مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
العروبة أفلست!
 
 
 
جريدة كل شيء، بيروت،العدد 95، 1949/1/21
 

 

لم يخامرني قط شك في أنّ العروبة - عروبة «الوطن العربي» الـممتد شريطة طويلة ملتفة ومتمعجة على شواطىء غرب آسية وشمال أفريقية، وعروبة «الأمة العربية» الـموجودة في جماعات مختلفة الأجناس الـمتفرقة والبيئات الـمتباعدة والنفسيات الـمتباينة، وعروبة «الـمجتمع العربي» الذي تنقصه كل خصائص الـمجتمع الصحيح الـحي الفاعل وكل عوامل الاتـحاد الاجتماعي وعروبة الأربعين أو الـخمسين مليون عربي - قضية خاسرة في سورية، مضيعة لكل مجهود تقوم به الأمة السورية لـحفظ كيانها ووطنها وتـحقيق مطالبها في الـحياة. وقد جزمت، بعد درس نفسية العروبة الـمذكورة في سورية - نفسية «القومية العربية» - في أنها مرض نفسي شوّه العقل السوري والإدراك والـمنطق. فلما وضعت تعاليم الـحركة القومية الاجتماعية ودعوت الأمة السورية إلى وعي حقيقتها ووحدة حياتها ومصيرها، كان رد الفعل عند مرضى العروبة من نفس نوع رد الفعل عند جميع الـمرضى النفسيين الـميَّالين إلى الوساوس والهياج. فكانت تلك الـموجة الأولى من النقمة الرجعية على بعث القومية السورية - على وعي الوجود السوري والـحقيقة السورية وأهداف الـحياة السورية!

 

لم يكن للأمة السورية مهرب من الـخسارة في قضية «الأمة العربية» التي تعني، من وجهة الاجتماع الإنساني، معضلة كمعضلة الـحركة الدائمة في مسائل الطبيعة والهندسة. فالعروبة في سورية الطبيعية هي عملية صادر بلا وارد - كما يقال بتعبير اقتصادي - هي عملية استنزاف قوى عقلية ونشاط روحي وإنفاق مجهود مادي عملي بلا تعويض. هي إضاعة الـحقيقة في تيارات نفسية من الأوهام وفي خضم من الأضاليل. هي تضليل من قِبل إقطاعيين ومتزعمين لـحزبيات دينية لا يفتأون يثيرون نعرات تلك الـحزبيات ويستغلون عماوة الغوغاء الـمستعد دائماً للاندفاع في تيار قوة الاستمرار الرجعي، لأنّ ذلك أسهل عليه من تعوّد شيء جديد ومـمارسة حياة جديدة.

 

وقد أنبأت الأمة السورية بأضرار تلك العقلية العروبية الوهمية والاتكالية، وشرحت في كتاباتي واقع العالم العربي الذي هو واقع أمـم ومجتمعات متقاربة يسهل تعاونها وتشكيل جبهة تعاونية منها، لا واقع أمة واحدة ومجتمع واحد. وناديت الأمة السورية إلى النهوض بنفسها لتتمكن من الأشتغال في قضايا العالم العربي، ولتكون قوة فاعلة في تكوين الـجبهة العربية، وحذّرتها من عاقبة الاستسلام لوهم «الوحدة العربية»، ومبالغات «الأربعين أو الـخمسين مليون عربي» الـمذرورين على شواطىء قارتين. فقامت قيامة العروبيين ومستغلي العروبة على الـحزب القومي الاجتماعي، وأخذوا ينادون أنّ هذا الـحزب، الذي يريد إنقاذ سورية من تخبطها وفوضاها وجعلها قوة ذات قيمة تعاونية كبيرة في العالم العربي، «عدو للعرب» ذهبت كيليكية فقلت إنّ على سورية أن تقوم هي بقضيتها القومية وتستعيد هذه الـمنطقة الشمالية الـخصبة من الوطن السوري، وقال العروبيون: لا بأس. فإنّ «الوحدة العربية» ستتكفل بإعادة هذه الأرض. ثم ذهبت الإسكندرونة ذات الـموقع الـحيوي الـممتاز فقال العروبيون: لا بأس، «فالوحدة العربية»، متى تـمّت، تعيدها. وقال القوميون الاجتماعيون قد خسرت سورية الإسكندرونة كما خسرت كيليكية بسبب إهمالها قوميتها وعدم إقبالها على إقامة النظام القومي الاجتماعي الذي يوحد قواها ويعطيها فاعلية الـحياة، فيجب أن تنهض سورية بقوميتها لتستعيد الإسكندرونة. ثم جاءت أزمة فلسطين فكررت إنذاراتي بذهاب هذه البقعة الثمينة من الأرض السورية إلى اليهود وغير اليهود إذا استمر الشعب السوري في خيال العروبة الـخيالية وَهَذَيان «الوحدة العربية وجيوش العرب والعروبة» ولكن العقلية «العربية» اللاتعميرية في سورية الطبيعية ظلت مستمرة في قواعدها وأساليبها إلى أن وصلت بالقضية الفلسطينية إلى الكارثة التي أنبأت، في رسالتي إلى الأمة في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، بوصولها إليها.

 

لم يجتمع العالم العربي أمة واحدة في فلسطين، كما كان يزعم السوريون العروبيون. وقد ظهرت في فلسطيـن حقيقة الواقع أنّ العالم العربي أمـم لا أمة. ومن صور هذه الـحقيقة الـمؤلـمة لغير الـمخدوعيـن وللمخدوعيـن الـمستيقظيـن، أنّ مصر كانت نظرياً، تـحارب مع السوريين ضد اليهود في حين أنها كانت، عملياً، تشاطر اليهود احتلال أرض سورية. فاستولت على منطقة النقب الغنية بالنفط والإمكانيات العمرانية، وعلى هذه الـمنطقة جرى أخيراً النزاع بين اليهود ومصر وتـجري اليوم مفاوضات السلم بين مصر وإسرائيل!

 

لم تكن هنالك حاجـة إلى اشتراك مصر والعرب في الدفاع عن فلسطيـن لو أنّ الأمة السورية كانت ناهضة بحقيقتها التي تنادي بها الـحركة القومية الاجتماعية، ولو لم تكن صريعـة الوهم العروبي - وهم «الوحـدة العربـية والـخمسيـن مليون عربـي» الذي يحاول العروبيـون أن يستعيضوا به عن نتيجـة جهلهم واقع الأمـة السورية وواقع العالم العربي.

 

في فلسطين أفلست العروبة وأفلست الفئة العروبية من فئات الـNeo  رجعيين!

 

كان إفلاس العروبة في فلسطين إفلاساً كاملاً، باهراً، نادر الـمثيل. إنها أرادت أن تواجه قضية سياسية إنترناسيونية من الطراز الأول بقضايا وهمية ومبادىء ميتة!

بعقلية الـجهاد الديني، الذي انتهى أجله ومضى زمانه، أرادت عروبة النفسية الـمريضة في سورية أن تعالج قضية قومية مـمتازة ومسألة سياسية من أدق مسائل هذا الزمن. وفي حرب عصرية في عصر القوميات أرادت أن تـحارب بجيش على مثال جيش «اليرموك» وأن تـحوّل أنظار السوريين إلى الصحراء العربية وأساليب العُربة!

 

في فلسطين ودّعت الأمة السورية العروبة الوهمية، العاجزة، الاتكالية وداعاً فاجعاً لتلبّي دعوة الـحركة القومية الاجتماعية إلى قوميتها الـحقيقية ولترى بعين حقيقتها هي واقع العالم العربي، فتنهض بقضيتها السورية فتجد في قواها التي أهملتها زمناً طويلاً معيناً للنشاط لا ينضب ودافعاً إلى التقدم لا يصدّه شيء. بهذا الاتـجاه تصير الأمة السورية قوة فاعلة في العروبة الواقعية التي أعلنتها - عروبة التعاون بين أمـم العالم العربي.

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro