مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
إنتصار القومية السورية يحقق الجبهة العربية القوية!
 
 
 
جريدة كل شيء، بيروت،العدد 97، 1949/2/4
 

 

قد تبيّـن من مقاليّ السابقيـن: «العروبة أفلست» و«... والانعزالية اللبنانية أفلست» أنّ إفلاس التعرب والتلبنن عائد إلى الأوهام «القومية» التي تتعلق بها الرجعيتان الـجديدتان اللتان تُلبسان الـحزبية الدينية لباس القومية، ظانتين أنّ هذا الإلباس يقوم مقام الـحقيقة ويغني عن القومية الصحيحة. وقد لـخصت القضيتين الـمتناقضتين اللتين تنادي بهما الرجعيتان الـجديدتان في أنّ الرجعية العروبية تريد جمع ما كوّنته الطبيعة متفرقاً وأنّ الرجعية اللبنانية تريد تفريق ما كوّنته الطبيعة وفرضه الواقع مجموعاً واحداً - مجتمعاً واحداً، أمة واحدة. فالرجعية الأولى تريد أن تـجعل من البيئات التي كوّنتها الطبيعة في قارتين بيئة واحدة ومن الشعوب والأمـم القائمة، في تلك البيئات، شعباً واحداً وأمة واحدة. والرجعية الثانية تريد أن تـجعل من البيئة التي كوّنتها الطبيعة بيئة واحدة متماسكة بيئات، ومن الشعب الواحد والأمة الواحدة شعوباً وأمـماً. وقد قلت في الـمقال السابق إني لا أتوقع أن يتَّعظ الرجعيون الـمتجددون الـمستعربون ومستغلو العروبة بالـحقائق التي جلوتها وبالنكبات التي حلّت بالأمة السورية، من جرَّاء أوهامهم ورجعيتهم. وأقول في هذا الـمقال، إني لا أتوقع أن يتعظ الرجعيون الـمتجددون الـمتلبننون ومستغلو التلبنن بـما جرّته أوهامهم على الأمة السورية عامة، وعلى اللبنانيين خاصة، من تقهقر وانخذال.

 

إنّ للرجعية لغتها الـخاصة ومفاهيمها ومقاييسها الـخاصة. فالغضبة على الـمضللين الرجعيين وعلى قضايا التضليل هي، في قاموسهم، «شماتة»! وهم يجهلون تـماماً القول «قد أُعذر من أنذر» والفتن الدينية التي تـجر الأمة إلى حروب أهلية ومذابح يذبح فيها ابن الأمة أخاه هي «قومية تقدمية» عندهم. وقد يخطر لبعضهم أن يصير عالـماً رجعياً في الاجتماع والسياسة فيقول: «الأمة أصل والشعب فرع» فيأتي بآيات تقدّم رجعي باهر ويحتاج العالم التقدمي إلى التقدم مئات من السنين إلى الوراء ليتمكن من فهم هذه اللغة. ويجب أن أعترف أني، بعد أن عانيت ما عانيت في بناء الـحقيقة القومية التي لا تـمنع أن تقول الأمة بـمعنى الشعب والشعب في مقام الأمة والتي تقول إنّ كل أمة شعب ولا يعكس، لم يعد في إمكاني أن أتقدم إلى الوراء كل الشوط الدراسي الذي تقتضيه معرفة سفسطة النهضة الرجعية وأن أتعلم «أنّ الأمة ليست الشعب وأنّ الشعب جزء من الأمة وأنّ هذه أصل وذاك فرع.».

 

والرجعية الـجديدة أشد مكابرة، في الـحق، من الرجعية القديـمة، لأنّ هذه بسيطة تعرف بساطتها ولها قضية واحدة بسيطة، أما الرجعية الـجديدة فقد أنشأت لنفسها سفسطة ملتفة وملتوية وأقامت علماً رجعياً يقف دونه العلم التقدمي مطأطئاً، صاغراً. وهي، في سفسطتها ومكابرتها لا تسلّم، أبداً، بأنها أفلست. فما دام في الأمة السورية رمق حياة وبقية قوة فهي لا تقدم طابق إفلاسها! إنها لا تقدّم طابقها إلا بعد أن تكون قد قضت على كل قوة وكل إمكانية في سورية!

 

ولكن، إذا كانت النايورجعية، بنوعيها العربي واللبناني، قد أفلست إفلاساً عظيماً، باهراً، وجلبت على الأمة السورية نكبات هائلة شهد روعتها العالم كله فهل تعجز الأمة السورية عن النهوض والتغلب على الرجعية والنايو رجعية؟

 

قد برهنت الأمة السورية بنهضتها القومية الاجتماعية على استعادتها حقيقتها وعلى تـجلي هذه الـحقيقة في نظرة إلى الـحياة والكون والفن متفوقة منتصرة وعلى مقدرتها على مواجهة القضايا والـمسائل القومية والإنترناسيونية، بقضية قومية اجتماعية كلية واحدة ومبادىء حية تقضي على شعوذة النايو رجعية.

 

إنّ القومية هي وعي الأمة وجودها. والأمة ليست لغة ولا ديناً ما، بل هي واقع اجتماعي - هي مجتمع إنساني وأرضي. فلو أطلقت لغة واحدة في العالم كله لـما جمعت العالم أمة واحدة. ولو أطلقت فيه مذهباً دينياً واحداً لـما صار أمة واحدة. فلا اللغة ولا الدين ولا الاثنان معاً يجعلان الناس أمة واحدة، أي مجتمعاً ذا شخصية سياسية. هذه أمـم العالم الإسباني فإنها تتكلم لغة واحدة، وتدين بالـمذهب الكاثوليكي الواحد وجميعها إلى ذلك، من أصل واحد إسباني وهي مع ذلك، أمـم لا أمة، لأنها مجتمعات لا مجتمع واحد. وعلى هذا القياس تقيس العالم اللاتيني والعالم الأنكلوسكسوني والعالم الـجرماني والعالم الصقلبي والعالم العربي، مع العلم أنّ روابط العالم الإسباني اللغوية والدينية والدموية أيضاً هي أقوى كثيراً في ذاتها ومن الوجهة التاريخية والوجهة النفسية من روابط العالم العربي والعوالم الأخرى باستثناء الأنكلوسكسوني.

 

إنّ الفتح الـحربي وتغيير لغة قوم ودينهم بواسطة الفتح لا يلغيان وجود الأمة الـمغلوبة. فقد افتتح النرمان إنكلترة وسيطروا عليها وغيّروا لغتها الـجرمانية وصيَّروها لاتينية وبقيت الأمة الإنكليزية. وغيّر الفتح العربي اللغة السريانية في البلاد والدين في غالبية السوريين ولكن الثقافة السورية هي التي سيطرت على اللغة العربية وبقي الـمجتمع السوري هو هو. وبُسط الدين الـمحمدي على الفرس والترك وغيرهم وسيطر العرب عليهم حيناً وفرضوا عليهم اللغة العربية ديناً ولكن القومية تغلبت على الرابطة الدينية في الفرس والترك كما تغلّبت على الرابطة الدينية واللغوية في سورية. وسبق الفرس والترك سورية في مضمار الوعي القومي بسبب استعادتهما سيادتهما القومية باكراً. لتّن الفتح الروماني العالم اللاتيني لغة وديناً ولكنه لم يستطع تلتينه قومياً وجعله أمة واحدة، لأنه لم يستطع توحيد البيئة والـمجتمع. فبقيت إسبانية في طبيعتها وواقعها الاجتماعي وبقيت كذلك فرنسة وإيطالية ورومانية، وتـجزأت إيطالية إلى دويلات مخالفة للواقع الاجتماعي الـجغرافي، وقامت فيها مـملكة نابولي ومـملكة سردينية وجمهورية البندقية وغيرها وتسلحت كل منها باعتبارات كالتي تتذرع بها فكرة «القومية اللبنانية» ولكن وحدة البيئة، ووحدة حياة الـجماعة، كانت أقوى من كل سفسطات التجزئة القومية.

 

بينما «القوميات» الرجعية تسير في سورية من خسارة إلى خسارة ومن إفلاس إلى إفلاس، تسير فيها القومية الصحيحة - قومية الـحياة والواقع الاجتماعي - قومية الأمة السـوريـة من ربـح إلى ربـح ومن انتصـار إلى انتصـار. فقد انتصـرت هـذه القومية الصحيحة بانتصار النهضة السورية القومية الاجتماعية على تـحالف الاحتلال الأجنبي والرجعيات الوطنية ضدها - على ملاحقات القوات الـمسلحة واضطهادات الرجعيين وحقد النايو رجعيين وشماتتهم. وقد أظهرت هذه النهضة القومية الاجتماعية، التقدمية، فساد القضايا والأهداف والـخطط الرجعية وفساد التفكير الرجعي الـجديد وأساليبه في جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والـحربية الـحيوية للأمة السورية، وأنبأت بالكوارث التي يقود الأمة السورية إليها التفكير النايو رجعي وأنذرت أصحاب هذا التفكير بالعواقب الوخيمة ثم ساعدت، ما أمكن الـمساعدة، وعملت على تدارك ما أمكن تداركه. ولكن النفسية النايو رجعية صممت على إلقاء الأمة في التهلكة لعلها تقدر أن تنقذ طابقها وتتّقي الفضيحة!

 

وقد انتصرت النهضة القومية الاجتماعية، ليس فقط بنموها الـمستمر وتغلّبها على جميع الصعوبات والـمقاومات الرجعية، بل بفرضها أهدافها وأساليبها حتى على التفكيـر النايـو رجعـي نفسه. وآخر الأدلـة والبراهيـن على ذلك الدعوة إلى مؤتـمر للأحزاب السياسية في سورية الطبيعية للنظر في توحيد هذه الأحزاب أو توحيد غايتها الأساسية وخطط عملها. فهذه الدعوة التي تولت تنفيذها، بعض الأحزاب النايو رجعية، هي التي وجّهتها أنا نفسي باسم الـحركة السورية القومية الاجتماعية في رسالتي إلى القوميين الاجتماعيين والأمة السورية الـمؤرخة في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1947. ولكن العقلية النايو رجعية رأت أن تتبنى مشروع مؤتـمر الأحزاب السورية باسم مشروع «مؤتـمر الأحزاب العربية» في سورية الطبيعية ورأت أن لا تدعو إليه الـحزب القومي الاجتماعي الذي هو صاحب الدعوة الأصلي!وقد انتهى «مؤتـمر الأحزاب العربية» ببقائه مشروعاً لـمؤتـمر سوري صحيح للنظر في الـمسائل الـمستعجلة الـحيوية للأمة السورية.

 

إنّ انتصار القضية السورية القومية الاجتماعية التي هي قضية الوجود السوري والـحقيقة السورية والفكر السوري على قضايا السفسطة النايو رجعية هو انتصار الوجود على العدم وانتصار الـحقيقة على الوهم - إنه انتصار يجمع السوريين أمة واحدة وقومية واحدة لـمجتمع واحد قد زالت منه العصبيات والعنجهيات الـمليَّة وتآويل الـحزبية الدينية للقضية القومية. فيرى أنفسهم الذين غررت بهم وفرّقتهم «قوميات» النايو رجعيين الـمتضاربة مجموعين في قوميتهم الصحيحة - قومية واقعهم الاجتماعي الـحيوي، قومية أمتهم غير الـمقهورة، قومية نفسيتهم غير الـممسوخة، قومية تاريخهم الـمجيد العريق الذي هو أعرق وأمجد تاريخ في العالم طراً، إذا نظرنا إلى التاريخ بعين الـحقيقة والتجرّد عن الهوى وتـجريد القيمة التاريخية من نظرة العصبية الدينية.

 

إنّ القضية السورية القومية الاجتماعية هي انتصار على عقلية التعلق بتوحيد ما ليس واحداً في الاجتماع والأرض وبتجزئة ما هو واحد في الاجتماع والأرض. بهذا الانتصار تنهض الأمة السورية، وبنهضة الأمة السورية يـمكن إنشاء جبهة عربية أمكن وأقوى من الـجبهة التي تشكلت في «الـجامعة العربية» في وضعها الذي أفلس!

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro