مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
ضِغْثٌ على إبّالة «مشروع ثقافي سياسي مصري»
 
 
 
جريدة الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 56، 1942/11/16
 

 

بين الأخبار الواردة في صحف الوطن منذ شهرين الـخبر التالي:

 

«توثيق الروابط الثقافية بين الأقطار العربية»

 

«القاهرة ــــ (الوكالة العربية) علم مندوب الوكالة العربية أنّ وزارة الـمعارف الـمصرية تكاد تنتهي من إعداد مشروع يرمي إلى توثيق الروابط الثقافية بين مصر والأقطار العربية الـمجاورة، وينص هذا الـمشروع على إنشاء عدة مدارس مصرية في عواصم الأقطار العربية كالـمملكة العربية السعودية وفلسطين والعراق ولبنان وسورية، على أن يستهدف هذا البرنامج توحيد الثقافة العربية على ضوء ضرورات الظروف التعاونية بين مختلف هذه البلدان. وتقول الصحف الـمصرية في هذا الصدد إنّ تنفيذ مثل هذا الـمشروع تعتبره وزارة الـمعارف الـمصرية مقدمة عملية لفكرة عقد مؤتـمر عربي للتعليم».

 

كثيرون يقرأون هذا الـخبر البسيط ويعدّونه مفرحاً وداعياً إلى التفاؤل «بتقارب الأقطار العربية» عن طريق الثقافة، لا سيما أولئك السوريون الذين يسمّون أنفسهم عرباً أو عروبيين. ولا شك في أنّ وجود هذا التحمس «العروبي» عند السوريين الذين أضاعوا شخصيتهم القومية واستعاضوا عنها بالعصبية الدينية هو ما شجع رجال الـحكم في مصر على اتخاذ هذه الـخطوة الـجديدة لـمدّ النفوذ الـمصري في سورية بواسطة الثقافة، منتهزين فرصة زيادة البلبلة الاجتماعية السياسية في وطننا وما يجرّه من ضعف الـمعنويات.

 

منذ مدة غير يسيرة ونحن نراقب حركات الـمطامع الـمصرية السياسية في العالم العربي، خصوصاً في اتـجاه سورية والعراق، الذي هو مكمّل لسورية، وقد تـجمّع عندنا طائفة كبيرة من الأخبار السياسية والاقتصادية والثقافية التي تقيم الدليل تلو الدليل على الـحركات الـمذكورة. وهذه الـخطوة الـجديدة ليست سوى واحدة من خطى.

 

ابتدأت مصر تسعى لـمد نفوذها نحو سورية والعراق لعدة سنوات خلت. فسعى اقتصاديوها لإنشاء فروع لـمصارفهم الـمالية فيها. وهذه الـخطوة الاقتصادية هامة جداً من الوجهة السياسية لدخولها مباشرة في حياة الأفراد والـجماعات السورية وضروراتها. وظهر اجتهاد مصر لتجعل نفسها مركز الثقافة العربية اللسان بإنشاء الـمجمع أو الـمؤتـمر العلمي العربي وباستغلال نفوذ الصحافة الـمصرية، الذي أسسه علماء وكتّاب سوريون، للإذاعة عن الـمشاريع الثقافية والاقتصادية الـمصرية. أما الـمجمع العلمي فقد بلغنا أنهم كانوا يسألون العلماء السوريين وغيرهم القادمين إليه «هل يعتقدون ويعترفون بزعامة مصر العلمية؟».

 

وظهرت الـمطامع الـمصرية السياسية ظهوراً قوياً قبيل الـحرب الـحاضرة في الـحملة الصحافية الطالبة ضم فلسطين إلى مصر. وقد حاولت مصر أن تبرر هذه الـحملة بالتظاهر بالاهتمام بـمسألة فلسطين ومشكلة اليهود. ولكن طلب إلـحاق فلسطين بـمصر ظهر علناً في عدة مقالات صحفية وتصريحات بعض رجال الأحزاب الـمصرية وفي تصريح وزير خارجية مصر حين رد الزيارة لوزير خارجية تركية سنة 1939، إذ أشار الوزير الـمصري إلى أنه لم يبقَ بين مصر وتركية من أرض معترضة «غير فلسطين». وشرب الوزير الـمصري، في تلك الزيارة، نخب التقدم التركي على حساب سورية في منطقة الإسكندرونة. والظاهر من تلميح الوزير الـمصري أنّ مصر لا تعترض على زيادة التقدم التركي حتى يشمل كل شمال سورية فلا يبقى بين مصر وتركية غير فلسطين التي يطلب الـمصريون ضمّها إلى مصر، كما يطلب ابن السعود الاستيلاء على العقبة وبهذه الكيفية تصير مصر متاخمة لتركية، وتركية متاخمة لـمصر، وتتصل بتخومهما تخوم الـمملكة العربية.

 

كلا، ليست خطوة مصر الـجديدة حركة ثقافية بريئة، بل هي مشروع ظاهره ثقافي وباطنه سياسي. والباطن هو الغرض. إنّ التفكير في إنشاء مدارس مصرية في سورية التي كان لها السبق على مصر في مضمار العلم والثقافة، وبينما زهرة الصحف الثقافية الـمصرية لا تزال في أيدي سوريين وأبناء سوريين، هو أمر فيه نظر. ويـمكن التقرير، قبل كل شيء، أنه لا فائدة لسورية من إنشاء مدارس مصرية في أرضها غير إضافة تيـار ثقـافي سياسي جديـد يزيـد التصـادم السيـاسـي الداخـلي ويُكثر النـزعات والتشتـت الـروحي. إنّ مدارس مصرية في سورية لا تكون غير ضغث على إبّالة. فسورية، من الوجهة العلمية، وفيها ثلاث جامعات كبيرة هامة، عدا عن مئات الـمعاهد العلمية القومية والـخصوصية والأجنبية، ليست بحاجة إلى زيادة الـمدارس الأجنبية ذات الـمرامي الـخصوصية، بل سورية في مقدمة الأقطار العربية التي ترسل بعثات تعليمية إلى الـخارج. ولو كانت البعثات السورية العلمية السابقة ذات وعي سوري قومي اجتماعي، لأمكن سورية أن تلعب أهم دور في تثقيف الشعوب العربية وتقريب عقائدها وقيادة أفكارها. وعسى أن لا يكون بعيداً اليوم الذي تصير فيه البعثات السورية العلمية صالـحة للاضطلاع بأعباء هذه الـمهمة العالية التي تضعها عليها النهضة السورية القومية الاجتماعية، التي ترى أنّ تقريب الأقطار العربية بعضها من بعض يجب أن يكون لـمصلحة جميع الأقطار الـمذكورة.

 

الظاهر أنّ الغايات الـمصرية السياسية في سورية لم تعد خافية حتى ولا على حكومة كحكومة الشيخ تاج الدين الـحسني وحكومة ألفرد نقاش. فقد وردت أخبار أنّ الـحكومتين ردّتا دعوة الـحكومة الـمصرية للاشتراك في «الـمؤتـمر الثقافي العربي» الذي قررت الـحكومة الـمصرية إجراءه في مصر، محتجتين بالفصل الـمدرسي وعدم إمكان تخلي الأساتذة في الـمعاهد العلمية عن واجباتهم. وهذا أمر جوهري وحجة قوية.

 

إذا استفاق معظم السوريين بسرعة لأهمية التعاليم السورية القومية الاجتماعية لـحيـاتـهـم ورسـالتهـم إلى العـالـم العـربـي والإنسـانيـة، وإذا قُدِّر لهـذه النهضة القومية الاجتماعية النجاح السياسي السريع، فعمل سورية في إنهاض الأقطار العربية وإعدادها الثقافي سيكون عظيماً. فمهما قيل عن التقدم العلمي والأدبي والفكري في مصر، فإن مجموع العلماء والأدباء والـمفكرين السوريين ونوعهم يكسبان سورية مركز الثقل في الشؤون الثقافية والعلمية بلا جدال، ونعتقد أنّ الشعب السوري سيكون جديراً بالـمهمة التي وضعتها العناية على عاتقه.

 

 


[1] مثلً يُضرَب، معناه بليّة على بليّة.

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro