مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
صناعة العقائد المزيفة (1) مثالب الذل والخداع
 
 
 
الـجيل الـجديد، بيروت،العدد 16، 27/4/1949
 

إنّ أعظم بلية حلَّت بالأمة السورية، نتيجة لعصور التقهقر والانحطاط بعامل فقد السيادة القومية، هي بليَّة الأمراض النفسية والانحطاط الـمناقبي، وقيام الـمصالح الـخصوصية والغايات الفردية مقام مصلحة الأمة والغايات القومية، وتـحجر الـمجتمع السـوري في قوالب الـحـزبيـات الدينيـة الـمختلفة، فتفشّت في الـمتحد الاجتماعي الـمثالب الأخلاقية، وحلّت محل الـمناقب، فطغت نفسية الرياء والغش والتزييف والنفاق، يساعدها على الانتشار الـجهل والفقر والذل التي تعرّض لها الشعب في سقوطه من سيادته وعزِّه.


تلك الـمثالب هي التي تزيّف اليوم حقيقة نفسية الأمة الأصلية وحقيقة قضيتها وغايتها العظمى، حتى أننا لم نكن نرى، قبل نشوء الـحركة القومية الاجتماعية، إلا متزلِّفين إلى الدول الأجنبية يطلبون الـمصلحة الـخصوصية بخدمة غاياتها ومطامعها في وطننا، وإلا عاملين في الشؤون السياسية لـمصالح الدول الاستعمارية الكبرى، وإلا العامليـن لـخـدع الشعب بقضايـا مصطنعة يشير الأجنبي بإنشائها وصرف مجهود الشباب التوّاق إلى الـحرية والـخير في أقنيتها الـمهيأة على قواعد الأمراض النفسية والفوضى الاجتماعية السياسية. ولذلك قال الزعيم في أحد مقالاته في كل شيء، إنه يحتقر دهاقنة السياسة الوطنية الرجعية الذين يظنون أنّ الغنم كل الغنم هو في الاستناد إلى دولة أجنبية تؤيـدهم ليبلغوا قضايـاهم الـخصوصية ويخدموا مآربها، وإنه يحتقر أصحاب «السلطة الرابعة في الدولة» الذين يجدون الغاية العظمى في خدمة الـمطامع الأجنبية والـمصالح الـخصوصية ضد مصلحة الأمة وغايتها العظمى.


لعل أعظم فئات الشعب استحقاقاً للحقارة، هي الفئات التي لا تقتصر على العمل الضروري الـحر في عملها ضد مصلحة الأمة، بل تتعدى ذلك إلى تنظيم العمل الـمجموعـي لـخدمة القضايا الرجعية والـمصالح الأجنبية الـمرتبطة بها فتنشىء التشكيلات شبه الوطنية وشبه القومية وتسميها «منظمات»، وتبتدىء تبث في الشباب الذين تـجمعهم باسم «الوطن» الطائفي و«القومية» الدينية أو اللغوية روح الغايات الـملتوية، وتزيّف لهم الـمبادىء وتشوِّه القيم، وتقدم لهم عقائد مزيفة تسجن نفوسهم في قوالبها، وتنشىء لهم حول الـحقارة التي تتمرغ فيها وتنزل في مهاويها، هالة من الـمجد الـمزيَّف تخدع الشباب وتغرر بهم فيندفعون، بـما في طبيعتهم السورية من نبل وخير، وراء سراب العقائد الزائفة والـمبادىء الـمنتحلة، وينحدرون إلى حضيض الـمثل السفلى والقضايا الـخسيسة وهم يظنون أنهم يرتقون إلى قنن الـمجد!
بعد أن نشأ الـحزب السوري القومي الاجتماعي، على الرغم من قوانين منع الأحزاب في عهد الانتداب، وحين كانت الرجعة مسيطرة والـمطامع النبيلة خامدة في الشباب، وأخذ يـمتد في جميع الـمناطق اللبنانية التي رأت في مبادئه ونظامه عودة الـحياة القومية إلى الشعب، ذهل الاستعمار وارتاع لهذا الـحادث العظيم. ولـما رأى أنه لا يستطيع قتل مبادىء الـحياة القومية الـجديدة وتعاليمها الاجتماعية بواسطة السجون والإرهاب والـحديد والنار، أوعز إلى عماله بإنشاء التشكيلات الغرارة لتخدع الشباب وتسمـم نفـوس الأحـداث بسموم القضايـا الرجعية وروحيـة الاستسلام للاستعمار. فقامت حكومات دهاقنة السياسة في ذلك العهد، الذين يعرفون قيمة العمل للمصلحة الأجنبية في تـحقيق الأغراض الـخصوصية، تشجع إنشاء التشكيلات بقصد خدمة الاحتلال الأجنبي في غاياته الاستعمارية.


كانت أول تشكيلة نشأت في جو ثقافة الاحتلال وسياسة الاستعمار من أجل محاربة الـحركة القومية الاجتماعية، تشكيلة «حزب الوحدة اللبنانية» الذي ابتدأه السيد توفيق لطف الله عواد، الذي صار فيما بعد، سنة 1937، «نائباً» بالتعيين! ولم يكن السيد عواد رياضياً بدنياً، ونظراً لبعده عن أوساط الرياضيين لم يتمكن من جمع عدد كبير من هواة الـحركات البدنية والـمولعين بـمظاهرها فلم ينجح حزبه كثيراً. حدثت حينئذٍ محاولة إنشاء الفلانـج أو «الكتائب اللبنانية» في الأوساط الرياضية وكان الشيخ البرجوازي الرياضي بيار جميّل متصلاً بتلك الأوساط وكان يهتم بلعبة الكرة بالرجل، وبـما أنه من عائلة الـجميّل الـمعروفة، وله أصدقاء في الأوساط الرياضية فقد وجدت الأسباب الكافية لتأسيس تشكيلة شباب طائفية تكون على صداقة وتعاقد مع الدولة الـمحتلة! ثم جاء السيد يوسف السودا ينشىء «السباقة اللبنانية» ويسابق التشكيلتيـن الـمارونيتين الـمذكورتين وعلى أساس «السباقة» حاول إنشاء جبهة تشكيلات طائفية باسم «الـجبهـة القوميـة اللبنـانيـة» فقصر في السـباق مع التشكيلتيـن الأولييـن وحبط مشروع الـجبهة وتعزَّى السيد السودا بوضع «مبادىء» الفلانـج أو الكتائب أو الكتائب الطلائعية (والطلائع هو أحدث إسم تسمّت به الفلانـج)، وهذا على الأقل ما ادعاه السيد السودا في بعض الـمقابلات في أميركة الـجنوبية!


جميع تلك التشكيلات اللبنانية التي شوهت الـحقيقة اللبنانية، وأخذت تنادي بفكرة تلبنن جديد، طائفي، إنعزالي، لم يكن يراود إحساس أحد من اللبنانيين، الذين كانوا دائماً فخورين بحقيقتهم السورية وبـمزايا أمتهم الـممتازة، كانت تشكيلات مستحدثة على عجلة لقصد واحد هو: محاربة الـحركة السورية القومية الاجتماعية التي أوجدت القضية القومية الاجتماعية العظيمة، ونادت ببطلان القضايا الرجعية القائمة على الـحزبية الدينية والـمصالح العائلية، التي استند إليها الأجنبي الـمحتل في إنشاء دول «اللوان» [الشرق]. وقد اعترف بهذه الـحقيقة الرائعة التي تضم التشكيلات الـمذكورة بالـمروق من القومية وبالسير ضد قضية الشعب، الرئيس الأول للتشكيلة الأولى السيد توفيق لطف الله عواد في خطابه في الـمجلس النيابي اللبناني سنة 1937، في جلسة محاسبة الـحكومة على حلها التشكيلات اللبنانية التي سميت غلطاً «منظمات». واعترف بهذه الـحقيقة عدد من النواب الذين خطبوا في الـجلسة الـمذكورة. فقد كانت الـحقيقة مشهورة وهي أنّ الـحكومة، ومن ورائها مفوضية الاحتلال الفرنسي، أوعزت بإنشاء التشكيلات اللبنانية وشجعت على تنميتها بـما كانت ترسله من تعليمات إلى الـمحافظيـن والقائمقامين والـمختارين وقيادة الدرك ورؤساء الـمخافر، حتى أنّ تشكيلة الفلانـج قامت تـحت رئاسة رئيس جمهورية الاحتلال السيد إميل إده. وكان واضحاً أنّ الغرض الرئيسي من إنشاء التشكيلات الـمذكورة سنة 1936 هو محاربة الـحزب السوري القومي الاجتماعي في أوساط الشعب بإنشاء تكتلات شباب من الـمثقفين ثقافة أجنبية ضد القومية والوعي القومي تكون عوناً للدولة الـمحتلة على تنفيذ سياستها الاستعمارية.


وقد سارت التشكيـلات الـمذكـورة إلى تـحقيـق مهمتها بكـل الرعونة التي تقتضيها طبيعـة إنشـائهـا، فأخـذت تـحـارب الـحقيـقـة السـوريـة والـحـزب السـوري القومي الاجتماعي، في الوقت عينه الذي كانت تقتبس من مبادىء هذا الـحزب وتعاليمه كل ما وجدته جذاباً للجماهير الـمحتاجة إليه! وبينما كانت جريدة الوحدة اللبنانية تعلن أنه إذا اقتصر زعيم الـحركة القومية الاجتماعية على لبنان فالشباب اللبناني (أي الـماروني في عرفهم) يكون مستعداً للسير بقيادته، كان «رئيس الكتائب اللبنانية الأعلى» يعلن في خطاب أو تصريح في بكفيا، أنه يجب كسر رأس أنطون سعاده لإنقاذ لبنان الـحزبية والطائفية من دعوته القومية الاجتماعية، ولم تكتفِ هذه التشكيلات بذلك، بل قامت تشوِّه البلاد والقومية اللتين حَيِيَ فيهما السوريون الذين يشكلون أمة حية عظيمة ومنهم آباء الـموارنة وأجدادهم العظماء، وأخذت تبث بترتيب روح الكره للاسم السوري الـجميل العظيم، وتعلِّم كره لبنان السوري القومية الاجتماعية، وتـحبيب لبنان الأجنبي الثقافة، ولكي تضلِّل اللبنانييـن وتخدعهم صارت تسمّي الثقافة الأجنبية الغريبة عن النفس السورية وأصولها الثقافية العريقة: اقتراباً من الغرب والثقافة الغربية أي اقتراباً من حالة التقدم الغربي، مع أنّ الـحقيقة هي بالعكس، أي أننا لا يـمكننا أن نضاهي الأمـم الغربية الـمتقدمـة الـمتفوقـة إلا بوعي حقيقتنا السورية الأصلية واستخراج نهضتنا من روح أمتنا ومواهبها كما ينص الـمبدأ الأساسي السابع من مبادىء النهضة السورية القومية الاجتماعية.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro