مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
حالة لبنان المحزنة
 
 
 
جريدة الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 49، 1/8/1942
 

 

 

انتهى دور البشائر والتهاني بإعلان «استقلال لبنان» للمرّة الثانية بالشكل عينه الذي أعلن به الاستقلال الزائف الـمرّة الأولى، وجاء دور خيبة الأمل لـجميع الذين خدعتهم الإذاعات الـمغرضة التي تصل إليهم بإيعاز الإرادة الأجنبية، وإن تكن تصدر باللغة القومية.

 

قلنا للمنخدعين من اللبنانيين إنّ «إستقلال لبنان» ليس سوى كلمة خداعة تستر عبودية لبنان، ولكن الإذاعة التي تنفق عليها أموال أجنبية أبت إلا التعييد والتزيين لأول سبتمبر([1])/أيلول الذي وقف فيه قائد أجنبي معلناً أنه صنع من لبنان ما شاء وسمّى صنعه بـما شاء. ولم تقبل تلك الإذاعة الغشاشة الـخداعة ترك ذلك الرياء والنفاق حتى جاء قائد جيش أجنبي آخر محتل وأعلن أنه يلغي استقلال أول سبتمبر/أيلول ليعلن استقلالاً آخر. فأمن جميع الـمأجورين والـمرائين على إعلان هذا القائد الـجديد وقالوا: الآن صدّقنا أنّ استقلال أول سبتمبر/أيلول لم يكن استقلالا حقيقياً فيجب ترك التعييد له وقبول استقلال... نوفمبر/تشرين الثاني.

 

وبينما الصحف الـمأجورة تهتم بتهيئة الأفكار لقبول استقلال كاترو([2]) بدلاً من استقلال غورو وبينما رجال وزارة الاستعباد في لبنان يسعون بكل قواهم للحصول على الاعتراف بـمهزلة جديدة مؤلـمة من قِبل الدول الثابتة، ترد أخبار الوطن القليلة وفيها أدلَّة كافية على زيف جميع ما أعلن من «استقلال وسيادة» للبنان والشام.

 

في الأخبار الواصلة مؤخراً أنّ مسألة الصلاحيات التشريعية التي هي أول شيء تبـاشـره الـدول الـمستقلـة لا تـزال في يـد مفـوضيـة الفـرنـسيـين الـمتطـوعيـن في جبهة «الديـموقراطية» بقيادة ديغول، وأنّ الـحكومة اللبنانية درست مسألة هذه الصلاحيات، وأنّ رئيس «الـجمهوريـة» راجـع «فخامة الـمندوب العام» في هذا الأمر فأصدر هذا (الـجنرال كاترو) مذكرة سُلّمت لرئيس «الـجمهورية اللبنانية». وغرض هذه الـمذكرة، على ما تقول الصحف هو إبلاغ الـحكومة اللبنانية «رغبة» الـمفوض الفرنسي في تأليف لـجنتين الواحدة عن الـجانب الفرنسي والثانية عن الـحكومة اللبنانية لدرس مسألة الصلاحيات. وما كادت هذه الـمذكرة تصل إلى الـحكومة الـمذكورة حتى باشرت تأليف لـجنتها فتشكلت على هذه الصورة: وزير الـخارجية، الأستاذ حميد فرنـجية، رئيس اللجنة، ومناط به بحث ناحية دوائر جوازات السفر. الأستاذ جميل نـمور عن دوائر البرق والبريد. والكولونيل نوفل قائد الدرك اللبناني العام عن الـحرس السيّار. و«الأمير» موريس شهاب عن دوائر الآثار.

 

وكانت اللجنة الفرنسية قد تألفت من أربعة أعضاء. فاجتمعت اللجنتان في شبه لـجنة مختلطة اجتماعاً أولاً وتقرر متابعة الاجتماعات للاستمرار في درس مسائل الصلاحيات التشريعية الـمحدودة الـمذكورة في انتداب اللجنة اللبنانية.

 

وتقول الأخبار الـمشار إليها إنّ الـمفوضية الفرنسية كتبت إلى حكومة الشام تبلغها عزمها على جعل صلاحيات التأشير على جوازات السفر من اختصاص تلك الـحكومة.

 

بعد كل هذه الـحقائق الـمؤلـمة يريد أكّالوا السحت أن يقنعوا العالم بأن لبنان والشام قد صارا دولتين مستقلتين. ولا تستحي الـحكومة اللبنانية من التماس تدخّل بعض وجهاء الـمجموع السوري في البرازيل من اللبنانيين لـحمل حكومة البرازيل على الاعتراف بهذا الاستقلال الزائف.

 

إننـا لا ننـدم على أنّ استقـلال هذيـن الـمسخين، لبنـان والشـام، لم يصر حقيقة راهنة. فلعل الـحركة السورية القومية الاجتماعية تتمكن في هذه الفترة من حمل اللبنانيين على التفاهم بعضهم مع بعض والاقتناع بأنه لا موجب حقيقي لإيجاد دولة في لبنـان تخـرج من نطـاق القـوميـة السـورية التي تقبلها الأكثرية اللبنانية والتي نشأ حزبها من صميم لبنان.

 

إنّ الـحالة محزنة ويجب على ذوي الوجدان الـحي ألا يبقوا في موقف الـمشاهد الذي لا يعنيه شيء من الأمر. فإن مصير أمة بأسرها على وشك أن يتقرر وأبناء هذه الأمة يجب أن يستيقظوا ويتنبهوا للأخطار الـمحدقة بأمتهم، وأن يعلموا أنهم شركاء في الـمسؤولية العامة ولا يخرجهم من الـمسؤولية كونهم فضّلوا راحة أنفسهم بالبقاء بعيداً عن الـمعركة.

 

ومـما يزيد الـحالة عبوساً خبر هلّلت له الأقلام الـمأجورة، وفي طليعتها قلم جريدة الضلال التي تسمى الهدى وأقلام كتّابها ومراسليها. هو خبر ورد على الـجريدة الـمذكورة من مراسلها في بيروت الذي جعل عنوانه «لبنان محور الأدب في الشرق» وإننا ننشره بكامله وهو كما يأتي:

 

«من أهم الـمظاهر التي تثلج صدور اللبنانيين في هذه الـحرب الضروس أن يكون لبنان قد احتفظ بطابعه التاريخي الذي طالـما سمح له بنشر رسالته داخلاً وخارجاً. وهذا الطابع هو جعل لبنان الـمقر الطبيعي الذي ينمو الفكر الإنساني تـحت أفيائه حراً طليقاً، فقد اختارته فرنسة الـحرة مركز نشرها ودعايتها وهذه بعض الـمظاهر: «عمد فريق كبير من أدباء فرنسة البارزين إلى تأسيس شركة برأسمال ستين ألف ليرة لنشر الثقافة الفرنسية في الشرق، وقد عقدت أولى اجتماعاتها واتخذت مقررات عملية لتنفيذ منهاجها.

 

«وقد صدر كتاب هو باكورة الـمنشورات باللغة الفرنسية في بلادنا عنوانه بنجمان كونستان بقلم السيد رينه بلين رئيس الغرفة السياسية في مندوبية فرنسة الـحرة. وأصدر الكاتب اللبناني فرج الله الـحايك روايته هيلانة باللغة الفرنسية أيضاً.

 

«وهكذا انتعشت الـحركة الأدبية الفرنسية في ديارنا وقد توفرت لها رغم الأزمات كل الإمكانيات الـمادية.

 

«وهناك مظهر آخر لهذا الانتعاش وهو احتفاء الـحلقات الأدبية في مصر بالشاعر اللبناني هيكتور خلّاط الذي أصدر حتى الآن ثلاثة دواوين باللغة الفرنسية، فقد عزز هذا التكريـم التفاهم الروحي والرابطة الـمتينة التي استرجعت كثيراً من حيويتها آخراً.

 

«والـحق يقال إنه منذ قُدّر للنازية أن تسيطر على أوروبة الغربية انعدم بالطبع كل نشاط أدبي، وخبت الأنوار التي كانت تنير آفاق الثقافة، فقد تشتّت من استطاع من الأدباء والعلماء والـمفكرين ولاذ بعضهم بشرقنا، فلم يتوانوا عن إكمال تأدية رسالتهم لـما وجدوا في بلادنا ميداناً لتفكيرهم وصادفوا آذاناً عطشى لأصواتهم.

 

«وراحت الـمطابع في بيروت ودمشق والقاهرة وفلسطين تقذف الكتب والـمجلات والنشرات في الأدب والسياسة والتاريخ، عدا التي تبحث في قضايا الـحرب الـمباشرة، فهذه مؤلفات تروي جهاد اليونان واستبسالها، وتلك تخطط حياة فرنسة الـحرة، وهاتيك تقص ذكريات عن أبطال الـحرب الـحاضرة».

 

أي أدب هو هذا الأدب وأي انتعاش له؟

 

أدب الفرنسيين يعيش في لبنان ليموت أدب السوريين. فتزدهر القضايا التي يهتم لها ويعالـجهـا التفكيـر الفـرنسـي، وتغلب القضايا التي يهتم لها ويعالـجها التفكير السوري. وهو من أكبر اللعنات التي يـمكن أن تـحلّ على أمة من الأمـم، ومن أدهى الـمصائب التي تنزل بها.

 

وهذا دليل آخر على وجوب التحرك السوري الواسع قبل فوات الأوان وحلول الـخراب القومي العام.

 

 

 

 


[1] في 31/8/1920 أعلن الـجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير (جبل لبنان والساحل والأقضية الأربعة). 

 

[2] كاترو، جورج، جنرال فرنسي عُيّن حاكماً لدمشق تـحت رئاسة الـجنرال «فيجان». تم في العام 1940، مـمثلاً لـحكومة الـجنرال ديغول (فرنسة الـحرة) في الشرق الأوسط ومفوضاً سامياً في الشام ولبنان.

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro