مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
مهزلة استقلال لبنان
 
 
 
جريدة الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 50، 15/8/1942
 

 

 

 

بيّنا في العدد الـماضي خطل الذين يحاولون القدح في السوريين القوميين اللبنانيين وفي كل سوري من لبنان رفض قبول ما تفرضه الإرادة الأجنبية في سورية. وأوضحنا فساد ادّعاء أولئك الـمتعيشين أنّ إنكار اختراع «القومية اللبنانية» هو مروق من الوطنية.

 

نعود الآن إلى هذا الـموضوع ضمن دائرة النظرة السلبية من «استقلال لبنان». فقد أظهرنا في الـمقال السابق أنّ هذا «الاستقلال» إنـما هو نتيجة فرض الإرادة الأجنبية على الشعب السوري في لبنان، كما في أماكن أخرى. ولا ينفي هذه الـحقيقة وجود عدد من اللبنانيين اعتقدوا بإخلاص أنّ انفصال لبنان عن جسم الوطن واستقلاله هو الـحل الوحيد لـمسألة الـمسيحيين التي كانت موجودة في الـماضي بشكل لم يعد لها الآن، خصوصاً بعد نشوء الفكرة القومية الصحيحة التي أوجدها الـحزب السوري القومي الاجتماعي. فقولنا إنّ «استقلال لبنان» الذي أعلنه القائد الفرنسي لـجيش الاحتلال غورو، والذي أعلنه القائد الفرنسي لـجيش الاحتلال الـجديد كاترو هو مهزلة، لا يعني شيئاً من التهكم على القائلين بوجوب هذا الاستقلال، لأننا لسنا من أصحاب فلسفة الاستهزاء، بل يعني إعطاء الواقع إسمه الـحقيقي.

 

استقـلال لبنان ليس سـوى مهزلـة مهيـنـة لـجميـع الـلبنـانيـين، سـواء الـذيـن يريـدون الانفصـال والـذيـن يأبونـه، لأن الإرادة الأجنبية قررت ضاربة بحقوق الشـعـب السيـاسيـة عـرض الـحـائـط. ولا جـدال في أنّ الـذيـن قبلوا هذا التقرير الأجنبـي شجـعـوا تلـك الإرادة على تنفيـذ مـراميهـا. وسببـه ضعـف ثقـافتهـم الاجتمـاعيـة ــــ السيـاسيـة وجهـلهـم مبادىء الـحقوق الـمدنية. ولولا تدخّل الإرادة الأجنبية في الأمر لكان له وجه آخر.

 

إنّ اللبنانيين يجـب أن يـرفضـوا هذه الـمهـزلـة الـماسّة بشرفهم القومي، حتى ولو كانوا يريدون الانفصال عن بكرة أبيهم. فتقرير الإرادة الأجنبية أمورهم يعني إلغاء إرادتهم، ووضع الإرادة الأجنبية محلها، وهو أمر يلغي كل أثر للسيادة القومية التي تعني إرادة الشعب.

 

الذين يقولون بالانفصال اللبناني يـمكنهم أن ينشئوا حزباً منظماً لهذه الغاية، أو أن يعملوا على بث دعوتهم بين اللبنانيين لاستمالة الأكثرية إليهم، ثم إعلان الاستقلال بإرادة لبنانية مستقلة، يلفظها مجلس يـمثّل اللبنانيين، في هذه الـحالة لا يكون هنالك مهزلة وتصبح الـمسألة مسألة غلط أو صواب لا مساس فيه بكرامة الشعب. أما أن يقف قائد جيش محتل ويقول «إني أعلن لبنان الكبير» أو «إني أعلن الـجمهورية اللبنانية الـمستقلة» فهو شر البلية وأكبر العار ولذلك يجب أن يكون هذا الإعلان مرفوضاً، وأن يشترك في مقاومته طلاب الانفصال مع طلاب الوحدة، لأنه تهجّم على كرامة الشعب واحتقار إرادته.

 

إنّ الفرنسيين والبريطانيين أبوا استفتاء السوريين في أية مسألة سياسية من الـمسائل التي بقوا فيها ظلماً وعدواناً لسببين: الأول أنهم حسبوا أنفسهم أصحاب السيادة على البلاد بالفعل، بواسطة قواتهم الاحتلالية، وبالـحق بواسطة معاهدة الصلح الـماضية وصك الانتداب. الثاني أنهم لم يكونوا واثقين من موافقة الشعب على نياتهم السيئة، فجزأوا البلاد كما أرادوا.

 

مسألة «الاستقلال لبنان» هي أهم مسائل التجزئة التي أجراها الأجانب في وطننا، نظراً لأهمية هذه الـمنطقة من الوجهة الداخلية ومن الوجهة الاستراتيجية، وقد رأى الفرنسيـون أنه يـمكن، بعد فرض هذا الاستقلال فرضاً على الشعب، تسميم عقول الناشئة وإنشاء جيل جديد يقبل هذه الأحداث الغريبة، ولهم وسائل لهذه الغاية أهمها: برامج الـمدارس، ورشوة الصحافة، وتشويق أصحاب الـمطامع في كراسي الـحكم والقضاء، وبالـمناصب والرواتب، والبراطيل تنصر الأباطيل.

 

أصـاب الـمستعبـدون بعـض النجـاح وبثـوا الفجـور السياسي والاجتماعي في جميـع الأوسـاط الشعبيـة، خصـوصاً في الأوساط التي تدّعي أنها علية الشعب، فدغدغوا شهواتها، وداعبوا مطامعها بالنيابة والوزارة والرئاسة وما إليها. وظنوا أنهم بلغوا غايتهم، وأنّ الأمة قد سقطت كلها في حبائل الفجور. وفيما هم ينعمون بهذا الظن الأثيم، إذا بالرماد ينكشف عن نار نهضة رائعة ما لبثت أن تـحولت إلى كابوس أقضّ مضـاجـع الـمستعبـدين وأذنـابهم، فـلـم يعـد لهـم هـمٌ غيـر إخمـاد هـذه النـار وإطفاء نورها.

 

إنّ النجاح الذي أدركه الـمستعمرون لم يكن كاملاً ولكنه أوجد حالة تكثر فيها الـمصاعب للعمل القومي. وهذا يكفي لتنبيه النفوس التي لم يـمت ولم يشلّ وجدانها إلى الـخطر الـمحدق لعلها تستفيق قبل فوات الأوان. وقد قيّض الله لهذه الأمة الكريـمة دعوة حق تـجد فيها ثوابها ويكون بها انقاذها من الانحلال والفناء.

 

نشأت النهضة السورية القومية الاجتماعية لتقرّب النفوس وتوحد الشعور والإرادة، ولتعلن ابتداء عهد جديد يحلّ فيه الاتـحاد محلّ الافتراق، وتـحظى النفوس بالـخير والسعادة والطمأنينة. فيا كرام انفضوا رماد التواكل واللامبالاة وتعالوا نتفاهم على مصيرنا، تـجـدوا ما كان مغلقاً قد انفتح وما كان معمى قد اتضح، فليس قليلاً ما يـمكن التفاهم تـحقيقه لـمن يبغون الـحق والـخير.

 

 

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro