصنم بالـمظهر والقوالب، ويضيع الـجوهر والأساس فيه الذي هو أنه نهضة، وإن نهضة حركة، والـحركة تعني إنها تيار حي لا يهدأ، بل يبقى نامياً ومتكاملاً نـمو الـحياة الانسانية وتكاملها.

 

كما أن الـحزب قد انطلق أولاً من النظرة الواضحة إلى الـحياة التي تسبق التجسيد الـحزبي بالـمنطق والزمن. إن هذا مفهوم الواضح لـحزبنا، يجنبه الـجمود والإنغلاق لأنه يعيده دائماً إلى قاعدته ومنطلقه الأساسي.

 

 

الـحزب يجيز إعادة التقييم ولذلك فإنه مؤهل للحياة.

 

 

بديهي إذن أن الـحزب من ذاته-  يجيز إعادة التقييم فذلك من أساس نظرته ومنطلقاتها. لأن مجرد كونها نظرة، يعني أنها عقلانية وكونها عقلانية يعني أنها دائماً خاضعة لفعل العقل واختباراته ورؤاه.

 

قد يتراءى للبعض- إن هذه بدعة وهرطقة جديدة في الـحزب- ولكنها في الـحقيقة من مضامينه العقلانية الأساسية ولهذا فإن الـحزب مؤهل للحياة والاستمرار والانتصار..

 

وإذا كان من طبيعة حزبنا خضوع أسسه ومنطلقاته لفعل العقل، كان من البديهي، إن مبادئ الـحزب، ودستوره، التي هي الاستنتاجات العملية والتجسيد التنظيمي للنظرة القومية الاجتماعية، هي بالتالي خاضعة دائماً وأبداً لإعادة التقييم وفعل العقل، وهذا ما يفسر الولاء الدائم لها الذي تـحدى كل من محاولات التآمر والتصفية العديدة.

 

بيد أن التقييم لا يكون فردياً- بل من ضمن روح النظرة القومية الاجتماعية- أي جماعياً ودستورياً، لتفادي البلبلة والتضارب والـميعان في الـحزب.

 

وقد قال سعاده »إن الـمبادئ قواعد انطلاق» كما قال أيضاً وهو الذي أهاب بنا للاستشهاد في سبيل انتصار مبادئنا: »توجد قاعدة حيوية إنسانية في الـحزب السوري القومي الاجتماعي وهي أن الـمبادئ للإنسان الـحي وليس الإنسان للمبادئ»..

 

فما هي النظرة القومية الاجتماعية؟

 

ليس كهذه الذكرى، كما سبق أن قلت، مناسبة لإيضاح النظرة القومية الاجتماعية في شمولها. وها أنا أحاول هنا أن أوجز أهم مرتكزاتها الأساسية.

 

أ-العقل هو طريق الـمعرفة العقل الـمتحرر من كل ما يبطل التمييز والادراك- العقل الفاعل في الوجود.

 

ب-الـحق لكي يكون حقاً يجب أن يحصل وعيه وعياً اجتماعياً يـمتد عبر الأفراد والأجيال امتداداً لا يعرف الـحدود.

 

ج-الـحقيقة الـحاصلة اجتماعياً- هي نسبية بين الـمجتمعات الانسانية الـمتنوعة النظر والـمتصادمة الـمصالح- تصل إلى الاطلاق في الـمجتمع الواحد الـموحد النظرة والـمتكامل الـمصالح.

 

د-كل القيم الانسانية قيم اجتماعية.

 

ه-الـحق انتصار على الباطل في معركة إنسانية وليس في معركة غيبية لا شأن للإنسان فيها.

 

و-الإنسان كائن اجتماعي بالضرورة، وليس بالاختيار.

 

ز-أساس الارتقاء الانساني، أساس روحي-مادي »مدرحي».

 

ح-الإنسان الأكمل، هو الإنسان الـمجتمع الذي يتحقق فيه تفاعل الامكانات الفردية وتكاملها في وعيها لـحقيقتها الاجتماعية ويكون هذا مصدر قوته ووضوحه.

 

ط-الـحرية صراع لأن الـحرية هي حرية الوجود والوجود حركة والـحركة صراع.

 

ي-الانتصار لا يكون إلا بالـحرية.

 

ك-النهضة هي الـخروج من الفوضى إلى النظام ومن الشك إلى اليقين.

 

ل-الأخلاق- »العقلية الأخلاقية»- هي الـمظهر النفسي للعمل القومي السياسي وتؤلف معها وحدة لا تتجزأ.

 

م-السياسة من أجل السياسة لا يـمكن أن تكون عملاً قومياً فهي بدون الاخلاق وبدون الاستناد إلى الأساس النظري والقومي- تؤدي إلى الهوس والاستغلال والتناقض والتبدل الغريب في الـمواقف والسلوك.

 

ن-رفض الأمر الـمفعول، وإخضاعه لتقييم العقل وسيادة الإنسان.

 

س-الـمجتمع وحدة حياة إذ لا طبقية ولا إقطاع ولا استغلال ولا استعباد.

 

ع-الإنتاج الـمشترك هو حق عام لا حق خاص. والرسمال الذي هو ضمان  استمرار الإنتاج وزيادته هو بالتالي وبـما أنه حاصل الإنتاج ملك قومي عام.

 

ف-الاشتراك في الانتاج اشتراكاً فعلياً شرط الاشتراك في الـحق العام.

 

ص- الأمة- الـمجتمع هي »جماعة من البشر تـحيا حياة موحدة الـمصير موحدة الـمصالح موحدة العوامل النفسية الـمادية في قطر معين يكسبها تفاعلها معه في مجرى التطور خصائص ومزايا تـميزها عن غيرها من الـجماعات».

 

القومية الاجتماعية ليست وقفاً علينا

 

 

هذه أيها السادة والرفقاء أهم مرتكزات النظرة القومية الاجتماعية.

 

ويصح لنا من هذا الإيجاز أن القومية الاجتماعية شيء عام والقومية التي توصل إلى تـحديدها سعاده »القومية السورية»- هي الشيء الـخاص بأمتنا. هو نتيجة القومية الاجتماعية لا سببها. فالقومية الاجتماعية ليست وقفاً على جماعة دون أخرى بل تصح لكل جماعة، لكل مجتمع، لكل أمة في العالم، فهي رسالة أمتنا إلى العالم الـمتخبط في صراعه الطبقي والـمادي والروحي صراعاً يكاد يؤدي به إلى التعاسة أو الفناء.

 

 

الـحدثان التاريخيان والتجربة الفاصلة

 

 

مر في هذا الـجزء من العالم العربي، حدثان تاريخيان، وتـجربتان فاصلتان كان لهما الأثر الواضح في اتـجاهاته النفسية والاجتماعية والسياسية وتركا هزة في وجدانه أيقظته من مستنقع الركود والـخيال والأوهام ودفعته إلى العمل الـمسؤول الـمتحرك الـحار دفعاً قوياً.

 

الـحدث الأول كان في تـمثيلية معركة فلسطين وما كشفته للرأي العام في بيئتنا خاصة والعالم العربي عامة من استهتار وتلكؤ وصبيانية وعاطفية في معالـجة القضايا القومية والدفاع عنها عند الذين تسلطوا على قياداتنا الرسمية وتولوا الـحكم في دولنا. فكان من نتائج هذه الهزة العنيفة أن تهاوى أكثر الـمتربعين على كراسي الـحكم من الـمسؤولين عن الـمأساة تـحت ضربات تنبه الوجدان القومي ولهبه اللاذع.

 

أما الـحدث التاريخي الثاني الذي كان له أعمق الأثر، وأبلغ العبر، في أمتنا والعالم العربي، فهو حدث قيام الوحدة السورية الـمصرية، وما رافقه من دفع ثوري جبار في الاتـجاه الوحدوي الـمركزي في العالم العربي كله، بلغ حد ملامسة الوجدان الديني والايـمان اليقيني أو كاد. وبات كل تقييم اجتماعي أو سياسي آخر لعلاقات الأسرة العربية، نوعاً من الهرطقة، يتعرض الداعون إليه أو الـمؤمنون به لشتى أنواع العزلة والاضطهاد والتكفير.

 

فتراجع كل أصحاب النظريات والعقائد الـمخالفة عن عقائدهم إما رياء أو تسليماً- ما عدا بعض الفئات العنصرية أو الطائفية- حتى أن هذه أيضاً بدأت تتحالف مع دعاة هذا الاتـجاه وترفع بعض الشعارات اللفظية لتدرأ عنها خطر الإعصار العاصف.

 

ولا يسعني إلا أن أقول بفخر الـمتواضع أن الـحزب القومي الاجتماعي- وحده دون سواه- ثبت على صخرة إيـمانه العلمي الواقعي في وجه التيار الـجارف، فتسلطت عليه الأضواء الـمحرقة وألهبته الألسنة اللاذعة ولاقى في سبيل واقعيته وعلميته وإيـمانه الراسخ من الاضطهاد والعزلة والـحرمان، ما لاقاه في لبنان، ومن عذابات غياهب الـمزة وطغاتها ما لاقاه في الشام واستمر عزله واستمر ثباته حتى فسر بعض الناس ولاءه بالتعصب وثباته بالـمكابرة وواقعيته بالشعوبية واجتماعيته بالاقليمية.

 

 

انتصرت عروبتنا في حكم الشام الـحاسم

 

 

وكان حكم الشام الـحاسم- حكم الـجيش السوري العربي- وحكم الشعب السوري العربي- وكان حكم التاريخ الذي ما يعده حكم. والعبرة التاريخية الاجتماعية- التي فرضت حقيقتها على أكبر موجة عاطفية عرفها العالم العربي في تاريخه الـحديث.

 

فانتصرت عروبة القوميين الاجتماعيين

 

وانتصرت عروبة الـحزب القومي الاجتماعي الواقعية البناءة

 

وإذ بالقضية العربية تنطلق اليوم من الشام- قلب العروبة ومنطلقها الأول- تـحمل مضامين واقعية جديدة مبنية على التكافؤ والتكامل والأسس الـجغرافية-الاجتماعية والاقتصادية.

 

وإذ بـمصر- الدولة العربية الكبرى تعيد تقييم مفاهيمها العربية- وتنتقد ذاتها- بلسان الأستاذ محمد حسنين هيكل- الناطق بإسم رائدها ومحقق الوحدوية العربية الـمركزية الرئيس جمال عبد الناصر فتقول أنه لم يكن من أثر للوحدة عملياً غير »وحدة العلم والنشيد والرئيس» وإن الوحدة الـحقيقية لا يـمكن أن تبنى إلا في إطار الوحدة الـجغرافية- الاجتماعية الاقتصادية التي كانت الوحدة السابقة خلواً منها.

 

أجل لقد انتصر جوهر العقيدة القومية الاجتماعية ولكن الـحزب القومي الاجتماعي لم ينتصر.

 

انتصر جوهر العقيدة- نتيجة للتجارب التاريخية وحتمية الواقع.

 

ولم ينتصر الـحزب القومي الاجتماعي- لأنه سبق الـحقبة التاريخية وتـحداها- فجرحته وأدمته.

 

إلا أن جراحه والدماء التي نزفت من أجساد أبطاله وشهدائه- لم تهدر بل كان لها أثرها وثمارها التي ستنعم في مجدها الأمة ويزهو التاريخ.

 

ولقد قال سعاده »أن الأما عظيمة الأما لم يسبق لها مثيل-تنتظر كل ذي نفس كبيرة فينا» ولا يسعني بهذه الـمناسبة-مناسبة عيد تأسيس الـحزب القومي الاجتماعي نعيده في هذه الفترة التاريخية الـحاسمة من تاريخ أمتنا- وتاريخ العرب- إلا أن أعود فأسجل بعض ما قاله سعاده في هذا الشأن:

 

»إننا نحن السوريين القوميين الاجتماعيين نوجه كل قوانا فيما يختص بالـمسائل القومية إلى أهداف أمتنا نحن- أما فيما يختص بالـمسائل الـمتعلقة بالعالم العربي كله تـجاه غيره من العوالم فنحن هم العرب قبل غيرنا- نحن جبهة العالم العربي وصدره وسيفه وترسه. نحن حماة الضاد ومصدر الاشعاع الفكري في العالم العربي كله» 1940

 

»إذا كان في العالم عروبة حقيقية صحيحة- فهي عروبة الـحركة القومية الاجتماعية»1947

 

»إن غاية الـحركة السورية القومية الاجتماعية بعث نهضة سورية قومية اجتماعية- تعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها والسعي لإنشاء جبهة عربية». من دستور الـحزب القومي الاجتماعي» 1937

 

»إن الذين يقولون بإن الـحزب السوري القومي الاجتماعي يقول بتخلي سورية عن القضية العربية- قد ضلوا ضلالاً بعيداً».

 

»إن سورية هي إحدى الأمـم العربية وأنها هي الأمة الـمؤهلة لقيادة العالم العربي»

 

»إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي ولكننا نريد قبل كل شيء أن نكون أقوياء في أنفسنا، لنتمكن من تأدية رسالتنا، يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الاجتماعية- لتستطيع القيام بـمهمتها الكبرى» 1947-1948.

 

»لا أريد أن أحدثك عما يكنه فؤادي للعالم العربي. أريد أن أفعل واجبي تـجاه أمتي أولاً لتستطيع أمتي أن تفعل واجبها نحو عالـمها العربي» 1935.

 

»إن اختلاف العقيدة السورية القومية الاجتماعية عن غيرها من العقائد القومية- يبقى اختلافاً لا من حيث الشعور بالـخدمة والـمسؤولية تـجاه العالم العربي، بل من حيث قواعد هذه الـخدمة وقواعد تـحقيق هذه الـمسؤولية وحسب التعاليم السورية القومية الاجتماعية فخراً- أن مبادئها هي التي تفعل اليوم في العالم العربي كله».

 

ما أصح هذا القول الوارد عام 1954 على لسان الأمين عصام الـمحايري أسير الـمزة، إذ نراجعه اليوم عام 1961، بعد عبرة الوحدة الأخيرة. وأيضاً من كلام الأمين محايري عام 1954 في محاضرته »العروبة السورية القومية الاجتماعية»:

 

»إن وحدة السلطان السياسي عجزت عن تـحقيق وحدة حياة قومية، في العالم العربي- فبقي كل قطر مستقلاً بـمجرى تفاعله القومي، واستمرت الهوات الاجتماعية-الثقافية-الـحضارية تباعد بين أقاليمه بتأثير العوامل الطبيعية التي لا قدرة للإنسان على التفلت منها- فلا البيئة السورية تـمصرت، ولا البيئة الـمصرية تسورت بل بقيت دورة الـحياة في كل قطر مستقلة عن شقيقاتها. وإن اتخذت جميعها اللسان والدين العربيين لساناً لها وديناً لها وإن ظللها جميعها سلطان سياسي واحد».

 

»بل إن سورة الفتح ما كادت تخمد- حتى استفاق كل شعب إلى حاجاته، ورغباته وشخصيته ونفسيته فلم يستطع السلطان السياسي الواحد أن يدوم».

 

هل في هذا القول- يرد على لسان أحد قادة الـحزب القومي الاجتماعي في الشام، عام 1954، ما لا يصح حرفياً بعد العبرة والتجربة الوحدوية السياسية وانفصالها عام 1961؟

 

»إنـما تنشأ الأمـم بالنواميس الطبيعية- الاجتماعية- القائمة على القواعد الـجغرافية- الاقتصادية- النفسية. من هذه الـحقيقة يجب أن ننطلق لنرى العالم العربي».

 

أوليست انطلاقة الشام اليوم في توجهها في علاقاتها الاقتصادية- مع بغداد وعمان- وبيروت ومن ثم الرياض ما ينطبق على هذه الرؤيا الواضحة للحزب القومي الاجتماعي قبل أن تقوم العبرة التاريخية العربية الوحدوية الأخيرة؟

 

 

رسالة إلى عبد الناصر

 

 

ولا بد من أن اقتطع الـمقطع التالي من الرسالة التي وجهها الرئيس السابق للحزب الأمين عبدالله محسن في أيار 1959 للرئيس جمال عبد الناصر:

 

»يا سيادة الرئيس

 

إن الـحركة السورية القومية الاجتماعية الصامدة في ميدان الصراع من أجل ضمان الـمصير الأمثل للوطن والـمستقبل الأفضل للعروبة في جميع أصقاع العروبة، هذه الـحركة التي دأبت على رؤية الكوارث وتـحذير الشعوب العربية من عواقبها قبل وقوعها.

 

إن هذه الـحركة الفخورة بجراحها لأنها جراح أعزاء لا جراح أذلاء، لتتوجه إليكم بهذه الـحقائق، صادقة كل الصدق معربة بهذه الـمناسبة عن تصميمها الأكيد على مواصلة نضالها الـجبار في سبيل خدمة البلاد ورفع مستوى العمل السياسي فيها لإنقاذ الشعب من الـمهاوي التي أوقعه فيها استمرار التمويه والتغرير وهي وعياً منها لـخطورة الـموقف وما تتطلبه مصلحة الشام ومصلحة مصر ومصلحة العروبة، تدعوكم اليوم مرة أخرى الدعوة الشريفة الـمخلصة إلى أخذ الـمبادرة لوضع الأمور في نصابها من جديد على الأسس التالية:

 

أولاً:

 

إقصاء جميع العناصر الـمسؤولة عن فساد الأحوال وتدهور الأوضاع وانتشار الـخطر الشيوعي بتواطئها مع الشيوعيين، وإلغاء جميع الـمظالم الشيوعية التي شملت مئات الـمواطنين على اختلافهم بفعل الـحكم الشاذ الـحقود الفاسد الذي سبق قيام الوحدة.

 

ثانياً:

 

إفساح الـمجال للشعب في الشام كي يعبر بحرية تامة وضمن نظام ديـمقراطي صحيح عن إرادته الـحقة، واختيار العناصر الـخيرة الـمخلصة الـمناضلة لتسلم زمام الأحكام.

 

ثالثاً:

 

التمهيد بذلك لإعلان الرجوع عن خطأ التسرع في تـجربة الوحدة، والـمبادرة إلى تصحيح أوضاع العلاقات الـمصرية - الشامية تصحيحاً يضمن عودة الشام إلى وضعها الطبيعي الذي فيه استقرارها وازدهارها، كما يضمن استمرار التعاون الايجابي الوثيق الـمنظم بين الشام ومصر في صيغة واحدة، تكون نواة للجبهة القومية الـمنشودة والتي يـمكنها وحدها أن تقف سداً منيعاً في وجه جميع الـمطامع الأجنبية، والـمبادئ الشيوعية الهدامة، والـحركة السورية القومية الاجتماعية على استعداد لتقديـم مضامين هذه الصيغة الـجديدة تفصيلاً إذا لاقى نداؤها لديكم الاستجابة الـمرجوة.

 

رابعاً:

 

دعوة الدول العربية الأخرى للإنضمام، في ظل الكرامة والشرف إلى هذه الصيغة الـجديدة.

 

إن هذا الـمقطع يدلل على وضوح الرؤيا للقضية العربية الـمبنية على الواقع العلمي والاجتماعي التي منها كون سعاده نظرته وعلى أساسها أسس قواعد حركته وحزبه.

 

الأمة السورية قلب العروبة النابض

 

ومنذ سنة ونيف وعلى أثر انتخابي رئيساً للحزب القومي الاجتماعي وجهت بياناً داخلياً إلى القوميين الاجتماعيين، أسجل منه الفقرات التالية:

 

»إن عمل الـحزب القومي الاجتماعي بالقضية السورية وانصبابه على توضيحها وترسيخها هو في الوقت نفسه العمل الايجابي الـحقيقي للعروبة ولإدراك قيمها الكبرى».

 

»الأمة السورية هي قلب العروبة النابض وهي محورها، فيها انتقلت العروبة من الـمفهوم الديني إلى الـمفهوم التاريخي العلمي».

 

»العروبة رابطة قوة ومناعة لكل العالم العربي- لا حقل نفوذ وتسلط يسخر لـخدمة قطر دون سواه ويستغل نبل العاطفة والرابطة والتاريخ ليطعن العاطفة ويفصم الرابطة ويزور التاريخ».

 

»إن في اكتمال شخصية الأمة السورية وارسائها على قاعدة الواقع الـحياتي-قوة وكرامة لأمتنا- وقوة ومناعة للعروبة وتدعيماً لقيمها ومضامينها التي فيها الـخير والـمناعة لكل الأقطار العربية في كل الظروف».

 

»والـحزب القومي الاجتماعي لا يـمكنه أن يتسامح بالعبث بهذه القيم وهذه الـمضامين في حمى الـحماس العاطفي الذي لا يعقبه إلا خذلان عاطفي مخرب.

 

»نحن للعروبة- نحميها ونصونها- ونؤمن بها، ونحمي ونصون كل أقطارنا وندعم مصالـحها الـحقيقية.»

 

لم أورد هذه الاستشهادات من دستور حزبنا- وتعاليم سعاده- وما صدر عن مؤسسات الـحزب الرسمية إلا لأبين وضوح الرؤيا العربية السليمة النابعة من إدراك الواقع الاجتماعي- الـجغرافي- الاقتصادي- النفسي- لبيئات العالم العربي التي تشكل في عرف حزبنا أربع بيئات متمايزة تشدها العروبة إلى بعضها في رابطة الأخوة والـمصير الـمشترك، وهذه البيئات هي: أولاً بيئة الـمغرب العربي الكبير. ثانياً: بيئة وادي النيل العربية. ثالثاً: بيئة الهلال الـخصيب السورية العربية. رابعاً- وبيئة شبه جزيرة العرب.

 

وإن من واجب الدول القائمة في كل من هذه البيئات أن تبادر إلى تنسيق علاقاتها الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية بحيث تقود الشعور الوحدوي حثيثاً نحو التحقيق التلقائي فتبادر إلى توحيد الروابط الطبيعية والـمصيرية وتساعد على صهر الفوارق النفسية القائمة بين هذه الكيانات.

 

البيئات الطبيعية عربية بالواقع والضرورة

 

إن هذه الفوارق ناتـجة عن مـمارسة الـحياة السياسية الكيانية خلال فترة غير قصيرة من تاريخ استقلالنا الـحديث والتزاماتها ومضاعفاتها، وأيضاً عن بعض الفوارق الطائفية والعرقية التي لـما تزل مستعصية على الذوبان في بوتقة الواقع الاجتماعي والوحدة الاجتماعية التي وحدها تستطيع أن تصهر هذه الفوارق والنزوات، وعن اختلاف في الـمستوى الثقافي الـحضاري الذي يقنيه نحو التلاقي توحيد التوجيه الثقافي والتربوي.

 

وإن كل هذه البيئات عربية بالواقع والضرورة وليس لها أن تتفلت من هذا الواقع حتى ولو شاءت تعنتا أن تتفلت- فكلها عربية- تـجمعها العروبة تتكامل في رابطتها وتتقوى تكامل الأخوة والعائلة في الداخل- وتساند الأسرة في الدفاع عن مصيرها الـمشترك من الـجشع الاستعماري الذي يهددها جميعاً من الـخارج.

 

إن التاريخ الذي جمع بين هذه البيئات منذ ألف وأربعماية سنة، والذي طبعها بطابعه الواحد الـمميز عن طريق اللغة والدين والأدب والثقافة والاشتراك في بناء أمجاد العروبة التي كان لأمتنا القسط الأوفر منها شأن لا ينكره إلا الـمكابرون الـمتنكرون للواقع، الـمتجمدون في عرقية سلالية قضى على أسطورتها التاريخ الـحديث أو في طائفية جامدة رجعية تريد أن تشرنق وجودها الاجتماعي والاقتصادي والـحضاري في شرنقة الـموت.

 

إن خلافاتنا ليست في الاستعداد لبناء صرح العروبة الشامخ ولا في الولاء له بل في طريقة وأساليب هذا البناء.

 

 

رابطة العروبة رابطة أصيلة

 

 

إن رابطة العروبة مهما اختلفنا في تسميتها هي رابطة أصيلة في شعبنا. والـجامع الـمشترك الذي لا محيد عنه لكل الشعوب العربية في كفاحها الـمشترك وفي ضرورة تعاونها وتعاطفها لبناء غد أفضل. وهذا الإيـمان هو الذي جعل الـحزب القومي الاجتماعي يقف مواقفه الصارخة في نصرة قضية الـجزائر وفي نصرة تونس نصرة عملية في أزمة بنزرت تـجلت في تطوع العشرات من الرفقاء للقتال إلى جانب الشقيقة الـمغربية في كفاحها ضد الاستعمار.

 

والـحزب القومي الاجتماعي مع ذلك يعترف بأنه لم يؤد بعد دوره الـمأمول منه في الـحقل العربي. وعليه اليوم أن يعوض عن ذلك خصوصاً وإن عقيدته تؤيد هذا الاتـجاه السليم وتدعو له وتؤمن به ولكن بعض أعضائه لم يكونوا الـمرآة الصادقة للعقيدة في تصرفاتهم وأقوالهم التي كانت تنم أحياناً عن بعض التنكر للشأن العربي.

 

إن العالم بأسره يبحث اليوم عن صيغ تعاونية بين أسره الـمتجانسة. وإن الأسرة العربية التي لها من عناصر التجانس، والاشتراك والـمصير ما لا ينكره إلا الـمغالون في الـمكابرة أو الاقليمية، الـمدعوة إلى تنسيق علاقاتها وتعاونها الفعلي، بشكل يخدم مصالـحها ويحافظ على كرامتها واحترام شخصياتها الـحقوقية وينزهها عن الرجعية ويطلقها في موكب التقدمية ويدرجها في التطور الاجتماعي البناء.

 

وإننا ندعو جميع الأحزاب والـمفكرين في أمتنا وندعو أنفسنا إلى إعادة البحث في العلاقات العربية وتقييمها وذلك في مؤتـمر عام تناقش فيه الأمور بالصراحة العلمية ويتم فيه الاتفاق على أسس ايديولوجية علمية تكون في مستوى العصر. لتشكل قاعدة العمل العربي للجميع وتقنيه نحو التساند والالتقاء وتنقذه من إفشال التجارب الـمرتـجلة.

 

إن مـمارسة الـحياة الكيانية، ومتطلباتها السياسية ومضاعفاتها الاجتماعية والثقافية أحدثت تنوعاً واضحاً بين كيانات البيئة الواحدة لا يجوز تـجاهله في درس واقع بيئتنا في الهلال الـخصيب التي تؤلف بيئة متكاملة الأجزاء- متممة التكامل الاقتصادي- الـجغرافي- الاجتماعي- الستراتيجي.

 

كما أنه لا يجوز للعاملين في الـحقل السياسي الاجتماعي العربي، تـجاوز اختلافات البيئات العربية الأربع الكبرى وتـمايز شخصياتها النفسية والاجتماعية وفواصلها الـجغرافية والاقتصادية في موجة الاتـجاه الاتـحادي العصرية في عالـمنا العربي وفي العالم أجمع يدفع إليها تواثق عرى التعامل والتكامل وتوجيه الـمضامين الانسانية والقيم الـحضارية الراقية.

 

 

الكيانات والأوضاع الـخاصة والـمحلية

 

 

ففي الهلال الـخصيب الذي تؤلفه دول العراق والشام والأردن ولبنان وفلسطين والكويت- على كل ما يلفه من شؤون وحدوية أساسية كوحدة الـمصير الـمباشر الـمشترك ووحدة الأرض والتاريخ، ووحدة الاقتصاد والاجتماع والنفسية الأساسية، إلا أن لكل كيان أوضاعه الـخاصة ومشاكله الـمحلية، وقد برزت هذه الأوضاع والـمشاكل بعد أن جزأنا جهلنا أو تـجاهلنا لهويتنا القومية خلال أجيال طويلة وبعد أن تآمر الاستعمار على تفسيخنا دويلات يسهل عليه قيادها واستغلالها، وبعد أن مارسنا الـحياة السياسية الـمستقلة في عهود الاستعمار والاستقلال وما ينتج عنها من مضاعفات ومنافسات وعصبيات.

 

فكل وحدة ترتـجل بين هذه الكيانات ستصطدم حتماً بهذه الـمضاعفات التي تأصلت جذورها وفروعها وستعرض الـمصير الوحدوي لأمتنا للتصدع والتأخر وتزيد في تـجاربنا الوحدوية الـمريرة.

 

فبعد أن مارسنا الـحياة الانفصالية طيلة أجيال عديدة، بإرادتنا -وبالرغم  منا- وبعد أن باعدت بيننا هذه الـممارسة وزادت في تباعدنا، وكونت مصالح جزئية وفئوية مبنية على الانفصالية، يجب أن تتدرج هذه الكيانات نحو الوحدوية بتصميم مدرك ومسؤول، فتبقى الشخصية السياسية الـحقوقية لكل دولة قائمة وفاعلة وتنسيق الشؤون الطبيعية الـمشتركة تنسيقاً مستقلاً لا يتعارض ومـمارسة هذه الشخصية السياسية الـحقوقية.

 

وأهم هذه العوامل العامل الاقتصادي الواحد لبيئتنا الذي لا يعود على اقتصاد أمتنا إلا بالازدهار ولا على دولنا منفردة بالتكامل والـخير الأكيد.

 

كما إن عامل الدفاع الـمشترك وتوحيد الشأن الدفاعي العام في وجه الـخطر الصهيوني الـمتاخم لـحدود كل دولة من دول أمتنا، عدا عن كونه واجباً دفاعياً محتماً لكي نستطيع أن ندرأ الـخطر الـجاثم فوق صدورنا- إلا أنه أيضاً يـمكن أواصر التطور الوحدوي الطبيعي.

 

وفي الشأن الثقافي لا يجوز لدول بيئتنا الـمرتبطة ارتباطاً مصيرياً لا مفر منه- إن شاءت أو أبت إلا أن تتجه نحو توحيد البرامج الثقافية وتطويرها بـما يليق بالدول الراقية في القرن العشرين وطابع القرن التقدمي الثوري في كل كيانات الأمة وتشجيع تبادل البعثات والتفاعل الثقافي تـمهيداً لقيام الـمستوى والـمفهوم الثقافي الواحد الذي يجب أن يقوم ليتاح للوحدة أن تكون وتدوم.

 

وفي الشأن الاجتماعي- على كل دول أمتنا- أن تعتمد النظرة القومية الاجتماعية الـمبنية على الـمشاركة في الـحياة ومبدأ وحدة الـحياة، أن تعتمدها الـمنطلق الأوحد للمواطنة أو عضوية الدولة بواجباتها وحقوقها، فلا العرقية، ولا الطائفية، ولا العائلية إلا من أسباب التفسخ الرجعي، التي تـجعل من الدولة الواحدة دويلات وتكاد تـمسخ الأمة الواحدة أمـماً وتـجعل الهيئة الاجتماعية الواحدة- التي منها وبها يكون الانسان ما يكون- ميداناً للتجارب والتآمر وإضاعة الـجهد والقوة في اقتتال داخلي لو بذل مثله في سبيل الـمجتمع الواحد لتم بناؤه شاهقاً وشامخاً.

 

وإن هذا النظام القومي الاجتماعي لا يـمكن أن يتسامح بأي حكم يتعارض والعدالة الاجتماعية- وهو بالضرورة- مؤمن بالاشتراكية الاجتماعية- إيـمانه بإنسانيته- عامل على تـحقيقها عمله على تحقيق ذاته ووجوده.

 

إن كياناتنا، في بيئة الهلال الـخصيب إذا وعت هذه الـمضامين وعملت لها- تـحقق بالتطور الطبيعي الوحدة الطبيعية التي تتضمنها وتصونها.

 

 

الـحزب ولبنان

 

الـحفاظ على الاستقلال وتـمتين الرابطة الطبيعية

 

 

هنا- في هذا الـمجال- ينفرد لبنان بوضع أخص. فبالإضافة إلى مجمل تقوية الفكرة الانعزالية وتبريرها حتى فإن للبنان سبباً أساسياً  ساعد على الأسباب الـمباعدة بين كل هذه الكيانات باتت عند نصف اللبنانيين جزءاً لا يتجزأ من الولاء الوطني وشأناً يعتبر البحث فيه نوعاً من الهرطقة إن لم نقل الـخيانة.

 

ذلك أن لبنان- كان ولـما يزل  يعتبره الـمسيحيون ملجأ لهم ووطناً خاصاً بهم- لا يسلمون إلا بحتمية استمراره وبقائه- ويرفضون في شأنه البحث في الـمرحلية التطورية.

 

ولقد كان لبنان ينفرد عن غيره من كيانات أمتنا بوضع خاص به. إلا أن التطور الـحتمي للقيم والـمفاهيم الاجتماعية والسياسية لم تعد تـجيز لنا أن نعتبر الشأن الطائفي هو مبرر قيام الكيان اللبناني واستمراره دولة مستقلة لأن هذه النظرة الرجعية لا تبرر استمراره إلا جزئياً عدا عن كونها تهدد استمراره من داخله اليوم بأكثر مـما تهدده من خارجه وإن كل التسويات الطائفية التي سميت بالـمواثيق الوطنية، برهنت عن عجزها وفشلها عن توحيد شعور اللبنانيين، ما دام وجود لبنان واستمراره مبنياً على أساس طائفي لا ينتمي إليه ولا يدين به ولا يؤمن بشرعيته نصف سكانه من الـمحمديين..

 

لذلك عاش لبنان- ويعيش اليوم- بين صراع الوحدوية والانعزالية، وبين صراع تفسخ فئاته الاجتماعية الـمختلفة في انطلاقاتها وغاياتها وولاءها.

 

ولقد طغى الـمبرر الطائفي لقيام لبنان وضرورة استمراره على الـمبررات الـحضارية الـحقيقية، لأن كل الـمحاولات الرسمية والشعبية، حول تـمتين أواصر الوحدة الوطنية كانت رجعية الانطلاق خاطئة الأسباب، باعتمادها الطائفية الأثيمة رغم الشعارات التي تاجر بها الطائفيون أكثر من سواهم.

 

إن القيم الـحضارية- الانسانية التي وجدت وتـجد اليوم في لبنان ملجأها وحصنها ومنطلقها هي هي التي يجب أن تكون مبرر قيام هذا الكيان ومبرر استمراره.

 

لذلك قال سعاده وأكد بضرورة صيانة هذا الكيان »نطاق ضمان للفكر الـحر» والقيم الـحضارية والانسانية والفكر الـحر لا يـمكن أن يكون في الانعزال. بل إن مجرد بناء لبنان على هذه القيم- يفرض عليه دوراً رسالياً واثقاً ومنفتحاً، ويجعل منه رائداً لهذه القيم في نطاق حدوده كما في نطاق بيئته.

 

إن استقلال لبنان وسيادته، لا يجوز أن تكون موضع مزايدة ولا أن تـجعل منها بعض الفئات الرجعية قميص عثمان تـحارب بها الـمؤمنين بلبنان القيمة بدل لبنان الرجعة والطائفية والانعزال.

 

إن البحث لا يدور- عند الطليعة التقدمية- حول استقلال لبنان بل حول دور لبنان ورسالته التي إذا تأخر أو تهاون في أدائها ضيع لبنان على نفسه مبررات وجوده في داخله قبل أن يضيعها في خارجه.

 

فلبنان مدعو أن ينفتح على البيئة التي يرتبط مصيره بـمصيرها ارتباطاً حتمياً ونهائياً. وأن يلعب في هذا الـميدان دور القيادة والثقة والانفتاح بدلاً من دور الانفعال والاستسلام والدفاع.

 

لبنان مدعو أن يكون هجومياً في هذا الـميدان، طليعياً في تقريره، رسولياً في نهجه، حريصاً على قيمه أن لا تضيع في داخله، بتخليه عن حضنها، وحريصاً على قيمه أن لا تـموت في داخله بشرنقتها وانعزالها.

 

وإن النهضة القومية الاجتماعية التي تعتبر الضم والفصل السياسيين والوحدات السياسية خالية الـمعنى، عديـمة الـجدوى، إذا كانت غاية بحد ذاتها، تدعو جميع اللبنانيين إلى تفادي مخاطر الانغلاق والانعزال، ومخاطر اعتماد الطائفية مبرراً لبقاء لبنان، وتستنفر جميع اللبنانيين، القلقين على لبنان منهم والعاملين على تذويبه بينهم، إلى اعتماد القومية الاجتماعية خشبة الـخلاص وعقيدة الانقاذ التي تصمد وتبقى.

 

بالأمس يوم هدد الاجتياح الناصري وجود لبنان تسابق القوميون الاجتماعيون إلى شرف الدفاع الفعلي عنه. فخضبوا أرضه بدماء شهدائهم وصانوه بقوة سواعدهم واراداتهم وحرابهم.

 

ولكن الكثيرين من أصحاب الغايات الـخصوصية ما فتئوا يرددون بأن القوميين الاجتماعيين لم يحاربوا في سبيل الدفاع عن لبنان بل دفاعاً عن وجودهم فيه.

 

واليوم بعد أن انكفأ الـمد الناصري وتقلص، فإن الـحزب القومي الاجتماعي، يريد أن يؤكد على رؤوس الأشهاد بإن الـحزب لن يتخلى عن القلعة اللبنانية وأنه يصونها بكل امكانياته وقواه، ولكنه لن يتخلى أيضاً عن الصراع في لبنان من أجل انتصار قضيته الـحقيقية.

 

لقد سبق للحزب أن تقدم إلى فخامة رئيس الـجمهورية اللبنانية بـمنهاج عملي لإنقاذ لبنان مـما يتخبط فيه. وإن الـحزب القومي الاجتماعي يعلن اليوم الـمبادئ العامة التالية أساساً لعمله في لبنان ويدعو الـجميع لاعتماده ميثاقاً وطنياً جديداً للعمل السياسي والقومي في لبنان:

 

 

الـميثاق الوطني الـجديد

 

أولاً- لبنان دولة سيدة مستقلة تـجمعه الرابطة العربية الأصيلة إلى كل شقيقاته الدول العربية ويشترك معها فعلياً في توثيق العلاقات العربية وتنسيق التعاون من أجل بناء صرح العروبة الذي يقوي كل دول العالم العربي.

 

ثانياً- لبنان مرتبط بدول محيطه الطبيعي ارتباطاً مصيرياً طبيعياً يحتم عليه تنسيق علاقاته الاقتصادية والاجتماعية والدفاعية والثقافية من أجل مصلحته الدائمة الـحقيقية ومصلحة دول محيطه.

 

ثالثاً- الشعب اللبناني متحد اجتماعي لا تـمييز في العنصر أو الطبقة أو الدين أو الـحقوق والواجبات بين جميع أعضائه.

 

رابعاً- يعمل لبنان على تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية والاقتصادية بتطور نظمه الاقتصادية والاجتماعية حثيثاً نحو الاشتراكية الاجتماعية، التي تؤمن العدالة وتـحفظ للمنتجين حق الاستفادة من انتاجهم الكامل- دون أن تسمح باستغلال الانسان للإنسان.

 

خامساً-اعتماد الديـمقراطية الـحقيقية في جوهرها قبل أشكالها وصيانة الـحريات الـخاصة والعامة صيانة فعلية لا لفظية.

أيها السادة،

 

أيها القوميون الاجتماعيون،

 

هذا بياننا بـمناسبة عيد تأسيس الـحزب القومي الاجتماعي وأنني آمل أن يلاقي عند السادة الصحفيين والـمواطنين الدرس والنقد العلمي الـمنتج والإستجابة الـمرجوة.

وأطلب من القوميين الاجتماعيين دراسة هذا البيان دراسة مسؤولة في مديرياتهم ومنفذياتهم ومناقشته بالروح القومية الاجتماعية لنزداد تعمقاً في فهمنا واستعداداً أكبر للبناء والعطاء.

 

 

 

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro