مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رأي سورية الجديدة جهادان وقيادتان
 
 
 
سورية الجديدة،سان باولو،العدد 40، 1939/11/25
 

في أواسط الشهر الماضي، أذاعت شركة «يونيتد» نبأ يقول إنّ السلطة قد اعتقلت عدداً من أركان الـحركة السورية القومية. ولـمّا كانت «الكتلة الوطنية» المرحومة ترجمت اسمها خطأ Block Nacionalist  فقد تبادر إلى الذهن أنّ النبأ يعنيها أو يعني نفراً آخر مشاكلاً لها. فصحف الوطن وأكثر صحف المهجر الساكتة على جهاد الحزب السوري القومي ولا تنشر، غالباً، إلا الأخبار الملفقة ضده لم تساعد الرأي العام السوري على تفهم حقيقة حالة سورية وحقيقة موقف القوميين وموقف «الوطنيين». ولذلك لم يدُر في خلد أحد أنّ الاعتقال المذكور لا يعني سوى عدد من أركان الحزب السوري القومي الواقفين في مراكزهم المعيّنة لهم وسط الأخطار وظلمة الجو السياسي، مستعدين لخوض غمرات الموت في سبيل حياة الأمة السورية، واثقين من مصير قضيتهم وأمتهم. ولكن هذا هو الواقع الذي جاءت كتابات خصوصية تثبته. والحقيقة هي أنّ الحزب السوري القومي هو الحركة القومية الصحيحة، والحزب الوحيد الذي يعبّر عن إرادة الأمة السورية في الحياة وعن تفضيلها الموت على فقد الكرامة وشرف البطولة. فهو الحزب الوحيد الذي ظل واقفاً في وجه عاصفة الهلع لا يذعن ولا يخنع، محافظاً على كرامته وكرامة الأمة السورية بأسرها. ولولا موقف الحزب السوري القومي المشرّف في هذا الوقت العصيب ماذا كانت تكون قيمة سورية في العالم؟


هـذا هـو الوقت الـذي يعرف فيه الشجاع من الـجبان وصاحب القضيـة الـحقة من الدجال. إنه الوقت الذي ليست هينة فيه البطولة ولا تفيد فيه البطولة الكلامية. إنه الوقت الذي لا تصح فيه عزائم الأبطال الأقزام ولا يقدم فيه الجبناء الرعاديد الذين يستـأسدون على أبناء أمتهم متى كانوا مستندين إلى تأييد الإرادة الأجنبية، حتى إذا رأت هذه الإرادة أن تتولى كل شيء بنفسها أصبحوا كالنعام يجفلون من الصفير. في هذا الوقت، بينما الذين دجلوا على الأمة وأعلنوا أنفسهم زعماءها المضحين في سبيلها والـمحاربين من أجل «عقال» إذا حرموه يتقدمون من المفوضية الفرنسية معلنين خضوعهم وندامتهم على الإثم الذي ارتكبوه والتجديف الذي فاهوا به، مستغفرين ومؤكدين ولاءهم وتأييدهم للدولة التي غدرت بأمتهم، فذبحت جيشها الصغير في ميسلون، وحجزت على ممثلي الشعب في لبنان ونفتهم إلى جزيرة كورسيكة، وأهانت الشعب بامتهانها كرامة وفود الدروز في الجبل البركاني، وقامت تحارب النهضة السورية القومية بكل قوّتها، يعلن سعاده أنّ السوريين القوميين لن يتراجعوا قيد شعرة عن موقفهم الذي أعلنوه في مناسبات عديدة وأنهم لن يتنازلوا عن مقدار ذرّة من حقوق السيادة القومية.


في هذا الموقف العصيب تدرك فرنسة أنه لا يمكنها إغفال قوة الدولة السورية القومية الفتية فأعلنت قيادة جيش الشرق أنّ المنطقة المشمولة بالانتداب الفرنسي أصبحت ضمن نطاق الحصار (أي تحت الحكم العسكري) واستفادت من خبر ملفّق قد يكون عمالها هم الذين أوعزوا بتلفيقه، وهو الخبر الذي نقلته سورية الجديدة عن فتى لبنان وكانت قد نشرته جرائد الوطن القائل إنّ سعاده يعمل في محطة إذاعة برلين لحساب الدولة الألمانية، وألقت القبض على عدد من أركان الحزب السوري القومي وعشرات القوميين وغرضها الحقيقي من هذه الخطوة أن تطّلع على مبلغ استعدادات الحزب السوري القومي وأن تشلّ إدارته الرئيسية وأن تتقي، ما أمكن، خطر قوّته المنظمة وتشكيلاته المدربة.


أجل، بينما أصحاب الاستقلال حبراً على ورق، كـ «الكتلة الوطنية» و«الكتلة الدستورية» و«الكتلة الاتحادية» ورأس «الثورة الفلسطينية» يتسكعون ويحْثون التراب على رؤوسهم، ونفوسهم تطير شفاعاً من حركة الجنود الأجنبية وبريق حرابهم، وقلوبهم تنتفض فرقاً من [...](1) الحكم العسكري، بينما هذه المهزلة الفاجعة (Comedia Tragica) تمثلنا أمام الأمم الحرة أمة خالية من كل كرامة ومن كل عزة نفس وتجلب اليأس إلى قلب شعبنا، يقوم أصحاب السيادة القومية الفعلية، رجال الحزب السوري القومي ونساؤه، بواجبهم ويقف كل سوري قومي في مكانه المعيّن له طوداً راسخاً من الكرامة القوميـة وبنـاءً شامخاً للبطولة السورية. فيمكن السورييــن في جميع العالم أن يهتفوا اليوم: «إنّ ما قد سقط أمام أقدام الأجنبي ليس سوى قشرة «وطنية» زائفة. إنّ هذه القشرة الزائفة قد تفككت وسقطت ليبدو وجه سورية القومية الحقيقي الذي كانت تغطيه. إنّ الحزب السوري القومي لم يلوِ رقبته ونسر الزعيم منتصب على قدميه ورأسه مرتفع. إنّ شرفنا، في هذا الوقت الذي يمتحن فيه جوهر الأمة، قد أنقذ فلتحيى النهضة السورية القومية.»


موقفان تاريخيان يمثلان جهادين وقيادتين. جهاد زائف يمثل بطولة مرسحية فيجتمع رجـال «الكتلة الوطنية» في «أربعين هنانو» ويضجون ويصخبون ويقسمون الأيْمان المغلظة مستشهدين الأرض والسماء على أنهم سيحاربون فرنسة حتى ولو لم تمنعهم فرنسة سوى عقال. فيقول الشعب بورك بهذه البطولة. هذه قيادتنا. فما هي إلا دورة سريعة من الزمن حتى يتجهم جو السياسة وتسبقه مقدمات فيعطى لواء الإسكندرونة إلى الأتراك فلا تحرك هذه القيادة الزائفة ساكناً. وتعلن بوجوه صفيقة أنّ لواء الإسكندرونة لا يساوي عقالاً. وتجيء الأزمة الإنترناسيونية وتشهر الحرب، فإذا سورية كلها وشرف سورية لا يساويان عقالاً لهذه القيادة الأثيمة. فتزول من أفواههم لفظة «الحرب» ويعلنون أنهم عبيد فرنسة أولاً وآخراً.


وجهاد حقيقي يقوم به رجال أعلن الزعيم باسمهم أنهم يعدّون أنفسهم دولة الشعب السوري المستقلة، وأنهم لن يتنازلوا مقدار ذرّة عن هذا الاستقلال. جهاد في ساحة العراك، لا على المراسح. لا ضجيج ولا صخب ولا تهويل ولا حلف بالمحاربة «على عقال». ولكن تقدم مستمر تحت أثقال الضغط والاضطهاد. الضغط من الأعداء والاضطهاد من قسم من الشعب الذي يريدون إنقاذه. إمتداد وتنظيم وتدريب وسط شدائد متعاقبة وسجون وآلام، حتى إذا تجهم جو السياسة وجاءت الأزمة الإنترناسيونية وشهرت الحرب أدرك الأعداء أنّ الحزب السوري القومي هو القوة الوحيدة التي لا تسلِّم ولا تخنع، وأنّ القيادة السورية القومية ماضية في تنفيذ برنامجها معلنة أنه لا سبيل إلى السلم إلا بالاعتراف بسيادتنا القومية واحترام حقنا في الحياة. فإذا لم يشأ الأعداء السلم على هذا الأساس فالطريق الوحيدة الباقية هي الحرب والنصر. ولقد أعلن الزعيم أنّ الحزب الحر لا يتشبه بالأحزاب الذليلة. فهو لا يلقي سلاحه، بل يظل يناضل في سبيل الحق حتى يتم له النصر. هذه هي القيادة الصحيحة التي تنقذ شرف أمتنا في هذا الموقف العصيب.


روى أحد المحاربين في الثورة الدرزية أنّ الدكتور [عبدالرحمن] شهبندر وقف مرة خطيباً في المحاربين يحضهم على القتال والتضحية ويقول: «لا نخشى اللقاء ولا الموت فإنما نحن نستشهد في سبيل الأمة» وما كاد ينهي هذه العبارة حتى صاح صائح «طيارات العدو!» قال الراوي: فإذا بالدكتور شهبندر يقطع خطابه ويسعى إلى مغارة قريبة تاركاً المحاربين إلى مصيرهم! وزاد الراوي: ما أفخم الاستشهاد بالخطب تلقى على المنابر ويصفق لها الناس وما أسهل هذا الاستشهاد.


إنّ رجال العهد القديم هم ذوو نفسية واحدة وأخلاق واحدة أحكوميين كانوا أم معارضين. فشعوذتهم هي هي. وقد يذكر القراء تقليد «الكتلة الوطنية» الحزب السوري القومي بإنشائها «الشباب الوطني» وإلباسه «القمصان الحديدية» التي قصد منها أن تكون تقليداً لثوب الحزب السوري القومي الرصاصي وكيف قلّدوا الحزب حتى برفع الأيدي عمودياً على موازاة الكتف، حتى توهم الناس أنهم يقصدون الجهاد فعلاً. وها هم اليوم يعلنون أنّ كل تلك المظاهر لم تكن سوى شعوذة وأنّ هدفهم الأسمى هو نصرة فرنسة «الديموقراطية». أما الدكتور شهبندر فكان قد كتب من مصر سنة 1937 إلى بعض جماعته يطلب منهم تأليف حزب «على غرار الحزب السوري القومي» ولكن الأتباع لم يتمكنوا من تأليف حزب على هذا الأساس، فاكتفى الدكتور شهبندر بتقليد زعامة الحزب السوري القومي، فصار يصدر بيانات عن «مكتب الزعيم شهبندر» فيوهم الناس أنّ هنالك حزباً منظماً له دوائر رسمية وأنّ له هو مقاماً رسمياً ودائرة رسمية. ولكن صاحب هذا المكتب الشخصي الذي لم تكن تكفيه بنود المعاهدة المرحومة يكفيه الآن أن تنتصر الدولة «الديموقراطية» التي مزقت تلك المعاهدة بكاملها ونكثت عهودها وساومت دولاً أخرى على أجزاء الوطن!
ما أشد الفرق بين جهاد هؤلاء المشعوذين وجهاد الحزب السوري القومي الثابت في عقيدته ونظامه وخطته، الذي لم يقل زعيمه ورجاله كلاماً يعدّون أنفسهم غير مسؤولين عنه، ولم يرجعوا عن قول قالوه ولا عن موقف وقفوه، ولو أدى ذلك إلى السجن والاضطهاد والإرهاق، وهم يعلمون أنه لا عماد لهم غير نفوسهم العظيمة ولا يتوقعون نجدة من غير صفوفهم، لأن الشعب الذي يحملون قضيته القومية قد سممته الدعاوات الأجنبية والنفعية وأفسدته الأنانيات والخصوصيات حتى لم يعد يميّز بين الإخلاص والرياء، بين البطولة والشعوذة، بين الحق والباطل.


في صفحـة أخـرى من هذا العدد يرى القراء مثالاً من كلام رجال النهضة السورية القومية في هذا الموقف المحفوف بالمخاطر ومثالاً من كلام رجال «النهضة الوطنية» (ص 430 أعلاه) ويدركون الفرق بين كلام الأبطال الحقيقيين الجبابرة وكلام الأبطال الأقزام، ويعلمون أنه ليس بالبطولة المرسحية يعلن عماد الأمة، بل بالبطولة الفعلية التي لا تهاب الاضطهاد ولا تخشى الموت، يحترق رجالها بدون تأفف ولا تذمر لينيروا للشعب طريق الحياة القومية المعززة.
أيها الشـعب السوري الذي انخدع بشعوذة دجالي السياسة «الوطنية» استفق! إفتح عينيك وابصر قبل فوات الأوان! إنفض يدك من «الزعماء» الدجالين الذين خدعوك وقادوك إلى الخراب والذل!


لا تسر وراء هذه الآلهة الدموية الأثيمة التي قضت عشرين سنة تنهش لحمك وتمتص دمك وتبذّر أتعابك. اقتلعها عن القواعد التي نصبت عليها واطرحها في البحر!
حوّل وجهك عن الأصنام واتجه نحو أبطالك القوميين فإنهم هم الرجال الذين يصونون شرفك وكرامتك ويبذلون حياتهم في سبيل فلاحك ولا يتخلون عنك في زمن الشدة ولا يتركونك لرحمة الأعداء!


وأنتم أيها الأبطال الذين تسيرون إلى تجربة جديدة، أيتها النفوس المتسامية «فوق آماد المنون» إنكم تبنون بآلامكم عظمة أمتكم. وإننا ندرك عظمتكم الحقيقية المتجلية وراء آلامكم الصامتة وشدة التجارب التي تتعرضون لها من أجل حياة أمتكم.


إننا نشعر في أعماق نفوسنا بهذا الفخر الذي تجلبونه لسلالتنا، ونقدّر التضحية العظيمة التي تقدّمون لأتونها أرواحكم الخالدة.
إنّ شعبنا قد قصَّر في فهم ما انطوت عليه نفوسكم وما انعقدت عليه عزائمكم. إننا كنا نجهلكم فاغفروا لنا!
إنكم تعلمون ضعفنا وتثقون بيقظتنا. وثقتكم ستنتقل إلينا وتفعل فينا. وحينئذٍ سيدركنا الوعي ونعلم من أنتم. ولئن كنتم أحياء أو أمواتاً فالطريق الذي شققتموه لنا بأرواحكم وأجسادكم هو الطريق الذي سنمشي عليه.


نشكر لكم من صميم قلوبنا هذه الرحمة العظيمة التي كلفكم جلبها لنا كل شيء. إنّ تضحيتكم لا حدَّ لها.
إنكم قد أنقذتمونا بجهادكم المملوء بطولة وفخاراً من عار الجهاد الزائف. إنكم قد أنقذتم مناقبنا وأخلاقنا.
إنكم قد رفعتم رؤوسنا بعد أن حناها زعماء الجهاد الزائف والبطولة الذليلة. فلكم شكرنا وتقديرنا.

(1) كلمة غير واضحة في الأصل.

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro