مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
حل الكومنترن
 
 
 
الزوبعة، بوينُس آيرس، العدد 62، 1/7/1943
 

الزعيم يقول إنّ سبب الـحل الفشل والإخفاق.

في الثاني والعشرين من مايو/أيار الـماضي صدرت عن موسكو برقيات تـحمل قرار اللجنة التنفيذية للمجمّع الشيوعي الإنترناسيوني الثالث، الـمعروف، إختصاراً، باسم «الكومنترن» وهي لفظة مركبة من كومونست وإنترناسيونال، باقتراح ما يأتي على جميع أقسام أو فروع الإتـحاد الشيوعي الإنترناسيوني للمصادقة:
«يُحَل الإنترناسيونال الشيوعي، الذي له صفة الـمركز الإداري للحركة الإنترناسيونية الـمختصة بالطبقة العاملة، معفياً فروعه من كل واجب ناتـج عن قانونه وعن الـمقررات الـمتخذة في مجامع الإنترناسيونال الشيوعي. ويكون أنّ ملاك لـجنة الإنترناسيونال الشيوعي التنفيذية يصرف كل جهده إلى تأييد حرب تـحرير الشعوب والدول، التي يقوم بها التآلف الـمقاوم الإشتراكية القومية، وإلى الإشتراك الفعلي فيها من أجل إحراز أسرع انكسار لعدو العمال الألدّ: الفاشستية الألـمانية وشركائها ومواليها.»


وفي بيـان الأسبـاب الـداعـية إلى هـذا الاقتراح الـخطير تقول اللجنة في بلاغ مسهب إنّ الأسباب الـموجبة لنشوء الإنترناسيونال الشيوعي سنة 1919 هي: تشكيل وتثبيت طـلائـع العمال البارزين، في عدد من الأقطار، في أحزاب عمال حقيقية ومساعـدتهم على حشـد العمال للدفاع عن مصالـحهم الاقتصادية والسياسية ولقتال الفاشستــة والـحـرب التي كـانت الـفاشستية تـعدّها، فضلاً عن مساعدة الوحدة السوفييتية، بصفتها الـحصن الرئيسي ضد الفاشستية، ويزيد البلاغ، إنّ الـحالة الـحاضرة، الناتـجة عن الـحرب، ومقتضياتها جعلت النظر في احتياجات الـحرب أمراً أولياً. ولذلك ترى اللجنة الـمذكورة - كما ورد في بلاغها - أنّ الـمهمة الأولى لـجميع طبقات الشعوب الـمتحدة ضد الإشتراكية القومية (النازية)، ولطبقة العمال بنوع خاص كائنة في مساعدة حكوماتها بكل قواها لربح الـحرب. وترى أيضاً أنّ للأمـم التي تؤلف الإتـحاد، ضد النازية، قضاياها ومشاكلها الـخاصة. وإنّ واجب العمال في بعض أقطار هذه الأمـم التي اكتسحتهـا القـوات الهتلريـة وفقدت استقلالها، أن يجعلوا مهمتهم الأساسية إضرام نار القتال الـمسلح، وتـحويل هذا القتال إلى «حرب قومية تـحريرية» ضد ألـمانية الهتلرية. ويفيض البلاغ في القول إنّ الـحرب التحريرية التي تقوم بها الشعوب «الـمحبة للسلام - ضد الطغيان الهتلري» قد أظهرت أنّ النهوض القومي العمومي يـمكن أن يتحقق على أفضل وجه باهتمام طلائع حركة العمال بالعمل كل طليعة ضمن الشكل البنائي الـموجود في وطنها.


ومن الأسباب الداعية للاقتراح ما ذكره البلاغ عن انسحاب الـحزب الشيوعي الأميركاني من الإنترناسيونال الشيوعي سنة 1940.
لم يكن إمضـاء ستـالين بين إمضـاءات الذين وقّعـوا الاقتراح على الأحزاب الشيوعية إلغاء الـمجمّع الشيوعي الإنترناسيوني الثالث. ولم يعلن رئيس حكومة السوفييت رأيه في الـموقف، الأمر الذي دعا إلى إشاعات متضاربة، وكان لا بدّ من جلاء موقف ستالين لإعطاء الاقتراح قيمته النهائية. فأرسل رئيس مراسلي شركة «رويتر» في موسكو رسالة إلى السيد ستالين يسأله فيها عن وجهة النظر السوفييتية فيما يختص بإلغـاء الإنترنـاسيونـال الثالث فأجابـه ستالين بكتـاب مؤرخ 28 مايو/أيار الـماضي يقول: «إنّ حل الكومنترن صالح وموافق، لأنه يسهّل تنظيم الاقتحام الـمشترك بين جميع الشعوب الراغبة في الـحرية الـموجّه إلى العدو الـمشترك: الهتلرية.» وفي ما بقي من الكتاب يبدي ستالين رأيه أنّ حل الكومنترن سيقاوم الإذاعة الألـمانية التي تثير دائماً مسألة الـخطر الشيوعي على الأمـم والدول، ويعتقد أنّ في الإلغاء الـمذكور ونتائجه ما يساعد على توثيق عرى جبهة «الـحلفاء والأمـم الأخرى في حربها للانتصار على الطغيان الهتلري.» أخيراً في العاشر من يونيو/حزيران الـماضي وردت الأنباء أنّ اقتراح الـحل قُبِلَ في أكثر الفروع ولذلك فقد أصبح إلغاء الكومنترن أمراً نافذاً واقعاً.


رحّبت صحف الأمـم الـمتحدة بفكرة حل الكومنترن وكانت آراء الكتّاب والـمراسلين مـماثلة لـما ورد في كتاب ستالين، الذي يـمكن أن يعدّ بـمثابة خلاصة للآراء الـجارية في أوساط الـمحور الأنكلوسكسوني التي لا تريد أن تتعدى دائرة أغراض الـحرب العملية. أما الآراء البارزة في الـمحور الألـماني - الإيطالي - الياباني فخلاصتها أنّ حل الكومنترن ليس سوى خدعة لتقريب الأمـم واكتساب ثقتها ليصير أسهل أخذها على حين غرة. وتفرّغ شركة «ترانس أوسيان» جهدها في إيراد الـحجج والوثائق لإثبات أنّ حل الكومنترن خدعة كبيرة كالـحجة الـمأخوذة من خبر وارد في جريدة القصر الإسبانية أنّ الزعيم الشيوعي الإرهابي الـمعروف ديـمترف أرسل كتاباً إلى جميع موظفي الـحزب الشيوعي في العالم يعلن لهم فيه أنّ الـمرسوم بحل الـمجمّع الشيوعي الإنترناسيوني الثالث لا يرمي إلا إلى غرض تـحريكي وأنّ الـمجمّع الثالث باق في الـحقيقة، الخ.


أوردنا وجهتي نظر الفريقين الـمتحاربين في حادث حل الـمجمّع الشيوعي الإنترناسيوني الثالث من باب تدوين الـحوادث الـجارية وردّ الفعل الذي تثيره. ولكننا لا نتقيد بأي رأي من هذه الآراء الأجنبية الرامية إلى أغراض ومصالح بعيدة عن أغراض حياتنا ومصالح أمتنا. ولذلك نحلل هذا الـحادث الـخطير تـحليلاً جديداً ونعلله بنظرة مستقلة تـحرق حجب الإذاعات الـمتضاربة لنصل إلى الـحقيقة. ولا بد لنا من إثبات ما قاله الزعيم جواباً على سؤال وجّهه إليه أحد الرفقاء الـمفكرين وهو:
«إنّ حل الكومنترن، سواء أكان صادراً عن رغبة حقيقية من قادة الـحركة الشيوعية في حله أم عن غرض آخر لهم، لهو نتيجة لفشل القادة الذين قاموا على إدارة الـحركة الـمذكورة منذ سنة 1919 ولإخفاق مسعى تلك الـحركة لهدم القوميات وإلغاء فكرة الوطن وإنشاء نظام عالـمي يقوم على أساس العمل الإنتاجي في نظرة اقتصادية مادية محدودة تكيَّف الـحياة وشؤونها وفاقاً لـمحدود الـمادية البحتة.»


إنّ إخفاق الـمسعى الأساسي للمجمّع الشيوعي الإنترناسيوني الثالث حدث أولاً في البلاد التي استولى على إدارتها الشيوعيون. فمنذ أيام لينين إلى الوقت الـحاضر، تعرضت فكرة الشيوعيين وخططهم لتعديلات كثيرة هامة لاشت كثيراً من أوهام متحمسي الشيوعية الذين تخيلوا إمكان وضع الإنسان ومركّبه النفساني في قالب من الـحديد، وتـحديد حياة الإنسان بكذا ساعات عمل، وكذا مقدار إنتاج، وكيت نزهة وكيت راحة وكذا غذاء.
وشيئـاً فشيئـاً أخـذ الـمجمّع الشيوعي الثالث يتحول من منظمة مثالية تعمل لتحقيق فكرة، إلى مؤسسة تستخدمها روسية السوفييتيـة لأغراضهـا السياسية. وخدمة هذه الأغراض كانت من جملة أهداف الـمجمّع الـمذكور الأساسية كما ورد في بلاغ اقتراح الـحل الـمشار إليه فيما سبق، الصادر عن اللجنة التنفيذية لذلك الـمجمّع، في عبارة «فضلاً عن مساعدة الوحدة السوفييتية، بصفتها الـحصن الرئيسي ضد الفاشستيـة.»


من الأغلاط الشائعة أنّ الألـمان هم الذين أدركوا قبل غيرهم خطورة الإذاعة في الـجماعات البشرية في العالم، ولذلك أنشأوا في حركتهم الإشتراكية القومية وزارة خاصة بالإذاعة. والصحيح أنّ الروس الشيوعيين هم الذين أوْلوا الإذاعة أهمية خارقة العادة، وعوّلوا عليها في هدم النفسية الـحربية الألـمانية في الـحرب الـماضية، ولا شك في أنّ الإنكليز كانوا يعوّلون على قاعدة الإذاعة من زمان ويستعملونها بحكمة لأغراضهم السياسية. ولا شك أيضاً في أنّ الألـمان أتقنوا فن الإذاعة وتوسعوا في اختصاصاته التقنية أكثر من غيرهم.


بعد أن أدرك الروس أهمية الإذاعة في التأثير على الـمجاميع الإنسانية وخبت نار الثورة الإشتراكية الـمادية باصطدامها بـمبادىء أساسية للوجود الإنساني صار استغلال العقيدة الإشتراكية في جماعات العمال البسطاء للأغراض والأهداف السياسية التي تعيَّن في روسية تـحت قيادة ستالين وإشرافه. وهكذا صارت الأحزاب الشيوعية في العالم، الـمتقيدة بقرارات الـمجمّع الشيوعي الإنترناسيوني الثالث، تعمل بعماوة وصمم لتنفيذ الـخطط الـمقررة في روسية لأهداف بعيدة جداً عن دائرة الـحياة التي نشأت فيها تلك الأحزاب، كما هو شأن تلك الفئة الـمفسدة في سورية التي سمّت نفسها «الـحزب الشيوعي السوري» و«الـحزب الشيوعي الفلسطيني» العاملة للأغراض الأجنبية البعيدة عن مصلحة الشعب السوري، وكادت تنجح كثيراً لولا حملة الـحزب السوري القومي الاجتماعي عليها تلك الـحملة الـمشهورة التي حدثت سنة 1938 في دمشق واضطرت أكثر رجال إدارة الـحزب الشيوعي للهرب من دمشق والتفرق في البلاد وكان لها صدى في موسكو وباريس، كما أثبت عدد جريدة صوت الشعب الشيوعية الذي خصص لذكر حوادث دمشق وصداها في الـخارج.


وفي فـرنسة تنبّه أهـل الرأي الفرنسيون متأخراً جداً للخطر الذي زجتهم فيه أصابع الـمركزية الشيوعية الروسية. وعبثاً حاولت جريدة الطان في سنة 1938، بـمناسبة أزمة السودت تنبيه الفرنسيين إلى خطر الانقياد للخطط التي تأتي من الـخارج. إنّ قبضة الشيوعية على فرنسة من أيام «الـجبهة الشعبية» دفعت فرنسة إلى الـمهواة. ولو أنّ فرنسة انتظرت إلى أن تشتبك ألـمانية وروسية أولاً، لكان الأرجح أن لا تكون صارت إلى ما صارت إليه.

ومـهمـا يـكـن من الأمر، فلا شك في أنّ الـمجمّع الشيوعي الإنترناسيوني الثالـث، من حيث هو جسم يـمثّل فكرة مثالية، قد مات. وإذا بقي منه شيء فهو مركز للدسائس السياسيـة.


إنّ الأمـم التي تنبهـت نهضـاتها القومية إلى خطر تضخم الرأسمال الفردي وتسلطه على مجرى حياتها، كالأمة السورية مثلاً، ليست بحاجة لتوجيهات موسكو في حل مشاكلها الاقتصادية، ولا إلى الـمبدأ الشيوعي، ولذلك كان من الضروري استئصال شأفة الشيوعية منها لكي لا تغدو ضحية الدسائس السياسية الـخارجية التي تدخل بلادها بواسطة الأحزاب الشيوعية الـمرتبطة بـمركزية شيوعية قائمة تـحت نفوذ، وفي ظل دولة معينة لها أغراض ومصالح خصوصية في العالم. ولذلك لم تعد مهمة الـمركزية الـمذكورة هينة. وحبوطها أمر طبيعي، سواء أتـمّ بالإلغاء أم تـمّ بالـجمود في طريق البقاء.

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro