مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
إلى نعمان ضو
 
 
 
1939/8/8
 

عزيزي الشيخ نعمان،


وردني كتابك الـمؤرخ في العاشر من يوليو/تـموز الـماضي في حينه، فما وجدت فيه إلا كل تثبيت لفاعليتك السورية القومية العظيمة، فلأنت سوري قومي بالـحق، وفي نفسك الـمناقب السورية القومية التي، بالاعتماد عليها، أثق بالنصر الفاصل. وحميتك وفاعليتك لا تتركان مجالاً للأسف على عدم الاندماج النظامي في حركة الـحزب السوري القومي. وإذا أعدت عليك الإشارة بوجوب هذا الاندماج فلا يكون ذلك إلا من أجل اكتسابك الصفة النظامية، التي لا تفوتك أهميتها.


لم أسرع في الـجواب على كتابك الـمتقدم ذكره، مع أني كنت أستصوب ذلك، نظراً لقولك إنك على وشك السفر إلى مندوسة. وقد ظننت أنّ إقامتك هناك ستطول أو أنك ستقوم بجولة تستغرق وقتاً طويلاً، فانتظرت حتى وردني منذ بضعة أيام كتابك الـمؤرخ في السابع والعشرين من يوليو/تـموز الـماضي فترقبت الفرصة الـمناسبة للجواب فكانت اليوم.


ما كنت يوماً أشك في فهمك للروابط الروحية القومية أو في الـموقف الذي تقفه. وإني أذكر أنه وردت إليّ وإلى وديع [مجاعص] في الوطن بعض رسائل منك. وقد أطلعني وديع على بعض رسائلك إليه، ولم أحقق في ما إذا كان هو أجابك أم لا، وكل ظني أنه فعل. أما أنا فقد علمت بورود كتاب منك، لم أطّلع عليه بنفسي إذ كنت في السجن، ولـمّا خرجت من السجن الأول وجدت الـحزب قد نـما نـماء عظيماً وأصبح يحتاج إلى تنظيم واسع مستعجل، نظراً للظروف الـحرجة. وكان أني ابتدأت من الساعة الأولى التي خرجت فيها من السجن استئناف الـجهاد العملي العنيف، فألقيت في اليوم الأول لـخروجي من السجن ستة عشر خطاباً ما بيـن الساعة الثالثة عشرة والساعة التاسعة عشرة! فكأنّ هذه الـخطب كانت خطاباً واحداً طويلاً استغرق ست ساعات بلا انقطاع! وتلت هذه الـخطب خطب أخرى واستقبالات ومقابلات زاخرة وشؤون تنظيمية وشؤون إدارية وشؤون سياسية لا عداد لها. فالـحزب السوري القومي كان قد أخذ يكتسب الصفة التي أعلنتها له في خطابي الأول الذي ألقيته في اجتماع أول يونيو/حزيران 1935، أي أنه أخذ يصير الدولة السورية القومية الـمستقلة. وكان عليّ أنا وحدي أن أبني البناء الأولي للحزب بعد أن كنت وضعت أساسه.

 

وهذا أوجب عليّ درس الـموقف والاعتناء بالشؤون الـخطيرة والـمستعجلة أولاً. ورأت السلطة ألا تـمهلني لاتخاذ الترتيبات الـمتينة التي كنت آخذاً في تهيئتها، فعمدت إلى ملاحقة الـحزب ثانية ولم يـمضِ على خروجي من السجن أكثر من نحو شهر ونصف! وهي مدة قصيرة لم أتـمكن فيها من الاهتمام بأية مراسلة خاصة أو فرعية.

 

وبُعيْد عودتي إلى السجن ورد كتاب جمعية الاتـحاد العربي وفيه مساعدة مالية منها (هذا إذا لم يكن هنالك جمعية أخرى أرسلت الـمال، فأنا لا أذكر جيداً إسم الـجمعية، لأني لم أتسلم الكتاب ولم أقف على عبارته) فوقع الكتاب والـحوالة الـمالية في أيدي التحري فضموهما إلى أوراق التحقيق، كما ضموا إليها حوالات مالية كانت واردة من فرع الـحزب في الـمكسيك. ولم يسمحوا لنا باستعادة هذه الـحوالات وقبضها إلا بعد فك توقيفي الثاني، أي بعد نحو خمسة أشهر.


مـما لا شك فيه أني قدّرت نبالة عمل جمعية الاتـحاد العربي وشرف روحيتها السورية. فلقد كان اهتمامها أول تلبية معنوية وحسية صدرت عن هيئة خارجة عن الـحزب السوري القومي في الـمهجر. وكان لهذه التلبية الطيبة أثرها الـحسن في جميع أوساط الـحزب السوري القومي. ولـمّا انطلقت من السجن الثاني، عدت حالاً إلى معالـجة شؤون الـحزب والاهتمام بالـموقف السياسي والقضايا السياسية التي كنت أشعر بالأخطار الكامنة فيها للأمة السورية. وفي كل ذلك لم أنسَ قط عمل جمعية الاتـحاد العربي، فكلفت أحد أركان الـحزب السوري القومي الأميـن عبدالله قبرصي الكتابة إلى الـجمعية وتبليغها تقديري لعملها وغيرتها على القضية القومية وإطلاعها على الـموانع التي تـحول دون كتابتي إليها بنفسي، وأنا في تلك الـمعركة الشديدة، وعلى موقف الـحزب وما ينتظره من الهيئات القومية في الـمهجر، وقد أبلغني الأميـن قبرصي أنه فعل.


أما أنّ جمعية تعتب عليّ لعدم إجابتي بنفسي على كتابها، فأقبله منها بناءً على أنها كانت تـجهل حقيقة حالة الـحزب السوري القومي في تلك الظروف وموقفه والـجهود التي كانت تتطلبها ظروفه مني. وأظن أنها متى وقفت على الـحقيقة في هذا الأمر تدفعها العاطفة الطيبة الصادقة، التي قام عليها الدليل سابقاً، إلى إرسال كتاب إليّ تشكرني فيه على بذلي كل فكر وكل شعور وكل قوة روحية أو مادية فيّ في سبيل حفظ معنوية الـحركة السورية القومية، وإخراج الـحزب السوري القومي من الـمعركة سالـماً، وعلى عدم اهتمامي بالـجواب على كتابها أو على أي كتاب آخر يـمكن أن يـميل نظري، ولو لـحظة واحدة، عن ساحة الـمعركة.

 

ورد فيما بعد، على مكتب عبر الـحدود، كتابك الـمتضمن اقتراحك فرفعه الرفيق أنور عصام [أميـن الـحسيني]، رئيس الـمكتب، إلى مجلس عمد الـحزب فضمه الـمجلس إلى ملف الاقتراحات لتدرسه اللجنة التي تألفت خصيصاً للنظر في مثله. والظاهر أنه وصل في أثناء الاعتقالات الثالثة فلم يبتّ في شأنه، لأنّ هذه الـمشاريع والـمسائل الدقيقة لها وجوه سياسية وعلاقة بعضها ببعض، والتقرير النهائي في صددها يجب أن يصدر عن الزعيم بعد درس اللجان الـمختصة ومجلس العمد. وبعد الاعتقالات الثالثة كان على الـحزب أن يجتاز حوادث الانتخابات في لبنان واللاذقية، وأن يواجه الـموقف السياسي الـجديد، ويهتم بـمحاربة الدعاوات الأجنبية، خصوصاً التركية والفرنسية واليهودية، وأن يعتني بـمسائل التدريب العسكري وغير ذلك من الـمسائل فلم يتسع الوقت لدرس مشروعك والبتّ فيه بسرعة. والآن أرى أنه يقتضي بعض الوقت لإعداد مشروع من هذا النوع في الأرجنتيـن، نظراً لقوانيـن البلاد الـجديدة. ولكن الأهم من كيفية الـمشروع نفسه معرفة إلى أي حد يـمكن تطبيقه بنجاح. فالذي يهمني الآن معرفته هو كم تلاقي مساعدة الـحزب إقبالاً في أوساط الـجالية، وهل يـمكن أن تكون التلبية سريعة؟


لا يهمك توافه [إبراهيم] هاجر. أما «بحثه» الـمنسوب للأميـن خالد أديب فأكثره مختلق ولا صحة مطلقاً لـما يعزوه للرفيق خالد أديب من الأقوال. أما إرسال تعميم إلى الـجمعيات في الداخلية فيحتاج إلى معرفة عنوانات هذه الـجمعيات. وأظن أنّ توزيع مبادىء الـحزب، التي هي الأساس، ونشر جريدة سورية الـجديدة الصادرة في سان باولو البرازيل، يكون الطريقة الـمثلى للقضاء على كل دعاوة فاسدة، وتوليد روحية قومية في الـجالية السورية في هذه البلاد.


أطلب منك ألا تهتم للمتزعميـن عندك، أو في غير مكان، وأن توجه عنايتك إلى الأفراد الذين يبحثون عن الـحقائق، ويريدون معرفة حقيقة أمتهم بصرف النظر عن العنعنات والتعصبات، ويحبون العمل لإنقاذ الأمة والوطن والـمصلحة العامة. والأفضل أن يكونوا من الشبان أو من الذين في دمائهم بقية حرارة. وإذا أمكنك أن ترسل إليّ بعض الـمعلومات عن الأشخاص الذين تعلّق عليهم بعض الأمل يكون ذلك مناسباً.


تقول إنك اجتمعت صدفة بـ [علي] الـحوماني، وكان الأفضل ألا تقيم لهذا الشخص وزناً. فكل دجّال يدعي أنه من رجال القومية، ولكنه لا يعرف بـما يهرف، وما القومية عنده غير نعرة أو عنعنة. ورجل مثل الـحوماني ينظم شعراً متهتكاً، ثم يدعو الناس إلى تأسيس القومية والوطنية على الدين لا يفهم شيئاً عن القومية.

وقد بلغني أنّ هذا الرجل على اتفاق مع أعداء النهضة السورية القومية على العمل ضدها، وأنه يذيع بيـن الناس أنه تعرّف بي قبل نشوء الـحزب، وكنت بصحبة «مستشرق ألـماني»، وأنه اجتمع بي أو رآني فيما بعد عدة مرات بصحبة هذا الـمستشرق، الذي اخترعه واخترع حكاية صحبته لي، ليلقي في أذهان الناس أنّ هنالك أصابع أجنبية تلعب بالـحزب السوري القومي. فهو أفاك ومنافق. وقد لا يجسر على التفوه بـمختلقاته أمامك، لأنه يعرف أنك تعرفني حق الـمعرفة، وتعرف سيرة بيت سعاده، ولكنه متى خلا له الـجو أطلق العنان لسفاسفه وأكاذيبه. وأنت أرفع كثيراً من أن تـجلس في مجالس الـحوماني أو أن تردّ على ترهاته بالـجدل الـمنطقي.


ولقد أعجبني تـحليلك لرأي الـحزب السوري القومي في مسألة العروبة، فأنت تفهم القضية السورية القومية فهماً واضحاً جلياً يعطيك حجة لا ترد.


من جملة الأسباب التي دعتني إلى التأخر في الكتابة إليك نفاد نسخ مبادىء الـحزب وانتظاري ورود مقدار جديد منها. وقد وردني الآن وأصبحت أستطيع أن أرسل إليك عدداً جديداً. فأرسل إليك الآن خمس نسخ مع هذا الكتاب. وإذا احتجت لأكثر، على أمل الفائدة، فيمكنك أن تطلب. أرسل إليك أيضاً بعض أعداد من سورية الـجديدة وهي جريدة يجب تشجيعها لأنها تخدم قضيتنا القومية، ولأنّ فيها الأخبار الـحقيقية السريعة عن الوطن.


عسى أن تكون بخير وأهلك وأولادك. سلامي لك ولهم جميعاً.

ولتحيى سورية.

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro