مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
1958 وحدة الهلال الخصيب بعد الانقلاب العراقي
 
 
 
خلافنا مع عبد الناصر وكيف يحل؟
 

 

نحن وعبد الناصر على خلاف كبير ذر قرنه منذ أكثر من سنتين، هذه حقيقة ظاهرة للعيان وإن كانت بحاجة إلى برهان عملي فقد كانت معركة لبنان الأخيرة هذا البرهان. ولكن لـماذا نقف نحن القوميين الاجتماعيين ضد السياسة العبد ناصرية نحاربها بكل هذه الضراوة. في منطق السياسة الناصرية نحن إنـما نحاربها لأننا »عملاء استعمار...» وكفى الـمؤمنين شر القتال بهذه البساطة ينتهي الـموضوع في منطق الأسلوب الغوغائي: أن تتهم خصمك بشيء خطير توفر على نفسك عناء البحث الرصين والاحتكام إلى العقل واستيحاء الـمصالح القومية الكبرى. والغريب في الأمر أننا نحن الذين نحارب السياسة الناصرية بضراوة كنا من أشد الـمتحمسين لعهد عبد الناصر أول ما أطل على مصر وثبة اصلاحية واتـجاهاً مصرياً قومياً سليماً. فمن تبدل يا ترى ومن هو الـمسؤول عن هذه الـحرب ولـماذا نحن نحارب من هللنا له بالأمس منقذاً لـمصر؟

 

من الواضح أننا لا نحارب عبد الناصر لأنه ثوري أو تـحرري، ولا نحاربه لنصون الـمدرسة السياسية العتيقة. فنحن قبله منذ 1932 قد حملنا راية الثورة التحررية وحاربنا السياسة الرجعية فكنا الانتفاضة الأولى في العالم العربي كله. ولاقينا في حربنا للساسة الرجعيين وللاستعمار الغربي من صنوف الاضطهاد والسجن والتشريد ما لم يلاقه أحد مثلنا لا عبد الناصر ولا سواه من متزعمي حركة »التحرر العربي»!

 

ومن الواضح أننا لا نحاربه لأنه يندد بسياسة الأحلاف الغربية العسكرية، فنحن أعلنا شجبنا لـحلف بغداد عام 1955 بشكل مبدئي مسؤول ولم يكن كتاب سيادة الرئيس الـمصري عن التحالف مع تركيا على غرار الـحلف التركي- العراقي قد جف بعدّ وذلك كان هو موقفنا من منهاج آيزنهاور عام 1957. ونحن نددنا بسياسة الغرب الاستعمارية منذ 26 عاماً حتى اليوم بـما يفوق وزناً وهيبة كل هذه الـمسرحيات التي تـمثل في »صوت العرب» في الوقت الذي تـجري مفاوضات من تـحت الطاولة مع الغربيين حول شؤون مصرية!

 

ومن الواضح أننا لا نحاربه لأنه بات متأخراً- من الـمتحمسين »للقومية العربية» ومن دعاتها في الظاهر، فنحن كما قال سعاده منذ نشأة هذه الـحركة القومية الاجتماعية وكما قال الـحزب باستمرار، نرحب بالصراع العقائدي ونتجند لضمان حريته. ونحن من جهة أخرى إذا ما تباين رأينا في معنى العروبة فإننا ايجابيون في نظرتنا إلى العروبة نعتبر أنفسنا منها ولها ونغتبط بـما لدينا من تراث عربي كما أننا نفخر بـما لقح به السوريون تراث العروبة والاسلام من خصب فكري وغنى نفسي وإنتاج بناء في كل الـحقول.

 

إذاً أين خلافنا مع عبد الناصر، طالـما نحن وإياه متفقون على الثورية والتحررية ومحاربة الـمدارس الرجعية القديـمة، وطالـما نحن وإياه متفقون على التنديد بالأحلاف العسكرية الغربية التي لم تؤمن مصلحة شعبنا وحريته وطالـما نحن وإياه متفقون على العروبة وأن تباين اجتهادنا في معناها ومغزاها؟ إذن علام الـخلاف ولم نحن على فراق؟

 

فبعد أن كنا نتطلع إلى يوم تسير ثورتنا القومية الاجتماعية الاصلاحية إلى جانب ثورة عبد الناصر الاصلاحية فتتفاعلان عقائدياً وفكرياً بحيث تتلقح ثورة مصر ببذور نظامنا القومي الاجتماعي وحلوله الاجتماعية- الاقتصادية وتتركز مصرية عبد الناصر على أساس قومي واضح وعلى أساس العروبة الايجابية العاملة لقيام جبهة عربية منيعة، بعد أن كنا نتطلع بأمل وشوق وانفتاح على غد ثوري إصلاحي تعاوني بيننا وبين ثورة الشقيقة مصر طلع علينا الغد وقد تـجلبب عبد الناصر بالعروبة ملوثة بالشيوعية وبالـمصرية التي تتخطى نطاق القطر الـمصري إلى العالم العربي كله فتزرعه ناراً وكبريتاً ودسائس وفتناً لتذيبه كله في محورها هي، فإذا التوسع الـمصري يتحالف والتغلغل الشيوعي ويتستران كلاهما بـمظلة العروبة الوارفة الظلال والتي هي منها براء.

 

هنا بدأت فصول الـمأساة تتجمع وكأن خلافنا مع عبد الناصر، ولكن لكي نكون واقعيين وعمليين لا نريد أن نستعرض الأسباب والدوافع التي أدت إلى هذا التبدل بل نود أن نستعرض النتائج التي حذر حزبنا منها مسبقاً والتي جاءت اليوم هذه النتائج بكل قوة وثقل تفرض الـحل فهل يقبله سيادة الرئيس.

 

في حلب وفي كل الشام انتعاش اقتصادي عمره أسبوعان وسببه عودة العلاقات الطبيعية بين دمشق وحلب وبغداد والـموصل، فالـمعامل الكبرى والصناعات الانتاجية التي بقيت مقفلة وعاطلة عن أي انتاج طوال أشهر »الوحدة» بين مصر والشام والتي لم يستطع قرار مجلس النواب الشامي ولا قرار مجلس الأمة الـمصري، لا خطاب القوتلي في الـمبايعة ولا خطاب عبد الناصر بقبول الـمبايعة، لا هتافات البعثيين ولا مظاهرات الـمعارضين اللبنانيين في دمشق ابتهاجاً بالـحدث، لم تستطع كل هذه التظاهرات الشكلية السياسية أن تفتح معملاً واحداً ولا أن تـحرك انتاجاً ولا أن تدر خصباً، حتى خطاب الرئيس عبد الناصر في انتحال الأسباب والذرائع »للوحدة» والغوص على زوايا التاريخ ليوجد من »أخوة السلاح» و»أخوة الدين» و»أخوة اللغة» ما يبرر الاتـحاد الاصطناعي بين مصر والشام، كل ذلك لم يكن أقوى من الواقع، فبعد أن قالت صحافة مصر طيلة سنوات أن »مشروع الهلال الـخصيب» مشروع استعماري ومعاد للوحدة فتحت معامل حلب وتـحرك النشاط الاقتصادي في دمشق بعودة العلاقات الطبيعية بين قطبي الهلال الـخصيب، بغداد ودمشق!

 

لقد انتصر الواقع على الرومانطقية وانتصرت الـحقيقة على صخب الغوغاء وتبين أن الذي باعد بين الشام والعراق هو الشكل السياسي لا الواقع الطبيعي وأن الذي قارب بين مصر والشام هو الشكل السياسي لا الواقع الطبيعي أيضاً. وهنا كانت الـحقيقة الأولى التي من أجلها اختلفنا مع عبد الناصر يوم أقام »الوحدة الاصطناعية» مع الشام وعمل على إقصاء العراق. فلو قال بـمحاربة نوري السعيد ونظامه مع اعترافه بأن ما بين العراق والشام هو أقرب وأمتن بكثير مـما بين مصر والشام فسعى وعاون الشام لتتحد مع العراق وبقي هو النصير الشقيق الـحليف لـما كان بيننا وبينه ذلك الـخلاف المبدئي، فيوم تـحققت »الوحدة الاصطناعية» بين الشام ومصر قال حزبنا في بيانه التاريخي »الاتـحادات الأخيرة وشؤون الساعة»: لقد حلت وحدة الاتـجاه السياسي محل الوحدة القومية الـحقيقية، وحدة الـحياة والبيئة والـمصلحة، فالأمر السياسي الذي باعد بين دويلات الوطن قرب ووحد بين دولتين من وطنين طبيعين متباينين، والسياسة الـخارجية بطبيعتها متطورة متبدلة وفق مصالح الدولة الـمتطورة. ولذلك كانت ركيزة الاتـحاد الأولى ركيزة غير ثابتة بل هي أقرب ما تكون إلى التحول والتبدل السريعين.» وقال حزبنا أيضاً. »ليس الـحل في الاتـحاد الاصطناعي مع مصر، هذا الاتـحاد الذي يأتي بـمشاكل اقتصادية وسياسية جديدة...» وقد اعترف الرئيس عبد الناصر نفسه بوجودها في خطابه الأخير في 22 تـموز حين أعلن أن »الوحدة» مع الشام تـمخضت عن عجز اقتصادي مالي كبير!

 

أما الـحقيقة الثانية فلعلها أكثر تعقيداً وأدق تركيباً، ذلك هو عدم تـحرر النهج الناصري من النفوذ الأجنبي. ففي الوقت الذي كان عبد الناصر يندد بسياسة الغرب واستعماره وأحلافه ويدعو إلى »الـحياد الايجابي» كان من جهة ثانية ينحاز تدريجياً إلى السوفيات ويرتبط ويربط الشام معه باتفاقيات عسكرية واقتصادية جائرة لا نعتقد أنها من حيث الـجوهر تختلف عن منهاج آيزنهاور أو حتى حلف بغداد رغم أنها قد تتباين في الشكل الذي يبدع السوفيات في حسن تنميقه وفي زخرف تزويقه! وإلى هنا والأمر هين والـمسألة أبسط من أن تسبب خلافاً فإن سعاده قد وضع لنا منذ نشأة حركتنا قاعدة أساسية في نهج السياسة الـخارجية هي أن نكون متحررين في علاقاتنا الـخارجية من أي اعتبار عاطفي أو تقليدي وأن نستوحي مصلحتنا القومية فقط، ولعل الغرب بنهجه السياسي السابق قد دفع بعبد الناصر إلى هذه الارتباطات الـجائرة. الأمر إلى هنا لا يشكل خلافاً أساسياً ولكن الـخلاف يغدو جديا متى أصبحت السياسة الـخارجية متفاعلة مع التوجيه الداخلي العام ومؤثرة فيه. ولتبيان هذا الأمر علينا بالعودة إلى الأساس العقائدي. لقد انطلق عبد الناصر بعد نكسة السودان وبعد أن تردى الوضع في الشام في اتـجاه عروبي جديد غير الذي كان قد أعلن عنه في »فلسفة الثورة»، فبقدر ما كانت الرؤية واضحة لديه في النهج الأول حين دعا مصر إلى العروبة الواقعية، بقدر ما اختلطت الـمفاهيم وارتـج عليه حين دعا إلى »القومية والوحدة العربية». فعبد الناصر لم يكن يؤمن »بالقومية العربية» ولعله حتى الآن لا يؤمن بها ولكنه أرادها تعويضاً عن فشله في تـحقيق وحدة وادي النيل  الطبيعية، أرادها ستاراً للتوسع الـمصري في العالم العربي، وحين انطلق بهذا النوع من العروبة غير الواضحة الأسس، الـمتوددة غوغائياً وعاطفياً إلى الشعوب العربية وجد نفسه على تلاق مع الـمخططات الشيوعية التي تعمل دائماً على استغلال الـحركات الوطنية غير الـمركزة عقائدياً والتائهة عاطفياً وغوغائياً عن الـمحور السليم. فأصبحت شعاراته شعاراتهم وتزاوجت السياسة الـخارجية  مع النهج التوجهي الداخلي ورويداً ارتفع العلم الشيوعي مقنعاً »بأعلام التحرر والوحدة ومحاربة الاستعمار...» فكان وجه الـخلاف الآخر بيننا وبين سيادته! لأننا نحن بـمحاربتنا للاستعمار لا نـميز بينه غربياً عسكرياً استثمارياً وبينه سوفياتياً يتوسل التخريب الفكري مع الاحتلال والاستثمار.

 

من هنا إن انفلاش حركة عبد الناصر ودورانها على غير محورها الـمصري وتوسلها الغوغاء والعاطفية وافتقارها إلى الأسس العقائدية القومية  كان كله الـمرتع الـخصب لنمو بذور الشيوعية ولعمل الـمخططات السوفياتية بشكل جعل بلادنا في تـجاذب مخيف بين خطر الأسطول السادس وخطر طائرات الميغ التي لها قواعدها الكثيرة في الشام.

 

فكيف يكون الـحل إذا كانت هذه هي أوجه الـخلاف؟ أما نحن فنقولها بكل انفتاح ومحبة وتـحسس بروابط العروبة ومصالح العرب الـمتبادلة والـمشتركة بأننا راغبون في ايجاد مثل هذا الـحل شرط أن يكون مستوحياً من الـحقيقة لا من العاطفة وشرط أن ينطلق من الواقع لا من الـخيال.

 

 - 2 -

 

لقد جابه الواقع الطبيعي حركة عبد الناصر  بأبسط وأبلغ تعبير. قال الواقع الطبيعي لعبد الناصر يـمكنك أن توحد الـحكومات والأشكال ولكن ستبقى الشام منفصلة عن مصر اقتصادياً وجغرافياً واجتماعياً. وقد تتمكن من فصل العراق عن الشام سياسياً ولكن أوردة الـحياة تبقى سارية بحيوية وحرارة بين العراق والشام. وعلى الرئيس الـمصري أن يختار الآن بين الـمطامع السياسية وبين مصلحة الـحياة لشعبه وللشعوب العربية الأخرى وفي طليعتها شعبنا. إن تاريخ سورية الـحديث يتحداه. فكل مرة زار فيها سيادته ضريح يوسف العظمة شهيد ميسلون، ألم يكن يشعر أنه بفصله الشام عن العراق وبضمه الشام لـمصر، قد تـحدى مقررات الـمؤتـمر السوري الكبير، تلك الـمقررات التي أعلنت وحدة الهلال الـخصيب بعراقه وشامه وأردنه وفلسطينه ولبنانه، تلك الـمقررات التي استشهد من أجلها يوسف العظمة وكانت ميسلون. إن نداء الوحدة في الـمؤتـمر السوري الكبير لم يكن نداء مطلقاً مجرداً بل كان نداءه تـحسساً بالواقع الطبيعي وخاضعاً لأحكامه وعاملاً لتحقيق الشكل السياسي الـملائم والـمنبثق عن الوحدة الطبيعية.

 

لقد كانت الدعوة الوحيدة التي تسترت بها مصر لتجارب وحدة الشام والعراق بإن في العراق حكماً مـمالئاً للغرب معادياً لـمخططات »التحرر العربي»، فما هي الـحجة التي يقدمها سيادة الرئيس الـمصري الآن، وهل عبد الكريـم قاسم وعبد السلام عارف، وصديق شنشل مـمالئون أيضاً للغرب ومضادون لـمخطط »التحرر العربي»؟ هل يرضخ سيادة الرئيس للواقع الطبيعي بعد أن تغير الشكل السياسي في العراق؟ أم أن سيادته يخشى قيام وحدة الهلال الـخصيب التي قد تنازع مصر الزعامة في »العالم العربي؟ إن سيادته أمام محك رهيب يقرر على ضوئه ما إذا كان مخلصاً للعروبة أم متاجراً بها ونحن نتمنى أن يكون سيادته مخلصاً للعروبة عاملاً لعزها كما يقول فيشجع الاتـحاد الشامي العراقي بعد أن زالت كل العوائق السياسية، ويقنع بأن تكون علاقة مصر بهذا الاتـحاد الـجديد الـمنبثق من واقع الوحدة الطبيعية، علاقة تـمليها الـمصالح العربية الـمشتركة والـمتبادلة فيقوم نوع من التحالف السياسي العسكري بين جمهورية مصر ودولة الهلال الـخصيب الـجديدة. هذا هو الـحل الأول للجزء الأكبر من الـخلاف. نحن نضع هذا أمام سيادته مستوحين أمرين: الواقع الطبيعي وما يـمثل من حقيقة موضوعية قام عليها البرهان والدليل العملي،وثانياً العروبة التي تقضي تـجرداً في التعامل وحرصاً على مصلحة الشقيق لا تقل عن الـحرص على الـمصلحة القومية الـخاصة. نحن نسأل سيادته هل يريد الـخير للشام والعراق؟ إذا كان يريد هذا الـخير فماذا يـمنعه من تشجيع الوحدة بينهما؟ وإذا كان سيادته من جهة أخرى قد أعلن في خطابه في 22 تـموز إن الاتـحاد الشامي- الـمصري لم يحقق الغاية الـمنشودة فلماذا بعد هذا الإعلان وبعد هذا الاختبار لا يحل هذا الاتـحاد الاصطناعي لينظم علاقة تـحالف جديدة مع الاتـحاد الشامي- العراقي العتيد؟ هذه هي العروبة الواقعية وهذا هو الإخلاص للعروبة في أن تتحقق القوة والـمنعة لأقطارها والسؤدد والـمجد لها. إن الوضع القائم اليوم هو عكس الواقع الطبيعي تـماماً، فالـجمهورية العربية الـمتحدة متحالفة مع الـجمهورية العراقية، أي الاتـحاد الاصطناعي متحالف مع شطر من الوطن الطبيعي، نحن نرى أن تقلب هذه العلاقة فيتم الاتـحاد الطبيعي بين الشام والعراق ويعقد التحالف مع مصر، هذا لـمصلحة الشام والعراق وكذلك لـمصلحة مصر ولـمصلحة العروبة بالتالي في أن يوضع كل أمر في نصابه وأن تتحقق القوة متوسلة السبيل الطبيعي، فالتحالف يكون بين مشتركين في مصالح متبادلة ومشتركين في نهج سياسي- عسكري أما الاتـحاد فيكون بين أجزاء وحدة اقتصادية-جغرافية- اجتماعية ذات دورة حياة كاملة. إن هذا التصنيف الأخير ينطبق كلياً على العراق والشام، بينما ينطبق التصنيف الأول على مصر. نحن إذن يا سيادة الرئيس بكل إيجابية ندعوك إلى مباركة الاتـحاد العراقي-الشامي وتشجيعه وإلى حل الاتـحاد الـمصري- الشامي الـمصطنع، وإلى إقامة تحالف سياسي- عسكري مع دولة الاتـحاد الـجديدة. بهذه الايجابية نعرض عليك الـحل الأول لـخلافنا فهل تضع مصلحة العروبة نصب عينيك وتقبل؟

 

 

- 3 -

 

إذن فالعقدة الأولى في الـخلاف هي عقدة تلبيس الـمصلحة الـمصرية ثوب العروبة. نحن بإسم العروبة نطلب من الرئيس الـمصري أن لا تتلبس ثوب العروبة أية مصلحة قومية خاصة بل أن تبقى العروبة الرابطة الـمشتركة بين العرب في أقطارهم وأوطانهم على تنوعها وتنوع مصالح الـحياة فيها ويجري تنسيق عام لـمصالح الشعوب العربية بشكل إيجابي. ذلك أننا نتساءل لـماذا يجب أن نستوحي سياستنا الـخارجية في العالم العربي كله من مصالح مصر في قناة السويس والسد العالي ولا نـجعل البترول العراقي، والـمسألة الفلسطينية محور تركيز سياستنا الـخارجية؟

 

متى أعيد النظر في أوضاع العالم العربي الراهنة واستوحيت مصالح الشعوب العربية بكل موضوعية وتـجرد واعتمدت العروبة الـمنزهة عن الـمصالح الـخاصة لتنسيق تعاون أفضل وأجدى وأكثر إيجابية بين الشعوب العربية عندها تنحل العقدة الأولى وتـحصل النتائج الايجابية التالية:

 

أولاً:تقوم دولة قوية في الهلال الـخصيب متفاعلة اقتصادياً واجتماعياً ومتماسكة جغرافياً واستراتيجياً فتكون الـجبهة العربية كلها قد تقوت وتعززت.

 

ثانياً: بدل كيان الـجمهورية العربية الـمتحدة الـمصطنع والـمتدهور اقتصادياً وسياسياً والـمتباعد عسكرياً يقوم تعاون جديد بين دولة الهلال الـخصيب وبين مصر على أساس الـجبهة العربية وعلى أساس تـحالف عسكري-سياسي وتنسيق اقتصادي مشترك ومتبادل. إننا إيجابيون في تطلعنا إلى التعاون مع مصر ولكننا نراعي الـمصلحة الـحقيقية والواقع الطبيعي في تخطيط هذا التعاون الـمجدي.

 

ثالثاً: تتدارس هذه الـجبهة العربية الـجديدة مشاكل العرب بحيث لا تطغى مشكلة على ما عداها كطغيان قضايا مصر على الكثير من الـمسائل العربية. فتصبح مسألة فلسطين في طليعة هذه الـمسائل القومية والعربية التي تطرحها جبهة العرب الـجديدة على بساط البحث الدولي بقوة وإخلاص وتـماسك. فلا يسمح لدولة عربية أن تتنازل عن أحكام الـمقاطعة »لإسرائيل» من أجل مصالـحها الـخاصة هي. لا يسمح لـمصر أن تفتح قناة السويس لسفن »الكوكب الأسود» الشركة اليهودية التي تـحمل السلع والانتاج اليهودي من »اسرائيل» وتـحمل إليها مواداً ضرورية لصناعتها وكل ذلك عبر قناة السويس. وتصبح مصلحة العرب في بترول العراق من معطيات السياسة الـخارجية الـجديدة بدل أن تكون مسألة السد أو مسألة السويس هي الركيزة الوحيدة للسياسة الخارجية الراهنة الـمفروضة على العالم العربي.

 

إذا عمل عبد الناصر في خطوط هذا النهج وعاد إلى مصر يركز عليها نشاط الثورة وحيويتها بغية تـحقيق الاصلاح الاجتماعي- الاقتصادي وتفجير الامكانيات الانتاجية في وادي النيل بتعاون صادق ومتفاعل مع دولة الهلال الـخصيب فإن نهجه يتغير من الأساس. ذلك أنه يتخلى حتماً في هذه الـحال عن النهج الغوغائي في الدعاية والسياسة فيقطع الطريق على الشيوعيين الذين يستغلون الآن حركته الدائرة على غير محورها القومي والـمنفلشة عاطفياً وغوغائياً. وهو من ناحية أخرى إذا ما التزم هذا الـجانب الواقعي البناء في الـمجالين الـمصري والعربي يغدو بطبيعة الـحال قومياً إصلاحياً بناء وبالتالي تغدو القومية الاجتماعية لا الشيوعية ولا الغوغائية هي سبيله ونهجه. وهنا مجال التفاعل الـخير الـمحب بين الـحركة العقائدية الأولى في العالم العربي وبين ثورة مصر.

 

يدنا تتجاوز الـخلاف لتصنع الـحل رغم كل الأذى الذي لـحق بنا من سيادته ومن الدائرين في فلكه فهل لدى سيادته القدرة أن يـمد تلك اليد أم أن لغة المنطق والواقع والايجابية قد شلت من زمان؟

 

 

»البناء»:من سلسلة مقالات ظهرت في آب 1958

 

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro