مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
ملحق رقم 6 الحزب السوري القومي الاجتماعي الوضع السياسي في الوطن والعالم العربي وموقف الحزب من شؤون الساعة وقضايا الأحلاف
 
 
 
إلى المواطنين في العراق والأردن والشام ولبنان (نزعة العروبة الـخيالية)
 

 

 

نزعة العروبة الـخيالية

 

هذه النزعة شاملة لنزعات متعددة »فالواقعيون» والاشتراكيون وحتى الـمذهبيون كالإخوان الـمسلمين ينضوون تـحت لوائها.

 

أنها تؤمن بجميع الناطقين بالضاد أمة واحدة، وتؤمن بأن العرب في وحدتهم، فيهم كل القدرة التي توفر لشعوبهم القوة والتقدم والازدهار.

 

لن نتطرق هنا إلى الـحقيقة القومية ومعناها، لنفند ما  إذا كان العرب في العالم العربي هم أمة واحدة، أو أمـم  عربية متعددة، وحسبنا أن هذه النزعة هي إيـمان بتخطي الأوضاع الراهنة الـمجمع على فسادها، وعلى عجزها، في حال استمرارها، عن توفير مقومات الـحياة والصحة والنمو للشعب.

 

ولكن هذه النزعة في مختلف أشكالها الاشتراكية والـمذهبية والواقعية متساوية في انعدام البرامج العملية فيها، لتحقيق الغاية التي تصبو إليها.

 

شيء واحد تأتيه هذه النزعة على مختلف أشكالها هو بث الدعوة للايـمان بوحدة الأمة العربية في الشعب باستمرار، وبـمناسبة وغير مناسبة، دون أي اهتمام بالعقبات التي تعترض طريق هذه الوحدة العربية ودون أي سعي بالتالي لوضع البرامج العملية الـمؤدية إلى تـحقيق الوحدة.

 

والـمتابع الـمراقب يكاد يلمس أن ما يقوله أحد أقطاب هذه النزعة، الأستاذ ساطع الـحصري في كتابه »العروبة أولاً» من أن كل البرامج العملية تنحصر في الدعوة إلى الايـمان بالأمة الواحدة، لأنه  متى عمّ الايـمان ورسخ انبثقت الـخطط والـمشاريع العملية. أن هذا القول ينطبق على كل الأشكال الـمختلفة التي تنضوي تـحت لواء هذه النزعة.

 

إنها لا تقدم، إذاً، كبرنامج لتحقيق الغاية، سوى الإيـمان بالغاية، وكأن عدم توفر الإيـمان الكافي بها هو الذي يحول دون تـحقيقها.

 

ثم إذا كانت الـخطط والـمشاريع والبرامج العملية لتحقيق هذه الغاية تنبثق عن رسوخ الإيـمان بها، فهل تفتقر هذه النزعة، في مختلف أشكالها، إلى مؤمنين راسخي الإيـمان، ينبثق فيهم، عن إيـمانهم هذا، برنامج عملي للوحدة يعالج العقبات القائمة في طريقها، وإذا كانت لا تفتقر إلى مؤمنين فلم لم تنبثق هذه الـمخططات العملية حتى الآن؟

 

إن اعتبار هذه النزعة خيالية ناجم عن أنها تتعامى عن الواقع وعن مواجهة العقبات التي تعترض طريق تـحقيق إيمانها، وتكتفي فقط بـأن تترنـم بالغاية وبأن تعتبر أن عدم توفر الايـمان الكافي بها هو العقبة.

 

ولو أن النزعة غير خيالية لاهتمت بالعقبات الطبيعية التي تعترض طريق وحدة العرب، وبالـحواجز الاجتماعية الداخلية القائمة في طريق الوحدة، ولوضعت برنامجاً عملياً لتخطي كل هذه العقبات هو غير الايـمان بالغاية، على كل حال.

 

إن نزعة لا تقدم سوى الايـمان النظري بالوحدة، كمخطط لتحقيق الوحدة، لا يـمكن أن تكون غايتها إلا من قبيل التمني لا من قبيل الأهداف الواعية.

 

هذا الإيـمان النظري كان يـمكن أن يكون غير مؤذ للمصلحة القومية، لولا ثلاث نقاط خطيرة تتجلى فيها ضرورة إيقاظ الـمؤمنين بهذه النزعة إلى الـخطر الذي يعرضون إليه أمتهم.

 

النقطة الأولى هي في أن الكثيرين من دعاة الوحدة العربية الشاملة يخفون وراء تبنيهم لـمثل هذه الدعوة حرصهم على ابقاء الأوضاع الراهنة على حالها، ذلك أنهم يدركون أن عملية توحيد البيئات الـمختلفة أمر من الصعوبة والعسر بـمكان بعيد، ولذلك فإن تبني مثل هذا الاتـجاه، يضع على سورية واحدة وحدة الشام ولبنان مثلاً، مع وحدة لبنان واليمن. والذين يهمهم ابقاء الأوضاع الراهنة يجدون في الدعوة للوحدة الشاملة الترس الذي يؤمن ويحمي بقاء الأوضاع على حالها. من هذا القبيل ما نراه من فئات تـحارب لاعتبارات طائفية صرف لبقاء الأوضاع الراهنة وتقف مع ذلك موقف العطف من الدعوة للوحدة العربية الشاملة، في حين أنها تـحارب حرباً ضروساً كل دعوة لتوحيد اتـجاهات دولتي الشام ولبنان مثلاً.

 

والـحاكمون العاملون لـخصوصياتهم، والـمستمرئون بقاء الاوضاع الراهنة على حالها، هم أيضاً يتغنون بالوحدة العربية الشاملة، على قاعدة أنه كلما كبر الـحجر صعب الضرب به.

 

هذه النقطة تدل بوضوح على الـخطر الذي تؤدي إليه نزعة العروبة الـخيالية، في افساحها الـمجال لابقاء الاوضاع الراهنة على حالها، وبالتالي ابقاء أوضاع الضعف والعجز للأمة.

 

والنقطة الثانية التي تظهر خطر هذه النزعة، هي في أن دعاتها بسائق ايـمانهم بالوحدة الشاملة، يحاربون، بعناد وضراوة، كل نزعة لتوحيد البيئة الواحدة في العالم العربي، بدلاً من توحيد مختلف البيئات.

 

دعاة هذه النزعة يفقدون الادراك السليم الذي هو في أن توحيد البيئة الطبيعية الواحدة الـمتوفر لها كل الـمقومات التي تسهل عملية توحيدها يبقى حجر الأساس في كل وحدة عربية شاملة في حال إمكانية تـحقيقها.

 

إن البيئة الواحدة الـمجزأة يبقى كل جزء فيها عاجزاً عن أن تكون له القدرة على القيام بعملية توحيد مختلف البيئات، مهما بلغ ايـمانه بالوحدة.

 

هذه النقطة الثانية، نقطة انزلاق دعاة الوحدة العربية الشاملة في منزلق محاربة وحدة البيئة الطبيعية، تكشف بوضوح مدى مساهمة هذه النزعة بالابقاء على الأوضاع الراهنة، وإن كانت تعلن لنفسها غاية غير هذه الغاية.

 

أما النقطة الثالثة فهي أن هذه النزعة توهمت أنها وجدت تـحقيقاً عملياً لوحدتها العربية الشاملة،  في الـجامعة العربية.

 

لقد كشفت الـجامعة العربية حتى اليوم عن عجزها عن درء الأخطار عن العالم العربي، فكارثة فلسطين ومحنة الـمغرب وغيرها شاهد صارخ على العجز في سياسة الـجامعة العربية.

 

ولقد كشفت هذه الـجامعة العربية، عن  أمر آخر هو أشد ايلاماً، كشفت عن أنها قامت، وفي ميثاقها تكريس للتجزئة السياسية، وتثبيت للأوضاع الراهنة في العالم العربي، وفي سياستها وسياسة دولها الأعضاء اتجاه علني لـمقاومة كل ما من شأنه أن يغير الأوضاع الراهنة.

 

ولعل الذين رافقوا ولادة الـجامعة العربية يربطون بين ميثاقها الـمكرس لأوضاع التجزئة، وسياستها الـمحاربة لكل تغيير في هذه الأوضاع، وبين ترحيب الدوائر الأجنبية وتشجيعها لقيام الـجامعة العربية على الأساس الذي قامت عليه، وهي الدوائر الأجنبية نفسها التي فرضت على بلادنا تـجزئتها في معاهدة سايكس بيكو.

 

لهذا فقد ارتضى بالـجامعة العربية دعاة الإنعزال والانكماش، بـمقدار ما ارتضى بها دعاة الوحدة العربية، أولئك وجدوا فيها عمليَا الـمحافظة على الأوضاع التي يتمسكون بها، وهؤلاء رأوا فيها ما يرضي نزعتهم »الايـمانية الـخيالية». وكلنا يذكر التعبير الـجميل الذي أطلقه شعاراً  لكيان من كيانات وطننا، قطب من أقطاب الوحدة العربية، في سبيل تثبيت هذا الكيان وتثبيت انعزاله »كيان مستقل نهائي عربي الوجه واليد واللسان».

 

وإذا كان البعض يريد أن ينسب العلة في عجز الـجامعة العربية عن توفير أسباب أي تقدم وقوة للشعوب الـمشتركة فيها، في الـميادين العسكرية أو الاقتصادية-الاجتماعية، إلى أن ميثاقها لا يلزم الأعضاء بالـمقررات إلا عند حصول موافقة اجماعية، وأن هذه الـمؤسسة بالتالي، غير قادرة بحكم هذا الوضع، عن تخطيط خطة موحدة تلزم بها جميع الأعضاء، فإن ما ينبغي التنبيه إليه هو أن العلة في ضعف الـجامعة العربية، وعجزها ليس ناجماً عن هذا مطلقاً.

 

في فلسطين اتخذت قرارات إجماعية، وأرادت الـحكومات اجماعياً القيام بعمل انقاذي، ولكن القوة لم تتيسر  بالرغم من هذا الإجماع.

 

والـمغرب العربي تشترك كل دول الـجامعة العربية في الإجماع على تـحريره، ومع ذلك فإن هذا الإجماع لم ينهض به من الـمحنة النازلة بربوعه وأهليه.

 

علة الـجامعة ليست في أنها مؤسسة لا تلزم أعضاءها بـمقرراتها، وإنـما هي في التجزئة التي قام ميثاقها يكرسها بالاجماع.

 

وقد قامت الـجامعة العربية، وفي ذهن الأجنبي الذي شجع عل اقامتها، وفي ذهن السعودية ومصر الـمشتركين فيها، وفي ذهن الـمسؤولين في كيانات الهلال السوري الـخصيب، اتـجاه واحد هو التعويض بها عن تعبير أوضاع التجزئة التي هي عليه بلادنا، والـحيلولة بواسطتها دون أي مساس بهذه الأوضاع.

 

أن بعض الدول العربية ويا للأسف لا تكتم خشيتها من اختلال توازن القوى في العالم العربي لغير مصلحتها، في حال تغيير الأوضاع الراهنة، فجعلت من الـجامعة العربية الأداة التي تـجمد بها القوى بدلاً من أن تكون الأداة العاملة في إطلاق هذه القوى.

 

وحين كشفت كارثة فلسطين عجز الـجامعة العربية عن ضمان السلامة القومية، وأخذت الشعوب العربية تتململ باحثة عن مخرج جديد، نبتت فكرة الضمان الـجماعي العربي، لصرف الأذهان عن العمل لتغيير الأوضاع الراهنة الفاسدة وبث الطمأنينة في النفوس عن طريق التلويح بالاقتصاد العربي الـموحد والـجيش العربي الـموحد اللذين جاءت بهما فكرة الضمان الـجماعي العربي، كل ذلك بشرط الـمحافظة على الأوضاع الراهنة ومحاربة فكرة الاتـحاد التي نادى بها العراق.

 

أن النزعة العروبية الـخيالية لم تـجد في هذا التثبيت، الذي جاء به ميثاق الـجامعة العربية، وميثاق الضمان الـجماعي العربي، لأوضاع التجزئة والانقسام في دويلاتنا. ما يـمكن اعتباره تضارباً وتناقضاً مع نزعتها، فسلمت بالـميثاقيين وساهمت بذلك عملياً في عملية الـمحافظة على أوضاعنا الراهنة بالرغم من أنها تتجه من حيث الفكرة النظرية إلى تغيير هذه الأوضاع.

 

والأمر الأخير الـخطير في النزعة العروبية ليس هو فقط في النقاط الثلاث التي شرحناها وإنـما هو أيضاً في أنها نزعة تنشر نفسية الاعتماد على وهم جيوش السبعين مليوناً، فتخلق في النفوس روح الاتكالية والاستسلام.

 

أن نزعة العروبة الـخيالية بالرغم من أنها  قامت نظرياً لنسف أوضاع التجزئة، والتماس وسائل القوة في وحدة تـمكن الشعب من النهوض، تساهم، كما نرى في عدم الـمساس بأوضاع التجزئة وفي تستر ذوي الـمآرب والـمنافع الـخصوصية وراءها لتبرير ابقائهم على الأوضاع الراهنة، ومحاربتهم لكل نزعة تعمل للتوحيد الـحقيقي لبيئة طبيعية من بيئات العالم العربي، تـحت ستار الـحرص على الوحدة الشاملة، وتـحت ستار أن وحدة البيئة الطبيعية تهدم وحدة العرب.

 

آذار 1955                                                                         

                                                                                             عمدة الإذاعة

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro