مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
سورية الكبرى
 
 
 
الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 62، 1/7/1943
 

منذ أوائل أبريل/نيسان الـماضي وأخبار الـمحاولة الصادرة عن رئيس وزارة مصر، نحاس باشا، لإيجاد «وحدة عربية» تصل إلينا بواسطة الـمصدر الوحيد الذي يبدي اهتماماً بأخبار الشرق الأدنى وإذاعتها، نعني شركة «ترانس أوسيان» الألـمانية، التي تتبعت الـحركات الـجارية في مصر والعراق ثم في سورية، في صدد محاولة «الوحدة العربية» التي خرج اقتراحها من الوزارة الـمصرية في دعوة وجهت إلى رئيس وزارة العراق وحده!


تكلمنا في أعداد سابقة من الزوبعة، وفي بعض أعداد سورية الـجديدة، وفي بعض أعداد النهضة في بيروت، على الـمطامع الـمصرية في سورية وعلى نوع «العروبة» والوحدة العربية التي تبغيها. وبـما أنّ الدعوة إلى مؤتـمر يدرس وسائل تـحقيق «الوحدة العربية» خرجت من رئيس الوزارة الـمصرية، مصطفى نحاس باشا، فإننا نرى من الـمناسب جداً إيراد تصريح سابق لهذا السياسي الـمصري حين كان رئيس الـحكومة الوفدية، سنة 1937، هو سابقة مفيدة جداً لإيضاح الـمرامي الـمصرية في سورية والأقطار العربية. ونحن ننقل هذا التصريح عن عدد جريدة «الكتلة الوطنية» الرسمية الـمسماة الإنشاء، الصادر في 24 يوليو/تموز 1937. وتصريحه وارد في معرض رد على سؤال وجّهه إليه في مجلس النواب، النائب الدكتور محمد حسين هيكل بك عن قضية فلسطين وموقف مصر من «الوحدة العربية» والأقطار العربية الـمختلفة. وإليك القسم الـمتعلق بـموقف مصر من الأقطار العربية:


«تـحرص الـحكومة الـمصرية كل الـحرص على توطيد صلات الود والرخاء، وتبادل الـمنافع التي تربط مصر والشعوب العربية والشرقية الإسلامية وتعمل دائماً على إعـلاء قدر مصر عندها ومكانتها بينها. وهي تتابع باهتمام كل ما يدور في مرسح السياسة الدولية من معاهدات ومحالفات واتـجاهات وغيرها لتكون، إذا اقتضى الـحال، على استعداد لإجراء ما تستلزمه مصلحة البلاد (أي مصر) في الوقت الـمناسب، ولكنها قبل أن تـجري أي عمل إيجابي معيّن لا ترى من حسن السياسة ولا من الـمصلحة الإعراب عن مقاصدها في شأنه.» إنتهى كلام نحاس باشا.


«وقد أعلن الدكتور هيكل في الـمجلس سحب استجوابه، مكتفياً بـما قاله رئيس الوزراء»، أي أنّ هذا النائب وافق بدون تـحفظ على النظرة السياسية التي أعلنها مصطفى نحاس باشا، بصفة كونه رئيس الـحكومة الـمصرية، في التعبير عن خطة مصر واتـجاهها في جميع الـمسائل التي تـمس أو تتعلق بالأقطار العربية الأخرى. وهذه النظرة تتمركز في قول نحاس باشا: «وتعمل (الـحكومة الـمصرية) دائماً على إعلاء قدر مصر عندها (أي عند الأقطار العربية) ومكانتها بينها.»


لا نعتقد أنّ إنساناً غير مغفّل يطّلع على تصريح نحاس باشا، وموافقة مجلس نواب مصر عليه، ولا يرى فيه نظرة مصرية خصوصية ترمي إلى خدمة الـمصالح الـمصرية قبل كل شيء. وقد ظهرت هذه السياسة الـمصرية، الطامعة في مصالح بعض أقطار العالم العربي، في الـحملة الإذاعية التي سخّر لها الكتّاب الكبار والصحف الكبرى لتسهيل ضم فلسطين إلى مصر بانتزاعها من وحدة الوطن السوري ووحدة القومية السورية. وفي السياسة الـمذكورة عودٌ إلى الـمطامع الـمصرية القديـمة في فلسطين، التي جرت بسببها حروب دموية كبيرة بين سورية الـمدافعة عن اتـحادها ومصر الطامعة في التهام الثلث الـجنوبي من الوطن السوري الذي نـجحت في ابتلاع القسم الـمتطرف منه نحو الـجنوب الغربي، نعني شبه جزيرة سيناء، الذي اضطرت الدولة السورية الأيوبية للتخلي عنه بعد حروب ومعارك مع دولة الـمماليك الذين نشأوا في نعمة الـملوك السوريين، في مصر. وإذا اكتفينا بذكر الـحروب العنيفة بين سورية ومصر، في عهد السلوقيين في سورية والبطليميين في مصر، كان لنا شاهد لا تدفع شهادته في إثبات الـمطامع الـمصرية في جنوب سورية واضطرار سورية لـخوض الـحروب العديدة دفاعاً عن حقها في وطنها وصيانةً لكليّته ووحدته.
عندما نضع هذه السوابق وغيرها أمامنا - ويجب أن نضعها أمامنا - حين النظر في مشروع رئيس الـحكومة الـمصرية، نتمكن من إدراك العوامل الـخفية التي توضح لنا الأغراض الـحقيقية التي ترمي إليها السياسة الـمصرية من وراء الدعوة إلى إنشاء «وحدة عربية» براقة، خداعة للذين لا يدركون منشأ الأمور وعواقبها.

 

تـجاه هذه الـحقائق الراهنة كان من البديهي أن تتحقق نظرية الـحزب السوري القومي الاجتماعي في مسألة العروبة والوحدة العربية. فبعد أن طبّلت الصحافة الـمصرية وزمّرت لدعوة نحاس باشا، وبعد أن ذاع خبر دعوة رئيس الوزارة الـمصرية رئيس الوزارة العراقية، نوري السعيد، لزيارة القاهرة ووضع أسس الـمشروع النهائية، على أثر الـمحادثات والـمفاوضات التي قام بها في مصر وزير داخلية العراق، تـحسين باشا العسكري، قبل منتصف شهر أبريل/نيسان الـماضي، وردت أخبار أوائل مايو/أيار الصادرة عن بغداد معلنة أنّ زيارة نوري السعيد باشا لـمصر يجب أن لا تكون موضع سوء فهم، وأنّ الـمفاوضات في القاهرة «خالية من مسألة الاتـحاد في العمل السياسي، وأنها مقتصرة على التعاون الثقافي» كما ورد في برقية لشركة «ترانس أوسيان» بتاريخ 6 مايو/أيار الـماضي. ثم عقب هذا الـخبر خبر آخر للشركة الـمذكورة، صادر عن أنقرة في 27 مايو/أيار، يعلن أنه سيجري توقيع «اتفاق ثقافي» بين العراق ومصر، بـمناسبة زيارة رئيس الوزارة العراقية لـمصر، وأنّ الاتفاق الـمذكور سيكون مفتوحاً للأقطار العربية الأخرى التي ترغب في الدخول فيه. ثم جاءت برقيات أخرى في صدر شهر يونيو/حزيران الـماضي للشركة الـمذكورة آنفاً تـحمل أنباء حبوط مشروع نحاس باشا، ورفض رئيس الوزارة العراقية زيارة القاهرة، وإعلانه رغبة العراق في الاتـحاد مع سورية!


لم تقتصر حوادث مشروع نحاس باشا على ما تقدم. فقد أدت هذه الـخطوة إلى حصول مجار أخرى سياسية. ومن هذه الـمجاري ما أعلنه أمير شرق الأردن الهاشمي العروبي العربي، وخلاصته أنّ الشيء الأساسي الآن هو «إيجاد سورية الكبرى» قبل التفكير في أي اتـحاد عربي!


تقـول برقيـة «ترانس أوسيان» التي التقطت الـخبر من بغداد في 6 مايو/أيار الـماضي إنّ سوريـة الكبرى التي يقترحها الأمير عبدالله الـحسيني الهاشمي تشمل الشام ولبنان وشرق الأردن والعراق (ولا ذكر لفلسطين في البرقية ولعله سهو ولكن يـمكن أن يكون إخراج فـلسطين من مشـروع الأمير عبدالله مقصوداً، موافقة للسياسة البريطانية الـمؤيدة مطاليب اليهود وادعاءاتهم في فلسطين) ولكن البرقيات التالية تـحذف العراق أيضاً من مشروع الأمير عبدالله ولا تذكر غير توحيد الشام ولبنان وشرق الأردن، بإغفال فلسطين.


مهمـا يكـن من الاختلاف في أخبار مدى اتساع مشروع الأمير عبدالله أو ضيقه، فأشكاله جميعها تدل على أنّ هذا الأمير اضطر أخيراً لاعتناق نظرية الـحزب السوري القومي الاجتماعي في الـمسائل القومية، مع إدخال أغراض إضافية عليها تقتضيها مطامعه في إيجاد عرش وراثي في سورية يتبوأه هو وذريته، ويكون معتمداً ليس فقط على مبادىء الوحدة السورية القومية التي نادى بها الـحزب السوري القومي الاجتماعي، بل على سياسة بريطانية أيضاً في الدرجة الأولى، وعلى التودد لتركية في الدرجة الثانية!


إنّ مشروع نحاس قد حبط حبوطاً كلياً. لأن العراق، الذي فتحت باصرته الـحركة القومية الاجتماعية في سورية شعر قبل فوات الأوان بالـخطر الذي تتعرض له مصالـحه في اتباع العروبة الـمصرية، أو السياسة الـمصرية الـخاصة في الـمسائل العربية العامة، ولأن الرأي العام في سورية، الـمتنبه بحركة الـحزب السوري القومي الاجتماعي، لم يشأ أن يرتـمي في شباك دعوة مصر إلى مؤتـمر «عربي» تكون نتيجته سيطرة سياسة مصر والـمصالح الـمصرية، السياسية والاقتصادية في شؤون العالم العربي. ورأى الأمير عبدالله أنّ الوعي القومي في سورية كلها قد أصبح حقيقة لا يـمكن الهرب منها، فأراد استغلاله لـمطامعه الـملكية وإكساب نفسه صفة «بطل» الـمناداة بإيجاد سورية الكبرى التي هي سورية الـحزب السوري القومي الاجتماعي. وبرقية شركة «ترانس أوسيان» الصادرة عن أنقرة في 8 يونيو/حزيران الـماضي تثبت أنّ الـخطط «التي نادى بها الأمير عبدالله تتقدم باستمرار في أوساط الرأي العام»، أي أنها هي الـخطط التي يريدها الشعب في سورية ويقبلها، حتى ولو نادى بها شخص مكروه من الشعب لتلوّنه وتقلّبه السياسي كالأمير عبدالله. أما مشروع نحاس باشا فقد كان حبوطه كلياً بعد زيارته الأخيرة التي تـمت في يونيو/حزيران الـماضي لفلسطين. فقد زار نحاس باشا فلسطين على أمل أن يلتقي هناك بنوري السعيد باشا. وبـمناسبة زيارة الأمير عبدالله للقدس سرت إشاعات أنّ الثلاثة سيجتمعون أو يعقدون مؤتـمراً هناك لبحث مشروع نحاس باشا. ولكن البرقية الواردة في 14 يونيو/حزيران حملت خبر عودة رئيس الوزارة الـمصرية إلى القاهرة من غير حدوث مقابلة بينه وبين رئيس وزارة العراق الذي كان أشيع أنه سيأتي إلى فلسطين في موعد زيارة رئيس الوزارة الـمصرية لـمقابلته هناك.


كانت خاتـمة حركات نحاس باشا في زيارته لفلسطين إذاعته نداء هناك يقول فيه «بضرورة العمل العربي الإسلامي الـمشترك.» وتقول البرقية إنّ رسالة نحاس باشا اصطبغت بصبغة دينية شديدة، وإنه ختمها بقوله إنّ مصر ستهتم دائماً «لفائدة الـمسألة العربية الإسلامية»! ومهما يكن من أمر النعرة الدينية التي حاول نحاس باشا استغلالها في فلسطين لدعم الـمطامع الـمصرية هناك فلا نظن أنّ نداءه يغيّر النتيجة السلبية التي وصل إليها مشروعه. والفضل في ذلك يعود، بلا شك، إلى الوعي القومي الذي أوجده الـحزب السوري القومي الاجتماعي في سورية الذي أجبر رجلاً عربياً ينادي بالعروبة ويلتفت دائماً إلى الصحراء، وطنه الأصلي، على القول إنّ وحدة سورية يجب أن تُقدّم على الوحدة العربية.


إنّ الشعور بإمكان دخول العراق في سورية الكبرى ليس جديداً، ويجوز بحثه، سواء أورد في ما أعلنه الأمير عبدالله الـحسيني أم لم يرد. ولا ننسى أنّ فريقاً من السوريين الـمغتربين أذاع أثناء الـحرب العالـمية الـماضية دعوة إلى إيجاد «الولايات السورية الـمتحدة» على أن يكون العراق إحدى هذه الولايات. أما الـحزب السوري القومي الاجتماعي فقد أبدى هذه الإمكانية وحبّذها في مواقف عديدة منها تصريح للزعيم سنة 1936 حين سئل عن رأيه في العراق وصلته بسورية فقال: «إنّ العلاقات الإتنية والتاريخية بين سورية والعراق كانت قوية جداً في الـماضي، ولم يحدث ما يضعفها في الـحاضر. والعراق كان جزءاً من سورية الكبرى على العهد السلوقي. ولا مانع من إعادة هذه الوحدة في الوقت الـمناسب باقتناع الشعبين بوجوبها ولزومها.» وفي سنة 1938 ثبّت الزعيم رأيه الـمذكور في خطابه في نادي همبلط في برلين قائلاً: «إنّ سياسة سورية القومية الاجتماعية تسعى لإزالة الصحراء الداخلية بين سورية الأم والعراق وتـحويلها إلى مزارع وبساتين تسمح بإنشاء القرى والـمدن وترابط العمران فيتم الاتـحاد الاجتماعي، الذي إذا لم يسبقه الاتـحاد السياسي، فلا غنى له عن اللحاق به. فيمكن حينئذٍ إنشاء سورية الكبرى أو «سوراقية»، إذا لم يكن بد من تـحوير الإسم.»


يرجّح أن لا يكون أمير شرق الأردن عرض للعراق ومسألة دخوله في سورية الكبرى، ولكن اقتراح نوري السعيد باشا إيجاد تقارب وتعاون بين سورية والعراق بدلاً من النظر في «وحدة عربية» مصطنعة ومقتصرة على بعض الأقطار العربية دون بعض، بالإضافة إلى مناداة الأمير عبدالله بسورية الكبرى أولاً، هو انتصار تام كامل لـمبادىء الـحزب السوري القومي الاجتماعي ونظرياته وخططه السياسية والاجتماعية على جميع الـمشاريع الاستغلالية باسم العروبة الدينية التي أراد رئيس وزارة مصر الاستناد إليها في الظاهر لـجذب جنوب سورية إلى مصر، وفصلها عن وحدتها القومية والوطنية، ولبسط نفوذ مصر في ما أمكن من الأقطار العربية.

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro